مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 30/08/2002

اعلموا أيها الناس أن العهد القديم التوراتي هو الذي يحكم البيت الأبيض اليوم

اعلموا أيها الناس أن العهد القديم التوراتي



هو الذي يحكم البيت الأبيض اليوم



خطبة الإمام الشهيد البوطي



تاريخ الخطبة: 30/08/2002



 



الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏



أما بعد فيا عباد الله‏



إن من أهم ما يجب على المسلمين في سائر أقطار العالم الإسلامي أن يعلموا الحقيقة التالية: أن يعلموا أن الذي يقود أمريكا اليوم في رعوناتها لا يتمثل في مصالح أمريكية، ولا يتمثل في قانون البيت الأبيض، إنما الذي يقود اليوم أمريكا في رعوناتها التي يراها العالم كله شيء آخر، إنه ذلك التيار اليهودي الصهيوني الـمُقَنَّعُ بالمسيحية. هذا هو الذي يقود ذلك العالم اليوم، وهذا هو الذي يدفع أمريكا إلى رعوناتها التي نراها اليوم، القانون الذي يحكم البيت الأبيض اليوم إنما هو العهد القديم التوراتي، هذا هو الذي يحكمه، فالسياسة مشلولة ومصالح ذلك العالم من الأنظار مطوية، أما الهدف فهو القضاء على الإسلام أينما وجد، من حيث القضاء على المسلمين الذين يتمثل الإسلام سلوكاً ويقيناً في كياناتهم ومجتمعاتهم.



فإذا سمعتم كلمة (القاعدة)، الجديدة على أسماعنا، فلتعلموا أن ترجمتها شيء واحد لا ثاني له؛ ألا وهو التوثُّب الإسلامي الذي يهدف إلى القيام بالواجبات التي كلف الله المسلمين بها منذ أن أكرم الله عز وجل عباده بدينه.



وإذا سمعتم (الإرهاب) فاعلموا أن لهذه الكلمة ترجمة واحدة لا ثاني لها؛ ألا وهي وقوف المسلمين للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم وقيمهم ومبادئهم.



كلمتان لا عهد لنا بهما من قبل، كلمتان حديثتان على أسماع العالم العربي والإسلامي، خطط لهما وغرسهما في ذلك العالم هذا التيار الذي أحدثكم عنه؛ هذا التيار اليهودي الصهيوني الذي يتقنَّع بالمسيحية، والذي يتزايد في أمريكا يوماً بعد يوم. فلا تغرنَّكم كلمة (القاعدة) التي تتردد في اليوم ربما عشرات المرات، وما كنا نسمع شيئاً من هذا من قبلُ. ولا تغرنكم كلمة (الإرهاب) ولا ترهبنّكم هذه الكلمة أيضاً.



أقول هذا منبهاً أولاً المسلمين أينما وُجِدوا إلى أن يعلموا هذه الحقيقة، ثم قاصداً من وراء ذلك إلى ما عَقَدْتُ هذه الكلمة اليوم من أجله؛ ما الذي يجب على قادة العالم الإسلامي أمام هذه الحقيقة التي لم تعد خفيّة عنهم بشكل من الأشكال قطّ، بل إنهم جميعاً لعلى علم بها أكثر مما أعلم أنا؟ لقد طال عهدهم بالابتعاد عن الإسلام الحقيقي، وكم وكم استمرؤوا هذا الانتساب الشكلي التقليدي إلى الإسلام؛ هذا الانتماء التراثي الذي لا يحرك ساكناً ولا يصلح فاسداً، ما الذي يمليه العقل على قادة المسلمين اليوم وقد عرفوا أن كل شيء في ذلك العالم الغربي مجند لشيء واحد ألا وهو القضاء على هذا الدين؟ ما أعتقد أن في العالم كله عاقلاً يريد الخير لنفسه ويريد الخير لأمته يرتاب في أن من الواجب، بل أن أول واجب، يُمْلَى على العقل ويُمْلى على الضمير والإحساس إنما يتمثل في عود حميد إلى هذا الدين، في عود حميد إلى الإسلام، ما الذي يمكن أن نجده دليلاً بدهياً على هذا الكلام الذي أقوله لكم أيها الإخوة؟ الدليل البدهي الساطع هو أن هذا التوجه العارم الأرعن لحرب الإسلام والقضاء عليه ليس أول حدث يعرفه التاريخ الإسلامي، بل ما أكثر ما توثّب أعداءٌ لهذا الدين للقضاء عليه، في التاريخ القاصي البعيد وفي التاريخ الداني القريب. ما الذي قضى على تلك الرعونات؟ ما الذي قضى على عدوان أولئك المعتدين؟ ما الذي جعل الإسلام هو الذي ينتصر من خلال المسلمين؟ شيء واحد أيها الإخوة يعرفه كل مثقف؛ صِدْقُ رجوعهم إلى الإسلام، صِدْقُ تمسكهم بدين الله سبحانه وتعالى.



عندما اتجه التتار إلى العالم الإسلامي فاكتسحوا ما اكتسحوه من بلدان ما الذي ردهم على أعقابهم أخيراً؟ أي قوة؟ أي دِعامة؟ أي غلبة مادية؟ شيء واحد. الذي رد أولئك المغول والتتار على أعقابهم؛ صِدق إسلام المسلمين وعودتهم بصدق إلى رحاب الله وتجديد بيعتهم لله سبحانه وتعالى.



عندما اتجه مئات الآلاف من الصليبيين الذين رسموا الصليب باللون الأحمر على صدورهم واكتسحوا ما اكتسحوه من بلدان ما الذي ردهم على أعقابهم؟ سَلُوا التاريخ، قولوا لقادة العالم اليوم يجيبوكم ما الذي رد أولئك الصليبيين على أعقابهم؟ طَهَّرَ الأرض من الدنس، طَهَّرَ القدس من القذارة وأعاد البلاد الإسلامية إلى طُهْرِها، ما الذي ردهم على أعقابهم؟ الكل يعلم أنه الإسلام، عندما جَدَّد المسلمين بيعتهم لله وعادوا فأصبحوا صفاً واحداً يبايعون الله عز وجل على صدق الالتزام بأمره والتمسك بهديه نصرهم الله سبحانه وتعالى، وخذل أولئك الفلول، والوقت يضيق عن التذكير بالمثال تِلو المثال تِلو المثال. وهذه الـحَلْقَة الجديدة اليوم في هذه السلسلة القديمة تعطينا الحقيقة ذاتها.



المسلمون اليوم أو جُلُّ المسلمين اليوم لكي أكون دقيقاً في التعبير، لا ينتمون إلى الإسلام إلا انتماء شكلياً، صلتهم بالإسلام في أحسن الأحوال صلة فكر، صلة تراث، صلة أمة بتراث ربما تعتز به كتراث. أما قادة المسلمين فلعل علاقتهم بدين الله عز وجل أوهى وأضعف من أن تتصف بهذه الصفة، ومن ثَم تناثر المسلمون شذر مذر، وفرَّقتهم الأهواء والمذاهب والفلسفات المتنوعة، فعادوا لُقَمَاً لقماً لقماً متفرقة، هذا هو الذي أغرى العدو الذي أحدثكم عنه اليوم بلُقَمِ الإسلام المتفرقة في العالم الإسلامي، تماماً كالعامل الذي أغرى التتار بالأمس بالمسلمين، وأغرى الصليبيين أيضاً بالمسلمين، ولكن أولئك الناس استيقظوا فرجعوا إلى الإسلام وعادوا إلى دين الله عوداً حميداً فلبَّاهم الله سبحانه وتعالى ونصرهم. فما للمسلمين اليوم لا يستيقظون كما استيقظ أجدادهم وأسلافهم من قبل؟ ما لقادة المسلمين لا يزالون عاكفين على أهوائهم، شاردين على هُوياتهم، أذلاء أمام عدوهم الذي يغتصب ديارهم ويهددهم بالمزيد؟ ما لهم لا يقفون وقفة اعتبار أمام قول الله عز وجل: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل ‌عمران: 3/160]؟ ما لهم لا يقفون أمام هذه الكلمة التي كم تتكرر وكم تتكرر في كتاب الله عز وجل: ﴿وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 2/107]؟



أيها الإخوة لم أجد جملة يؤكدها بيان الله مثنى وثلاث ورباع ويواصل التأكيد كهذه الآية كهذه الفقرة ﴿وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 2/107]، ما لهم لا يقفون أمام هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 2/257]؟ ما لهم لا يقفون وقفة اعتبار أمام قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: 7/196]؟ هذه كلمة يلقننا الله عز وجل إياها لكي نخاطب الله عز وجل بها صباح مساء، لماذا - ونحن مسلمون في دعوانا - لماذا لا نضع النقاط على الحروف فنجعل السلوك مطابقاً للكلام؟ أنا أسأل هذه الأسئلة المتوالية لا أتجه بها إلى الشعوب بل أتجه بها إلى القادة الذين ابتلى الله عز وجل الشعوبَ بهم، أجل عاد أسلافهم إلى الدين بعد أن شَرَدُوا عنه أمام هذا الابتلاء الذي نراه اليوم، فما لنا لا نعود كما عاد أولئك؟



أيها الإخوة رُبَّ ضارة نافعة، والأمر الضار إذا كانت فيه يقظة فما أعظم فائدته، الصورة صورة ضرر والحقيقية فائدة وربح ما مثله ربح، لكن على أن نعتبر، على أن نستيقظ، سلوا كل الذين يتابعون الأحداث اليوم، أياً كانت مذاهبهم وأياً كانت رُآهم يجيبوكم أن الذي يحرك أمريكا اليوم ليس سياسة تطوف بمصالح أمريكا. الذي يحرك البيت الأبيض اليوم ليس قانون البيت الأبيض، إنما الذي يحرك طغيان الطغاة في أمريكا هذا الذي أقوله لكم، هذا التيار الحزبي المتكاثر اليوم والذي يمثل الصهيونية اليهودية الحقيقية مُقَنَّعَة بقناع المسيحية هو الذي يقود، وهو الذي يتهدد العالم اليوم، وهو الذي يهدف إلى أن تصبح الدنيا كُلُّها جنة وارفة الظلال فقط لبني إسرائيل، أما المسلمون فينبغي أن يُذَبَّحوا أينما وُجِدوا، ينبغي أن يقتلوا أينما وُجِدوا.



كم وكم تُعْلن الشعارات هناك بهذه الحقيقة، وكم وكم تُرْسَم الصور الكاريكاتيرية التي تُعَبِّر على ألسنة أولئك الطغاة عن هذه الحقيقة، ألم تجدوا رسوم القرآن وقد تفجرت من أطرافه الأسلحة النيرانية المختلفة؟ ألم تُبْصِروا هذه الدلائل التي يستعلن العالم - لا أقول العالم الغربي - بل طغاة أمريكا يستعلنون من خلالها عن عداوتهم الشرسة لدين الله سبحانه وتعالى؟ والله لو أن المسلمين تحولوا إلى ملائكة، لا يعرفون إلا الرحمة ولا يعرفون إلا الوَدَاعة ولا يعرفون إلا الإنسانية المطلقة، للاحقهم هؤلاء الطغاة بالتذبيح والتنكيل، ولأُلْصِقَتْ بهم تُهم الإرهاب، ولَتُوبِعوا باسم القاعدة هنا وهنا وهناك. ولكني أعود فأقول: أين هم القادة الذين يتمتعون بعقلانية مُتَوَّجَة بالشرف؟ أين هم القادة المسلمون الذين يبرهنون على أنهم غَيَارى على أمتهم، غيارى على دينهم؟ لو أن هذه المشاعر استيقظت بين جوانهم إذن لانتهت الفُرقة مما بينهم، ولَسُدَّت الثغور بينهم وبين إخوانهم، ولأَيَّدَهم الله بالنصر.



أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم وأسأله أن يعيدنا إلى حظيرة دينه عوداً حميداً، فاستغفروه يغفر لكم.



تحميل



تشغيل

صوتي