مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/06/2003

الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة

الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 13/06/2003


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن أن شرعة الجهاد ماضية إلى يوم القيامة، إلا أنني لم أجد موجبات الجهاد القتالي وأسبابه المختلفة قد تجمعت في عصر من العصور كما تجمعت في عصرنا اليوم، بلاد المسلمين وأراضيهم محتلة، حقوقهم مستلبة ومنهوبة، البرآء من رجالهم ونسائهم وأولادهم يقتلون صباح مساء، ومع ذلك فما وجدت في عصر من العصور لدى جيل من أجيال المسلمين إعراضاً كلياً عن هذا الواجب، واجب الجهاد القتالي كما ألاحظ إعراض المسلمين عنه في هذا العصر، غدا الجهاد المبرور الذي أمر الله عز وجل به إرهاباً، لا على لسان أعداء الله وأعداء دينه، بل على لسان قادة العرب أو جلَّهم.


هذا الواقع المؤلم الذي نعانيه في هذا اليوم هو باختصار المشكلة التي ينبغي أن يقوم ويقعد بها العالم الإسلامي اليوم، الجهاد فريضة ولم تتجلَّ أسباب فريضتها في عصر من العصور كما تجلت في هذا العصر، وقادة المسلمين ما أعرضوا في عصر من العصور كإعراضهم عن هذا الجهاد بل وقوفهم في وجهه كالمسلمين في هذا العصر، بل إنني - أيها الإخوة - نظرت فما وجدت نوعية لقادة المسلمين قد ضُرِبَ عليها الذّل وضربت عليها المهانة وباءت بمسكنة وخزي كنوعية القادة، قادة المسلمين في هذا العصر، وفي مقدمتهم قادة البلاد العربية، تنظر إليهم تجدهم آساداً على شعوبهم، فإذا أطل العدو الطاغي عليهم برأسه تحولوا إلى قطعانٍ من الأنعام الذليلة المهينة الخاضعة لكل ما يأمر بل لكل ما يشير به العدو، متفرقون متخاصمون، فإذا اجتمعوا فإنهم لن يجتمعوا إلا بقيادة عدوهم، أليس هذا هو واقع جلِّ قادة المسلمين في هذا العصر أيها الإخوة؟.


اتهم الجهاد لا على ألسنة أعداء الله بل على ألسنة الأوكسترا – ولا أجد تعبيراً أدق من ذلك – التي تظل تتبع بنعيق دائم ما يقوله الأعداء، من أن الجهاد إرهاب، وقد أعلن الله عز وجل في بيان واضح قاطع صريح، يقول: ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 2/190] جهادنا دفاع عن حق، يتمثل في أرض، وطن، ممتلكات يتمثل في قيم، يتمثل في حقوق، في مبادئ، جهادنا ليس طغياناً، جهاد الإسلام ليس طمعاً في أرض لا نملكها، في حقوق لم يملكنا الله عز وجل إياها، جهاد الإسلام ليس طمعاً من المسلمين وهم يقيمون في قارة بالأموال والحقوق والممتلكات التي تبرق أمام أعينهم في قارة أخرى، جهاد المسلمين إرهاب؟ ولكن قادة العالم العربي جعلوا من أنفسهم تبعاً وذيلاً مهيناً لكل ما يشير به أعداء الله سبحانه وتعالى.


أنظر إلى كتاب الله، وأجد الآيات التي يهيب الله عز وجل فيها بعباده المؤمنين أن يهبوا ويقاتلوا في سبيل حقوقهم، في سبيل المستضعفين من إخوانهم، أتأمل في هذه الآيات، فإذا بها غدت غريبة، في عالمنا العربي والإسلامي على الرغم من أن عدد القرّاء لكتاب الله عز وجل يتزايدون، أقف أمام قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً، وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ [النساء: 4/74-75]، ثم قال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾ [النساء: 4/76].


منهو الإرهابي؟ ومن هو المدافع عن الحق؟ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: 4/76] وقد شرح البيان الإلهي سبيل الله إذ قال: ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 2/190] أتأمل في هذا البيان الإلهي ومثل هذه الآيات كثير، وأنظر إلى موقع هذه الآيات التي تدعو إلى الجهاد في بلادنا العربية والإسلامية فأجدها قد غدر آيات غربية، غريبة غربة عجيبة ومؤلمة، على الرغم من أنكم تسمعون صباح مساء المقرئين ترتفع أصواتهم بتلاوة آيات من كتاب الله عز وجل، شكل، أما المضمون فمعدوم.


هذه صورة أقولها لكم للمشكلة، وليس من شأني أن أضعكم أمام مشكلات ثم لا أقوى على وضع الحل لها، لا بدَّ أن أتبع المشكلة بالحل.


لئن كان قادة المسلمين قد تحولوا إلى ذيول، وجنود لأعدائهم، ولئن ضربت عليهم الذلة والمسكنة بكل أنواعها، فأصبحوا تبعاً لأعداء الله عز وجل، أفيكون هذا مبرراً لإلغاء الجهاد، وبطلانه والقضاء عليه، وقد سمعتم بعضاً من آي الكتاب المبين المحكمة والباقية أحكامها إلى يوم القيامة؟ لا، أيها الإخوة! موجبات الجهاد تدعو كل مسلم أن ينهض فيؤدي الواجب الذي أناطه الله عز وجل بعنقه، ما وَسِعَه السبيلُ إلى ذلك، ما وسعه السبيل إلى ذلك.


أرض العراق أرض إسلامية، يعتز بها التاريخ الإسلامي وتعتز هي بالتاريخ الإسلامي، وها هي ذي محتلة والعدو الذي أقبل إليها من بعيد بعيد، كان يقول إنه يبحث عن أسلحة الدمار الشامل، فلما احتل واستمرأ الأرض والحق نسي ما كان يبحث عنه، وأعلن في أعلى مؤسسة إن جاز التعبير ترى حقوق الإنسان أنه اليوم محتل وغاصب، هكذا يعلن هذا العدو الطاغي، إذن أرض إسلامية عزيزة محتلة، حقوقها منهوبة ومستلبة.


وفلسطين التي أوصى بها بيان الله سبحانه وتعالى، والتي أوصانا بها رسول الله من خلال مسراه، تعاني مما تعلمون، يقتل الأبرياء صباح مساء، ويلاحق المدافعون عن حقوقهم بالاغتيال، فلا يتحرك فم عربي باستنكار ذلك، أبداً، لماذا؟ لأن السيد الطاغي قد أصمتهم وأسكتهم، فإذا دافع هؤلاء المسلمون عن أنفسهم، وإذا أعلنوا أنهم خاضعون لأمر الله، وأنهم سيجاهدون في سبيل الله، هبّ هؤلاء العرب مستنكرين، يا عجباً، بالأمس، قتّل البرآء ولوحق الذين يدافعون عن حقوق البرآء، فصمتم وسكتم، بل باركتم عملهم، وأنتم عرب مسلمون، واليوم يدافع هؤلاء المسلمون دفاعاً عن حقوقهم وهذا واجبهم وواجبنا، فسرعان ما رفعتم أصواتكم بالنكير، أإلى هذا الحد أنتم صدىً لأعداء الله عز وجل؟ أإلى هذا الحد ضربتكم الذلة والمهانة والمسكنة؟ أجل.


ولكن الشعوب الإسلامية لا يزال فيها خير، لا يزال فيها هياج، ولا تزال تنشد نشيد الجهاد، ولا تزال تبحث عن نافذة تتسرب منها إلى حيث تجاهد في سبيل الله، على هؤلاء المسلمين أن يتجهوا من أي نافذة فتحت أمامهم، من أي سبيل فتح أمامهم ليقاتلوا في سبيل الله، على أن يسيروا على أرض صلبة، وطبق خطة رشد، وألا تكون الأمور سائرة بشكل عشوائي، فيقع المسلمون من جراء ذلك في نقيض ما يهدفون إليه.


ولكني أعلم وأعتقد أن نوافذ كثيرة وأبواباً كثيرة أمام شعوب العالم العربي والإسلامي مفتّحة، والعروق ممتدة ما بينها وبين هذه البلاد التي تئن تحت وطأة الاحتلال، تحت وطأة العذاب المهين، لئن كان قادة العالم العربي والإسلامي قد مسخوا فتحولوا إلى كتل من الذل والمهانة تتحرك ما بين شعوبها؛ فإن الشعوب لا تزال تنبض بنبضات الإيمان، بنبضات التوجه إلى الأجر العظيم الذي ادخره الله عز وجل للمقاتلين، ﴿وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء: 4/74] هكذا يقول الله سبحانه وتعالى، والمؤمن أيها الإخوة يعلم أن عُمْرَ الدهر قصير فما بالكم بعمره هو، ما أقصر عُمر الإنسان أمام الأجر الذي ادخره الله سبحانه وتعالى له.


تلك هي المشكلة وهذا هو الحل، وأنا على يقين أن عدوكم بمقدار ما هو طاغ وباغ، بمقدار ما هو جبان وخوّار، عندما يجد أن الشعوب الإسلامية تزفر زفيرها، وتزأر زئيرها، وتتجه ولكن ضمن خطة رُشد، وعلى أرض صلبة للدفاع عن القيم، وللدفاع عن الأرض الإسلامية وللدفاع عن الحقوق.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي