مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/11/2003

السور الذي يحمي الشام من الأوغاد

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


من ما هو مقررٌ في كتاب الله عز وجل ومؤكد على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرض الشام تمتاز عن سائر بلاد الله الأخرى بمزايا كثيرة، تجتمع هذه المزايا في كلمة جامعة وصف الله عز وجل هذه الأرض بها في أكثر من موضع، هي البركة، فقال عن سيدنا ابراهيم خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام: )وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ[. هي أرض الشام، ويقول سبحانه وتعالى: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[. وإنما المراد هذه الشام.


والآيات التي تنص على هذه المزية الجامعة والتي تندرج في هذه الكلمة الجامعة كثيرة، وإذا ذكرت أرض الشام أو بلاد الشام في هذا الصدد فينبغي أن نعلم متأكدين أن قلب الشام هي هذه الأرض التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بالمقام فيها. ويقول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه الإمام أحمد وغيره من حديث أبي الدرداء: )فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرض يُقال لها الغوطة إلى جانبها مدينة اسمها دمشق هي خير منازل المسلمين يومئذ[، فدمشق هذه الأرض التي شرفنا الله عز وجل بالمقام فيها هي قلب الشام النابض بالإيمان. وإذا تذكرنا هذه الحقيقة التي نص عليها بيان الله عز وجل وأكدها حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلنكن على يقين من أن أياً من الطغاة لم يستطيعوا أن ينالوا من هذه الأرض المباركة منالاً.


أقول: لاريب أن الهمجية الوحشية تستشري اليوم من أجل أن تكتسح الحقوق كلها ومن أجل أن تمزق المبادئ أجمع، ومن أجل أن تقضي على الوجود الإنساني في سبيل بقائها تسرح وتمرح وتسكر في طغيانها كما تشاء لاريب، ولكن هل يتأتى لها أن تمزق بركة هذه الأرض؟ هل يتأتى لها أن تخرق السور الذي قضى الله عز وجل أن يحمي هذه الأرض في داخله؟ إنها تطمع في ذلك وإنها تزرع هنا وهنا وهناك أسباب الفتن وأنتم تسمعون وترون، تفعل ذلك ولكن هذه الأرض التي بارك الله فيها وهذه القطعة من الأرض التي تنبض بالأسرار العلوية التي متعها الله عز وجل بها والتي شرفنا الله بالمقام فيها، ستكون مستعصية على هؤلاء الأوغاد، ستكون مستعصيةً على هؤلاء الممسوخين، نعم لأن هذا السور سورٌ منيع وليس من أنواع الأسوار الأخرى التي جربتها فئة الطغيان في يومٍ من الأيام.


ولكن ينبغي أن ألفت النظر أيها الإخوة وأنا أتحدث عن هذا السور الذي قضى الله عز وجل أن يحمي به هذه البلدة، أقول وبصراحة وينبغي أن أضع النقاط على الحروف: إننا نشكر القائمين بالأمر في هذه البلدة على السهر الدائب والدائم بعينٍ مخلصة لوقاية كل شبرٍ من هذه الأرض المباركة من عتو العاتين وطغيان الطغاة وحركة همجية الممسوخين. نعم إننا لابد أن نشكر سهر هؤلاء القائمين على الأمر على رعاية أمن هذه البلدة ضد طمع الطامعين ولكن، ينبغي أن يعلموا أن أهم سورٍ ينبغي مراعاته في سبيل حماية هذه الأرض هي سور القيم، هي سور المبادئ، فإذا أراد إخواننا القائمون على الأمر أن يزيدوا ويضاعفوا من حمايتهم لهذه الأرض المباركة وأن يرعوها حق رعايتها فإني لألفت النظر إلى أن عليهم أن لا ينسوا أهمية هذا السور.


من أين لي هذا الكلام أيها الإخوة؟ إنه كلام المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول في الحديث الصحيح: )بينما أنا نائم إذ استلب عمود الإسلام من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع في بلاد الشام، أو في أرض الشام ألا إن الأمن والأمان عندما تكون الفتن، في بلاد الشام[ بأي سرٍ يشيع الأمن وتشيع الطمأنينة في أرض الشام ودمشق هي قلب هذه الأرض؟ بسر هذا العمود الذي تحدث عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم )فأتبعته بصري فإذا هو نورٌ ساطع في بلاد الشام[ أي نورٍ هذا؟ هو نور المبادئ، نور القيم. نور الالتزام بأوامر الله، نور التسامي والتشرف بذل العبودية لله سبحانه وتعالى، هذا النور الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم يُشكل النسيج المتكامل والذي يتألف منه هذا السور الذي يحمي هذه البلدة من طغيان الطغاة الذين مُسخوا، مُسخت بشريتهم إلى وحوشٍ همجيةٍ تفعل ما تفعل في جنبات الأرض كما ترون أيها الإخوة.


ينبغي أن ألفت نظر الذين شرفهم الله بالمقام في هذه البلدة، وأن ألفت نظر القائمين أيضاً الذين يحرسون أمن هذه البلدة وطمأنينتها إلى السور الذي ينبغي أن يُراعى والذي ينبغي أن تكون الحراسة الكبرى متجهةً إليه لكي لا يُخترق، طالما كان هذا السور مستعليا ًقوياً لا خروق فيه، فإن أي أيدٍ همجية أي كائن ممسوخ لا يمكن أن ينال من شبرٍ من هذه الأرض منالاً، علم ذلك من علم وجهله من جهل. ولكن عندما تتكاثر الخروق في هذا السور من هنا وهنا وهناك ويكون القائمون على الأمر بمعزلٍ عن هذا الذي يجري ولا يرقبون الأمر ولا يدركون قيمة هذا السور، تتكاثر الخروق استخفافاً بالمبادئ، دعوةً إلى التخلي عنها، تحركٍ بطرقٍ مباشرة أو غير مباشرة على أي أساس من الأسس على أي مستوى من المستويات في سبيل القفز فوق هذا السور، إذا تم ذلك وتكاثرت الخروق في هذا السور فلنعلم أن هذا إيذانٌ بأن الشام ستتبع عندئذٍ البلاد الأخرى.


وقد ورد في حديث وإن كان ضعيفاً ولكن معناه صحيح: )إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم[ ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يلحقنا هذا الفساد قط.


أقول أيها الإخوة ينبغي أن يعلم كلٌ منا أن سر البركة التي أودعها الله في هذه الأرض ليس آتياً من طبيعة التربة ولا آتياً من طبيعة الهواء ولا المناخ، إطلاقاً إنما هو آتٍ من حماية الله، من رعاية الله عز وجل ومعين هذه الحماية، معين هذه الرعاية هذا السور الذي أحدثكم عنه، ما دام هذا السور متماسكاً، مادام هذا السور مستصلباً قوياً لا خروق فيه فأنا أطمئن القائمين على الأمر وأطمئن كل فردٍ شرفه الله عز وجل بالمقام في هذه البلدة المباركة أن أي يدٍ عاتيةٍ قذرة لا يمكن أن تنال من أمن هذه الأمة منالاً قط. تستطيع أن تخطط، تستطيع أن تفعل وتستطيع أن تضع أمامها الأهداف البعيدة التي تجعلها تتهم المسلمين كما هو شأنها الملتزمين بأوامر الله سبحانه وتعالى بما تفعله فينا وصدق المثل العربي القائل: رمتني بدائها وانسلت.


داءٌ تعاني منه الهمجية الغربية أي معاناة وتأبى إلا أن تنسل من دائها الذي اصطبغت به من الفرق إلى القدم لتتهم البرءاء به. حقاً رمتني بدائها وانسلت، قد تفعل هذا وقد ترمينا بدائها الإرهابي القذر، قد ترمينا بداء طغيانها وهي المسخ الذي تتعالى عنه البهائم في أدغالها وفي غاباتها ولكن، لا يمكن لكل الوسائل التي يمارسها هذا الطغيان الأرعن أن ينال من شبر من أرضنا هذا منالاً، ولكن بشرطٍ واحد هو أن يُضاف إلى هذا السهر المشكور على الأمن ورعاية هذه الأرض أن يُضاف إلى ذلك السهر على رعاية هذا السور، السور هو معين الأمن والطمأنينة، السور هو مصدر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )ألا إن الأمن والأمان عندما تكون الفتن في بلاد الشام[.


لكن يأتي عهد يتهاوى فيه هذا السور عندما يقرب ميعاد الساعة وعندئذٍ يختلط الحابل بالنابل وعندئذٍ يكون للأمر أساسٌ آخر لكنني أقول نحن مسؤولون في هذا العصر، نحن هذا الجيل الذي نمر بمعبر هذا التاريخ إلى الله عز وجل مسؤولون عن رعاية هذا السور والقائمون على الأمر مسؤولون قبلنا عن رعاية هذا السور ووسائل الاختراق كثيرة منظورة وغير منظورة، مباشرة وغير مباشرة وأكثرها بتخطيط من هؤلاء الطغاة الذين حدثتكم عنهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي