
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


وحدة الصف أولى المقدمات لحراسة دين الله
وحدة الصف أولى المقدمات لحراسة دين الله
خطبة الإمام الشهيد البوطي
تاريخ الخطبة: 04/06/2004
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد فيا عباد الله
حكمة باهرة تتراءى لنا في عالم النمال، جعل الله سبحانه وتعالى لنا منها درساً وعبرة لمن يتفكر ويعتبر، تنظر وتتأمل في عالم النمال وهي تسيح في جنبات الأرض باحثة عن أرزاقها آوية إلى أعشاشها وجحورها، لا تلتفت إلى ما لا يعنيها، تعيش حياتها هذه في تواضع جم وجدٍ يضرب به المثل، حتى إذا متعها الله سبحانه وتعالى بنعمة لم تكن تتوقعها ونظرت الواحدة فوجدت في جنبيها جناحين تتمكن بهما من الطيران فوق الأرض، وإذا بالطغيان يطوف برأسها وإذا بجنبات الأرض لم تعد تتسع لها، وإذا بها تخرج عن حدود ما قد كان يعنيها، تأبى إلا أن تجعل من طبقات الجو مكاناً لها وأعشاشاً لها، ويستبد بها الطغيان فترمق بأنظارها إلى طبقات الجو وقد احتقرت الأرض التي كانت تجوب عليها، فما هو إلا أن تخرج من حدودها، وأن تتجه إلى طبقات الجو طائرة حتى تتحول إلى أرزاقٍ لطيور وعصافير تجوب جنبات الفضاء، وتنظر، وإذا بهذا العالم من النمال التي ابتلاها الله عز وجل بهذه النعمة قد غدت أثراً بعد عين.
هذه عبرة تنطق لنا نحن البشر بما ينبغي أن نتدبره ونتأمله، وكأن البيان الإلهي وكأن العبرة الربانية تقول من خلال هذا المشهد: إن ثمة عالماً من النمال البشرية يصدق عليها هذا الكلام، عالم من النمال البشرية يكرمها الله عز وجل بالقوة ويكرمها الله سبحانه وتعالى بمزيد من الغنى ويعبد أمامها الطريق التي كانت فيها كثير من التضاريس التي تضيق عليها حركاتها، نظر هذا العالم من النمال البشرية إلى هذه القوة التي تتمتع بها من دون العالم كله، وإلى هذا الغنى الذي يتراقص أمامها من دون العالم كله، ونظرت وإذا بالتضاريس التي كانت تُعقد عليها السبيل بالأمس قد غابت، وعندئذٍ يستبد بها الطغيان، وأي طغيان؟ تضيق عليها الأرض بما رحبت وتضع نصب عينها ضرورة القضاء على العالم كله وعلى الحضارات كلها، تضيق ذرعاً بحضارة الإسلام، تضيق ذرعاً بالإسلام وبالمسلمين، تأبى إلا أن تجعل من مهاد الأرض وطناً لها من دون الناس جميعاً.
أجل، إنه عالم من النمال البشرية اليوم، عالم من النمال الأمريكية التي تتحالف مع الصهيونية العالمية اليوم، كيف كان هذا العالم بالأمس؟ وكيف غدا اليوم؟ إنه يعيد سيرة تلك النمال التي حدثتكم عنها، ها هو ذا الطغيان المستشري الذي ينطق كل يوم بأفواه أولئك القادة صانعي الإرهاب ومروجيه ومصدريه.
وآخر ما ينطق به هؤلاء الطغاة ضرورة القضاء على القرآن، ضرورة القضاء عليه ووضع كتاب آخر في مكانه يصبح اسمه فرقان الحق، وقد فرغ هذا الطغيان الأمريكي من إصدار الجزء الأول من هذا الكتاب، وهو اليوم ينتشر سراً في جنبات من الأرض الأمريكية، كما ينتشر في بقاع من إسرائيل، هذا الجزء الأول يمهد ببيان حقيقةٍ هي اليوم لم تعد سراً وإن أريد لها أن تكون سراً. الخطة، ترمي إلى القضاء على الإسلام والمسلمين، وامتلاخ جذور الإسلام من حيث هو، من خلال حرب عالمية ثالثة تلتهب وتضطرم نيرانها في هذه البقاع، لا لشيء وإنما لغاية واحدة، هي أن يتسع السبيل أمام النصرانية المتهودة الخاضعة لسلطان الصهيونية العالمية. الغاية أن يصبح هذا العالم الإسلامي خادماً ذليلاً لهذا الطغيان الأمريكي، لطغيان هذا العالم البشري من النمال الحقيرة.
بالأمس قرأت هذا البيان، ونظرت إلى شيء لا يكاد يصدقه العقل، ما الذي ضركم من دين الله عز وجل؟ ما هو الأذى الذي نالكم من الإسلام؟ وقد علمتم أن الإسلام إنما هو دين الله، وإن لم تنطق بذلك ألسنتكم اعترافاً. ما الذي آذاكم من دين الله هذا حتى اتخذتم القرار الذي لا رجوع عنه، قرار القضاء على الإسلام من حيث هو؟ ولماذا؟ ما الأذى الذي نالهم من الإسلام؟
يقول التمهيد المرسوم بين يَدَي الجزءِ الأول من هذا الكتاب، آن لطغيان هذا العالم البشري من النمال الحقيرة أن يأخذ الثأر من المسلمين الذين نشروا الإسلام بالسيف، الذين نشروا الإسلام بالإجبار والإلزام وبقتل الآلاف المؤلفة من البرآء والذين لم يقيموا إمبراطورياتهم الإسلامية إلا على أنْهُرٍ من الدماء، الدماء البريئة.
خيال قذر، يعلم ا لتاريخ مدى قذارته، ويبصق التاريخ على هذا الافتراء الوارد فيه، هذا هو السبب. ولكنني أيها الإخوة أريد أمام هذا الذي أقوله لكم أن نتابع الإصغاء لتمام هذه الحكمة، قلت لكم: إن الله عز وجل جعل من هذه الأجنحة التي يفاجأ بها عالم النمال في فترة معينة من حياتها عبرة لها. إلامَ يؤول أمر هذه النمال بعد أن استبد بها الطغيان، وضاقت الأرض بما عليها وبما فيها من أرزاق عليها، فلم تعد تكتفي بجنبات الأرض وإنما أصرت على أن تتخذ من طبقات الجو وطناً ثانياً بل وطناً بديلاً لها إلامَ آل أمرها؟ آل أمرها إلى الانمحاق، آل أمرها إلى الزوال، تلك هي العبرة.
لقد قرأت هذا الكلام وكان من المتوقع فيما يبدو لدى النظرة الأولى أن يستبد بي اليأس، وأن يعتصرني الألم، ولكنني أَصَدُقُكُمْ أيها الإخوة أنني وجدت نفسي من هذا البيان أمام بشرى ربانية، لا يمكن أن ترد هذه البشرى الربانية تنطق بأن هذا الطغيان قد آن أفول نجمه، هذا الطغيان المستشري آن أن ينتهي إلى خراب، وأن ينتهي إلى فناء، وإلى انمحاق ذليل، كانمحاق حياة هذه النمال عندما يستبد بها الطغيان، وتأبى إلا أن تتخذ من طبقات الجو وطناً بديلاً لها عن الأرض. هذه هي الحقيقة، بل هذه هي خلاصة العبرة التي ينبغي أن نأخذ أنفسنا بها.
هل هنالك من شاهد آخر لها؟ أجل، كلنا يقرأ كتاب الله عز وجل، كلنا يقرأ قوله سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} [التوبة: 9/32] ثم يؤكد هذا ببيان مختلف فيقول: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ [الصف: 61/8] (متمُ نورِه) اسم فاعل يدل على معنى الاستقبال، أي وقرار الله سبحانه وتعالى أنه لابدَّ أن يأتي يوم يتم الله عز وجل فيه نور هدايته ويجعل هذا النور كسوةً تكتسي بها أوطان الأرض أجمع، هذا ما يؤكده بيان الله سبحانه وتعالى، ترى ما قيمة هذا الطغيان الذبابي الحقير أمام بيان هذا الخالق الواحد الأحد قيوم السماوات والأرض؟ يريد الطغيان الأمريكي أن يقضي على القرآن، هل يظن أن القرآنَ كلامُ واحدٍ من البيت الأبيض، أو من البيت الأسود، أو من أولئك الأعداء التقليدين الذين كانت أمريكا تمارس معهم الحرب الباردة إلى الأمس القريب؟ القرآن ليس كلام بشر القرآن، كلام قيوم السماوات والأرض، القرآن كلام ذاك الذي يقول: ﴿إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: 15/9] ولسوف تجد أمريكا، أمريكا الطاغية، لا أمريكا الشعوب، لسوف يجد قادة البيت الأسود أولئك الذين انتعلتهم الصهيونية لحسابها، سيجدون أن الإسلام الحق سيتفجر من هناك، وسيلتمع نور الهداية الربانية، نور هداية القرآن من ذلك المقرب، وهذا معنى ثانٍ من معاني قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تشرق الشمس من مغربها)) معنى ثان، المعنى الأول وارد وصحيح، ولا نؤوِّل ولكنه المعنى الثاني أيضاً: لن تقوم الساعة حتى تشرق شمس الإسلام من مغربها، بعد أن قضى الله عز وجل أن تشرق هذه الشمس من هذا الغرب.
أجل أيها الإخوة: طغيان الذر، طغيان الذباب، ولا أقول: النمال، طغيان الذباب الأمريكي يريد أن يمتلخ الإسلام من الأرض، ماذا؟ الإسلام شمس، شمس وضاءة من ذا الذي يستطيع بغبار الأرض أن يكسف نور الشمس؟ لاشك أنه من الحمق بمكان، ولقد قلت مرة: لو انقلب الناس كلهم كنّاسين يثيرون من غبار الأرض غباراً وتراباً يعلو إلى وجه الشمس المضيئة المتلألئة لارتد ذلك الغبار كله إلى رؤوسهم، ولبقيت الشمس في كبد السماء صافية مضيئة تتلألأ. تلك هي شمس الإسلام، تلك هي شمس كتاب الله سبحانه وتعالى، إذن أنا عندما قرأت هذا البيان لم يزجني هذا البيان في شيء من اليأس أبداً، بل إنني رأيت من خلاله نور البشارة الربانية، وإنني أعلم أنه ليس خيالاً وهما بل هو حقيقة تنطق بها عبرة الدهر، وينطق بها بيان الله سبحانه وتعالى، هذا شيء.
الشيء الآخر هل هذه البشرى التي تبنيتها من هذا الواقع الذي نراه، تعطينا الحق أن نسند ظهورنا إلى جدران الكسل؟ هل من شأن هذه البشرى أن تجعلنا نطمئن إلى أن الله سبحانه وتعالى سيتولى عنا نصرة دينه، ومن ثم فلا داعي إلى أن نحرك ساكناً، ولا داعي إلى أن ننشغل عن أقواتنا وأرزاقنا ومشاغلنا الدنيوية المختلفة؟ لا، أيها الإخوة قرار الله شيء، وسنته في عباده شيء، والواجب التكليفي الذي شرفنا الله عز وجل به شيء آخر.
واجب الجهاد لا يمكن أن يطوى حكمه إلى أن تقوم الساعة، ولكن له قيوده، وله آدابه، وله نظامه، وكل منا يعرفه وقد جمعت ذات يوم في كتاب كان من الضروري أن أبينه، أستطيع أن أقول وأختصر القول اليوم: إن من أهم المقدمات التي لابد منها بين يدي الجهاد الدفاعي لحراسة هذا الدين، ولحراسة كتاب الله عز وجل، أن نوحد صفوفنا، أن نوحد كلمتنا، أن نتلاقى جميعاً في خندق يتجه إلى هدف واحد، أن تتساقط مما بيننا عوامل الخلافات التافهة الجزئية العجيبة الغريبة، هذا هو الواجب الأول الذي ينبغي أن تلتزم به بين يدي المقدمة التي لابدَّ منها للدفاع عن دين الله عز وجل، وللدفاع عن حرماته ولحراسة كتاب الله عز وجل. نعم، مرة أخرى أقول: إن كتاب الله لا يحتاج إلى حراستنا، لكنه واجب قدسي أمرنا الله به ينبغي أن ننقاد له.
واليوم أيها الإخوة، هل عرفنا قدسية هذه المقدمة التي ينبغي أن نتلاقى جميعاً بها؟ هل أدركنا جميعاً أن علينا أن نطوي مما بيننا خلافاتنا الاجتهادية؟ هل عرفنا وأدركنا أن علينا اليوم أن نطوي النظر عن الأخطاء الجزئية التي أقع فيها؟ لعلك أنت أيضاً تقع فيها، ويقع فيها الثالث والرابع، وبدلاً من أن يلاحق البعض منا البعض بالأخطاء الجزئية، نتلاقى على الهدف الجامع الذي نتحرق جميعاً عليه. هل أدركنا هذه الحقيقة؟ إنني أقول: ويا للأسف، إن فينا كثيرين ممن لم يدركوا بعد هذه الحقيقة، النيران تستوقد لإحراق كتاب الله عز وجل - كما قلت لكم - والخطط توضع الواحدة إثر الأخرى لامتلاخ الإسلام والقضاء على المسلمين، ولإيقاد حرب عالمية ثالثة هدفها القضاء على الإسلام، ومع ذلك فأنا أنظر وإذا بأناس لا يشعرون بكل شيء من هذا الخطر، بل لا يريدون أن يشعروا أنفسهم به، لأنهم ماضون في أمرٍ لا يريدون أن يوجد من يلهيهم عن هذا الأمر. ما هو؟ إنه تتبع أخطاء عباد الله عز وجل، إنْ في الدعوة إلى الله عز وجل، وإنْ في أمور علمية اجتهادية بحتة، إنه هذا النهج الذي إن عبر عن شيء فإنما يعبر عن الرغبة في الانتصار للنفس، يعبر عن الرغبة في الانتصار للأنا، يعبر عن الرغبة في الانتصار للعصبية.
قلت بالأمس: أنبأني من أثق به من الإخوة أن نشرة توزع، نشرة سمعية توزع اليوم بين الناس بعنوان (مباذل الصوفية) مباذل الصوفية، وإنني لأتوقع ولا أستبعد أن أرى غداً من ينشر نشرة سمعية أخرى عنوانها (مباذل الفقهاء)، ولسوف نسمع بعد غد من ينشر نشرة سمعية أخرى عنوانها (مباذل علماء التفسير)، يليها مباذل علماء الحديث، كل المسلمين أصحاب مباذل، كل المسلمين تافهون، ينبغي أن يتراكموا جميعاً من فوق جبل من القمامة، أليس هذا معنى هذا النهج، إن كنا نريد مجتمعاً إسلامياً لا يوجد فيه مخطئ، ولا يوجد فيه تائه، فلننشد هذا المجتمع في عالم آخر، في عالم الملائكة.
شاء الله عز وجل أن يكون مجتمعنا الإسلامي مجتمعاً متعرضاً للخطر، متعرضاً للانحراف الفكري، متعرضاً للوقوع في معصية ما، هكذا شاء الله عز وجل، إنْ في طبقات الفقهاء أو المحدثين أو المفسرين أو علماء التصوف، أي علماء تزكية النفس، علماء السير إلى الله، كما كان يعبر الشيخ ابن تيميه رحمه الله، علم السلوك إلى الله عز وجل، وإذن لسوف نجد أن علينا أن نمزق المجتمع الإسلامي كله شر ممزق.
أما إن أردنا أن نتعامل مع سنة الله في عباده، ومع ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإن الأمر يقتضي أولاً: أن نحافظ على سدى ولحمة الوحدة الإسلامية التي أهاب بنا دين الله أن نكون أمناء عليها، أن نحافظ على سدى ولحمة هذا القرار وهذا التكليف القائل: ﴿إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 49/10] نرعى وحدة هذه الأمة بأن نتلاقي على الكثير والكثير والكثير مما يعبر عن سرنا جميعاً على صراط واحد، والتوجه إلى غاية واحدة، والتجلبب جميعاً بجلباب العبودية لله سبحانه وتعالى. وأما الأخطاء: فإن كانت فعلاً أخطاء، أو أنا افترض أنها أخطاء ينبغي أن نلقى بها أصحاب هذه الأخطاء في لقاءات منفردة، هكذا علمنا ديننا، هكذا أمرنا إسلامنا، نلقى أصحاب هؤلاء الأخطاء فيما نزعوا فيه، في لقاءات منفردة، ونتناقش لا ابتغاء انتصار للنفس، وإنما ابتغاء استنزال رضا الله سبحانه وتعالى، فإن اجتمعنا على كلمة سواء فلا بأس، وإن لم نلتق على كلمة سواء، فذلك يعني أن الأمر الاجتهادي أعذرك وتعذرني، وفي أي الأحوال لا يجوز بأي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولم يفعل ذلك أحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم، لا يجوز أن ألتقط أخطاءً لزيد من الناس، أو لفئة من الناس، ثم أشهر بها، أشهِّر بها وبه من أجل أن أُمَزِّق سمعته بين الناس في المجتمع، وقعت في الغيبة التي حرمها الله عز وجل، وقعت في شق عصا المسلمين، وهو من أهم ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، والشيء الأهم من هذا كله أنني أنظر فأجد النار التي تضطرم من أجل استخدامها لأجل حرق كتاب الله عز وجل، ومع ذلك فأنا في شغل شاغل عن هذه النار لا أتحدث عنها، لا أتحدث هذه الخطط الرامية إلى الكيد للإسلام والمسلمين، وإنما أبذل كل ما أملك لتنفيذ البند الأول من بنود التقرير الذي أصدره مجلس الأمن القومي في أمريكا عام 1991م في القضاء على الإسلام. فيقول هذا البند: ((يجب تأليب المسلمين بعضهم على بعض)) هذا ما قرره البيت الأبيض في تقرير سري عام 1991م، فهل نستطيع أن نرتاب في أن الذين يفعلون هذا اليوم ليسوا إلا جنوداً لتنفيذ ذلك التقرير؟ أقول هذا، ولكن مهما تفرق المسلمون ومهما نفخ فينا مسلمون بحسب الظاهر نيران الفرقة، نيران الشقاق، نيران العوادة والبغضاء، فإن ذلك العالم؛ العالم البشري من النمال الحقيرة لا يستطيع أن يبدل حرفاً من كتاب الله، لا يستطيع أن يقضي على شيء من هذه الهداية الربانية، علم ذلك من علم وجهله من جهل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.