مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 14/03/2003

عندما يشككنا شياطين الإنس والجن بنصر الله

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إن لشياطين الإنس والجن جولةً في نفوس المؤمنين من عباد الله سبحانه وتعالى، عندما تطوف بهم المصائب أو عندما يتهددهم عدو من الأعداء المتكبرين على الله سبحانه وتعالى، يوسوس أحدهم إلى أفئدة المسلمين ونفوسهم أين هو النصر الذي وعدكم الله عز وجل به؟ أين هي الحماية التي أكدها الله عز وجل في آياتٍ كثيرات متواليات في محكم كتابه؟ ... وما يزال شياطين الإنس والجن يوسوسون ويكررون الوساوس أملاً في أن يعود بهم من الإيمان بالله عز وجل إلى الريبة وربما إلى الكفر والإنكار والجحود.


ينبغي للمسلم الذي صدق في إيمانه بالله سبحانه وتعالى أن يعلم حقائق متعددة وأن يجعل منها حصناً يقيه من مكر الماكرين ومن وساوس الشياطين:


أما الحقيقة الأولى: فهي أن يعلم المسلم من هو، وأن يعود إلى التعرف إلى هويته ويدرك أنه عبد مملوك لله سبحانه وتعالى، وأن مالكه هو الواحد الأحد الذي لاند ولا شريك له يفعل به ما يشاء، وهو العدل في كل الأحوال وفي كل الظروف: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ[ فإذا استقرت هذه الحقيقة في وعي الإنسان المسلم ويقينه، فإن هويته هذه تدفعه إلى أمرين اثنين:


الأمر الأول: التسليم لحكم الله سبحانه وتعالى من منطلق اليقين بأن الله أرحم الراحمين ومن منطلق اليقين بأنه أحكم الحاكمين.


أما الأمر الثاني: فهو الدعاء والتضرع والالتجاء، يسأل ولكن لا سؤال المستكبر المطالب بحقه، وإنما سؤال العبد الذليل الشحاذ على باب الله يستجديه الرحمة، يستجديه الإكرام.


وانظروا إلى هذين المنطلقين كيف اجتمعا في مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً، التسليم لحكم الله سبحانه وتعالى وأمره، وبسط يد الاستجداء إلى رحمة الله وفضله، يقول: )أعوذ بنور وجهك الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينالني غضبك أو يحل بي سخطك، لك العتبى يا رب حتى ترضى[ هذا هو التسليم. ويقول في الوقت ذاته: )اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني[ إلى آخر ما هنالك. هكذا يكون العبد وهكذا ينطلق في مناجاته لربه، التسليم أولاً والتضرع على باب الله عز وجل ثانياً.


هل تتصورون أيها الإخوة أن يعلم الإنسان منا عبوديته لله ومملوكيته لله ثم يطالب الباري سبحانه وتعالى مطالبة الرب من عبده؟ هو الذليل ومع ذلك يأمر المولى أمر القائد للجندي، وهو الحقير ومع ذلك يطلب من مولاه وخالقه بعزمٍ وقوة كما لو كان هو المتصرف بأمره وكما لو كان الله عز وجل جنداً من جنوده؟ لا يتأتى هذا.


أما الحقيقة الثانية التي ينبغي أن يصطبغ بها كيان الإنسان المسلم فهي أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يعطي عباده مغنماً بدون مغرم، لا يكرمهم الله عز وجل بنصرٍ بدون ثمن، تلك هي سنة الله سبحانه وتعالى في عباده. كن مؤمناً وأقول هذا للأمة لا للفرد الواحد، كن مؤمناً بالله حقيقة وأخضع كيانك بكل شراشرك لأمر الله سبحانه وتعالى وحكمه واعتز بعبوديتك لله سبحانه وتعالى واجعل ولاءك له من دون عباده جميعاً، وانظر كيف تأتيك المغانم من عند الله سبحانه وتعالى. وصدق الله القائل: )وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[، وليس الإيمان كلمةً يُجمل بها اللسان ولكنه شيء وقر في القلب ويصدقه العمل.


فالناس الذين وضعوا شارة الإيمان على صدورهم أو جملوا بها ألسنتهم، ثم إنهم طأطأوا الرأس لأعداء الله عز وجل واستسلموا لما يريدون، واتخذوهم أولياء لهم من دون الله عز وجل، ما ينبغي أن يتوقع هؤلاء نصراً من عند الله عز وجل، إنما عليهم أن يتوقعوا النصر ممن اتخذوهم أولياء من دون الله سبحانه وتعالى، ولا أريد أن أسقط هذا الكلام على واقعنا فكلكم يعلم حال أكثر المسلمين ولا أقول كل المسلمين، والحديث في هذا ذو شجون ويبعث على الشعور بمهانة ما مثلها مهانة، فلنمسك أطراف الحديث عن الفيض في هذه الحقيقة.


الحقيقة الثالثة التي ينبغي أن نعلمها: أن من سنة الله سبحانه وتعالى في الطغاة من عباده أن يأخذهم على مرحلتين، المرحلة الأولى هي مرحلة الإمهال، تليها بعد ذلك مرحلة الإهلاك، وكلكم يقرأ في هذا كلام الله سبحانه وتعالى: )ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[، واقرأوا قول الله سبحانه: )سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[ ثم تليها بعد ذلك مرحلة الإهلاك، ومرحلة الإهلاك قادمة لا ريب فيها قط، ولكن ربنا لا يؤخذ بردود الفعل، لا يُستثار من أجل أن يهيج فيثور فيقدم ما كان قد أخره ويستعجل ما كان قد قضى به بعد حين، ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة.


الحقيقة الرابعة التي ينبغي أن نعلمها: أن الله سبحانه وتعالى ينصر عباده المسلمين بالشرط الذي ذكرته لكم، ولكن في كثيرٍ من الأحيان يجعل من الصالحين في عباده شفيعاً، يجعل من الأطفال شفعاء، يجعل من الأبدال الذين لا تخلو الأمة الإسلامية منهم، يجعل منهم شفعاء، وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أربعة عن الأبدال ووصفهم وقال عنهم: "بهم تنصرون وبهم ترزقون وبهم تُغاثون"، فحتى عندما تكون الأمة تائهة وحتى عندما يكون المسلمون بعيدين عن الالتزام بصراط الله سبحانه وتعالى وأوامره، فإن الله عز وجل يجعل من الصالحين شفعاء للطالحين. وهذا هو المظنون بالله سبحانه وتعالى.


ولكن كل شيءٍ يأتي في ميقاته، وما ينبغي للمسلمين أن يستعجلوا، وما ينبغي للمسلمين أن يخضعوا لوساوس الذين يستغلون الإمهال الإلهي للكفرة والفجرة الذين حدد الله عز وجل ميقاتاً لهلاكم وللعذاب الذي قضى أن ينزل بهم. يقول الله عز وجل: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[. هذه حقيقة أخرى ينبغي أن نتبينها.






أنا واثق أيها الإخوة بأن نصر الله آتٍ وبأن ميعاد الانتقام من الطغاة المستكبرين على الله عز وجل أزف أو كاد ولكنني لا أعتمد في هذا على ثمنٍ قدمناه، ولا على شروطٍ وفينا بها فأنا على يقينٍ بأن المسلمين لم يوفوا الشروط التي ينبغي أن يوفوها لاستنزال النصر من عند الله سبحانه وتعالى، ولكني أحسن الظن بالله، على يقينٍ بأن في المسلمين صالحين يحبهم الله ورسوله، وبأن المسلمين في هذا العصر لا يخلون من الأولياء المقربين من الله عز وجل قلوا أو كثروا، ولأن في المسلمين من يبتهلون إلى الله عز وجل، وفي المسلمين من تابوا وآبوا إلى الله بسبب هذه المصائب التي تحيط بنا اليوم، ومن ثم فإن الله عز وجل سيجعل من هؤلاء الصالحين شفعاء للتائهين، ثم إن المسلمين سواء كانوا مستقيمين على أمر الله أو لم يكونوا مستقيمين على أمر الله، فإن للطغاة ميقاتاً لا يتخلف إذا جاء هذا الميقات، لابد أن يأتي أمر الله سبحانه وتعالى، ولابد أن ينزل فيهم عذابه ومقته وهلاكه.




ولكن لا يتخيلن المسلمون أنهم هم الذين سيفوزون عندئذٍ، لا .. إذا لم يكن المسلمون على مستوى من الانضباط بأوامر الله والرجوع إلى حمى الله وتجديد البيعة الصادقة مع الله، فإن الله سبحانه وتعالى سيبعث في مكان الذين يهلكهم أمماً أخرى، ولسوف يعود المسلمين إلى أودية ذلهم وإلى أودية تيههم، فقضاء الله عز وجل المبرم في إهلاك الطغاة في ميعاد الإهلاك شيء وأن ينتصر المسلمون التائهون البعيدون عن صراط الله عز وجل شي آخر، لا يتوقعن المسلمون حكاماً وشعوباً أن يبنوا لأنفسهم عروشاً على حطام إهلاك الله عز وجل للطغاة، هذه الحقائق ينبغي أن نتبينها وينبغي أن نعلمها، نحن عبيد لله سبحانه وتعالى نسأل ولكننا نسأله سؤال العبد الذليل، ونتذكر قول الله لرسوله )لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[.




أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. 

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة