مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 07/10/2005

مقياس الإقبال على الله هو العمل الصالح وترك الفساد

مقياس الإقبال على الله هو العمل الصالح وترك الفساد


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 07/10/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


لقد دأب الناس على أن يتبينوا مدى إقبال المسلمين إلى الله عز وجل في هذا الشهر المبارك؛ من خلال المساجد ومدى ازدحامها بالمصلين الراكعين الساجدين، في أمسيات هذا الشهر وفي الصباح منه في كل يوم.


ولا شك أن ازدحام المساجد بالمصلين مظهرٌ من مظاهر التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكنه في الحقيقة يتطلب النتائج والثمرات، فالعبادات على تنوعها إنما شرعها الله سبحانه وتعالى ليرقى بها المجتمع من مستوى الفساد إلى مستوى الصلاح، ألا تلاحظون كم يكرر البيان الإلهي الأمر الذي يوجه إلى عباده بالعمل الصالح، ﴿يا أَيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً﴾ [المؤمنون: 23/51] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾ [الكهف: 18/107].


والصلاح والعمل الصالح إنما هو ذلك النسيج الذي يرقى بالمجتمع إلى مستوى صلاح الأفراد وصلاح العلاقات الاجتماعية كلها، بدءاً من علاقة القادة بشعوبهم، ونهايةً بالتعاون الصادق المخلص الذي ينبغي أن يسري بين قطاعات الناس وفئاتهم، مع مراقبة الله سبحانه وتعالى.


فلئن كان الناس يتخذون من ازدحام المساجد بالمصلين في هذا الشهر المبارك دليلاً على صدق إقبالهم على الله عز وجل، فأنا أتخذ من المجتمع ومدى سموه وترفعه إلى مستوى الصلاح وتخلصه من شوائب الفساد أرى أن هذا هو المقياس، هذا المقياس هو الثمرة الوحيدة للعبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى.


إنني أتساءل مع مقدم هذا الشهر المبارك ومع سلطانه الذي ينبغي أن يهيمن على النفوس والقلوب.


هل اختفت الرشوة من المجتمعات الإسلامية؟ هذه الرشوة التي تتمثل في علاقة الراشي بالمرتشي، والتي شلّت فاعلية القوانين كلها، وفاعلية الشرائع، إن كانت هذه الرشوة قد اختفت أو تقلصت فمعنى ذلك أن لهذا الشهر المبارك سلطاناً حقيقياً على النفوس.


هل اختفى الغش في المعاملة؟ وما أكثر أنواعه! وما أخطر ألوانه! بين التاجر والمستهلك، بين البائع والمشتري، إن كان قد اختفى ذلك أو تقلص فذلك دليل آخر على أن سلطان هذا الشهر مهيمن ولله الحمد على النفوس أو على كثير من النفوس؟


هل أصبحت المشافي العامة وقفاً على خدمة المرضى؟ هل يعكف الأطباء في ليالي هذا الشهر على القيام بوظائفهم التي أنيطت بهم؟ وهل يعكف الممرضون والممرضات على خدمة مرضاهم بإخلاص ومع مراقبة لهذا الشهر ولديان هذا الشهر المبارك؟ إن كانت ظاهرة الفساد قد اختفت من هذه المشافي العامة أو تقلصت فهذا دليل آخر على أن لهذا الشهر سلطاناً يهيمن على كثير من النفوس.


هل غدا المزارعون والمستنبتون يخشون الله سبحانه وتعالى مما يعكفون عليه؟ من جرائم في حق الله سبحانه وتعالى، إذ يستنبتون مزروعاتهم المختلفة بألوان من السموم التي تجمل مظاهر هذه المزروعات في الأعين؛ ولكنها تسري في باطنها بالسموم إلى الآكلين، وإنكم لتعلمون ألواناً كثيرة من هذا، حتى إن في الناس من أخذ يتوقى من أكل كثير من الفواكه والمزروعات لأن أضرارها غدت أكثر بكثير من فوائدها. إن كان هؤلاء المزراعون والفلاحون أخذوا يراقبون الله عز وجل، ويخشون من المآل مع قدوم هذا الشهر فذلك دليل آخر، على أن لهذا الشهر سلطاناً على نفوس كثير من الناس وعلى أفئدتهم.


هل أقلع أصحاب المداجن عن الجرائم التي كانوا عاكفين عليها من نفخ الدجاج بالأغذية السامة المهلكة كما تعرفون، في سبيل أن تتضاعف الأرباح وإن مات الناس من وراء ذلك، وإن انتشرت الأمراض الفتاكة في الجسوم من وراء ذلك؟ إن كان هؤلاء الناس، هذا النوع من التجار، قد استيقظوا إلى مراقبة الله لهم، وإلى العذاب الواجب الذي ينتظرهم، مع قدوم هذا الشهر فإنه لدليل على أن لهذا الشهر سلطاناً على كثير من النفوس.


في فصل الربيع من كل عام - أيها الإخوة - تمتلئ الأكياس بالشحوم، الشحوم الحيوانية، وتوجه إلى البادية من أجل أن تخلط بأول غذاء يُقدم عليه الإنسان لرعاية حياته، من أجل أن تخلط بالسمون، فإن كان هؤلاء تجار البادية أقلعوا عن هذه الجريمة التي يرتكبونها في كل عام على مرأى الأعين وآبوا إلى الله، وعلموا أنهم إنما يتاجرون بإهلاك الناس بهذه الأغذية المهلكة، ورجعوا تائبين آيبين إلى الله مع مقدم هذا الشهر، فإنه لدليل على أن لهذا الشهر سلطاناً على نفوس كثير من الناس.


إن كان اللذين يعكفون على أعمالهم ووظائفهم في دوائر الدولة قد بدؤوا يشعرون أنهم خدم للناس، وأنهم إنما أقيموا من أجل تسيير مصالح الناس، وراحوا يخلصون في الخدمة، وراحوا يخلصون في أداء المهمة من هذا المنطلق لاسيما مع مقدم هذا الشهر، فإن ذلك لدليل وأي دليل على أن لهذا الشهر سلطاناً على النفوس.


هذا هو الدليل أيها الإخوة.


أنا لا أقف أمام ازدحام المساجد بالمصلين والراكعين والساجدين، بل اتخذ من الدليل الذي وقف عنده بيان الله سبحانه وتعالى، لأصل من وراء ذلك إلى النتيجة، ألم يقل مولانا الواحد الأجل سبحانه تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى ما فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: 204] يعجبك قوله ولربما يعجبك فعله مصلياً، راكعاً، ساجداً، ذاكراً ولكن ليس هذا هو الدليل، ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ} [البقرة: 204] لماذا؟؟ ﴿وَإِذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} [البقرة: 205] هذا هو الدليل، صلِّ ما شئت أن تصلي واحمل السبحة صباح مساء، وحرك لسانك بكلمات التسبيح ما شئت أن تفعل؛ فإن هذا لا ينطلي على علام الغيوب، الدليل الأجل هو السلوك، هو أن تقلع عن الفساد والإفساد، وأن تكون خادماً للإنسانية التي أقامك الله سبحانه وتعالى متعاوناً في سبيل تصعيدها إلى درجة الصلاح والسعادة ﴿وَإِذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205].


مظهران من مظاهر الفساد المهلك الحرث: الزراعة ووسائل الاستنبات المهلكة، كما تعلمون أيها الإخوة.


والنسل: هذه المداجن التي تعرفون، هذه الوسائل الكثيرة التي يضيق الوقت عن ذكرها وبيانها.


هذه الأخلاقيات الفاسدة التي تهدد النسل، وتهدد ضمانة الأسرة، أجل.


عندما أنظر فأجد أن الدولة تسعى في خدمة شعبها مخلصة مضحية بكل شيء، في سبيل وئام الناس، في سبيل صلاحية أمورهم في سبيل سدّ الثغرات، التي تتفتح من جراء الفوضى الأخلاقية أو من جراء الثغرات الاقتصادية، عندما أجد أن القائمين على أمور الأمة يسعون سعيهم مع مقتبل هذا الشهر لخدمة أمتهم خدمة حقيقية دون استغلال، ودون أي تسيب، فأنا أعلم عندئذ أن مقدم هذا الشهر يحمل رحمة إلهية كبرى لعباده، وأنا أعلم يقيناً أن الله سبحانه وتعالى سيفتح باب الفرج لهذه الأمة.


نَفَحت الأمس أعداد كبيرة من الأغنام من جراء صاعقة وقعت وعلّق المعلّقون وتساءل المتساءلون وانتقد المنتقدون، ولكن أحسب أن أحداً منهم لم يتأمل في واقع تلك المناطق التي نزلت فيها الصاعقة، لم يتساءل أحد منهم عن وجه هذه الإساءة إلى صحة الناس، إلى أبدانهم، في كل عام أيها الإخوة في فصل الربيع تنتقل الشاحنات، مليئة بالأكياس المليئة بالشحوم إلى تلك المناطق، لماذا؟ لماذا؟ من أجل إدخال أسباب الفساد والهلاك في أول غذاء يتوقعه الإنسان وينتظره لصلاح جسمه، أليس هؤلاء الذين يفعلون هذا قد مسخت إنسانيتهم مسخاً؟‍! أليسوا محجوبين عن مخافة الله سبحانه وتعالى؟!، أين هو سلطان هذا الشهر عليهم؟ فلا يتعجبن متعجب من الصواعق إذ تهمي هنا وهناك.


أيها الإخوة أعود فأقول: إنني أغتبط بأن أنظر فأجد المساجد تفيض بالمصلين، لكنه اغتباط انتظار، اغتباط تفاؤل، اغتباط من ينظر إلى نبات وقد أينع، ولكننا ننتظر الثمرة، ماذا يفيدني النبات إذا أينع واستصلب وتصاعد، ثم لم تكن له أي ثمرة مفيدة؟


أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح حالنا، ويقوم اعوجاجنا، إنه خير مسؤول. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي