مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/03/2003

العبرة بالعاقبة وليست بمنعرجات الطريق

العبرة بالعاقبة وليست بمنعرجات الطريق


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 28/03/2003


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


إن مما لا ريب فيه أن هذا القصف الذي يتجه به الطغاة الجبناء إلى البرآء الآمنين في بيوتهم وشوارعهم ومَحَالِّ وأسواق رزقهم؛ لاشك أن هذا يبعث الأسى في نفوس الناس جميعاً، ولاشك أنه يعتصر الأفئدة حَزناً، ولكن مما لا ريب فيه أن ضربة الجبان كانت ولا تزال فيما يعرفه الناس جميعاً أكثر وحشية وأشد همجية. وإننا لنعلم أن هذا الطغيان الأمريكي الجبان الصغير يسير اليوم في مرحلة من الجبن ما مثلها مرحلة، ومن شأن الجبن أن يدفع صاحبه إلى مثل هذا العمل العشوائي الذي ترون أو الذي تسمعون به.


ولكن هنالك عزاء يخفف من وقع الأسى على نفوس الناس الذين يتمتعون بالإنسانية ونبضاتها، هذا العزاء قد رسمه لنا بيان الله عز وجل، نقرؤه جميعاً في قوله سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 2/216]. لو تأملنا في مدلول هذه الآية إذن لشفت الغليل، ولبرَّدت اللظى، ولرأينا فيها عزاء وأيَّ عزاء، ولاستسلمنا راضين مستبشرين لحُكم الله سبحانه وتعالى وقضائه.


القتال الذي كتبه الله عز وجل على عباده المؤمنين في مظهره مصيبة وفي شكله مأساة، وهذا معنى قوله عز وجل: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾، ولكن ما ينبغي للإنسان أن يحبس نفسه في الظواهر، وما ينبغي أن يقف عند حدود ما يلتمع له من سطحية الحوادث، ينبغي أن نخترق الظواهر إلى ما وراءها، كم من طغاة قضى الله سبحانه وتعالى أن تكون نهايتهم التي ينتهون إليها من خلال قتال شاء الله عز وجل أن تدور رحاه بينهم وبين المؤمنين من عباد الله عز وجل، كم من طغاة سَرَحوا ومرحوا ورفعوا الرأس عالياً واستكبروا على الله سبحانه وتعالى وربوبيته؛ قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون القبر الذي يُدفَنون فيه قتالاً تدور رحاه بينهم وبين طائفة من عباد الله سبحانه وتعالى المؤمنين، ولو فتحنا صحائف التاريخ لوجدنا نماذج كثيرة من هذا القبيل أيها الإخوة.


إن مجيء الطغاة الصغار الجبناء الأمريكان إلى بلادنا هذه وهم يسوقون عتادهم وأسلحة دمارهم مظهر من مظاهر الطغيان الذي يبعث الخوف والوجل ربما في النفوس، ولكنك إذا تأملت سُنة الله عز وجل التي تشير إليها هذه الآية التي تلوتها عليكم ستستبشرون، ولسوف تعلمون أن الله عز وجل شاء أن يدفن عفونة هؤلاء الطغاة في قبر مما يخططون له. ولعلكم تعلمون أن النمل عندما تتفجر لها في جوانبها أجنحة فإن هذا المظهر ينبئ أنها تسمو بذلك إلى قوة وإلى أن تستبدل بالأرض التي تعيش عليها وبالجحور التي تتسرب إلى داخلها، تستبدل بذلك طبقات الجو وتعلو بذلك إلى عَنان السماء، ولكننا لو تأملنا نعلم أن ظهور هذه الأجنحة في جوانبها، والتي تجعلها لا تقتنع بحركتها على الأرض ولا ترتضي بأعشاشها التي تعيش فيها، نعلم أن ذلك دليل يُؤْذِن بنهايتها ويْؤذِن بالقضاء عليها؛ إذ ما أسرع أن تصبح رزقاً موفوراً لعالم العصافير والطيور، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها أيها الإخوة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 2/216].


والعزاء الآخر قول الله سبحانه: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 9/51].


إن الدلائل الكثيرة تشير، لا من مؤشرات نراها على الأرض بل من مؤشرات آتية إلينا من السماء من عند الله سبحانه وتعالى، أن عمر الطغيان الأمريكي قد دنا أجله، وأن وجود هذا الطغيان قد قَرُب إلى مَغِيْبه ولعل هذا المغيب لن يطول أكثر من عام. هذه دلائل يكرم الله عز وجل بها كثيراً من عباده تتنزل من عليائه وليست من نوع الدلائل التي يتنبأ بها السياسيون أو التي يستخرجها من أفكارهم أصحاب الخبرات الدنيوية أو الأرضية. فيا أيها الإخوة: لا تَهُوْلَنَّكم مظاهر هذا الطغيان الأرعن ولا تبعثن إلى أفئدتكم مشاعر الحزن هذا الطغيان الصغير القَزْم الجبان، ذلك لأن هذا هو الطريق الذي رسمه الله، والعبرة كل العبرة بالعاقبة وليست العبرة بمنعرجات الطريق. إننا نسير إلى الغاية التي رسمها الله عز وجل لعباده، نسير إلى هذه الغاية في منعرج، والشأن في هذا المنعرج هو هذا الذي ترون.


أما الجهاد الذي يسأل عنه كثير من الشباب بل كثير ممن يعيدون إلى أذهاننا بل إلى مجتمعاتنا صوراً متألقة من حياة السلف الصالح، من حياة أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم الذين كانوا يضعون دنياهم وملاذَّهم وشهواتهم وأموالهم وراءهم ظِهرياً ويتجهون إلى تنفيذ أوامر الله وإن أحدهم ليقول إنْ بلسانه أو بلسان حاله: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 20/84]. أما هذا الجهاد فلا شك أنها شرعة ماضية إلى يوم القيامة كما أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


ولكن الجهاد أيها الإخوة له درجات وله أنواع وينبغي للمسلمين عندما يريدون أن يتجهوا إلى الجهاد الذي أمر الله عز وجل به في سبيله أن يتبينوا هذه الدرجات كلها وأن يسيروا في تنفيذ هذه الدرجات طبق سُلَّم الأولويات.


ما هي الدرجات الأولى التي ينبغي أن نبدأ بها مجاهدين في سبيل الله؟ أهو الجهاد بالجسم؟ أم هو الجهاد بالمال؟ أم هو الجهاد بتقديم السلاح والعتاد؟ أم هو الجهاد بتطهير الأرض من دنس الأعداء؟


إن الذي يثلج الصدر هو ما يردنا بين الحين والآخر، وهذا مما نحمد الله عز وجل عليه، أن إخواننا في الله عز وجل في العراق يعلنون بين الحين والآخر أنهم إلى الآن لا يحتاجون إلى مزيد من الرجال ولا يحتاجون إلى مزيد من السلاح، وعندما يحتاجون سيُبَلِّغون. ولكنهم يحتاجون إلى شيء آخر؛ يحتاجون إلى أن تكون الأرض الإسلامية العربية من حولهم مُطَهَّرَة من دنس العُتاة الغازين الطغاة الوافدين. إنهم يحتاجون إلى أن يُطَهِّر قادة المسلمين في أرضنا الإسلامية التي تحيط بعراقنا العزيز أن يطهروا هذه الأرض من دنس هؤلاء الطغاة الذين يجعلون من هذه البلدة أو تلك جسراً يصلون منه إلى طغيانهم، يصلون منه إلى وسائل تذبيحهم، يصلون منه إلى تنفيذ هذا الذي ترونه أمامكم صباح مساء.


هذا هو الجهاد الأول، بل هذه هي بوابة الجهاد التي ينتظرها إخواننا.


ما هي قيمة أن يزدلف آلاف الشباب إلى أرض المعركة فيقاتلوا إلى جانب إخوانهم إذا كانت الثغرات الكبيرة مفتحة يندلق إليها العدو من كل حَدَب وصوب إلى تلك الأرض الإسلامية؟ ما فائدة أن تُغْلِق النافذة التي في دارك إذا كانت الأبواب من هنا وهنا مُشْرَعة ومُفَتَّحَة يدخل منها العدو إلى أرضك؟ قولوا أيها الشباب، أيها الإخوة ما فائدة أن يذهب المئات تلو المئات منكم ليجندوا أنفسهم مقاتلين إلى جانب إخوانهم إذا كان في قادة المسلمين من يجعلون من خلجانهم وأقنيتهم سبلاً آمنة مطمئنة يسري منها العدو إلى أرض المعركة ليقاتلوا ولكي يُقَتِّلوا الأمناء الآمنين البرآء الذين لا شأن لهم بهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد؟


ما فائدة المئات أن يذهبوا فيقاتلوا إذا كانت الطرق تُفَتَّح آمنة رخية من أجل أن يتخذ منها الطغاة الأمريكان سبيلاً لهم إلى أرض المعركة فيقصفوا ويحصدوا ويُقتِّلوا المئات بل الآلاف؟ هذا هو الجهاد الذي ينبغي أن نتأمل أن ننتظره، وتلك هي البوابة التي ينبغي أن نبدأ بها. ينبغي أن تُسَدّ هذه الطرق التي أشرعها الخونة من قادة المسلمين إلى إخوانهم في الله سبحانه وتعالى، هذه الحقيقة ينبغي أن تتمثلوها أيها الإخوة. لا فائدة من أن ينضم الأفراد إلى الأفراد ومن أن يُشْفِي هؤلاء الإخوة غليلهم بأنهم قد ساهموا مساهمة ما في جهاد في سبيل الله ما دام أن الخونة من قادة العرب والمسلمين قد جعلوا من أنفسهم عبيداً أذلاء خانعين خاضعين لأوامر أعدائهم، لأوامر الغزاة من أعداء الله سبحانه وتعالى وأعداء الإنسانية، بالأمس مرت فلول من الغزاة بقواهم وعتادهم من أقنية عربية وتحت الرعاية وتحت أسباب الأمن والطمأنينة من أجل أن يصلوا إلى حيث يبتغون، ومن أجل أن يستقروا في المكان الذي يستطيعون أن يقصفوا فيه صواريخهم وأسباب دمارهم إلى بيوتِ الناس الأمناء الأبرياء. ما قيمة الجهاد بعد هذه الثغرات الخيانية التي تتفتَّح؟ ما قيمة أن يذهب أفراد من هنا أو هنا أو هناك ليقاتلوا في سبيل الله سبحانه وتعالى عندما تُقَدَّم الأرض وعندما يُقَدَّم العِرض – كما قلت لكم في الأسبوع الماضي – وكما يُقَدَّم الذُّخر والمال لهؤلاء الأعداء الغزاة الطغاة الجبناء الأقزام؟ ما قيمة ذلك؟ ها أنتم ترون. أرض إسلامية عربية تُقَدَّم من أجل أن تكون منطلقاً استراتيجياً للضربات المتلاحقة لإخوانهم البرآء الأمنين في منازلهم، وهؤلاء الذين استمرؤوا البقاء فوق تلك الأرض يحتاجون إلى ما تعوّدوا عليه من غذاء يأكلونه بأفواههم وغذاء جنسي يمتِّعون به حياتهم، ولابدَّ للخدم والحشم أن يقدِّموا لهم ذلك كله. هذه الكلمة ينبغي أن نقولها للإخوة الذين يتحرقون سعياً للاشتراك مع إخوانهم المجاهدين في سبيل الله.


أقول لكم أولاً: إن هؤلاء الإخوة الذين يقاتِلون ويصمدون ليسوا بحاجة، إلى هذه اللحظة، إلى مزيد من الرجال، وليسوا بحاجة إلى هذه اللحظة إلى مزيد من العتاد أيضاً، لكنهم بحاجة إلى أن نَسُدّ أبواب الخيانة، بحاجة إلى أن نطهِّر الأرض الإسلامية من أن تكون منطلقاً لعدوان على إخواننا وإخوانكم.


الأمس قلت: قرأتُ الكثير من أنواع الخيانات الإسلامية في التاريخ لكني ما قرأت ولا سمعت أنباء خيانة قذرة كهذه الخيانة التي نراها اليوم، ربما خان قائد من القادة ربه سبحانه وتعالى وإسلامه وإخوانه عندما يكون في بَحبوحة من الأمن، عندما يكون متقلباً في حالة من رغد العيش. ولكن عندما يجد أن المصيبة قد أطبقت عليه وأن العدو قد اتجه إلى الأرض الإسلامية وعندما ينظر فيجد أن شظايا هذا العدوان ستصل إليه هو أيضاً فإن خيانته تتحول إلى توبة، وإن انحرافه يتحول إلى استقامة، ويعود فيتوب إلى الله عز وجل. أما أن تستشري الخيانة في ظل المصيبة!. أما أن تُثْمِر الخيانة ثمراتها القذرة في ظل الغزو، في حالة كهذه الحالة التي نراها! ونحن نعلم أن البلاء لن يكون محصوراً في تلك الأرض التي تدور رحى المعارك فيها اليوم، إنها فتيل، إنها فتيل يراد منه أن تستوقد الحرب الظالمة القذرة في عالمنا الإسلامي العربي أجمع. ما رأت عيني ولا سمعت أذني ولا اطلعت في وقائع التاريخ على خيانة أسقط من هذه الخيانة العجيبة أيها الإخوة.


والأعجب منها أن يشعر هؤلاء الخونة بالجرح يصيبهم عندما يتحدث المتحدثون عن خياناتهم! هذا شيء عجيب. الذي سمعناها والذي عرفناه هو ما قاله العرب من قبل:


ما لجرح بميت إيلام


فما بال هؤلاء يتأوَّهون من جرح الحديث عن خيانتهم ولا يتأوَّهون من الخيانة التي اندلقوا إليها!؟.


أيها الإخوة لا تنسوا ما قد قلت لكم في أول حديثي: لئن رأيتم ما يبعث الأسى في الفؤاد من هذه الضربات التي إنما يقع ضحاياها البرآء والآمنون، عندما تشعرون بالأسى يتسرب إلى قلوبكم فاذكروا العزاء. اذكروا العزاء الذي يشفي الغليل، اذكروا قول الله عز وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 2/216]. وأنا على يقين من أن هذا الذي استدرج اللهُ عز وجل هؤلاء الطغاة الأقزام إليه إنما هو مقدمة للقبر الذي ستُدْفن فيه عُنْجُهيَّة أمريكا، إنما هو مقدمة للقبر الذي ستُدْفن فيه الروائح القذرة لعفونة أمريكا، علم ذلك من علم وجهله من جهل.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي