مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 02/01/2004

أحكام القرآن تنسخ بكلمة ((قضية داخلية))

أحكام القرآن تنسخ بكلمة ((قضية داخلية))


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 02/01/2004


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


يقول الله عز وجل في محكم تبيانه: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 4/59] هذه ثلاثة أوامر ينبغي أن تطاع؛ أولها: أمر الله عز وجل. ثانيها: أمر الرسل والأنبياء. ثالثها: أولي الأمر من المسلمين.


أما طاعة الله سبحانه وتعالى: فلأنه ربُّ العباد جميعاً، ولأن العباد هم ملكه وهو مولاهم، فينبغي ألاّ يدينوا بالطاعة ولا بالعبودية إلا له.


وأما طاعة الرسل والأنبياء: فلأنهم هم الذين يبلغون عن الله سبحانه وتعالى.


وأما طاعة أولي الأمر من المسلمين: فلأنهم هم الذين يبلغون عن الرسل والأنبياء، وهم الذين يخلفونهم في حراسة الدين وحمايته.


وهكذا فإنكم تجدون كيف أن هذه الآية جاءت جامعة بدقة لسلسلة الأوامر المتفرعة بعضها عن بعض، ولسلسلة الطاعات المتفرعة بعضها عن بعض، ولسلسلة الطاعات المتفرع بعضها عن بعض أيضاً. ومحور الطاعة في ذلك كله إنما هو طاعة الله عز وجل، دليل ذلك قوله: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 4/59] وبناءً عَلى هذا البيان الرَّباني، فقد كان أولو الأمر من قادة المسلمين بعد رحيل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى هم الذين كانوا يخلفون الرسل والأنبياء في حراسة الدين وفي حمايته، وفي إبعاد المخاطر عنه، وفي الانتصار له عندما يحدق به أي خطر من الأخطار، وإنكم لتعودون إلى تراجم خلفاء هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نهاية الخلافة العثمانية، فتجدون أن المهمة القدسية الأولى لأولي الأمر إنما كانت حماية الدين وحراسته من الأعداء الذين يتربصون به في الخارج، ومن الذين يتسربون إلى حماه فيحاولون أن يلبِّسوا الحق بالباطل فيه في الداخل، تلك هي مهمتهم القدسية كانت.


ولكن فما الذي آل إليه بعد ذلك خلف، من بعدهم خَلْفٌ، خلف بعد أولئك الخلفاء الذين تبوؤا مكان الرسل والأنبياء بحق دفاعاً عن دين الله واستبسالاً للانتصار لأمر الله سبحانه وتعالى، خلف من بعدهم خلف أعرضوا عن هذه المهمة القدسية التي شرف الله أسلافهم بها، وغرقوا في حمأة السياسة، وغرقوا في حمأة الحركة التي لا تبارح بل التي تظل تراوح في مكانها، وهيمنت عليهم سياسات أعداء المسلمين عن يمين وشمال، وسيق أكثرهم إلى اتباع أعداء الله عز وجل، بعد أن كان أسلافهم يشرفون باتباعهم لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحيل أمر الدين إلى من يمكن أن يرعاه كمن يشاء وزارة محدودة الصلاحيات، عهد إليها بأمر رعاية شعائر الدين ومظاهره، ومع ذلك فإن هذا الذي آل إليه أمر أكثر القادة من المسلمين أمر يسير ومصيبة بسيطة بالنسبة لحالة أخرى، بالنسبة للقادة الذين وظفوا أنفسهم لخدمة أعداء الله عز وجل ولخدمة أعداء دين الله سبحانه، بل وظفوا أنفسهم لخدمة من يعادونهم ومن يتربصون بهم الدوائر، ومن يخططون للقضاء على حقوقهم ما ظهر منها وما بطن، تلك هي المصيبة الفادحة، هؤلاء القادة بدلاً من أن يعتذروا إلى الله عز وجل أنهم لا يستطيعون أن يؤدوا المهمة الشريفة التي كان يؤديها أسلافهم من خلفاء الرسل والأنبياء، ذلك لأن الأمر أشق من أن يستطيعوا قياماً ونهوضاً بالمهمة التي كلَّفَهم الله عز وجل بها، بدلاً من أن يعتذروا إلى الله عز وجل بذلك فيتخذوا المكان الحيادي لا يساعدون أعداء الله سبحانه وتعالى فيما خططوا له من السعي إلى القضاء على دين الله عز وجل، وإلى القضاء على البقية الصالحة من المسلمين، وإلى القضاء على حقوقهم، بدلاً من أن يقفوا موقف الحياد من هؤلاء، ومن الرسل والأنبياء أيضاً، آلوا على أنفسهم أن يكونوا كما يقول المثل العامي: (ملَكِيِّين أكثر من ملك)، وأن يهرعوا إلى خدمة هذا العدو، عدوهم، عدو حقوقهم، عدو الشرف الذي متعهم الله عز وجل به، يسعى الواحد من هؤلاء إلى أن يوظِّف من يستطيع أن يسير مسيرته في مختلف المؤسسات المختلفة المتنوعة، يعجم بطانته وأصحاب المكنة ممن يرعون وممن يسيرون مسيرته، وممن هم جنود له، فلا ينتقي من بطانته إلا من أعلن أنه خادم أمين لأعداء الله سبحانه وتعالى، ولا يبوئه المكانة التي يبوئه إياها إلا بعد أن يتأكد أنه سيكون خير أمين لخطط أعداء الله عز وجل، وخير عبد للقادة الذين، لا أقول رسموا الخطط العدوانية ضد دين الله عز وجل، بل تجاوزوا وضع الخطط إلى التنفيذ كما تعرفون، تلك هي المصيبة التي نراها في كثير من البلاد من حولنا.


واحد من هؤلاء الموظفين الذين زُرعوا في مؤسسة من أخطر المؤسسات، كانت إلى الأمس القريب اللسان الناطق باسم الإسلام في العالم كله، وكانت إلى الأمس القريب العين الساهرة على دين الله عز وجل، كانت العين الحارسة لحرمات الله سبحانه وتعالى، ذلكم هو الأزهر، الذي عرف العالم الإسلامي كله تاريخه الأغر الأبلج، يُنصَّب اليوم في هذه المؤسسة الخطيرة، التي كانت كما قلت لكم مهمتها القدسية الدفاع عن دين الله سبحانه وتعالى، والانتصار لحرماته ولمبادئه وشرعته، ينصب في هذه المؤسسة من قد عاهد الشيطان أن يكون ولياً له لا ولياً لله عز وجل، ومِنْ ثَمَّ عاهد أعداء الله سرّاً ثم علانية أن يمزق كل ما يمكن أن يمزقه من مبادئ دين الله في كل مناسبة، أجل ذلكم هو الشيخ الذي نُصِّب للأزهر، نصب من قِبَلِ من بايع أعداء الله، بدلاً من أن يبايع الله سبحانه وتعالى.


كلكم سمع بالكلمة التي قالها الرئيس الفرنسي عن الحجاب، وما قد عزم عليه، وما قد خطط له، بقطع النظر عن خلفيات كلمته أهي تكتيك أراد أن يمتص به الضغط المهيمن عليه، أم إنه قرار استراتيجي يريد أن يتخذه، كلكم سمع تلك القالة، وجاء من يسأل هذا الشيخ الذي نصّب خادماً في الأزهر لا لدين الله، وإنما نصّب خادماً لأعداء الله سبحانه وتعالى، ولم ينصَّب إلا بعد أن بايع على أنه سيفعل ذلك، قيل له في هذا، فكان الجواب: ذلك أمر داخلي، لفرنسا أن تتخذ القرار الذي تشاء، لأنه داخلي يتعلَّق بالدولة نفسها.


أكذا لئن كان هذا الكلام منطقياً، إذن فينبغي أن يكون هذا القتل الذي تمارسه الصهيونية في فلسطين، هذا التهديم لبيوت الفلسطينيين على رؤوسهم، هذه المستوطنات التي تنتشر عن يمين وشمال، هذا الاحتلال الأرعن المتطاول، ينبغي أن يكون ذلك كله شرعياً، لأنه تصرف داخلي، وينبغي أن يكون العمل الذي قام به بالأمس الدابر قامت به الإدارة التونسية، ذلك العمل المتمثل في محاربة دين الله جهاراً، لا أمر الحجاب فقط، ينبغي أن يكون أمراً داخلياً لا يمس، أمر داخلي ما ينبغي أن يكون لأحد من الناس أي علاقة به، ولا أي دخل إليه، بل وينبغي أن تكون تلك الثورة التي قامت بها روسيا في يوم من الأيام الثورة الاشتراكية على الإيمان بالله، وعلى دين الله عز وجل، تلك الثورة التي تمثلت في هدم المساجد، في حرق المصاحف، في خنق العقائد الإيمانية بكل الوسائل، ينبغي أن تكو تلك الثورة عملاً داخلياً، ولا يجوز لأحد أن يستنكره، ولا لأحد أن يقول كلمته بشأنه.


أفي الحق أن يقال هذا الكلام، والعالم لا يزال يتمتع بسمع وبصر، والعالم كله ما يزال يتمتع بعقل ووعي، إذن ما الحاجة إلى التمثل وإلى الوقوف عند قول الله عز وجل: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل ‌عمران: 3/104] هذا الكلام الذي نطق به لسان ذلك الشيخ نسخ كلام الله سبحانه وتعالى، إذن لم تعُدْ ثَمَّةَ حاجة إلى أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، لأن ذلك كله سيصادم هذا المبدأ الذي يقوله من نصب اليوم شيخاً للأزهر، من سعى سعيه الدائب إلى مسخ الأزهر، وتحويله من الأمس الذي كان يعتز به العالم الإسلامي، إلى اليوم الأسود الذي يساق فيه الأزهر إلى قبر مظلم من النهاية البائسة.


أيها الإخوة: أقول لكم هذا الكلام نموذجاً للمصير الذي ينبغي أن نتوقعه من ربنا ومولانا عز وجل، أقول لكم هذا حتى لا يتهيأ أحد منا لاعتراض على الله فيما إذا رأينا أن المسلمين ينحدرون من درجة إلى درجة إلى أن يصلوا إلى نهاية الذُّل والمهانة، وما إنهم في الظاهر مسلمون، لا يقولن قائل: أين هو الانتصار للمسلمين؟ هؤلاء هم المسلمون اليوم، من الذي مكَّن هذا الشيخ الذي ليس له من الإسلام إلا مظهره؛ الذي يتخفى به؟ من الذي مَكّنَه من قالة السوء هذه؟ ذاك الذي نصبه، ومن الذي أمر ذلك الذي نصَّبه بأن يختاره من دون الناس؟ ذلك هو العدو الذي يتربع فوق بغدادكم اليوم.


نعم، لا يعجبن أحد من المسلمين اليوم، من نهاية نتوقعها، ونسأل الله سبحانه وتعالى، ألاّ يبتلينا به، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنا ذلك اليوم الأسود، وإن كنا مؤهلين له بالأعمال التي نقوم بها.


كم وكم من فرق بين قادة المسلمين بالأمس؛ عندما يضحون بالمال بالنفس بكل ما يملكون في سبيل حراسة دين الله، في سبيل أن يكون السور الذي يحمي مبادئ الإسلام ويحمي حقوق المسلمين، ويحمي أوطان المسلمين، سوراً قوياً ناهضاً باسقاً، لا يمكن أن يخترق، وبين كثير - لا أقول الكل - كثير من قادة المسلمين اليوم الذين رفعوا اليدين والرجلين رفعوا الأربع استسلاماً للعدو الأرعن، استسلاماً لمن يريد أن يبتلع حقوقنا، وأن يأكل ثرواتنا، وأن يبسط سلطانه على أوطاننا، وأن يخنق بعد ذلك ديننا، ومع ذلك فيا عجباً لقادة لا تزال أسماؤهم أسماء مسلمين، ولا تزال الشعارات التي يختفون بها شعارات الإسلام، جعلوا من أنفسهم خدماً أذلاء لهذا العدو الذي يستهدف إلى القضاء على هذا كله في بلاد إسلامية، أوطانهم، حقوقهم، ثرواتهم، فإذا تخلى الله عن هؤلاء المسلمين الذين يتعاملون مع الله على هذا النحو، أفيكون عادلاً؟ اللهم إنك عادل، ولكنا نسألك أن تتعامل معنا برحمتك، وألاّ تعاملنا بعدلك.


أما فرنسا فإني لأعتقد أن الرئيس الفرنسي قد خاب أمله عندما سمع من شيخ الأزهر هذا الكلام، قال هذا الكلام تنفيساً عن ضغط هائل ناله من اللوبي الصهيوني في فرنسا، وهو الذي أوعز إلى المعارضة أن تنهض فتعارض كلامه وتعارض حديثه، نعم.


يا عجباً لمن لا في السياسة يعرف، ولا بدين الله يتمسك، ولا مع الله سبحانه وتعالى يخلص، الذُّل يحاط بهؤلاء الناس من سائر الأطراف، من الذي قال: إن أمر المسلمات بخلع الحجاب في فرنسا من الأمور الداخلية التي تتعلق بحرية القرار؟ حريةُ القرار تعني حريةَ الشعب، وحريةُ الشعب إنما تتمثل في أن يمارس كل من الناس حياته كما يروق له، فأنا أرتدي من اللباس ما يروق لي، وفلانة من الناس ترتدي من اللباس ما يروق لها، سواء كانت لباس حشمة أو كانت لباس تعري، الحرية تقتضي ألا تمس حرية المرأة إطلاقاً، والعلمانية أيها الإخوة، العلمانية في أوربة كثيراً ما تكون سياجاً لحماية الدين، على خلاف العلمانية التي تستغل وتستعمل سلاحاً للقضاء على الدين، هناك العلمانية تعني أن الدولة لا شأن لها بالإسلام، وليست هي التي ترعاه، وإنما هو أمرٌ موكولٌ إلى الناس، فمن شاء أن يلتزم بمبادئ دينه بينه وبين ربِّه فعل، وليس من يقطع عليه السبيل، من شاء من اليهود من النصارى من المسلمين أن يلتزم بأوامر ربِّه من حيث اللباس، من حيث التعامل، من حيث الحلال والحرام، فعل، والدولة لا تمس ذاك لا سلباً ولا إيجاباً، هذه العلمانية تقتضي أن تكون الدولة حارساً على الثوب المحشوم الذي تختاره المرأة المسلمة أو الفتاة المسلمة، لكن كان على شيخ الأزهر أن يكون ذا ثقافة، أن يكون ذا وعي بهذه الحقيقة، والذي لا نشك فيه أنه يعلم ذلك، لكن الذي منعه من أن يتعامل مع معرفته بهذه الحقيقة عهدُه الذي قطعه بين يدي الصهيونية، التي قابل أحد أقنيتها قبل حين، كانت نتيجة تلك المقابلة أن الصهيونيين وأن اليهود على حق فيما يفعلون، فيما يقتلون، ويسفكون ويهدمون هناك، وأن المقاومة الفلسطينية ليست على حق، وأن العمليات الاستشهادية عمليات رعناء وليست استشهادية، ولكنها عمليات انتحارية، أعطى شيخ الأزهر هذا كله هدية ثمينة مجاناً للصهيونية لكي تسرح وتمرح كما تشاء، ولكي تستولي من جديد على فلسطين طولاً وعرضاً، شيخ الأزهر قضى بهذا، أليس كذلك أيها الإخوة؟ ولكن مصر لا تزال، لا تزال أرضاً إسلاميةً خصبة، ولا يزال الوعي الإسلامي نابضاً، ولا تزال العاطفة الإسلامية لا أقول حارة بل هي حارةٌ وتغلي في رؤوس أفرادها وفي أفئدة كثير من رجالها، ولا أظن إلا أن هذه الغلطة الشنيعة ستصحح، وأسأل الله عز وجل أن تصحح عما قريب.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي