مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/05/2005

حقوق المرأة بين الإسلام والغرب

حقوق المرأة بين الإسلام والغرب


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 13/05/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


فإن من المبادئ البديهية التي عرفها الناس جميعاً قديماً وحديثاً: أن صلاح الأمة بصلاح مجتمعاتها، وأن صلاح المجتمع إنما هو بصلاح الأسرة؛ التي هي الخلية الأولى للمجتمع. أما إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا صلح المجتمع صلحت الأمة جمعاء، والعكس أيضاً صحيح.


أيها الإخوة! إذا فسرت الأسرة لابدَّ أن يسري الفساد منها إلى المجتمع، وإذا فسد المجتمع لابدَّ أن يسري الفساد من المجتمع إلى الأمة كلها، وإنما صلاح الأسرة انتشار المبادئ الأخلاق ما بين أفرادها، وبأن تستظل الأسرة بنظام في داخله، فإذا شاع بين أفرادها التمسك بالأخلاق والقيم، وإذا استظلت بظل النظام، وابتعدت عن الفوضى، ذلك هو ضمانة صلاحها. وإنما تستقي المبادئ والقيم والأخلاق من دين الله سبحانه وتعالى الذي خاطب الله سبحانه وتعالى به عباده، وإنما يتحقق النظام من تعليمات الإسلام المتمثلة في وحي الله سبحانه وتعالى وهدى رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


النظام الإسلامي إذ يقول: ﴿إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم)). ثلاثة في ركب، في سفر، لابدَّ لكي يبتعدوا عن الفوضى في سيرهم عن أن يأمروا عليهم أميراً، والأسرة خليةٌ من أخطر خلايا المجتمع، لابدَّ أن يكون فيها أمير، وإلا سادت الفوضى وغاب النظام، وليس معنى تنصيب الأمير أنه خير أفراد هذه الأسرة، أو خير هذا الركب المسافر، وإنما هو عمل تنظيمي مجرد، لابدَّ لكي تبتعد الأسرة من عوامل الفساد المتسربه إليها من أن تشيع من بين أفرادها الأخلاق الإنسانية السامية، ولابدَّ من أن تستظل بظل النظام الذي يبعدها عن الفوضى.


ومن هنا كانت القوامة في الأسرة، والقوامة عبارة عن إدارة لمنزل، وليس عبارة عن مظهر لفوقيةٍ يتمتع بها صاحب هذه القوامة كما هو معروف في شريعتنا الإسلامية الغراء.


هذه حقائق مكررة معروفة للقاصي والداني، بدهية المأخذ، عرفها الناس قديماً وحديثاً. ولكنا نضطر إلى تكرير ما هو بدهي ومعروف للعامة والخاصة؛ بسبب أن هنالك أنواعاً من الضغط يُمارس على بلدنا الإسلامي هذا، أنواع من الضغوط تنقسم إلى قسمين اثنين: إحداهما آتٍ من الخارج، والثاني ينبع فيما بيننا من الداخلز وكلاهما يخطط له في الخارج.


من أخطر أنواع هذا الضغط الذي يمارس على بلدتنا الإسلامية؛ العمل على تفكيك الأسرة، ثم العمل على تحطيمها، ذلك لأن المخططين عرفوا أن هذا البلد، شامَنا المقدسة، تمتاز عن سائر البلاد العربية الأخرى بمزايا متعها الله عز وجل بها. جُلُّ هذه المزايا تنبع من الأسرة وتماسكها، والبقية الباقية من الخلق الذي يسير ويسعى بين أفرادها، ومن النظام المهيمن عليها، وقد قلنا: إن الأسرة طالما كانت صالحة فالمجتمع لابدَّ أن يظل صالحاً. والمطلوب أن يفسد المجتمع، ولكي يفسد المجتمع لابدَّ أن تفسد الأسرة.


ومن ثَمَّ يمارس نوع خطير من الضغط على بلدكم الإسلامي العريق، هذا الضغط الذي يتجلى بعنوان ربما يخدع كثيراً من الرجال والنساء: (إلغاء كل أنواع التمييز بين الرجل والمرأة) هذه هي الصورة، وهذا هو الإعلان. أما المضمون فهو عبارة عن قنبلة موقوتة أريد منها أن تنسف الأسرة في ميعاد معين، وبتوقيت محدد. هذه هي الحقيقة، ولدينا من الوثائق ما يكشف هذه الخلفية التي أقولها لكم، وعندما يحين الوقت المناسب تتجلى هذه الوثائق.


(إلغاء أنواع التمييز بين الرجل والمرأة) حمايةً لها من الظلم، حمايةً لها من هدر الحقوق.


من الذي يقول هذا الكلام؟ الغرب الأمريكي الذي ما رأينا المرأة تظلم في صقع من الأصقاع كما تظلم هناك. الغرب الأمريكي يفيض بالملاجئ التي تفر إليها المرأة من ظلم الزوج، وفي أكثر الأحيان من ظلم الخليل والصديق، ملاجئ تتكاثر كل يوم، ليس لدينا شيء من هذه الملاجئ، وما شعرت مجتمعاتنا العربية والإسلامية - لاسيما بلدتنا هذه - بأن المرأة بحاجة إلى ملجأ تفر إليه من ظلم الزوج أو ظلم صديق أو خليل بشكل من الأشكال.


في الغرب الأمريكي إذا تجاوزت المرأة سن الصبا، وفقدت رأس مالها الاجتماعي، فقدت رأس مالها الاجتماعي، وكلكم يعلم ما هو رأس مالها الاجتماعي، نبذها الأقربون والأبعدون، وأصبحت ميتمة في ذلكم المجتمع. ليذهب أي منكم إلى الغرب الأمريكي أولاً، ثم الأوربي ثانياً، وليبحث عن العجائز هناك. هل هن يتمتعن بحقوقهن الإنسانية؟ كم واحدة من الآلاف تتمتع بحقوقها الإنسانية؟ عجوز ميتمة، وما عهدنا اليتم إلا للأطفال، ولكنّ في أمريكا يتماً من نوع معين هو يتم العجائز من النساء. ملاجئ أخرى خاصة بهذه العجائز، لماذا نبذها الزوج ونبذها الخليل؟ لم تعد حاجة له بها. ونبذها الأقارب، ونبذها الابن، نبذتها البنت، ولم يعد لها - وهي ترنو رويداً رويداً - من تستأنس به، من تعطف عليه بشكل من الأشكال. من الذي يعطف عليها؟ لملجأ، قاعة انتظار، رأيت هذه الملاجئ، قاعة انتظار تعيش حياتها الطبيعية، ويقدم لها ما لذّ وطاب من المآكل والمشارب ونحو ذلك، ولكنها تعلم أنها تقيم في قاعة انتظار، تنتظر دورها لترحل عن الدنيا.


نحن لا يوجد لدينا هذا الذي يسمى بالملاجئ للعجائز الميتمات، نحن المرأة كلما تقدم بها السن كلما ازدادت هالة القداسة حولها، عندما تتقدم بها السن تصبح هي الآمرة في المنزل، لا يقطع دونها بأمر سيدة البيت، هذه حقيقة يعرفها القاصي والداني.


الغرب يعلمنا كيف نحفظ للمرأة حقوقها، ليذهب الغرب الأمريكي وليكفر عن جرائمه التي لا حصر لها في حق المرأة، ليس المقياس أن تنتظر إلى إمرأة هي في ريعان الصبا يلهث وراءها الغادي والرائح، يسيل لعاب الرجال على مطامعهم منها، هذا ليس دليلاً على أن المرأة هناك مكرمة معززة، وليس هذا دليلاً على أن المرأة هنالك تنال حقوقها. هؤلاء الرجال إنما يلهثون وراء حقوقهم، إنما يلهثون وراء رغائبهم الغريزية المختلفة، انحناءات الرجل للمرأة هي في ريعان الصبا إنما هي غش من أحط أنواع الغش، من أجل أن ينال منها رغبته، من أجل أن ينال منها حقه الغريزي.


فإذا تجاوزت هذه المرحلة، ودخلت في مدارج الشيخوخة، لابدَّ أن يهجرها القاصي والداني. إلا إذا كانت لها خطوة سياسية، كان لها مستوى سياسي لسبب ما لعارض ما. هذا شيء آخر، ومثل هؤلاء النساء يعدهنّ بالأصابع.


أو أن تكون هذه المرأة ذات ثروة باهظة كبيرة، فهي تتقلب في ثروتها إلى أن ترحل عن هذه الدنيا، ومع ذلك فليست الرثوة هي الغاية التي تبحث عنها المرأة هناك.


أقول هذا لكم أيها الإخوة لكي انتهي عن هذا الذي ألفت نظركم إليه إلى شيء يجب على الأمة أن تكون بصيرة بما يراد منها: يجب على أمتنا في بلدتنا الإسلامية هذه، شامنا المقدسة، يجب أن يكونوا ذوي بصيرة ثاقبة، وينبغي أن تكون ثقافتهم تتبصر بما يراد لهم، عندما يكون أفراد هذا الشعب - ولا أقول المسؤولين - عندما يكونون متبصرين بهذا الذي يراد لهم، فإن الله يجعل من ذلك شبكة رقابة، ويجعل من ذلك حصناً يقي هذه الأمة ضد الخطط الرامية إليها. لا يكفي وقوف المسؤولين، بل لابدًَّ من أن يتبين الناس في بيوتهم في أسواقهم في نواديهم في دوائرهم في مجتمعاتهم، لابدَّ أن يتبينوا هذه الخطط التي تحاك ضدهم، والتي إن طبقت نسفت الوجود الإسلامي من جذوره.


هذا شيء والشيء الثاني: هو أن على كل منكم أن يعلم أنه مسؤول في أسرته، ومسؤول في دائرته، ومسؤول في معمله، ومسؤول في حقله، ينبغي أن يبث كلمة الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ينبغي أن تكون مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكراً بين عود من الأفراد، ينبغي أن تكون محصورة فيما يسمون زيفاً برجال الدين، الأسرة - أيها الإخوة - هي منطلق الشرائع التي شرعها الله في سورة النساء، هي منطلق كل الشرائع التي شرعها الله عز وجل في سورة النساء، وانظروا كيف افتتح البيان الإلهي هذه السورة تركيزاً على الأسرة وأهميتها: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1] هذه الآية خطاب من الله لرسول الله، لأصحاب رسول الله، الذين جاؤوا من بعد إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة.


خطاب من الله للقادة في بلدنا، خطاب من الله سبحانه وتعالى لأولي الأمر من المسلمين في سائر البلاد الإسلامية ﴿يا أَيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي