مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 07/01/2005

وما نرسل بالآيات إلا تخويفا

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إن الدلائل التي تنطق بأن القرآن كلام الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كثيرة ومتنوعة، ولكن لعل أجلى هذه الدلائل وأبهرها: أن ترى إنساناً أُوتي العقل والرشد يرى دلائل وجود الله سبحانه وتعالى ويرى دلائل قيوميته على هذا الكون فيصده الكبر والعناد عن رؤية هذه الآيات، يزيغ بصره عنها ويتيه عقله عن رؤيتها، وهو الإنسان العاقل، وهو الذكي اللبيب، وهو الذي يتمتع بأوقار من المعارف والعلوم. ولكنه وهو المتكبر المعاند عندما يرى الآيات الكونية الباهرة التي تنطق بالبداهة بوجود الله وبفاعليته وقيوميته على هذا الكون، لا يتبين من هذه الدلائل شيئا، يغيب عقله ويغيض إدراكه، وتنفصل عنه سائر معارفه وعلومه.


هذه الظاهرة من أجلى الأدلة على أن القرآن كلام الله عز وجل؛ إذ هي التي تترجم قول الله سبحانه: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا". هذه الظاهرة ترجمة لهذه السنة الربانية، تأتي أبهر دليل على أن القرآن كلام الله عز وجل.


هذه الظاهرة التي تراها في حال المعاندين والمستكبرين هي الترجمة الدقيقة لقول الله عز وجل: "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُواْ إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ" من هم؟ هم المعاندون والمستكبرون الذين طافت برؤوسهم نشوة الكبرياء وأسكرتهم معارفهم البسيطة جداً، هؤلاء يقول القرآن عنهم: "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ" رأوا العالم العلوي رأوا الغيب المكنون بأبصارهم، رأوا كل ما ينطق به كلام الله علانيةً عياناً لقالوا: "إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا" خُدعنا فهنالك من يرينا أشياء غير حقيقية لقالوا: "إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ".


ألا ترون إلى هذه الظاهرة التي تفيض بها مجتمعاتنا الإنسانية، تأتي آيات الله عز وجل تترى الواحدة منها تعقب الثانية وهي تتضمن الدلائل الناطقة بأن الله هو الفعال، وأنه هو الذي يدير هذا الملكوت الكوني، وأن الإنسان لا يملك من علومه التي أوتيها إلا ذرةً من بحر محيط ليس له ساحل من علم الله سبحانه وتعالى. ومع ذلك تتيه أبصارهم عن رؤية الدليل الناطق عن هذا كله، لا يرون في ذلك إلا منطق الطبيعة ولا يرون في ذلك إلا عناد الطبيعة، وتأتي الآيات تترى وفيها النذير تلو النذير مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: "وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد".


أجل إن هذه الآية الربانية التي رآها العالم كله آية كبيرة من الآيات التي توقظ النائم وتنبه الغافل وتعيد المنحرف إلى جادة الاستقامة، لكن الآية التي هي أبهر منها، ولكن الدليل الذي هو أخطر وأجل وأخوف من ذلك كله أنك ترى كثيراً من العقلاء المتبصرين العلماء الباحثين الذين ينقبون الحقائق ويحاولون أن يتبينوا دقائقها يرون هذه الظاهرة التي اخترقت القدرات العلمية كلها، والتي اخترعت الإمكانات البشرية أجمع، والتي اخترقت المعارف الغيبية التي يحاول إنسان الحضارة الحديثة أن يترصدها، اخترقت ذلك كله ومع ذلك فهم في غفلة عن هذه الآية الناطقة بكل شيء، الدالة على سلطان الله عز وجل في الكون التي جعلت الباطن ظاهرا والخفي معلنا، ومع ذلك فإنك لتنظر إلى المعاندين والمستكبرين والطغاة فلا تجد منهم التفاتة إلى هذه الحقيقة، وكأن عقولهم قد غابت وولت عنهم، وكأن معارفهم لم تعد معارف لهم.


هذه الظاهرة أجلّ من هذه الآية التي وقعت في جنوب شرق آسيا، أجل هذه الظاهرة ظاهرة الإنسان المستكبر على الله الذي يرى الشمس في وضح النهار ويقول بل سكرت أبصارنا والذي يرى الحقائق ملأ هذا الكون ومع ذلك لا يرى أمامه ما يؤلهه إلا الطبيعة وشؤون الطبيعة، هذه الظاهرة أخطر بكثير من الآية العظمى التي ما زلتم تتسمعون أنباءها وأخبارها. هذه الآية العظمى نذير ولكن النذير الأخوف أن يكون الإنسان معرضاً وأن يواصل إعراضه وأن يكون مكابراً ويواصل استكباره. أنا أرى أن هذه الإنسان المستكبر على الله عز وجل آية خطيرة من آيات الله عز وجل وفي هذه الظاهرة نذيرٌ وأي نذير.


الإنسان ما أعجب حال الإنسان أيها الإخوة! أن ترى الطبيعة ونستعمل الكلمة التي يستعملونها على سبيل المشاكلة وهي خاضعة لسلطان الله عز وجل في أصغر جزيئاتها وأعظم أجرامها، كل جزيئة من جزيئات الكون علم صلاته وتسبيحه كما يقول ربنا سبحانه وتعالى. أن ترى الشمس في كبد السماء ماضية في أداء واجباتها والنطق بعبوديتها وخضوعها لسلطان الله، أن ترى القمر وهو خاضع لسلطان الله في تقلباته وأحواله وتصرفاته وظهوره واختفائه، أن تنظر فترى الأشجار والدواب كلها ماضية في الخضوع لسلطان الله عز وجل بالغريزة، بالفطرة، بالواقع الذي لا نعلم تفسيره، ثم تنظر إلى الإنسان الذي تميز بالعلم وتميز بالعقل وتميز بالإدراك والذي سخر الله عز وجل له هذه المكونات التي من حوله فتجد الكثيرين منهم مستكبرين، يرون الحق عيانا ويعرضون عنه، يرون الدلائل الناطقة لسلطان الله عز وجل ويتجاهلونها وصدق الله القائل، أقولها وإن كانت آية سجدة "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ".


أرأيتم أيها الإخوة كيف يبين الله عز وجل أن كل ما في الكون ساجدٌ لله، خاضعٌ لسلطان الله متوكلٌ لعظمة الله سبحانه وتعالى كل ما في الكون إلا الإنسان. كثيرٌ من الناس هم الآخرون أيضاً ماضون في الخضوع لحكم الله وكثيرٌ منهم حق عليهم العذاب.


ألا ترون إلى هذا الإنسان العجيب في شأنه الذي يرى الحق ملأ عينيه، ويرى دلائل الله عز وجل ملأ عقله ومع ذلك يركب رأسه في الاستكبار، يركب رأسه في الجموح وفي الطغيان. كلكم شاهد ولعله سمع، هل سمعتم تعليقاً من مسؤولٍ أياً كان يتربع على عرش المسؤولية في عالمنا العربي والإسلامي أو في العالم الآخر، أعلن عن دينونيته وخضوعه لله عز وجل أمام هذه الظاهرة؟ هل سمعتم أن في هؤلاء الناس من قال: لقد آن لنا أن نعود إلى الحقيقة، آن لنا أن نستيقظ من سكر أوهامنا العلمية آن لنا أن نعود إلى الله، آن لنا أن نعود إلى صراطه، أن نتجلبب بجلباب العبودية له، لقد طال شرودنا عن صراطه ونهجه، وها هي ذي عظمى القوارع نراها بأعيننا، أما آن لنا أن نعود إلى الله.


لقد أصغيت السمع جيداً فما سمعت أي مسؤول وأقول مسؤول على مستوى المسؤولية ولا أقول واحداً من عام الناس مثلي وأمثالكم، ما سمعت ويا للأسف كلمةً ينطق بها مسؤولٌ يطأطئ الرأس من خلالها لسلطان الله سبحانه وتعالى الباهر. أين هي علوم هؤلاء الذين يتباهون بعلومهم؟ أين هو سلطان اكتشافاتهم؟ أين هو سلطان معارفهم الذي جعلهم يتوهمون أنهم جعلوا الكون تحت أباطهم وأخضعوه لكل ما يريدون؟ هلا تعلموا من البهائم والحيوانات؟ هلا أخذوا دروساً من الحيوانات التي رحلت عن أماكن الخطر فلم تتعرض واحدة منها لأي من هذه الآثار والفيضانات المهلكة المرعبة؟ لماذا لم يأخذوا دروساً من الحيوانات العجماوات؟


قال قائلهم: إنها حاسة سادسة. ولقد قلت بالأمس الكلام الممجوج السمج الذي تتحمله الأذن أثقل من جبل قاسيون كثير ومتنوع، ولكني والله ما رأيت أسمج من هذا الكلام الذي يمجه العقل ويمجه العلم وتمجه المعرفة وتمجه الإنسانية، حاسة سادسة. هل لهؤلاء الذين يقولون هذا الكلام أن يفسروا الحاسة السادسة تفسيراً علمياً؟ وهلا تمتع الإنسان صاحب الرشد والعقل بهذه الحاسة السادسة؟ هلا استطاع علم الإنسان أن يلتقط هذه الحاسة السادسة فيمتع نفسه بها دون الحيوانات العجماوات؟ هل هذا الكلام إلا انصراف إنسان يتعامى عن الكلام يرى سلطان الله أمام عينيه ويعلم أن علوم الأولين والآخرين كلها لا تبلغ أن تكون ذرة، ذرة في علم الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بالمكونات غيباً وشهودا على أنه علم الله وليس علمهم " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ".


أجل أيها الإخوة أعود فأقول هذه الآية التي أطلت على العالم بإنذارٍ من إنذارات خطيرة ولكن ما هو أخطر من ذلك أن تنظر يمينا وشمالا فلا تجد من يعتبر، أن تلتفت يميناً وشمالاً أن تصغي السمع جيداً فلا تقع على كلمة لمسؤول في العالم كله أن يقول يا هؤلاء الناس تعالوا نعتبر، يا هؤلاء الناس تعالوا نبايع ربنا إلهً نبايعه لنعلن عن عبوديتنا مجدداً لله، هذه الظاهرة ظاهرة الإعراض عن نذر الله عز وجل أخطر من النذر ذاتها.


 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.    


 ظاهرة الزلزال الذي أعقبه التسونامي الذي أودى بحياة الكثيرين-

تحميل



تشغيل

صوتي