مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 08/08/2003

الظالم سوط الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


أرأيتم إلى ملك ذي بسطة وسلطان له بطانة من حوله لا تخلص له في الخدمة وتخونه في العهود والمواثيق، وذات يوم أقبل عدو شرس يطمع في هذه المملكة وخيراتها، ما الذي يفعله هذا الملك عندما يكون ذا دربة ودراية؟ يبدأ بالبطانة التي تخونه والتي لا تخلص له في الخدمة والرعاية فيبعدها عن فرصة السعي إلى الانتصار على ذلك العدو؛ حتى لا ترفع لنفسها بذلك رأساً وحتى لا تتخذ من ذلك يداً عند الملك فتقوى من جديد وترسخ مكانتها حوله مرة أخرى. يضرب الملك بيد من القوة على هذه البطانة يذلها ويبعدها ثم إنه يرسل جنداً من جنوده إلى تلك القوة المعتدية فيقضي عليها، وبذلك يجمع الملك الحصيف بين أمرين: لم يدع فرصة للبطانة الخائنة أن ترفع رأسها بنصر تتخذ به يد عند الملك، وبالوقت ذاته سلط هذا الملك جنداً من جنوده على ذلك العدو الطاغي فقضى عليه. هذا مثل للتقريب أذكره ولله المثل الأعلى.



بالأمس استشرى العدوان ولا يزال على بقعة من بقاعنا العربية والإسلامية، وانتظر الناس ونظروا وعلقوا الآمال على ما يمكن أن يجري، وعلى وعود الله سبحانه وتعالى لعباده بالنصر، ولكنا نظرنا فوجدنا أن عباد الله الذين يملأون رحاب هذه البلاد العربية الإسلامية لم يقيض لهم نصراً، ولم يأيدوا بشيء من التوفيق، وظن السطحيون من الناس أن هذا يعني أن العدو قد انتصر وأن الطغيان قد استحكم، ولكنهم لا يعلمون سنة رب العالمين سبحانه وتعالى.



المسلمون الذين يملؤون رحاب هذه الأرض ليسوا أهلاً لكي ينصرهم الله، أقول هذا بكلمة بسيطة واضحة، ذلك لأنهم ليسوا على العهد كما كان أسلافهم وليسوا سائرين على النهج القويم الذي أمرهم الله سبحانه وتعالى به، خليط من أناسٍ تبرموا بالإسلام فاجتووه وملوه ومن أناسٍ يريدون أن يأخذوا منه مزيجاً يخلطونه برغائبهم وشهواتهم وأهوائهم والأنظمة الأخرى التي يسيل عليها لعابهم. وفئة أخرى تتخذ من الإسلام مجرد إطار مجرد هالة تعتز بها، مجرد نسبة تراثية إلى الآباء والأجداد، توجد بين هؤلاء وأولئك قلة كما قلت لكم بالأمس لا يزالون على العهد، والله سبحانه وتعالى فيما نقرأ من قوانينه في كتاب الله لا ينتصر لهؤلاء الذين لم ينتصروا لدين الله سبحانه وتعالى، لا ينتصر لهم، ولكن أفإن خذلهم الله عز وجل كما وقع وحصل، أفإن خذلهم الله سبحانه وتعالى أفذلك يعني أن الله سينصر الطغيان وأن الله سنصر أعداء دينه!؟ ما عاذ الله.


ذكرت لكم المثل الذي يمثل سنة عظيمة من سنن ربنا سبحانه وتعالى في محكم تبيانه، ألم تقرأوا قوله: )إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ[ هذا قانون الله عز وجل. ثم قال: )كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [كتب الله، قضى لأغلبن أنا ورسلي وسكت عن بقية الناس، ينصرهم إن انتصروا لدين الله وأخلصوا في أعمالهم وعقائدهم لدين الله عز وجل، ويخذلهم إن هم خانوا العهد وسلكوا السبل المتعرجة التي نهاهم الله عز وجل عن سلوكها إذ قال: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[.


إذاً قانون الله عز وجل أن عباد الله المؤمنين إذا خانوا العهد واجتووا الدين وملوا الاستمرار والاستقامة على صراط الله سبحانه وتعالى يخذلهم الله سبحانه وتعالى في مثل هذا المعترك ولا يؤيدهم، ولكن الله عز وجل في الوقت ذاته ينتصر للحق ولدينه ويرسل على الطغيان جنداً من جنوده. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الطبراني في الأوسط من حديث جابر: "الظالم سوط الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه" وفي رواية: "الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه". وقد روى الديلمي في الفردوس من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى في هذا حديثاً قدسياً عن رب العزة سبحانه وتعالى: )أنتقم ممن أُبغض بمن أُبغض ثم أصيرهما إلى النار[ )أنتقم ممن أُبغض بمن أُبغض ثم أصيرهما إلى النار[.


 ما معنى هذا الكلام الدقيق المخيف أيها الإخوة؟ معنى هذا أن عباد الله المؤمنين الذين ذاقوا طعم نصر الله لهم وذاقوا لذة إكرام الله سبحانه وتعالى إياهم، وذاقوا لذة العزة التي بوأهم الله سبحانه وتعالى مكانتها، عندما يتناسون هذه المكرمة وينسون هذه العزة وينسون هذا التأييد ثم إن لعابهم يسيل على ما لدى الأعداء ولدى الآخرين مما ترون أو تسمعون، فإن الله سبحانه وتعالى ينتقم منهم بعدوٍ مثلهم، ينتقم ممن يُبغض بمن يُبغض - هذا العدو الذي أقبل إلينا، ثم إنه يصيره جميعاً إلى النار. أو خذ الحديث الآخر )الظالم سوط الله في أو عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه[.


أن يتوقع المسلمون اليوم لاسيما العرب، نصراً مؤزراً ينصرهم الله وهم على هذه الحال التي وصفت ما ينبغي أن يحلموا بذلك، قوانين الله معروفة ما ينبغي أن يحلموا بذلك، لابد أن تفاجئهم الذلة تلو الذلة والمحنة تلو المحنة ولكن هل هذا يعني بالمقابل أن ينتصر الباطل وأن يتمزق الحق بأيدي هؤلاء الطغاة الوافدين إلى بلادنا العربية والإسلامية؟ أيضاً هذا لا يمكن أن يكون. كأن الله عز وجل يقول: أما أنتم يا أيها المسلمون الذين تركتم صراط الله وسلكتم السبل المفرقة والمتفرقة التي نهيتكم عنها فابتعدوا عن سلم الانتصار لن تبوؤا بهذا النصر أبداً لستم أهلاً لذلك، أما هؤلاء الطغاة فلسوف أرسل إليهم جنداً من جنودي ولسوف أمحقهم بقوة من عندي تتطهر الأرض دون أن يملك العرب أن يرفعوا رأسهم عالياً بشيء من هذا النصر. ألا ليت المسلمين وفي مقدمتهم القادة يعتبرون ويدركون سنن الله سبحانه وتعالى في عباده.


ها هم أولاء الطغاة الذين أقبلوا بالأمس وإن الكبرياء ليزمجر في أفواههم وحلوقهم وإن كلمات الطغيان لتتعالى من حلوقهم ومن أفواه القادة الكبار أو الصغار منهم. واليوم أين هي كبرياؤهم؟ أين هي زمجرتهم التي كنتم تسمعونها قبل شهرين أو ثلاثة أشهر والأيام القادمة ستحمل مزيداً ثم مزيداً من معاني الذل والقهر للذين حادوا الله ورسوله )إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ[.


ولكن احفظوا هذا القانون أيها الإخوة، إذا كان الذين يحادون الله ورسوله في الأذلين. أفمعنى ذلك أن تكون كفة المسلمين التائهين عن صراط الله راجحة؟ كذلك هذا لا، ليس بين الأمرين أي تلازم وها أنتم ترون الشواهد على ذلك، جنود لا جند واحد من عند الله عز وجل تترا لتبين عاقبة الطغيان ولتبين عاقبة من يريد سوءً بدين الله ولمن يعلن الحرب على الله لا على عباد الله سبحانه وتعالى. والغد القريب يحمل مزيداً من العبر التي تبين ذلك.


لعل في الناس من يقول: وهذا كلام تكرر - ولكن عمر الطغيان طويل فلماذا أمهلهم الله سبحانه وتعالى إلى اليوم؟ وهلا قضى على الطغيان وهو في الأيام الأولى من ولادته؟


 إنكم لتقرأون كتاب الله عز وجل وتقفون على سننه وقوانينه، ربنا سبحانه وتعالى من عادته أنه يمهل ثم يمهل ويترك فسحةً للارعواء، للرجوع، للهداية .. لعل فيهم من يؤوب، لعل فيهم من يعود، هذه سنة رب العالمين سبحانه وتعالى )ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [ ألا تقرأون قصة قارون في كتاب الله عز وجل )وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ[  كم بقي وهو على هذه الحال؟ مدة طويلة لماذا؟ لكي يسمع النصح ولكي يمر بالفرصة تلو الفرصة لعله يؤوب، تلك هي ظاهرة من ظواهر الرحمة الإلهية إلى جانب ظاهرة العدل: )إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[ لابد أن تمر أعوام تلو الأعوام لكي يسمع هذه النصائح، نعم وإنكم لتعلمون أن الله سبحانه وتعالى أمهل له، ألم يقل )فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ[ لابد لكي تؤخذ العبرة ولكي يقف المسلمون والتائهون أمام هذه الصورة ما بين إنسان مفتون بها وما بين إنسان معتبر بها، لا بد من عمر لهذا الطغيان لكن ماذا كانت العاقبة؟ )فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ[ 


سنة رب العالمين أيها الإخوة لا تتبدل ولا تتغير. وما أشبه اليوم بالبارحة، طغيان طغاة اليوم صورة طبق الأصل لطغيان الطغاة بالأمس، وليت أن المسلمين قادةً ثم شعوباً وقفوا وقفة تدبر أمام كتاب الله عز وجل يتأملون في هذا الذي جرى، عندما حاول العرب المسلمون أن يبذلوا الجهود التي بذلوها لكي ينتصروا على الطغيان قال لهم الباري سبحانه وتعالى فيما رتب وفيما قضى: لا لا ارجعوا لستم أهلاً لهذا الانتصار أنتم، أنتم لا تريدون الإسلام أنتم تريدون هذا النهج الذي يلزمه هؤلاء الطغاة الذين يطمعون بأموالكم، ابتعدوا لن أتوجكم بتاج النصر أبداً، فلما ابتعدوا شذر مذر وحصل ما حصل أوعز الله سبحانه وتعالى إلى جند من جنوده أن يفتكوا وأن يجعل الله سبحانه وتعالى من هذا الذي يجري على مسرح الأحداث عبرة للمعتبرين لكن أين هم المعتبرون؟ كم وكم أقف أمام هذه الكلمة القرآنية متأثراً ولكني أحاول أن أسمع لها صدى فلا أسمع: )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ[ اقرأوها في سورة القمر وانظروا كم وكم يكررها مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى.


عتب رقيق لكنه جارح )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ[ اللهم إنا نسألك أن ترزقنا العودة إلى دينك وأن تحي قلوبنا بالتأثر بكلامك وبالاصطباغ بذل العبودية لك حتى تنصرنا. لي القوة كم بقي وهو على هذه الحالتمتعوا يأكلوا را لتبين عاقبة الطغيان ولتبين عاأرض لى صراط الله سبحانه وتعالى


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة