مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 04/11/2005

الحديث عن المرأة وقانون الأحوال الشخصية

الحديث عن المرأة وقانون الأحوال الشخصية


هل هو ضرورة أم إثارة لفتنة داخلية؟


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 04/11/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد، فيا عباد الله‏:‏


مما لا ريب فيه أن أمضى سلاح يُتَّخَذ لمواجهة أي عدوان مستشرٍ إنما هو وحدة الأمة، وإذا غاب هذا السلاح فلا قيمة لأي سلاح بعد ذلك. ومن هنا أهاب البيان الإلهي بالمسلمين أن يتفقوا وأن يجعلوا من اعتصامهم بحبل الله عز وجل سبيلاً للوحدة والاتفاق، قال لهم: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل ‌عمران: 103] وقال لهم: ﴿وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] وكرر الأمر بالاتحاد والاعتصام بحبل الله، وكرر التحذير من التنازع والاختلاف.


ومن هنا أيها الإخوة ينبغي أن نعلم أن العدوان الذي يتجه إلى الأمة الإسلامية إنما يعتمد على وسيلتين اثنتين: الوسيلة الأولى تتمثل في الكيد الخارجي، والوسيلة الثانية تتمثل في استثارة أسباب الشقاق والخصومة في الداخل. وما أعلم أن عدواً من أعداء هذه الأمة خطط للإيقاع بها والكيد لها إلا واستعمل هاتين الوسيلتين؛ كيد يُرسم ضدها في الخارج، ووسيلة أخرى من أعمال التفرقة وإثارة أسباب الشقاق والخصام يتم في الداخل، وهذا ما يجري اليوم أيها الإخوة.


أما الكيد الخارجي فلا داعي للحديث عنه، ولا لتأكيده أو شرحه، فكلكم يعلمه، والكل يدرك العوامل الخفية من ورائه. وقد بات معروفاً أن الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي قد ضاق ذرعاً بالإسلام، وهيمنت مخافة الإسلام على مشاعر الغربيين القادة، ومن ثم فقد وضعوا الخطط الرامية إلى القضاء عليه بالطرق والوسائل المختلفة. والحديث عنه مكرور، وكلكم يعلم العوامل والأسباب الخفية الكامنة والنتائج التي تنفذ اليوم على الساحة.


أما الوسيلة الثانية؛ وهي الوسيلة الداخلية التي دائماً تصاحب الكيد الخارجي، تلك الوسيلة التي ينهض بها أقزام من العملاء الذين ينفذون الأوامر طبق ما تتجه إليهم وطبق ما يكلَّفون به. أما هذه الوسيلة الثانية فتتمثل في هذا الكلام المكرور المُعاد الذي ملّ العقل وملّ المنطق وملّ الذوق الإنساني فضلاً عن الإسلامي من تكرار الحديث عنه والخوض فيه؛ إنه الرجوع إلى اللحن القديم المهترئ؛ الرجوع إلى موضوع الأحوال الشخصية، الرجوع إلى المرأة وموقف الإسلام من المرأة، الرجوع إلى الأسرة.


وما من عاقل أيها الإخوة إلا ويعلم أن قانون الأحوال الشخصية في هذا القطر الإسلامي العتيد جُمِّع جُمِّعَت أحكامه من مختلف المذاهب الفقهية على أساس الحاجة لمقتضيات هذه الأمة في هذه البلدة، على أساس ما هو أكثر انسجاماً مع مصالحها ومع ما يناسبها من كل الجوانب. وقد تم الإجماع على أن هذا القانون ليس فيه أي ثغرة، ليس فيه أي نقص، ما من ذي حقٍ إلا وينال من وراء هذا القانون حقه. الكل يعلم هذه الحقيقة.


وأما الحديث عن المرأة؛ هذا الحديث المكرور المعاد، فلقد علمتم أيها الإخوة أن المرأة تنال بل وقد نالت حقوقها كاملة غير منقوصة. وليت أن المرأة في الغرب نالت نصف هذه الحقوق. المرأة في سورية تتبوأ مركز الوزارة، المرأة في سورية تشترك مع الرجل عضواً في مجلس الشعب، المرأة في سورية أصبحت نقابية، المرأة في سورية أصبحت تتبوأ مركز القضاء، المرأة في سورية تشترك مع الرجل في سائر الوظائف.


ما الذي يُحْوِج إلى أن نثير زوبعة نتطلع من ورائها إلى شقاق ونتطلع من وراء الشقاق إلى فُرقة وخصام؛ من وراء حديث لا ينطوي على موضوع، من وراء الحديث إلا عن قانون الأحوال الشخصية وإن عن حقوق المرأة، وإن عن حقوق الأسرة.


ولكن ها أنتم ترون أن هنالك زوبعة تُسْتثار بتكلُّفٍ ممجوج في داخل هذه الأمة وقد وُقِّت لهذه الزوبعة أن تتناغم وتنسجم تماماً مع الكيد الخارجي الذي تعلمونه ويعلمه كل واحد منكم. ألا تستمعون إلى الحديث الذي يهتاج عن ضرورة الرجوع إلى تغيير وتبديل وتمحيص قانون الأحوال الشخصية؟! ألا تستمعون إلى من يتباكى على المرأة وحقوقها؟! ألا تستمعون إلى من يثير عاصفة هوجاء عن الأسرة مصطنعاً الغيرة عليها وهو أكذب الكاذبين فيما يزعم؟! فيمَ أُقِّت الحديث عن ذلك كله وانتظر أبطاله إلى أن يبدأ ذلك الكيد الخارجي لتقوم هذه العاصفة منسجمة معها في توقيت واحد؟ ما من عاقل يعلم ويدرك إلا وهو مستيقن أن هؤلاء الذين يثيرون هذه الزوبعة لا يبحثون عن مشكلات ليحُلٌّوها، وإنما يبحثون عن وسائل لاستثارة مشكلات يختلقونها، يبحثون عن وسائل لاستثارة مشكلات يبحثون من ورائها عن فتن مُدْلهمة تعصف بوحدة هذه الأمة الداخلية، تعصف بسلاحها الأمضى والأول ألا وهو سلاح الاعتصام بحبل الله عز وجل، ألا وهو الوصية الغالية التي أوصانا بها مولانا وخالقنا عندما قال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل ‌عمران: 103] ﴿وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].


هذه الظاهرة أيها الإخوة ينبغي لكل عاقل مسلماً كان أو غير مسلم أن يتبيّنها؛ ذلك لأن كل عاقل لابد أن تأخذه الغيرة على مصلحة هذه الأمة. ومصلحةُ هذه الأمة منوطة بحصنٍ واحد، إن غاب هذا الحصن لم تُفِد القوى كلها؛ ألا وهو حصن الوحدة، حصن الوِئام، حصن الاعتصام بالحبل الذي شرفنا الله عز وجل به ألا وهو حبل هذا الدين. فإياكم وأن تُخْدَعوا بهذه العمالة القذرة التي تهتاج فيما بيننا إن عن طريق المواقع الإنترنيتية، وإن في الندوات التي تقام في ردهات وأبهاء الفنادق أو الأندية المختلفة هنا وهناك. ينبغي أن نتمتع من الوعي بما يجعلنا نبصق على هذا العمل الذي تُسْتَثار من ورائه عاصفة يُراد من ورائها القضاء على وحدة هذه الأمة وعلى اجتماع كلمتها.


ودِدْتُ لو كان هؤلاء غيارى فعلاً على المرأة وحقوقها، وددت لو أنهم سلطوا المناظير على مصير المرأة في الغرب، إذن لاستطعت أن أشَمّ رائحة الإخلاص من كلامهم، هل أنا بحاجة أيها الإخوة، وكلكم فيما أعلم يتمتع بقدر من الثقافة تجعلكم تدركون واقع المرأة الغربية المزري في الغرب؟ المرأة التي تُضْرَب في كل دقيقة، عدد من النساء، مقال نشرته كاتبة أمريكية بعنوان: فلندع أصواتنا تُرفع. في كل دقيقة ست من النساء يُضْربن إلى درجة التحطيم أو القتل من قِبَل زوج أو خليل. الملاجئ التي أقيمت في كل بلدة في أمريكا أصبحت توازن البلدان المستقلة برأسها والبيوتات القائمة والمستقلة برأسها، ملاجئ لا لاستقبال المعوقين والشيوخ من الرجال والنساء، لا، بل لاستقبال النساء الهاربات من ضرب الأزواج والخُلان. المرأة في الغرب كلكم يعلم أنها إذا وصلت إلى مدارج الشيخوخة نَدَّ عنها الخيل وتركها الزوج، لا يُطَلِّق لكن يهجر ويترك، وابتعد عنها الأقارب والأولاد والأرحام، وتنظر يميناً وشمالاً وإذا بها تعلم أن لا ملاذ لها إلا اللجوء إلى الملاجئ الخاصة بها وبأمثالها. وقد رأيت هذه الملاجئ قد حُشي بها هؤلاء النسوة اللائي وصلن أو دخلن في مدارج الشيخوخة، كل واحد منهن تنظر ساعة خروجها إلى العالم الآخر كالمسافرين الذين ينتظرون في قاعة المطار ينتظر كل الساعة التي يطير فيها إلى البلدة التي سيسافر إليها.


هذا هو حال المرأة أكثر النساء الغربيات في الغرب الأمريكي أولاً والأوربي ثانياً. في حين أن المرأة عندنا كلما تقدم بها السن ازدادت هالة القداسة من حولها تكاملاً، كلما تقدم السن بالمرأة عندنا - المرأة المسلمة في الأسرة العربية الإسلامية - الأقارب والأرحام احتراماً لها. لا يُقطع دونها بأمر، سيدة البيت.


تُرى ما الذي يجعل هؤلاء الذين لم يَطِب لهم أن يثيروا هذه العاصفة في هذه البلدة التي يُكاد لها من كل الجوانب، لماذا لم يطب لهم أن يثيروا هذه العاصفة الكاذبة الظالمة الهوجاء إلا في هذا الوقت؟ لماذا ينظرون إلى المسألة بمثل ما ينظر به صاحب العين الحولاء بل العوراء لماذا؟ لماذا لا يتبصر هؤلاء الناس المرأة المظلومة المنكوبة في جسدها، والمنكوبة في حقها كعامل، والمنكوبة في قيمتها كإنسانة، كما قد قلت لكم، لماذا لا تبصرهم أعينهم العوراء بحال المرأة هناك وينظرون بالعين الأخرى كذباً وافتراءً إلى النعمة التي أغدقها الله عز وجل علينا؟


أيها الإخوة‍ هذه الأمة في هذه البلدة من فضل الله عز وجل عليها أن أهلها رجالاً ونساءاً يتمتعون بوعي فريد من نوعه، ربما لا يتمتع بمثله كثير من الناس في البلاد الأخرى. أُهيب بهذا الوعي أن يُخْدَع بهؤلاء الخونة، هؤلاء الأقزام، هؤلاء الذين هم عبيد لهؤلاء الكائدين الذين يريدون اجتثاث الحضارة الإسلامية من جذورها. إياكم وإياهم، إياكم أن تُخْدعوا بأقوالهم. اعرفوا أن هؤلاء هم غرباء عن هذه الأمة. اِعرفوا أن هؤلاء الناس هم غرباء عن حضارتها، غرباء عن قيمها، يريدون أن يكيدوا لها من الداخل في الوقت الذي يُكاد لها من الخارج، وأنا لا أقول هذا الكلام من منطق دفاع ولا منطلق عكس ذلك ولكنني أركّز على شيء ما ينبغي أن نتيه عنه؛ ألا وهو أن هنالك كيداً يراد من روائه القضاء على قيم هذه الأمة بدءاً من هذه البلدة ذات الأهمية الكبرى والمزايا القصوى، يعتمد هذا الكيد على وسيلتين اثنتين: وسيلة خارجية أنتم ترونها وتعرفونها، ووسيلة داخلية تتمثل في هذه الزوبعة القذرة الكاذبة التي يُبْتغى من ورائها القضاء على البقية الباقية لوحدة الأمة.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرم أمتنا على كل المستويات بوعي سديد، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في هذا المنعطف الخطير الذي يمر بنا أو نمر به أكثر تمسكاً بالحبل الذي أمرنا الله عز وجل أن نعتصم به ألا وهو حبل هذا الدين، حبل هذا الدين اعتقاداً وسلوكاً، ولو أن الله عز وجل لم يضع بين أيدينا هذا الحبل ولم يشرفنا به لكانت الدعوة إلى الوحدة دعوة لا تلقى استجابة.


علامَ نتحد؟ الدائرة لا يمكن أن تتكامل إلا على إلا حول محورِ، ضعِ المحور تتكامل الدائرة. إذا لم يوجد محور لا يمكن أن تستدير الدائرة. محور وحدة هذه الأمة حبل الله، فكل من كان غيوراً على وحدة هذه الأمة، سَمّها وحدة وطنية إن شئت، سمّها وحدة قومية إن شئت. لا يمكن لهذه الوحدة أن تتجمع وأن تتم وأن تترسخ إلا إذا تلاقت على محور، والمحور هو حبل الله.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم.


تحميل



تشغيل

صوتي