مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 11/03/2005

تعرف على بذور الفتنة

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله ..

لا شك أن احتلال العدو المشترك لأرضٍ إسلامية من أكبر المصائب التي تحيق بالمسلمين، ولكن هذه المصيبة لا يمكن أن تتسرب إلى أرض من بلاد الإسلام إلا من خلال بوابةٍ واحدة لا ثاني لها، هذه البوابة هي الفتنة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن خلال هذه البوابة يتسرب العدو إلى أرض المسلمين ويبسط يده عليهم ويغتصب حقوقهم.

وما هو المعنى الملخص للفتنة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ضافياً؟

هي تتلخص في عدوان المسلمين بعضهم على بعض، كلُّ ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتن وأنواعها يتلخص في هذا الشيء: عدوان المسلمين بعضهم على بعض. وأحاديث الفتنة كثيرة جداً وكلها يدور على هذا المعنى، تأملوا مثلاً في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه الترمذي وابن ماجة بسندٍ صحيح من حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لا تقوم الساعة حتى تقتلوا أئمتكم وتعتلجوا بسيوفكم -أي تتقاتلوا أنتم المسلمين بأسلحتكم- ويرث دنياكم شراركم[.

انظروا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه الترمذي وأبو داود بسندٍ صحيح من حديث حذيفة بن اليمان بيت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: )أما والذي نفسي بيده ستكون فتنٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم والقائم فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خيرٌ من الساعي[ قال حذيفة: أرأيت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دخل داري وشهر السيف علي وبسط يده ليقتلني؟ قال: )كن كخيري ابني آدم[ أي كن كما قال خير ابني آدم للآخر )لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ[.

وسائر أحاديث الفتن تدور على هذا المحور أيها الإخوة، إنها تتمثل في عدوان المسلمين بعضهم على بعض بذرائع مختلفة يبررها الشيطان ويحذر منها الرحمن سبحانه وتعالى.

وإني لأذكر ولعلكم جميعاً تذكرون يوم كانت تُنثر بذور هذه الفتنة التي نشهد ثمارها اليوم، يوم كانت تُنثر بذورها متمثلة في كتب تُوزع مجاناً في مشارق الأرض ومغاربها، تنطوي على تكفير المسلمين، على تبديع المسلمين، على تحليل دماء المسلمين، وكنا نقول أيها الناس إنها بذورٌ لفتن، وإن هذه البذور إذا استنبتت لن تنبت إلا الحناظل وإنها ستتفجر بالفتن التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولكن لم يكن الذين ينثرون وينشرون هذه البذور لم يكونوا يسمعون ولم يكونوا يسيغون سمعاً لهذا التحذير قط.

كانت هنالك قوى ولا شك تدعم هذا العمل، تدعم هذا النثر والنشر من أجل أن تتفتح بوابة الفتنة فيتسرب العدو من خلال هذه البوابة أيها الإخوة، وها أنتم ترون حصاد تلك البذور اليوم، القتل يستحر بمن؟ لا بالعدو المحتل وإنما يستحل كل يومٍ بعشرات من إخوانكم المسلمين المؤمنين الذين لم يقتلوا نفساً بغير نفس ولم يشركوا بالله، ولم يرتكبوا الزنا، وهذه هي الأسباب التي أباح الإسلام من أجلها قتل المسلم، لم يرتكبوا شيئاً من ذلك ومع هذا فها نحن في كل يوم نفتح أعيننا على صباح جديد من الفتن لا تتمثل في قتال العدو المحتل وإنما تتمثل كما قلت لكم في القتل الذي يستحر بمسلمين، ما المبرر أيها الإخوة؟

ارجعوا إلى بذور الفتن، البذور التي كانت تتمثل في الكتب المكفرة، إنهم أعوان سلطة إذاً فهم كفرة، إذاً ينبغي أن يُقتّلوا، أي دين قال هذا؟ أي آية من كتاب الله عز وجل نصت على هذا الحكم بإطلاقه؟ أي حديثٍ نبوي صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن هذا؟

الذي يعرفه المسلمون أن الإسلام يتضمن نقيض ذلك لا أعلم أن هنالك من كان عوناً لأعداء المسلمين مثل حاطب بن أبي بلتعة، هذا الرجل المسلم الذي أرسل كتاباً سراً إلى أهل مكة المشركين يُنبئهم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جهز جيشاً وهو يوشك أن يتجه إليهم لفتح مكة فخذوا حذركم، ومع ذلك فهل أهدر رسول الله دمه؟ هل قتله؟ جاء من يفكر في ذلك فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم وما أدراك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وما من مسلم إلا وتقرب إلى الله بعملٍ ربما يجعله له الله شفيعاً للذنب الذي ارتكبه عند الله سبحانه وتعالى. وأدل من هذا وذاك خطاب الله عز وجل الذي تنزل بهذه المناسبة تحذيراً لهذه الغلطة التي وقع فيها حاطب، ماذا قال  الله تعالى؟ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ[ خاطب الله حاطب ابن أبي بلتعة بوصفه بوصف الإيمان )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ[ 

ما هو المبرر أيها الإخوة لهذا الذي يجري اليوم متحدياً تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضاً عن أخباره المتكررة المنذرة المحذرة )والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا أئمتكم[ أي حكامكم )وتعتلجوا بسيوفكم[ أي تتقاتلوا أنتم المسلمين بأسلحتكم والسيف كناية عن السلاح الموجود في كل عصر.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا وكلنا يسمع ما يجري في كل يوم من دوران رحى القتل على مسلمين أمثالكم، وننظر إلى العدو الجاثم على الصدر ننظر إلى العدو المستحل للأرض الغاصب للحقوق وإذا هو يصفق وإذا هو لا يبيع فرحته لأحد. أأنتم مجاهدون؟! أهذا هو الجهاد الذي تزرعون بواسطته الفرحة في قلوب أعدائكم؟!

لا أيها الإخوة ما هكذا يكون الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، ومهما تاه مسلمٌ عن مبادىء دين الله، ومهما تاه مسلمٌ عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينبغي أن يغيب عن بيان الله سبحانه وتعالى المخبر والمحذر والمنذر )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (66) لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ[ هاهو ذا )أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ[ هذا هو الذي يجري اليوم، يذوق المسلمون بأس المسلمين، يعاني المسلمون من عدوان المسلمين بعضهم على بعض، أهذا هو الدين الذي بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

هنالك أحاديث أيها الإخوة بلغت كما يقول العلماء مبلغ التواتر المعنوي كلها يدعو عند الحيرة وعند احتدام الخلاف، كلها يدعو إلى الانحياز إلى الجماعة، إلى السير على النهج الذي انطوى عليه جماعة المسلمين، أحاديث كثيرة بلغت مبلغ التواتر المعنوي، )عليكم بالجماعة ومن شذ شذ في النار[, )سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة[، )من أراد أن يلزم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة[. أي جماعة؟ لا يقصد المصطفى صلى الله عليه وسلم جماعة البشر لا يقول الله سبحانه وتعالى )وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ[ ولكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يعني السواد الأعظم من المسلمين، انظر إلى السواد الأعظم من المسلمين فاتبعه، لا تشذ، لا تتخذ لنفسك منهجاً بعيداً عن الجماعة فتكون موقداً لنار الفتنة، أجل ألم تقرأوا قول الله سبحانه وتعالى )وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[.

لا تتبعوا المنعرجات الدقيقة التي تنفصل وتشذ عن السبيل العام الذي يجمع سواد الأمة، إياكم ومع ذلك فنحن ننظر لنجد أن هذه الطائفة من الناس الذين يستوقدون الفتنة كلما همدت لا يصغون إلى بيان الله قط، لا يصغون إلى تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، يرفعون لواء لجهاد ثم إنهم ينحطون في قتال المسلمين باسم الجهاد.

تلك هي البوابة التي يتسرب منها إلينا العدو ولقد حذرتكم، كلمتكم وأوضحت لكم باختصار البذور التي بُذرت بالأمس والتي نجني حصادها اليوم، بذور الأمس تلك الكتب التي كانت توزع في مشارق الأرض ومغاربها لا تحوي تعريفات للإسلام، لا تحوي جمعاً لكلمة المسلمين وإنما تحوي تكفيراً للمسلمين لأتفه الأسباب، لأبسط الأسباب ونحن نعلم ولدينا الوثائق التي تدل على أن عدواً كان وراء نشر هذه الكتب والقصد أن نجني اليوم هذه الحناصل. تدلهم الفتن وتثور هذه الفتن ويدخل العدو في غمارها ويفعل فعله وعندما تنتشر هذه الفتنة فحدث ولا حرج عن الأعداء الذين يطلقون اللحى والذين يظهرون أنفسهم بمظهر الإسلام في ثيابهم وفي كلماتهم وهم كفرة صهاينة أو من على شاكلتهم ليثيروا مزيداً من هذه الفتنة وليزيدوا من نيرانها كلما كادت أن تخمد، ونحن نعلم كثيراً من هؤلاء الذين تركوا أعمالهم وهم يهود تركوا أعمالهم وتركوا وظائفهم ليطلقوا اللحى وليجندوا أنفسهم بين هؤلاء الذين يفعلون ما حذر منه رسول الله. ولا يبالون إطلاقاً.

من ذا الذي يُقر أن تفتح عينيك كل يوم وتصغي السمع وإذا بك تسمع أن عشرات من الإخوة من المسلمين من أمثالك قُتّلوا بدون موجب؟ أأنتم شجعان؟ أأنتم أبطال؟ لو كنتم كما تزعمون لاتجهتم إلى العدو الذي يصفق لأعمالكم والذي تفيض نفسه فرحاً لفتنتكم الدهماء هذه. أقول قولي هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكلأ أمتنا من العدوان الذي يستشري في الداخل والعدو الذي يسري إلينا من الخارج. ني تعبت وبذلت الجهد في هاهايييييس

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي