مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/11/2003

كلمات على لسان رمضان

لكأني بهذه الأيام القليلة الباقية من هذا الشهر المعظم تنادي على مسامع المسلمين في مختلف أصقاعهم وأقطارهم وبلدانهم أنْ: تعالَوْا فانتهزوا بقايا هذه الفرصة السانحة بين يديكم، لعلها لا تعود، إنها فرصة إن انتهزتموها صلحت أعمالكم، وحُلت مشاكلكم، واستقامت أموركم، وتحول ذُلَّكُم إلى عز، واستحالت خيبة آمالكم إلى نصر وإلى قوة. لكأني بهذه الأيام الباقية من شهر رمضان المبارك تردد على مسامع المسلمين هذا النذير، وأنظر إلى المسلمين فأجد أكثرهم في شغل شاغل عن هذا النداء، هو نداء موجه في الصورة من زمن اسمه رمضان، لكنه موجه في الحقيقة من خالق الأزمان والأمكنة، ألا وهو الله سبحانه وتعالى.


لعل فيكم من يقول: ولكن هاهم الذين يستجيبون لهذا النداء كثر، وهاهي ذي المساجد تفيض بهم، وهاهم أولاء يقيمون الليالي، تتوازعهم المساجد هنا وهناك، وهذا صحيح أيها الإخوة، ولكني كنت ولا أزال أقول: إن هذه صورة تعبر عن ثلة من مجتمعنا الإسلامي، تعبر عن فئة أو عن طبقة معينة من مجتمعنا الإسلامي، فما بال الطبقات الأخرى؟ وأين هي الفئات الأخرى؟ أنا أبحث عن الكثرة؛ ولا تزال الكثرة هي الشاردة، أنا أبحث عن الأغلبية؛ ولا تزال الأغلبية في شغل شاغل عن نداء الله عز وجل في هذه الأيام، أنا أبحث عمّا يسمونه اليوم بالطبقة المخملية، أنا أبحث عن المسؤولين الذين يتربعون على كراسي الحكم، أنا أبحث عن القيادات، هؤلاء هم الكثرة الكاثرة، وهؤلاء ويا للأسف لا يزالون في شغل شاغل عن الاستجابة لهذا النداء، بل عن الإصغاء إلى هذا النداء الذي حدثتكم عنه، وأنّى لهم أن يستجيبوا لمثل هذا النداء وهم عن التذكرة معرضون.


أين تكون التذكرة؟ في مثل هذه المساجد، في أمثال هذه الأماكن، في دروس، في لقاءات، مما تعرفون، ولكن هذه الفئات التي حدثتكم عنها لا تعرف ارتياداً لهذه الأماكن، هي بعيدة عنها، هي غريبة عن هذه المجالس، وهذه المجالس غريبة عنه، إن تلاقيا ففي مناسبات، إن تلاقيا فمناسبة حفلات، ولكن الأمر الذي نبحث عنه غير هذا.


أيها الإخوة:


دعوني أقُلْ لكم: إن مشكلاتنا كثيرة، وهي تأخذ منا بالخناق، وإنها لتنذر بخطر فادح، فما الحل؟ لعل الناس يتصورون حلولاً شتى لهذه المشكلة، التي تدنو إلينا رويداً رويداً، لتأخذ منا بالخناق. ولكن ينبغي أن تعلموا أن ليس لها إلا حل واحد، ألا وهو حل الاصطلاح مع الله، ألا وهو الاصطلاح مع الإله الذي ابتلانا بهذه المشاكل، ولكن أين هم الذين يصغون إلى هذا الحديث؟


في كتاب الله عز وجل آية، آيات تنطبق على حالنا كل الانطباق، وتضع أمامنا الدواء والعلاج، يقول الله عز وجل: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ} [آل ‌عمران: 3/149]، تلك هي المشكلة، والدواء: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ} [آل ‌عمران: 3/150].


تأملوا في المشكلة التي يصفها بيان الله، هي هذه المشكلة القائمة، هذا الكفر الذي أحاط بنا كإحاطة السوار بل القيد بالمعصم، وأنتم تعرفون ولا داعي إلى شرح هذه المشكلة والإطناب في الحديث عنها، مشكلات تطبق علينا كما يطبق القيد على المعصم، وتطوف بنا من كل حدب وصوب، مشكلة الكفر الذي يريد أن يرغمنا على اتباعه، الذي يريد أن يرغمنا على خلع ربقة هذا الحديث بشكل أو بآخر، فما الحل؟ الحل يأتي بعد ذلك مباشرة، {بَلِ} للإضراب، إياكم أن تصغوا إلى حلول غير الحل الذي أقوله لكم {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ {


عودوا إلى مولاكم، اصطلحوا معه، بايعوه من جديد، اصدقوا معه في التعامل، وانظروا كيف يؤول أمركم، كيف تحل مشاكلكم، كيف يستقيم اعوجاجكم، كيف يتحول ذُلُّكُم إلى عز {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ{.


وأعود إلى حال المسلمين، فأجد أنهم في شغل شاغل عن هذا النداء، من الذين يصغون إليه؟ أمثالكم، أما الآخرون، أما الفئات التي حدثتكم عنها فإنهم ولا أبالغ منفصلون كل الانفصال عن هذا المناخ الذي نتحدث فيه، عن هذا النداء الذي يتوجه إلينا به هذا الشهر في أيامه القليلة الباقية.


أيها الإخوة:


أمامنا طريقان اثنان: نحن نقف اليوم في مفترقهما: إما طريق عود حميد إلى الله عز وجل، بصدق وعلى كل المستويات، بدءاً من القيادات إلى القاعدة، إذن فالله عز وجل حَمَّل نفسه مسؤولية نصركم، حَمَّل ذاته العلية مسألة إعزازكم، مهمة نصركم ودعمكم بالقوة والعز والمنعة والغنى، أو أن تسلكوا الطريق الآخر الذي حذر منه بيان الله عز وجل فيما تلوته عليكم الآن، أن تستجيبوا لنداء هؤلاء الذين يدفعونكم إلى ما يسمى التجديد، يدفعونكم إلى ما يسمى الحداثة، يدفعونكم إلى ما يسمى الحرية، وربما إلى ما يسمى الديمقراطية، إلى آخر ما هنالك، فإن استجبتم بالكلام الحلو المحبب فذاك، وإن لم تستجيبوا فإن عِصِيَّ التهديد ماثلة أمامكم، وإنكم لتسمعون نذرها متكررة بين الحين والآخر. فإما أن نسلك ذلك الطريق، أو أن نستسلم للبغاة والطغاة والعتاة المارقين، ونخنع لسلطانهم ونسير وراءهم، فما الخيار؟ سؤالي هذا لا معنى له، أتوجه به إلى أناس هم أفضل مني حالاً، لاشك أنهم يقولون: الخيار هو طريق العودة إلى الله، ولكني أريد أن أوجه هذا السؤال إلى الآخرين، أريد أن أوجه هذا السؤال إلى من لا يتاح لي أن أناقشهم، إلى من لا يتاح لي أن أحاورهم، وأين هي الحرية؟ عندما لا يكون مناخها عاماً، عندما لا يكون سبيل الحوار ممتداً وعاماً وشاملاً، كنت أتمنى أن أطرح هذا السؤال على أولئك الآخرين، ربما لو سمعوا هذا السؤال لدندنوا برؤوسهم وقالوا: نؤثر الطريق الأول، لكني لا أنتظر الجواب من ألسن تتحرك، أنتظر الجواب من قلوب تنبض، أنتظر الجواب من أفئدة يراها علام الغيوب، يطلع عليها الله سبحانه وتعالى.


أيها الإخوة: رزقنا من السماء، ورزقنا من الأرض، وضمانة قوتنا في هذه الحياة، ضمانة عزنا في هذا اليوم الذي نعيش فيه، وفي الغد الذي ينتظرنا، منوطة بشيء واحد هو العودة إلى الله، هو الرجوع بصدق بصدق إلى الله سبحانه وتعالى.


بالأمس الدابر منذ سنتين أو ثلاث، اتجهت هذه الأمة اتجاهاً شاملاً إلى الله بالاستغاثة والإنابة والتوبة على كل المستويات، اجتاحت الناس جميعاً حالة من التداعي إلى الله عز وجل، بعد جفاف عرفتموه، وابتليتم به، فماذا كان جواب الله عز وجل لمن استغاثوا ولمن توسلوا برحمة الله عز وجل، بعد أن دعاهم الداعي من أعلى القمة إلى هذا الذي اجتمعوا من أجله؟ كان جواب الله عز وجل أن خذوا، رزقكم غير ممنوع، والكرم لم ينقطع، لكني أريد منكم عوداً حميداً إلى الصراط الذي اخترته لكم، فما إن استغاث العباد بالله حتى أنجدهم الله وأكرمهم.


واليوم أيها الإخوة، ننظر وإذا بتلك النذر تطل علينا من جديد، إذا بنذر الجفاف تطل علينا من جديد، أيها الإخوة ما الذي حصل؟ التجأنا إلى الله عز وجل، وهل نكثنا على أعقابنا بعد الالتجاء؟ نعم نحن لم ننكث على أعقابنا بالألسن، لكن بالسلوك، المطلوب أن نصدق مع الله في العهد الذي عاهدناه به، ومسجد الأموي شاهد على ذلك، والنداء الذي وجهته قيادة هذه الأمة للتداعي وللاجتماع والتوبة إلى الله عز وجل شاهد.


هل نحن لا نزال على العهد أيها الإخوة؟ لا، المنكرات كثيرة، وليت أن المنكرات تعقبها أو يعقبها غطاء من الإنكار، المنكرات مهما كثرت ليست هي الخطر، ولكن الخطر يتمثل في منكرات تنتشر ثم لا توجد ألسن تحذر منها، لا يوجد منكر يحذر من هذه المنكرات، ما كان الناس في يوم من الأيام معصومين، لكن الخطر أن يشيع المنكر، وأن تُكَمّم الأفواه، أو أن يَكُمِّم الناسُ أفواههم فلا يتحدث عن هذا المنكر بكلمة.


أقولها لكم أيها الإخوة: ما الفن؟ هل عرّف الناس الفن؟ أنا واحد ممن وقفت طويلاً أمام هذه الكلمة لأعرِّفها: الفن تعبير متميز عن عواطف الأمة، وعن مبادئها، وعن معتقداتها، وعن آمالها وآلامها. الفن هذا هو، أرأيت إلى الإنسان الفرد عندما يعبر عن مشاعره، آناً يعبر بلسانه الذي يتمتع به، ويستعمل المنطق والبيان، وآناً يعبر بعينيه، وآناً يعبر بقسمات وجهه وتطلعاته، أليس كذلك؟ الأمة كذلك كهذا الوجه، الأمة آناً تعبر عن آمالها وعن عقائدها وأفكارها، تعبر عن ذلك بالمنطق، وآناً آخر تعبر عن ذلك بالفن، إذن الفن تعبير متميز كتعبير العينين بالنسبة لوجه الإنسان عن عقيدة الأمة، عن أحلام الأمة، عن آلام الأمة، عن آمال الأمة. فهل استعملنا الفن تعبيراً عن هذا؟ المسألة مَرَّت؟ وربما قال قائل: لماذا؟ ما الحاجة إلى الرجوع إليها؟ هي مَرَّت ولكنها لم تُغَطَّ بإنابة إلى الله مَرَّت ولكنها لم تُغَطَّ باعتذار إلى الله، إلى الله سبحانه وتعالى.


استعمل الفن للاستخفاف لا بالأشخاص، لا، الأشخاص رموز، استعمل الفن للاستخفاف بالله وأحكامه، استعمل الفن للاستخفاف بطائفة من القيم والآداب، وقال قائل: إنها استخفاف بأشخاص. لا، هؤلاء الذين استعملوا هذا الفن بهذه الطريقة ليسوا من الغباء بحيث يضعون قرآننا ليتجهوا إليه بالاستخفاف، ليسوا من الغباء بحيث يضعون أحكام الله عز وجل ليتجهوا إليها بالهزء والاستخفاف، هم أكثر دقة وتحفظاً من هذا، وضعوا الرموز من أشخاص: نساء، رجال، أجل، واستخفوا بدين الله عَبْر هذه الرموز، والله مطلع، أجل أيها الإخوة، وأعود فأقول ما الفن؟ الفن هذا الذي حدثتكم عنه.


يقول قائلون: ولكن الإنسان حر، في الناس من يريدون أن يعبروا عن أفكارهم الجانحة، ففيمَ نكمم أفواههم، لاسيما على مسرح الفنون؟ وأنا أقول: لا نكمم أفواههم، ولكن كما أن لهذا الجانح أن يعلو مسرح الفن فيتحدث عن جنوحه، ينبغي بعد ذلك مباشرة أن يعلو مسرح الفن من يعبر عن نقيض ذلك، عندما تكون مسارح الفنون متفتحة الأبواب لهؤلاء وهؤلاء وأولئك طبقاً للمثل القائل: دع الزهر كلها تتفتح، فالرصيد إنما هو للحق، الرصيد دائماً إنما هو لدين الله عز وجل، لأن الأمة هذه هي وجهتها، ولأن التيار الغالب هو التيار الموصول بالله سبحانه وتعالى، ومرة أخرى أقول لكم: المقياس لم يغب عن أذهانكم، قبل سنوات رأيتموه، في الناس والفئات والأمم التي زحفت إلى مسجدنا الكبير العامر، كل هذه الأمة زحفت، مقياس لا ينسى بشكل من الأشكال. نعم أيها الإخوة، أنا أقول لكم: الفن أداة للتعبير عن مشاعر الأمة كلها بقضها وقضيضها، لا مانع من أن يأتي من يريد أن يعبر بالفن عن مشاعره الخاصة، ولكن على أن يأتي بعد ذلك ومع ذلك من يعبر على المستوى ذاته وبالطريقة ذاتها وعلى المسرح ذاته وبالوسيلة ذاتها، يعبر عن الحق الذي هو لسان هذه الأمة.


هذه كلمات أيها الإخوة أظن أنني حدثتكم عنها على لسان هذا الشهر، بل على لسان بقايا الأيام الباقية من هذا الشهر، ولست أدري هل سنعيش لنستقبل شهر رمضان الجديد؟ هل سنعيش لكي نتعامل مع الله سبحانه وتعالى في ظل رمضان الجديد؟


أسأل الله عز وجل أن يلهمنا عوداً حميداً إلى دينه على كل المستويات.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة