مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/12/2002

ترى هل يشهد العالم اليوم موت الأزهر

ترى هل يشهد العالم اليوم موت الأزهر


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 06/12/2002


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


إن من سنن الله عز وجل في عباده أنه إذا عصاه أحدهم وهو موقن بأنه قد اقترف ما كان ينبغي ألاَّ يقترف؛ وأنه قد خالف أمر الله فعصاه، من سنن الله عز وجل في مثل هذا الإنسان أن يغفر له ذنبه. ولعل هذا الصنف هو الذي يعبّر عنه بيان الله عز وجل بقوله: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 39/53].


ولكن الموقف السيّئ هو موقف ذاك الذي يعصي الله عز وجل مبرراً عصيانه، موقناً أنه لم ينحرف في هذا الذي فعل عن جادة الصواب، مبرراً عمله. وأسوأ من هذا ذاك الذي يعصي الله سبحانه وتعالى مبرراً عند نفسه عصيانه موقناً أنه فعل عين الصواب، ثم لا يكتفي بذلك فيُفتي الناس أيضاً بهذا الذي تورط فيه، ويدعوهم إلى هذه المعصية التي زُجَّ فيها. وأسوأ من هذا وهذا وذاك، ذاك الذي يقترف المعصية مُعتزاً بعصيانه لله بها، ثم لا يكتفي بأن يُفتي الناس بمعصيته هذه بل يُرغِم بطانة من حوله على أن يخضعوا للباطل الذي أفتى به.


هذا هو موقف ذاك الذي نَصَّبَتْه أمريكا شيخاً للأزهر، أفتى بالأمس أن كل الفوائد المحددة التي تتقاضاها البنوك على قروضها فوائد مباحة وجائزة وليست من الربا في شيء. وهَدَّد وأَصَرَّ على أن تُفْتِي بطانته بمثل ما أفتى به، وأن يخضعوا للباطل الذي تحدى الله عز وجل به.


وأنا - أيها الإخوة - قبل أن أُفَصِّل ما ينبغي أن أقوله في هذا الأمر؛ ينبغي أن أعيد إلى ذاكرتكم معنى الربا. معنى ربا القرض الذي نهى الله عز وجل عنه:


ربا القرض الذي حذر الله عز وجل منه ولا سيما في آيات متتابعات في آخر سورة البقرة هي أن يشترط الـمُقْرِض على المقترض أن يعيد إليه مع المال الذي اقترضه علاوة محددة، بقطع النظر عن ربح المقترض فيما اقترض أو عن خسارته. دون أن يتعرف المقرض على ذلك قط. هذا هو الربا الذي حرمه الله، وهذا هو الربا الذي تتعامل به البنوك الربوية كلها اليوم، يُقْرِض ويشترط أن يسترد المقترض مع ما اقترضه علاوة مَعَيَّنة سواء خسر المقترض أو ربح.


ولكن شيخ الأزهر أعلن عن أنه يملك أن يَنَسْخَ هذا الحكم الرباني، وأنه قد حان أن يطوى هذا الحكم الإلهي. هذا ما أفتى بِحِلِّه. ولا أدري أَتَلا هذا الشيخ في يوم من الأيام قول الله عز وجل: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 2/278-279]، لا أشك أن هذا الشيخ الذي نُصِّب على كرسي الأزهر شيخاً لا أشك أنه تلا هذا الكلام الرباني وقرأه. ولكن يبدو أنه يُطأطئ الرأس مع العِمامة لربٍّ مزيف آخر في هذا العصر. إذا كانت هذه المعاملات الربوية التي كلها تسير على أساسها البنوك الربوية في مصر وغيرها ليست من الربا في شيء؛ إذن فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ فيما أخبر من حيث أن الشيخ المأفون أصاب فيما أفتى. رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه النسائي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ﴿يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره﴾. إذا كان ما يقوله الشيخ صحيحاً فمعنى ذلك أن أحداً من الناس لا يأكل رباً، وليس في الناس من يتورط في هذا المحرم قط، ومن ثم فإن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس صحيحاً، وإنما الصحيح هو فتوى هذا الرجل. فهل الأمر كذلك؟ أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً من عند رب العالمين؟ أليس هو ذاك الذي قال الله عز وجل عنه: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 53/3-4]؟ صدق رسول الله فيما أخبر، وهذا الواقع الذي نراه مصداق كلام حبيبنا المصطفى، وكذب شيخ الأزهر فيما افتأت وأعلن. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق.


أيها الإخوة تُرى هل يشهد العالم اليوم موت الأزهر؟ ذاك الذي نعتز بتاريخه الإسلامي العريق، هل يشهد العالم اليوم الساعة التي يحتضر فيها الأزهر ثم يموت ثم يدفن في قبر مظلم من الدجل؟ أسأل الله عز وجل أن لا يُرِيَنا هذا الحدث. أجل. لكن هذا هو الواقع الذي لم يكن يحلم به عقل إنسان مؤمن، ولم يكن يتوقعه رجل مسلم ينبض الإسلام بصدق بين جوانحه. كنا نتصور أن يطرح هذا الكلام طارح في مجتمع من المجتمعات الأوربية، في الكونغرس مثلاً، في جهة من الجهات التي عُرفت بمعاداتها لدين الله عز وجل. أما أن يُسْتَعْلَن هذا الكلام داخل حصن من أَجَلِّ حصون الإسلام! أما أن يُستعلن بهذا الكلام داخل الأزهر العريق والمعروف للعالم الإسلامي تاريخه، فذلك ما لم يكن يحلم به أحد من المسلمين قط.


أيها الإخوة عودوا بنا إلى كلام الله عز وجل: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا﴾ [البقرة: 2/278] ولاحظوا كلمة (ما بقي) ولو كان درهماً، ولو كان قرشاً. انظروا إلى هذه الكلمة ﴿وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا﴾ فاستعلنوا ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 2/278-279]. ألم يَبْقَ بين جوانح هذا الشيخ ذرةٌ من الإيمان بالله؟ ألم تبق بين جوانحه ذرة من خشية الله؟ ألم تبق بين جوانحه ذرة من تعظيم لحرمات الله؟


كان بوسعه أن يأكل الربا في داره مع أهله سواء شاء أن يَغُصَّ بما يأكل أم لم يَغُصّ، كان بوسعه ذلك. وكان بوسعه أن يفتي نفسه بهذا الذي يفعله حتى يبرر عمله أمام الناس. لكن ما الذي دعاه إلى أن يستعلن بهذا الباطل على الملايين، وأن يَسْتَجِرَّهم إلى المحرم، وأن يضع عملهم المحرم في عنقه؟ أليس هذا دليلاً على أن هذا الإنسان غَيْرُ آبِه بهذا التهديد الرباني؟ أليس هذا دليلاً على أن هذا الإنسان متعالٍ ثم إنه متعالٍ عن نذير الله عز وجل؟


وهذه الحرب التي يحذرنا الله منها، بل يُعْلِنُها على مسامعنا، ألم يأنِ لنا أن نعلم كيف تَسَرَّبت إلينا، وكيف نُهَدَّد بها صباح مساء؟ وعندما يعلن الله عز وجل الحرب على عباده لسبب كهذا فكيف تكون وسيلة الحرب؟ يُسَلِّط على هؤلاء الذين نسوا الله والذين استَخَفُّوا بحكمه والذين استخفّوا بإنذاره يُسَلِّط عليهم هؤلاء الذين يهددوننا اليوم بالسَّحْقِ والـمَحْق، هؤلاء الذين يهدِّدون العالم العربي والإسلامي كله من خلال العراق بحرب ساحقة ماحقة. وكما قلت لكم بالأمس: ليست العراق في هذه الخِطة إلا الحطبة الأولى في حريق تريد أمريكا أن تجعله يلتهم عالمنا كله. من أين جاء هذا؟ من عند المولى الذي يقول: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 2/279].


وليت أن هذا الباطل الذي أعلنه هذا الشيخ؛ ليت أن هذه الفتوى بهذا الكلام الباطل؛ جاء في وقت كان في الناس من يَشُك بوجود البديل الحلال عن المحرم، إذن لقلنا إنه يجهل أن الله عز وجل كما أغلق نوافذ إلى الحرام فتح نوافذ بديل عنها إلى الحلال. لكن هذا الكلام يُسْتَعْلَن به في وقت يشهد العالم - لا أقول الإسلامي - بل العالم كله كيف أن البديل حل محل المحرم. ها هي ذي البنوك الإسلامية - إن جاز التعبير - تملأ رحب العالم العربي والإسلامي، وها أنا واحد ممن يَطَّلع على معاملات هذه البنوك، تؤدي كل ما تؤديه تلك البنوك من الحاجات والمستلزمات التجارية والاقتصادية وبطريقة أقل ما نقول فيها: لا يتعرض المتعاملون معها لغضب الله سبحانه وتعالى وعقابه. لماذا نحاول أن نلغي التوجه إلى هذه المصارف الإسلامية وندافع عن المحرم؟


ويحك أنت اليوم في أواخر عمرك، وليت أن كلامي يبلغ سمعه، وغداً أو بعد غد ستجد نفسك متمدِّداً على فراش الموت، ولسوف يدخل عليك ملك الموت الذي ستراه بعيني حدقتك. تُرى أفتملك في تلك الساعة أن تعتز بفتواك هذه؟ تُرى أفتنجيك أمريكا في تلك الساعة من مخالب ملك الموت؟ ويحك أتظن أنك مُخَلِّد؟ أتظن أنك باقٍ؟ أتظن أن لك حصناً بعد حصن الله سبحانه وتعالى؟ ويحك أما قرأت قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ﴾ [البقرة: 2/257]؟ لماذا تستبدل بحصن الله حصناً عنكبوتياً لا يدافع عن نفسه؟ ما الذي ينقصك من عيشٍ أكرمك الله به، من عافية أغدقها الله عز وجل عليك، من أمنٍ يظلل حياتك؟ ما الذي ينقصك من هذه النعم التي أغدقها الله عليك حتى تُعِرض عن حُكمه. لا. بل حتى تُفتي بشيء مناقض لحكم الله سبحانه وتعالى، وحتى تُرْغِم إخوانك - تحت التهديد والوعيد - أن يُفْتُوا بمثل ما قد أفتيت؟


اللهم إني أسألك أن تخرجني من ربقة من قد سكتوا على الباطل ولم ينبِّهوا إلى حق، اللهم فاشهد أني قد بَلَّغت. وأسألك اللهم أن تُيَسِّر إبلاغ كلمتي هذه إلى كل من ينبغي أن يعلموا الحق، وأن يُفَرِّقوا بينه وبين الباطل.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي