مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/01/2005

فرعون

فرعون


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 21/01/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


أما بعد فيا عباد الله أعلن بالأمس فرعون جديد من فراعنة العالم أنه سيمتع شعبه بالحرية ولكن ذلك يتوقف على أن يفرض الحرية على العالم العربي والإسلامي أولاً، لون جديد من ألوان القرصنة التي لا عهد للإنسانية بها، يريد هذا الفرعون الجديد أن يفرض الحرية على العالم العربي والإسلامي وأن يحارب هذا العالم في سبيلها وأن يستلب من هذا العالم ثرواته وممتلكاته ومدخراته في سبيلها، وأن يقضي على مبادئه وقيمه، وأن يستبدل بقرآنه قرآناً آخر في سبيلها، وإذا اقتضى الأمر فلسوف يقضي على حياة أفراد هذا العالم في سبيلها، في سبيل هذه الحرية لا بد أن يغتصب هذا الذي يسيل لعابه عليه من كل ما قد ملَّك الله سبحانه وتعالى هذه الأمة من ثروات ظاهرة وباطنة، من حقوق معنوية ومادية في سبيل الحرية، ينبغي أن يضع هذا الفرعون الجديد هذا العالم العربي والإسلامي تحت إبطه وأن يصبح تابعا له وأي تابع، بل عليه، على العالم العربي والإسلامي، في سبيل الحرية أن يصبح رقيقاً ذليلاً لليهودية المتنصرة، والأمر العجيب الذي لا بد له أن يذهل العالم عامةً والعالم العربي والإسلامي خاصةً، أن يتحدث هذا الفرعون الطاغية عن الحرية وأن يزعم أنه التاجر الأوحد اليوم الذي سيفرض على العالم حقائقها المزيفة، هذا هو الشيء العجيب والأعجب أن يتخذ من كلمة الحرية السلاح الجديد الذي آل على نفسه ومعه بطانته أن يقضي على العالم كله في سبيلها، من هم إذن الذين سيتمتعون بالحرية؟ الحقيقة علمها عند هؤلاء القراصنة الجدد الذين يخرجون على العالم اليوم، العالم العربي والإسلامي الذي يتبوأ اليوم نعيم الحرية من خلال عبوديته لله عز وجل، يأتي من يريد أن يفرض عليه حرية، أقولها أيها الإخوة باسم العالم العربي والإسلامي أجمع، وليت أن الذي قالها قادة العالم العربي والإسلامي اليوم، ولكني أملك أن أقولها إن لم يكن ذلك باسم القادة فإنني أملك أن أقولها باسم شعوب العالم العربي والإسلامي أجمع، نحن أمة وصلنا إلى الحرية الحقيقية عندما دخلنا بوابة العبودية لله سبحانه وتعالى، نحن بايعنا الله عز وجل وحده لا شريك له على أن تكون عباداً له تدين جباهنا بالعبودية له وحده ونعلن الدينونة الكاملة لسلطانه وحده ونخضع لحكمه وحده عندما دخلنا باب العبودية هذه لله سبحانه وتعالى وعاهدنا الله عز وجل على ذلك، امتلكنا الحرية الحقيقية عرفنا أنه لا يمكن أن يستذلنا عبد مهما ارتدى كسوة الطغاة، عرفنا أنه لا يمكن أن يستذلنا طاغية من الطغاة أو فرعون من الفراعنة مهما لوح لنا بأسلحة التهديد والوعيد، ذلك لأنا دخلنا في باب العبودية لمن يقوم السماوات والأرض لمن يملك نواصي المكونات كلها لمن سيعود إليه الطغاة والفراعنة جميعاً إليه يوم القيامة وهم عبيد أذلاء ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ والأَرْضِ إلاَّ آتِ الرَّحْمن عَبْداً، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً﴾ لما دخلنا في باب العبودية لهذا الإله الواحد الأحد مالك الكون كله قيوم السماوات والأرض دخلنا في حصن الحرية الحقيقية، من ذا الذي يستطيع أن ينتقص حريتنا بتهديد أو إذلال ونحن عبيد لمولانا الأجل الأعز؟ من ذا الذي يستطيع أن يهددنا بسلاح الرعونة أو بفنون الظلم على اختلافها وقد دخلنا تحت سلطان مولانا الواحد الأحد مالك الكون كله من بيده نواصي الخلائق أجمع؟ من هو هذا الذي يريد أن يعلمنا الحرية، يريد أن يعلمنا الحرية ويتقاضى على ذلك أجراً، وأي أجر إذا علمتم الأجر أنه اغتصاب الحقوق واغتصاب الممتلكات، اغتصاب الثروات الباطنة والظاهرة، تمزيق المبادئ والقيم، القضاء على القرآن، تلك هي الوسيلة بل هو الأجر الذي سيتقاضاه في سبيل أن يمتعنا بحريته، بحريته التي صاغتها لنا النصرانية المتهودة، أجل أيها الإخوة الحرية الحقيقية أيها الإخوة من أي أرض يمكن استنباتها، الحرية الحقيقة لا يمكن استنباتها إلا من طريق العبودية لله عز وجل، من اصطبغ بذلِّ العبودية لله الواحد الأحد، هيهات هيهات للكون كله أن يستذلّه، أنا عبد لمولاي مولاي ربّ العالمين مولاي هو الواحد الأحد، هذا النسب الذي أعتز به سيجعلني أركل بقدمي كل من يريد أن يستذلني ويجعلني عبداً له، شرفت وأصبحت عبداً لله أبعد ذلك أرضى أن أهون ثم أهون ثم أهون فأصبح عبداً لغير الله عز وجل، أن أصبح عبداً لمن هو عبد ذليل لله سبحانه وتعالى، نحن ربينا في ظلال قول الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إَلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوا فَقُولُوا اشْهَدُوا بأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ وها نحن نقولها على الملأ اشهدوا بأنا مسلمون خاضعون لعبودية واحدة لواحد لا ثاني له ومن ثَم فنحن نتمتع بحصن حصين من الحرية الحقيقية التي لا يمكن أن ينال منها أحد أي منال، إنها الحرية التي رُبِّي فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنها الحرية التي نشرها ونثرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حقيقة حية في شرق العالم وغربه، إنها الحرية التي خلدها عمر رضي الله عنه إذ قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" إنها الحرية التي اعتفت سحرة فرعون من ذلك المهانة والتبعية لفرعون، تلك هي الحرية انظروا إلى الفارق الكبير أيها الإخوة بين دافع سحرة فرعون قبل أن يدخلوا في باب العبودية لله عز وجل يوم جاؤوا أذلاء صاغرين وقد أمروا بأن يبارزوا سيدنا موسى نبي الله وكليمه بمسابقة سحرية فيمَ زعم فرعون في ذلك العصر، قال السحرة أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ قال: نعم وإنكم لمن المقربين، وبدؤوا أعمالهم السحرية وهم يقولون بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، مهانة ما بعدها مهانة، هم الذين يتصرفون ويرون أشباح ذليلة ضئيلة لعزة فرعون حتى إذا دخل الإيمان في طوايا أفئدتهم واستيقظوا إلى الحقيقة الناصعة التي هيمنت على عقولهم وعرفوا أن ربَّهم الواحد الأحد هو الله وليس ربَّهم الحقيقي هذا الفرعون الطاغية، لما علموا ذلك تحرروا من ذلّ العبودية الزائفة الرعناء، تحرروا من تلك المهانة، ألقي السحرة سجّداً قالوا آمنّا بربِّ هارون وموسى، فماذا قال الطاغية ﴿آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيكُم وأَرْجُلكُمْ مِنْ خِلافٍ ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ ولَتَعْلَمُنَّ أيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وأَبْقَى﴾ ماذا كانت تفعل بهم هذه التهديدات لو أنهم طرقت أسماعهم، إذ كانوا غائبين عن الحقيقة قبل أن يدخلوا ساحة العبودية لله عز وجل؟ ماذا كان مصيرهم لو أنهم سمعوا هذا التهديد الشديد وهم يعلمون ويتصورون أنهم أشباح أذلاء لطاغيتهم فرعون؟ إذن لأهلكهم ذلك الوعيد قبل أن ينفذه فرعون في حقهم، ولكن ماذا صنع بهم الإيمان بالله؟ ما هي الحقيقة التي أورثتها عبوديتهم لله عز وجل، جعلتهم يمتطون العزة القعساء، جعلتهم يتربعون على عرش الحرية الحقيقية، لا يمكن أن ينال هذا العرش منهم أي طاغية، ﴿اقْضِ ما أَنْتَ قَاضْ إِنَّما تَقْضي هذِهِ الحياةَ الدُّنْيا. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَما أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللهُ خَيْرٌ وأَبْقَى﴾ هذه الحرية نحن اليوم نتمتع بهذه الحرية التي انتشى لها سحرة فرعون بعد أن دخلوا ساحتها، نحن عبيد لله عز وجل وعبوديتنا لله عز وجل هي الأرضية التي استنبتنا فيها حريتنا الحقيقية، لا يملك أن ينتقصها من حياتنا طاغية، لا يملك أن ينتقصها من حياتنا أي مهدد بأي نوع من أنواع الأسلحة العاتية بشكل من الأشكال، نحن عبيد لله، نحن عبيد لذلك الذي أهلك مئات الآلاف في لحظة واحدة، مولانا هو هذا الإله، ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النُّورِ وّالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُماتِ﴾ وليّنا الله وحسبها عزة حسبها مكانة فليزمجر طاغية العالم اليوم ما طاب له أن يزمجر وليهدد العالم العربي والإسلامي بحريته الرعناء، وهو الذي يمثل القرصنة الجديدة في العالم، فالأمة الإسلامية والأمة العربية ماضية في طريقها المقرِّب إلى الله، الخط البياني في العالم يسير صعداً ولا يتراجع بشكل من الأشكال، وبعد فهذه كلمة جوابية أقولها وأوجهها إلى فرعون العالم الجديد، ولقد كنت أتمنى لو أن هذه الكلمة فاه بها قادة العالم العربي والإسلامي، كنت أتمنى لو أن نطق بها هم هؤلاء القادة بعد أن يعودوا وويجددوا ولاءهم لله سبحانه وتعالى، بعد أن يعودوا فيجددوا اصطباغهم بذل العبودية لله بعد أن يعودوا فيذوقوا لذة عبوديتهم لله عز وجل، كنت أتمنى أن تأتي هذه الكلمة الجوابية من قادة العالم العربي والإسلامي.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 


 


 

تحميل



تشغيل

صوتي