مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 30/05/2003

الإسلام ضرورة حصننا الإسلام

الإسلام ضرورة حصننا الإسلام


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 30/05/2003


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


لقد استقر في أذهان قادة العالم العربي والإسلامي أجمع على اختلاف فئاتهم واختلاف توجهاتهم أن هذا الغزو الأمريكي الذي داهم العالم العربي اليوم إنما يهدف إلى شيء واحد؛ يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من فاعلية الإسلام في المجتمعات الإسلامية، ويهدف إلى خنق المخاوف التي يتخيل الغرب من خلالها أن الإسلام عاد إلى اليقظة اليوم، وأن المسلمين يتجهون في بلادهم العربية والإسلامية إلى عود حميد إلى دينهم، هذا ما انتهت إليه قناعة سائر قادة البلاد العربية والإسلامية اليوم، وإنهم ليعلمون ويتحدثون بأن سائر ما تطمح إليه أمريكا وما تطمع فيه من آمال ورغبات في بلادنا العربية الإسلامية لا يتأتّى لها الحصول عليها بأمن وطمأنينة إلا إذا تحطّم الحصن الذي يفصل بين طموحاتها وبين آمالها هذه، والحصن الذي تتبينه وتعلمه يقيناً هو حصن الإسلام، إنها تعلم أن العولمة التي تحلم بها قادة أمريكا وطغاتها لا يمكن أن يتحقق إلا بالقضاء على المخاوف التي تساورها من أن يعود الإسلام في بلاد المسلمين إلى فعالية الماضية، ومن أن تزدهر اليقظة الإسلامية، وأن ننظر وإذا بالصحوة الإسلامية قد آتت أكلها، كل هذا أصبح شيئاً معترفاً به ومجمعاً عليه لدى قادة البلاد العربية والإسلامية اليوم . نرى هذا في مجالس كثيرة تضمنا مع كثير من هؤلاء القادة، ونسمع ذلك من بُعْد وقرب من كل هؤلاء الذين يتبوؤون مركز القيادة في العالم العربي والإسلامي.


فإذا كانت هذه القناعة عامة شاملة، وإذا بلغت هذه القناعة إلى مستوى الإجماع لدى هؤلاء الحكام والقادة، فما الذي يمليه عليهم وعلينا المنطق والعقل والعلم؟ من الوضوح بمكان أن الذي يمليه في هذه الحالة كل من المنطق والعقل والعلم ضرورة التمسك بهذا الحصن، عندما يضع العدو هدفه في القضاء على الحصن ليخترقه إلى آماله ورغائبه ومطامعه التي يحدث نفسه بها، إذن فمن البداهة بمكان أن على الذين يقيمون داخل هذا الحصن أن يدافعوا عن حصنهم ما أمكنهم ذلك، وأن يعلموا أن هذا الحصن هو الذي يرعى حقوقهم، وهو الذي يحول ما بينهم وبين عدوهم، وأنه هو الذي يقطّع آمال العدو دون الوصول إلى مبتغياته الأخرى، هذه حقيقة يدركها كل عاقل، فما لحكام العالم العربي؟ ما لهم لا يعودون ليبايعوا الله عز وجل من جديد، وليصدقوا مع الله سبحانه وتعالى في عود حميد راشد إلى إسلامهم؟ ما لهم لا يعودون ليكونوا حراساً لهذا الحصن الذي أجمعت كلمتهم هم دون غيرهم على أن الغزو الأمريكي لا يبتغي بهذا الحصن بديلاً، وقد أجمعوا أن سلسلة المطامع التي يبتغيها الطغيان الأمريكي لا يتحقق لهم إلا بعد أن يندكّ هذا الحصن، أي إلا بعد أن تندك مخاوفهم من الإسلام، وبعد أن يطمئنوا على أنهم قد قضوا على البقية الباقية من فاعلية الإسلام في المجتمعات الإسلامية، إذن ما لهم لا يجعلون من أنفسهم حراساً لهذا الحصن؟


بالأمس اعتذر كثير من قادة البلاد العربية والإسلامية عندما دعوا إلى أن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الأمريكي الصهيوني، اعتذروا بأنهم ضعاف لا يملكون الوقوف في وجه هذا الطوفان، حسناً إنهم لا يملكون أن يقفوا وقفة عسكرية واحدةً في وجه هذا الطغيان، أفلا يستطيعون أن يتحولوا إلى حرّاس أمناء لهذا الحصن، أفلا يستطيعون أن يعودوا فيبايعوا مولاهم وخالقهم من جديد، مَن الذي يمنعهم من أن يعودوا إلى إسلامهم فيعتزوا به ويمارسوا دور الحماية له ودور الرعاية له؟ مَنْ ذا الذي يمنعهم من هذا؟ بالأمس كنا نتلو بيان الله سبحانه وتعالى، والآيات الكثيرة التي يتعهد الله سبحانه وتعالى فيها لعباده المسلمين أن يحميهم من أطماع الطامعين، وأن يكلأهم برعايته من غزو الغازين وهيمنة المتسلطين، وكنا نذكر بهذه الآيات التي ألزم الله عز وجل فيها ذاته العلية ولا ملزم له بأن يكلأ عباده الذي أخلصوا لإسلامهم؛ بأن يكلأهم بعين عنايته، وبأن يرعى أوطانهم، وبأن يحفظ كل ما تحتضنه هذه الأوطان من ثروات ومن قوة ومن غنى إن هم أخلصوا لهذا الدين، فلم يكن أكثر هؤلاء القادة يرعون ويلتفتون إلى هذه المؤيدات، وظَلُوا في أحسن أحوالهم يتعاملون مع الإسلام التقليدي، يتعاملون مع شعاراته ويلتفتون إليه في المناسبات المتكررة التي تمر في كل عام مرةً أو مرتين أو ثلاث مرات.


واليوم ها هو ذا العدو الشرس الطغيان الأمريكي الصهيوني يعلن ولا يستخفي أنه إنما يريد من هذه الأمة إسلامها، وإنما يريد أن يقضي على مخاوفه المتمثلة في البقية الباقية من فاعليتها في هذه المجتمعات خوفاً من أن تزدهر هذه البقية، وأن نعود هذه المجتمعات إلى ماضيها الإسلامي الحضاري المتألق.


إذن، فيا قادة العالم العربي والإسلامي! إن لم تكونوا تؤمنون بوعود الله وعهوده؛ فلتأخذكم مخاوفكم من هذا العدو الشرس الذي يعلن عن كيده لإسلامكم، والذي يعلن عن رغبته في تحطيم هذا الحصن الذي لا ثاني له ألا وهو حصن الإسلام. بالأمس واليوم كنا ولا نزال نكرر ونردد قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: 14/13-14] كنا نكرر قول الله سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: 5/15-16] كنا ولا نزال نكرر على مسامعهم قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 21/105-106] كنا ولا نزال نكرر على مسامعهم قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ [الإسراء: 17/9] فما كان هؤلاء القادة ليلتفتوا إلى هذه البيانات وظلوا مقتنعين بإسلامهم التقليدي الذي لا يغني ولا يسمن عن جوع، ولا يرضي بارئنا وخالقنا سبحانه وتعالى.


واليوم ها هو ذا الدليل الناصع على بيان الله عز وجل وصدق وعده وعهده، والله عز وجل لا يحتاج إلى شهادة هؤلاء الطغاة ليقنعونا بكلام الله عز وجل؛ ولكن أقول هذا لعلّ قادة العالم العربي والإسلامي يجدون في موقف هذا العدو الشرس ما يعود بهم إلى هذه العهود التي ألزم الله بها ذاته العلية؛ فيؤمنوا بها بسبب شهادة هؤلاء الطغاة، ونسأل الله عز وجل العفو والعافية.


إذا كان قادة العالم العربي عاجزين عن الوقوف في وجه الطغيان الداهم الغازي الذي يريد أن يحصل على الحرث والنسل عن طريق تحطيم الحصن الأول لهذه الأمة ألا وهو الإسلام. فإن بوسعهم أن يعودوا فيجددوا البيعة مع الله، بوسعهم أن يعودوا فيخلصوا اتباعهم لدين الله سبحانه وتعالى، وأن يتجاوزوا الانتماء التقليدي إلى الإسلام إلى التمسك الحقيقي به، وبوسعهم هذا، وعندئذ سيجدون أن الله عز وجل ينصرهم بدون قتال، وأن الله سبحانه وتعالى يكف أيدي هؤلاء الغزاة عنهم دون أن يغامروا ودون أن يدخلوا في سبل يقولون إنهم لا يملكون خوضاً فيها.


بالأمس القريب أيها الإخوة - ونعود إلى ملف موقف القادة العرب من الإسلام - بالأمس القريب اتخذ اتحاد الجامعات العربية قراراً أجمع عليه كل أعضاء اتحاد الجامعات أنه يجب أن يكون هنالك مقرر في كل كلية في كل جامعة من جامعات دولنا العربية ألا وهو مقرر الثقافة الإسلامية، أين هو هذا المقرر الذي اجتمعت عليه كلمة الاتحاد؟ أين هو هذا المقرر الذي تمت القناعة به؟ ومصدر هذه القناعة أننا مسلمون، وأن المسلم ينبغي أن يكون متحلياً بالثقافة الإسلامية، وأن يكون له زاد من معرفة الإسلام: جوهره، مصادره، أصوله، تاريخه، ثمراته، حضارته، تم الاتفاق على هذا القرار ثم إنه ألقي بالرفوف، بل ألقي وراء القادة ظهرياً.


إن الغزو الأمريكي يدعو اليوم صباح مساء إلى تطوير وتغيير وتبديل مقررات التربية الإسلامية، وكلكم يسمع، وأنا أقول: نعم، نعم، ينبغي تطوير هذه المقررات، لكن لا إلى النهج الذي يبتغيه الطغيان الأمريكي، أي إلى الأدنى وإلى الانحطاط، وإنما ينبغي تغيير هذه المقررات إلى الأعلى؛ لتتحول من الواقع التقليدي الذي لا يفيد شيئاً إلى الواقع العملي الفعّال الذي يثمر والذي يجعل آمال الغزو الأمريكي تتمزق وتنتهي إلى اللاشيء.


مقررات التربية الإسلامية أين هي فاعليتها؟ أين هي جدواها؟ أين هي قيمتها؟ ومع ذلك فحتى هذا الوضع التقليدي هو مصدر مخافة للغزو الأمريكي، لماذا لا نعود إلى إسلامنا؟ أهنالك شيء يخيف المسلمين من أن يصدقوا مع الله سبحانه وتعالى في إسلامهم؟


أيها الإخوة! أنا أدعو قادة العالم العربي والإسلامي أجمع إلى أن يعود فيجددوا بيعتهم مع الله سبحانه وتعالى، وأن يتحولوا من الانتماء التقليدي إلى الإسلام إلى الانتماء الفعال إلى دين الله سبحانه وتعالى. أدعو قادة العالم العربي والإسلامي أجمع إلى أن يرتفعوا بمستوى مجتمعاتهم العربية والإسلامية إلى مستوى التفاعل الجاد مع دين الله سبحانه وتعالى، وإنما يكون ذلك بإعطاء مقرر التربية الإسلامية قيمته الحقيقية التي لم تعط إلى اليوم لهذا المقرر.


ثانياً: ينبغي أن تصطبغ كل المقررات التي يتلقاها الطلاب في مدارسهم على المستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي؛ ينبغي أن تصطبغ جميعاً بقيم الإسلام وبحقائق الإيمان بالله سبحانه وتعالى، غاب وانطوى ذلك العهد الذي كان أستاذ العلوم إذا تحدث عن حقيقة علمية صبغها بما يدل على الإيمان بالله عز وجل، فعوقب بسبب ذلك، وقيل له: أنت أستاذ علوم، ولست أستاذ دين. غاب ذلك العهد؛ ينبغي أن تكون كل مقرراتنا العلمية المختلفة مصطبغة بصبغة دين الله، تنبض نبضات الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ينبغي أن تجند أجهزتنا الإعلامية على اختلافها لتكون خادماً لعود حميد إلى دين الله سبحانه وتعالى، تماماً على العكس مما يطمع به هؤلاء الطغاة الذين قرروا أن يغزوا بلادنا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ينبغي لقادة العالم العربي والإسلامي أجمع أن يربوا جنودهم على التربية الإيمانية والإسلامية، وأن يجعلوا منهم أناساً تغلي في دمائهم حمية دين الله سبحانه وتعالى.


هذه هي ثمرة القناعة التي اجتمعت عليها كلمة قادة العالم العربي والإسلامي أجمع، كلهم مجمعون على أن أمريكا الآن في خطوتها الأولى هذه لا تبتغي إلا القضاء على البقية الباقية من فاعلية الإسلام، لا تبتغي إلا اجتثاث دين الله سبحانه وتعالى من أرض الإسلام، أما آمالها الأخرى فتأتيها بعد ذلك آلياً، إذا تحطم الحصن وصلت إلى ما تشاء.


هذه هي كلمة المسلمين اليوم الذين يتجهون بآمالهم وبقوامهم وبكل ما يملكون إلى بيعة جديدة مع الله سبحانه وتعالى، وعلى قادة العالم العربي والإسلامي أن يكونوا خير ترجمان لشعوبهم ولآمال أمتهم.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي