مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 04/04/2003

المسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يسلمه لا يخذله

(أثناء العدوان الأمريكي على العراق)


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعد، فيا عباد الله:

نقاط عدة ألفت النظر إليها في خطابي الموجز إن شاء الله تعالى آملاً أن يكرمنا الله سبحانه وتعالى بأخذ العبرة وأن يوفقنا للالتزام بأوامره ووصاياه وللابتعاد عما يحذِّر.

أعود بكم أولاً إلى قول الله عز وجل: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) [آل ‌عمران: 3/149] ثم يقول بعد ذلك مباشرة: (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ) [آل ‌عمران: 3/150]

هما طريقان يضعنا الله عز وجل أمامهما.

الطريق الأول: طريق الخيانة والخضوع للعدو، يحذرنا الله عز وجل من ذلك وينبهنا إلى العواقب الوخيمة للانحطاط في هذا الطريق: (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).

وما المراد بالطاعة؟ ليس المراد بالطاعة الكفر بعد الإيمان، وإنما المراد بالطاعة الخضوع لسلطانه، والانقياد لأمره، والاصطباغ بخداعه، هذا هو المراد بالطاعة وهذا تحذير من الله لعباده المؤمنين أن يخونوا العهد وأن يصدِّقوا العدو وأن يخيل إليهم أن في أعداء الله وأعدائهم من هم أرأف بهم من إخوانهم المسلمين.

ثم إنه يلفت النظر إلى الطريق الآخر؛ طريق الالتزام بالعهد، طريق الخضوع لسلطان الواحد الأحد ألا وهو الله، طريق الخضوع لولاية رب العالمين (بلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ)

ليت أن المسلمين يتشبعون بهذا الكلام الذي يُرِينا اللهُ من خلاله هذين الطريقين، ينبغي أن يعلم كل مسلم أن عدو الله عز وجل لن ينطوي فؤاده على مثقال ذرة من الرحمة بالمؤمنين المسلمين من أي فئة كانوا ومن أي مذهب كانوا - وافهموا ما أقول - العدو الأرعن يحمل شعوراً مشتركاً تجاه المسلمين جميعاً، فما ينبغي أن يُخْدَع الإنسان كما ينبهنا الله عز وجل، ما ينبغي أن يُخدع الإنسان المسلم بوسواس يسري من أفواه الكفرة الطغاة أعداء الله عز وجل إلى فئة المسلمين (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ) لا مولى لنا إلا الله الواحد الأحد سبحانه.

معنى هذا الكلام الذي يخاطبنا به الله عز وجل؛ أن الله سبحانه وتعالى قد تكفّل للمسلمين إذا غزاهم عدو أن يحميهم من غزوه، تكفل لهم ألا يُفْتَح أي خَرْقٍ بأيدي هؤلاء الأعداء إلى أرض إسلامية كان أهلُها صادقين مع الله يتولَّون الله عز وجل ولا يتولون غيره. معنى هذا الكلام الرباني؛ أننا إذا سمعنا اليوم خَرْقاً حصل في جنوب أو غير جنوب فإنما تحقق هذا الخرق بسبب خيانة، ولولا هذه الخيانة لما تحقق هذا الخرق أبداً، سُنَّة ماضية من سُنن رب العالمين، استوعبناها في تاريخ الإسلام الأغر، لا يأتي هذا السُّنَّة أي شذوذ لا من بين يديها ولا من خلفها، على المسلمين جميعاً أن يعلموا، على اختلاف فئاتهم ومذاهبهم وفرقهم، أن هذا العدو الطاغية الذي جاء من آخر الدنيا ليغزو أرضاً إسلامية لن يكون أكثر احتراماً للعتبات المقدسة من الحكومة العراقية المسلمة، ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة، ولو علم إخوة لنا هذه الحقيقة واصطبغوا بمعنى قول الله عز وجل: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تطيعوا فريقاً مِنَ الذيِنَ أوتُوا الكِتَبَ يَرُدُّوكمْ بعْدَ إِيمانِكمْ كَافِرِيْن) [آل ‌عمران: 3/149] لو علموا ذلك واصطبغوا بها لما سمعتم بهذه الخيانة التي حصلت بالأمس قط.

أقول هذا حتى لا يرتاب أحد في وعد الله، أقول هذا حتى لا يرتاب أحد منكم فيما ألزم الله به ذاته العلية (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل ‌عمران: 3/160]. ولكنه قال بعد ذلك: (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [آل ‌عمران: 3/160]. من ذا الذي يتصور أن ذلك الطاغية الذي وسوس إلى بطانته بالأمس في خطاب خاص لم يُذَع أنه ماضٍ إلى هدفه في اجتثاث شأفة الإسلام من العالم الإسلامي كله، قالها بوصفه يهودياً، أجل، قالها بوصفه متهوِّداً، ومن شاء منكم يستطيع أن يسمع كلماته التي قالها. هذا الإنسان الذي ينفِّذ خِطة يهودية رعناء أفيكون أكثر احتراماً وحماية لعتباتنا المقدسة من الجنود الذين يحمون أرض العراق؟ هذه هي النقطة الأولى وافهموها وتبينوا أبعادها.

وما أقوله لكم عما يجري في الجنوب هو ذاته الذي أقوله لكم عما يجري في الشمال، أنا كردي أيها الإخوة، ولكني أضع نسبتي هذه تحت قدمي، عندما أنظر فأجد أناساً من أبناء جلدتي يخونون الله سبحانه وتعالى، ويمارسون العبودية المهينة الذليلة لهذا العدو الآتي من أقصى العالم بهدف يخدم به الصهيونية العالمية، أجل. أنا أتشرف بأن أضع نسبتي هذه تحت قدمي عندما أجد هؤلاء الناس يمثلون الخيانة القذرة في شمالنا العراقي.

النقطة الثانية: ليس أمامنا إلا سلاح واحد أيها الإخوة، كنا ولا نزال هكذا، ليست هذه حالة طارئة، نحن مؤمنون، ومن ثم فالباب الوحيد المفتوح أمامنا إلى الله هو باب الالتجاء إليه، وباب الالتجاء إليه يتم عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى التوبة النصوح إلى الله، المرحلة الثانية البيعة الجديدة لله بالسير على نهجه، المرحلة الثالثة التضرع والدعاء الواجف المستمر.

لعل فينا من يتصور أن إقبال المسلمين أمام هذا المنعطف الذي نمر به علاج نأخذ به أنفسنا بين الحين والآخر، فإذا رأينا أن الجسم قد عاد إلى نهجه وأن الصحة قد رجعت إلى مكانتها ننسى الدواء ونتركه، لا الدعاء عبادة دائمة، لا يطالبنا الله بها ساعة ويتركها ساعة، نحن مطالبون بالدعاء دائماً، ولقد قلت لكم مرة عن الفرق بين الطلب والدعاء، نحن عندما نمد أكف الضراعة إلى الله لا نعبّر بذلك عن حاجة عارضة عندما تحقق لنا ننسى الطلب، نحن دائماً بحاجة، نحن دائماً أذلاء، نحن نمارس عمل الشحاذة، كما يقولون، تجاه مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى.

فلا يَمَلَّنَّ أحد منكم من الدعاء، لا يقولن في نفسه أو بلسانه لقد دعوتُ ودعوت كثيراً فلم أجد الاستجابة، ثم إن هذا الوسواس يجعله يَمَلّ فيعرض عن الدعاء: (إن الله يستجيب للعبد ما لم يَعْجَل) كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يقول: دعوت فلم يُسْتَجب لي) لا أيها الإخوة. اجعلوا دعاءكم غذاء كالغذاء الذي تتناولونه دائماً، بل اجعلوا دعاءكم الواجف عملية كعملية الشهيق والزفير، ما دام الإنسان حياً يمارس فن الحياة شهيقاً وزفيراً ينبغي أن يمارس فن العبودية لله. وفن العبودية لله يتجلى أول ما يتجلى في الدعاء الدائم الواجف. حتى ولو علمنا أن النصر آت لا ريب فيه لابدَّ أن نكون ملازمين لباب الله ملتصقين بأعتابه مترامين بانكسار في ساحة كرمه وجوده.

يروي الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: لقد رأيتُنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي إلى أن طلع الفجر لم ينم لم ترقد له جفن طوال تلك الليلة يصلي ويبكي، أفكان المصطفى صلى الله عليه وسلم في شك من نصر الله وهو الذي وضع يده على أماكن معينة قبل ساعات وقال هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، يُعَيِّن أسماء للمشركين ويعيِّن لمصرعهم أماكن. فلم يتجاوز واحد من هؤلاء الذين ذكر رسول الله أسماءهم مكانه الذي قُتل فيه، ومع ذلك فإنه لم يتم الدعاء ولم يَمَل من الدعاء، بقي من المساء إلى الفجر وهو يلتجئ إلى الله ويقول: (اللهم هذه قريش أقبلت بخيلائها وكبريائها تحادك وتكذب رسولك فإحنهم الغداة يا رب العالمين، اللهم نصرك الذي وعدتني). وظل يدعو ويدعو دون ملل ودون سأم إلى الفجر.

ألسنا أولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا؟ وإني أريد أن أؤكد لكم أنه سلاح ماضٍ فتّاكٌ لاسيما عندما يجأر أحدنا بهذا الدعاء في الأسحار وبقلب واجف وبعد توبة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن لابدَّ من الصبر بعد ذلك، لابدَّ من الصبر مع ذلك وبعد ذلك، فالله يستجيب في الوقت الذي يشاء وكما يشاء، وما ينبغي للإنسان أن يفرض عَجَلته التي خُلق بها على الله سبحانه وتعالى.

ولكن إذا رأيتم جيوباً من الخِزي فاعلموا أن سبب ذلك يعود إلى شيء واحد؛ هو الخيانة، الخيانة التي تطوف بهذه البقعة المقدسة التي يتجه إليها عدو الله وعدونا اليوم أيها الإخوة، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، لا يُسْلمه، لا يخذله) ونحن نسير في الطريق المناقض لهذا الكلام. لا أقول نحن، لا ولله الحمد، نحن في بلدنا هذه ما زلنا على العهد ولله الحمد، لكن جيراناً لنا كأنهم أعلنوا بلسان حالهم أو بلسان قولهم: لا، بل سنفعل نقيض ما قاله رسول الله. المسلم أخو المسلم يخذله، يظلمه، يُسْلِمه إلى عدوه، هكذا سنفعل.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (وها هو الجسد الواحد، الأمة الواحدة يشتكي فيها هذا العضو؛ العضو الأغر، العراق الذي يحتضن تاريخ الأمة؛ العراق الذي ترتفع فوق أرضها ألوية الحضارة الإسلامية عبر قرون طويلة، العراق الذي كان مهد الدعوة الإسلامية ومنه انطلقت الجحافل لنشر الإسلام إلى شرق العالم وغربه، العراق اليوم تصطك أسنان كلاب الصهيونية، خدم الصهيونية، من أجل يقضوا على البقية الباقية من آثار الإسلام فيها، ومن أجل أن يدنسوها فيجعلوها لقمة سائغة للصهيونية العالمية. ومع ذلك فهاهم جيران لنا يستمرئون الخيانة ويُعِيْنُون هذا العدو بكل الوسائل، أجل بكل الوسائل، فإن رأيتم أن بعض الدعاء لا يبلغ عنان السماء يرتد بخيبة إلى أرض من أراضينا فاعلموا أن سبب ذلك هذه الخيانة، ومع ذلك فإني لشديد الأمل بأن رحمة الله سبحانه وتعالى هي الغالبة وبأن الله عز وجل سيستجيب دعاء، لا أقول الآلاف بل الملايين الذين يُقْبِلون إلى الله عز وجل بحناجر ملتهبة بالدعاء من أقصى شرقنا الإسلامي إلى أقصى غربه. أفيرُدّ الله عز وجل دعاء هؤلاء الناس المنكسرة قلوبهم، الذين يطرقون باب الله سبحانه وتعالى بذل العبودية من أجل خيانة رعناء، من أجل سلسلة من الخيانات، من أجل خيانة وقعت بالأمس في جنوب عراقنا الأغر؟ لا، إن الله سبحانه وتعالى سيستجيب: (وأنا عند ظن عبدي بي) وهذا ما أظن.

هما أمران اثنان أحببت أن ألفت نظري ونظركم إليهما.

أقول قولي هذا وأستغفر الله.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة