مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/09/2002

ألا هل بلغت اللهم فاشهد

ألا هل بلغت اللهم فاشهد


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 20/09/2002


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله


إن من أهم المبادئ الكبرى التي يجب على كل مسلم أن يَعْلَمها؛ أن الله سبحانه وتعالى حرم موالاة المسلمين للكافرين. صرح بذلك بيان الله عز وجل ونص عليه في أكثر من موضع. ومعنى موالاة المسلمين للكافرين: الخضوع لسلطانهم، والانقياد لباطلهم، ومن أبرز ما قد نص البيان الإلهي على ذلك، بشكل قاطع لا يدع مجالاً لريب، قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ﴾ [الممتحنة: 60/13]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (*) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾ [المائدة: 5/51-52]. هذا هو قرار الله سبحانه وتعالى إذ يخاطب المسلمين به، يُحَذِّرهم من أن يخضعوا خضوع موالاة للكافرين، فكيف إذا كان هؤلاء الكافرون اليهود الذين وصف البيان الإلهي بأنهم أشدُّ الناس عداوة للمؤمنين؟!... بل كيف إذا كانت هذه الموالاة لصهاينة اليهود؟! هؤلاء الذين يخططون للقضاء على الإسلام وللقضاء على المسلمين، وكانوا ولا يزالون يثيرون الحروب الدائرة على الإسلام والمسلمين أينما حلوا وأينما وُجِدوا.


أيها المسلمون: ينبغي أن نعلم أن الذي يهدد العالم الإسلامي بحرب ثالثة ليس الشعب الأمريكي ولا الحكومة الأمريكية التي يُفْتَرض أنها تُمَثِّل الشعب الأمريكي. إنما الذي يهدد الإسلام والعالم الإسلامي بحرب ثالثة ذلك التيار الصهيوني الحاكمُ هناك في أمريكا.. فهو الذي استوقد أسباب الحرب في داخل أمريكا قبل عام.. وهو الذي استوقدها في أفغانستان بالأمس... وهو الذي يحاول أن يستوقدها اليوم فيما بينكم عما قريب. إنها سلسلة متواصلة الحلقات.. وغبي ذاك الذي يفصل كل حَلْقة عن أختها.. غبي جداً ذاك الذي يتصور أن ما جرى في داخل أمريكا قبل عام كان آمراً مَرَدُّه إلى أصابع إسلامية.. وغبي جداً من يتصور أن الحرب الطاحنة التي ذهب ضحيتها آلاف البُرَآء في أفغانستان كانت ردة فعل لذلك الإجرام الذي وقع في أمريكا.. وغبي جداً ذاك الذي يتصور أن التهديد الذي يتجه اليوم، بل يتجه كل يوم ما بين عشية وضحاها إلى عالمنا العربي والإسلامي أمر منفصل عما وقع بالأمس وقبل الأمس.. إنها سلسلة واحدة متصلة الحلقات، والذي أوجد هذه السلسلة هو التيار الصهيوني الحاكم في أمريكا اليوم.. هو الذي يخطط، وهو الذي يسعى إلى التنفيذ.. وغبي أيضاً من يتصور أن الهجوم الذي يُخَطَّط له اليوم إنما يستهدف رقعة معينة في عالمنا العربي؛ وبلدة لا يتجاوزها.. لا.. إن الهدف أيها المسلمون إنما هو عَالَمكم العربي والإسلامي كله.. ولكننا نعلم أن الذي يريد أن يستوقد ناراً في مكان واسع إنما يبدأ فيستوقد من ذلك حطبة واحدة جزلة؛ ثم إن النار تمتد وتمتد إلى سائر الجهات التي يريد المستوقد أن يستوقد النار فيها. هذا ما يجري اليوم أيها المسلمون.


وإذا كان الأمر هكذا فينبغي لكل مسلم وعى إسلامه؛ أن يعلن على العالم الإسلامي كله، على سمع القادة والشعوب أجمع، حُكْمَ الله سبحانه وتعالى في موالاة هؤلاء الكافرين، بل هؤلاء اليهود، بل هؤلاء الصهاينة - كما قلت لكم - من اليهود. لا يجوز في شرع الله سبحانه وتعالى أن يُقَدِّم المسلمون - قادة كانوا أو شعوباً - أي عون لمن يريد أن ينتقص من أرض الإسلام شبراً، أو لمن يريد أن يتجه إليها بأي عدوان. لا يجوز للمسلمين أن يقدِّموا أي مساعدة؛ لا عن طريق أرض يخضعونها لتصرفاتهم، أو مطار يضعونه تحت سلطانهم وتحت ما يبتغون، أو عن طريق أي شكل من أشكال المعونة. وكل من تصرَّف هذا التصرف فقد نعته الله سبحانه وتعالى بما سمعتم. ألم يقل: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 5/51]؟ لن أزيد على هذا الذي قضى به الله عز وجل شيئاً، ولن أُعَلِّق عليه حرفاً. هكذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. فتنة يختبر الله سبحانه وتعالى المسلمين من خلالها. وقد كانت هذه الحياة الدنيا ولا تزال ساحة امتحان ومجال ابتلاء من الله عز وجل لكي يُظْهِر صدق الصادقين وكَذِب الكاذبين، ولكي يُظْهِر ثبات الثابتين على دين الله سبحانه وتعالى، ومروج المذبذبين مرة ذات اليمين ومرة ذات اليسار.. حياتنا الدنيا هكذا، أقامنا الله سبحانه وتعالى منها في دار ابتلاء وامتحان.


وهذا الذي نحن جميعاً مُعَرَّضون له اليوم ابتلاء من الله سبحانه وتعالى.. فما المطلوب من المسلمين في سائر أرجاء العالم قادة وشعوباً؟


المطلوب: باسم الإسلام وباسم كتاب الله سبحانه وتعالى: أن يقطعوا كل صلة قامت بينهم وبين هذا العدو، وبين هؤلاء الصهاينة الماكرين، يجب قطع كل الصلات التي كانت قائمة بين هذه الأمة وبين القيادة الأمريكية، لا لأنها قيادة أمريكية، ولكن لأنها محكومة للتيار الصهيوني اليهودي، والقطيعة إنما هي قطيعة لهذا التيار الذي يسرح ويمرح كما يشاء، دون أن يردعه قانون، ودون أن تردعه إنسانية، ودون أن تردعه قيمة من القيم الحضارية بشكل من الأشكال.


تُرى هل يعي المسلمون اليوم هذا الحكم الرباني؟ ههنا تكمن التجربة، وفي هذا المنعطف يمر المسلمون بساعة اختبار بساعة امتحان وابتلاء من الله عز وجل؛ أهُمْ صادقون في إسلامهم؟ أهُمْ واثقون بحكم الله عز وجل وبأنه هو القوي الذي لا تُغْلَب قوته، وهو القهار الذي لا يملك طاغية من الطغاة أن يتغلب في طغيانه على قهر المولى والخالق سبحانه وتعالى؟ إن كانوا صادقين فينبغي أن يظهر اليوم صدقهم. ينبغي ألا تمتد يَدُ عَوْنٍ ما - بشكل من الأشكال - لهذا العدو الذي يخترق القيم، يخترق القوانين، يخترق الأنظمة الدولية، يخترق القيم الإنسانية، يخترق الحضارات بكل أشكالها وألوانها للقضاء على الإسلام، وللقضاء على المسلمين عبر سلسلة متواصلة الحلقات.


وإذا كان في المسلمين قادة أو شعوباً من يتصورون أن هذه البقعة التي قررت أمريكا أن ينطلق الحرب منها، بقعة آثمة، أو أنها خطر على جيرانها فليعلم المسلمون أياً كانوا، سواء كانوا جيراناً لهذه البلدة أو البقعة أو كانوا بعيدين عنها، فليعلموا أن الأمر كما قد قلت لكم: إن هذه البلدة ليست إلا الحطبة الـجَزْل التي تُسْتَوْقَد عن طريقها نار واسعة شاملة. غبي ذاك الذي يريد أن يستوقد النار في مكان واسع ثم يريد أن يُلْهِب النار فُجْاءة وبلحظة من الأطراف كلها. لا يتأتى ذلك.. لابد من أن يمسك هذا الإنسان بحطبة واحدة يستوقد النار منها ثم يتركها بين الحطب الـجَزْل وينظر وإذا بالنار قد امتدت وإذا بها قد اشتعلت. ليست هنالك غَيْرة من هذا العدو الشرس على جيران.. العداوة متأصلة للكل. وغداً سيُقْذَف الجار بالجار، وسيلحق الدمار هذا وهذا وذاك.. حقيقة ينبغي أن لا يتيه عنها الصبيان، حقيقة ينبغي أن لا يتيه عنها أي عاقل بشكل من الأشكال.


أيها الإخوة: هذه فُتْيا ينبغي أن ينطلق بيان هذا الحق من سائر المؤسسات الإسلامية، من سائر العلماء الصادقين مع مولاهم وخالقهم، من سائر الـمُجَمَّعات الفقهية في عالمنا العربي والإسلامي، وينبغي أن يُسْتَعْلَن هذا الحكم، لا أقول على العالم الإسلامي فقط، بل على العالم كله.


يُحْظَر على كل مسلم صادق في إسلامه أن يمد يد أي عون لهذا العدو الذي يُمَثِّل خدمة ما مثلها خدمة للتيار الصهيوني الحاكم. بل يجب على كل المسلمين الذين تمتد بينهم وبين هذا العدو صلة قربى أن تُبْتَر هذه الصلة .


هذا أَقَلُّ ما يجب أن يفعله سائر المسلمين، وأقلُّ ما يجب أن يُنْغِضوا الرأس له أمام بيان الله عز وجل القائل: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 60/13].


أما ما وراء ذلك؛ فكم وكم ذكَّرْتُ، ولكني أقول كما قالوا: لقد أسمعتَ لو ناديت حياً


يجب على المسلمين أمام هذا الواقع أن يعودوا فيَرْدِموا الخلافات القائمة فيما بينهم، يجب عليهم: أن يَسُدُّوا الثغور، يجب عليهم: أن يعودوا فيصبحوا يداً واحدة كما أمر الله سبحانه وتعالى؛ عندئذ يحق لنا أن نقول: (رُبَّ ضارَّة نافعة).. يجب على المسلمين اليوم أن يقفوا بدقة وتدبر أمام قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ [المائدة: 5/2]. يجب على المسلمين قيادات وشعوباً أن يتمثلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿المسلم أخو المسلم لا يظلمه، لا يخذله، لا يُسْلِمه﴾. أنا لا أتصور أن يكون هنالك مسلم صادق مع الله في إسلامه، ثم يرحب بهذا العدو الآتي والخاضع بدوره خادماً ذليلاً للصهيونية العالمية، لا أتصور، لا أتصور أن في عالمنا كله مسلماً صادقاً مع إسلامه يمد يد العون عن طريق أرض، أو عن طريق مطار، أو عن طريق مال، أو عن طريق أي وسيلة من الوسائل. كيف يكون هذا مسلماً؟ والله يراقب، والله عز وجل يقول: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: 5/51] وانظروا إلى العُذْر الواهي كيف مَزَّقَه بيان الله عز وجل إذ قال: ﴿تَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾ [المائدة: 5/52].


أسأل الله عز وجل أن يهيّئ وسيلة لإبلاغ كلمتي هذه إلى سمع العالم العربي والإسلامي أجمع. اللهم إني قد بلغتُ فاشهد


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي