مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 12/07/2002

المصائب .. من مظاهر رحمة الله !

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..


إنكم لتعلمون أن الله سبحانه وتعالى قضى أن تكون هذه الدار الدنيا التي نعيش فيها داراً تتمازج فيها الشدة مع الرخاء، ويجتمع فيها البأساء والضراء مع النعم والآلام. تلك سنة قضاها الله سبحانه وتعالى ولن نجد لسنة الله تبديلاً.

وما أكثر ما يطرح السؤال المتكرر عن الحكمة من أن تكون هذه الحياة الدنيا مزيجاً من مظاهر الخير والشر، مزيجاً من البأساء والضراء، في حين أننا نعلم أن الله رحيم وأن رحمته سبقت غضبه لاسيما عندما نتذكر آياتٍ يعبر البيان الإلهي فيها عن هذه السنة الماضية في عباده من مثل قوله عز وجل: )لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[ أو من مثل قوله سبحانه وتعالى: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ[ إلى آخر الآيات التي تؤكد هذا المعنى.

فما الجواب الذي يزيل هذا الإشكال من أفكار؟

أقول لكم أيها الإخوة بإيجاز واختصار: هذه الدار التي أقامنا الله فيها أهي دار مقر وبقاء؟ أم هي عبارة عن معبر ومستودع ومقدمة إلى الدار الأخرى؟ إن كانت هذه الدار التي أقامنا الله عز وجل فيها دار مقام وداراً لا يتحول عنها الإنسان إلى غيرها، فإن الحكمة لتقتضي انسجاماً مع رحمة الله عز وجل أن لا تكون فيها شائبة شر، وأن لا يوجد فيها إلى جانب الصفاء كدر. ولكن أهي دار قرار؟ نحن نقرأ في الإجابة عن هذا قول الله سبحانه وتعالى: )وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ[ سمى البيان الإلهي هذه الحياة التي نعيشها فوق هذه الأرض مستودعاً، أما الحياة التي نحن على موعدٍ مع الارتحال إليها فقد سماها الله عز وجل مستقر )وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ[. ولقد كرر البيان الإلهي هذا المعنى في مثل قوله: )يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ[ والآيات التي تعبر عن هذا المعنى كثيرة.

إذاً فنحن نعيش من دنيانا هذه في مستودعٍ أيها الإخوة إذا تبين هذا فهل الحكمة الإلهية تقتضي وأنت تعيش من دنياك هذه في مستودع، هل الحكمة الإلهية بل الرحمة الإلهية تقتضي أن تجد في حياتك هذه رخاءً لا يشوبه شائب وأن تجد فيها صفاءً لا يمازجه عكراً ولا كدر؟ لو تأملت لرأيت أن الرحمة الإلهية تقتضي عكس ذلك، ماذا كنت تصنع يا ابن آدم لو أن الله سبحانه وتعالى قد قضى أن تكون حياتك في هذه الدنيا مستودعاً وأن تكون مقدمةً إلى الدار الأخرى التي أنت راحل إليها؟ ماذا كنت تصنع لو أن هذا الدنيا استقبلتك بخيرٍ لا شر فيه وبنعمٍ لا ابتلاء لها كل ما حولك صفاء وخير ونعيم؟ كيف يمكن أن تزهد في هذه الدنيا وأن تملها وأن تجتويها لترحل عنها إلى دار المقر؟ بل كيف يكون حالك إذا آن رحيلك عن دنياك هذه وجاء ملك الموت ليعلن لك أن قد حان انتقالك إلى دار القرار؟ كيف يكون حالك وقد تعشقت هذه الدنيا؟ ما من يومٍ يمر عليك إلا وتزداد تعلقاً بها، ما من يومٍ يلي اليوم الذي كنت فيه من قبل إلا وتزداد حباً لها لأنها دارٌ ليس فيها إلا النعيم وليس فيها إلا الرخاء وليس فيها إلا النعم وليس فيها إلا ما يتناغم مع رغباتك وأهوائك وغرائزك وشهواتك، كيف يكون رحيلك عن هذه الدار التي تتعشقها لهذا السبب؟

من أشد المصائب ومن أصعبها على النفس عندئذ أن ترحل من الدنيا التي هذه حالها وهذه حالك معها، بل تصور لتعلم أن رحيلك عن هذه الدنيا عندئذٍ سيكون أشبه ما يكون بكتلة من الحرير امتزجت بشجرة من الشوك أغصانها وفروعها كلها أشواك وجئت فاستلبت هذه الكتلة بيدٍ قوية بدفع واحد، ما الذي يحصل؟ يتقطع من هذه الكتلة ما يتقطع ويبقى بين تلك الأغصان وتلك الأشواك ما يبقى. حالة الإنسان الراحل عن هذه الدنيا التي ليس فيها إلا الصفاء وإلا النعيم المقيم، عندما يرحل عنها يكون كحال كتلة الشوك هذه إذ تجتذبها يد قوية بدفع واحد ما الذي يؤول إليه الحال؟ هذا هو الأمر.

الله عز وجل أرحم بك من أن ينقلك هذه النقلة من حياة رأيت فيها عشك الآمن وسكنت نفسك إليها ورغبت في المقام الدائم فيها، الله عز وجل أرحم بنا من أن يبتلينا بهذا البلاء العظيم. من ثم كانت حكمة الله عز وجل تقتضي وقد قضى أن نكون من دنيانا هذه في مستودع لا في مقر، قضت حكمة الله عز وجل أن تجد فيها أسباب معايشك، أن تجد فيها أسباب القيام بالواجبات التي أناطها الله عز وجل بعنقك، لابد أن تجد فيها الدار الآمنة وأن تجد فيها الكن، وأن تجد فيها المقام، ولا بد أن تجد طعامك وشرابك، ولابد أن تجد الدنيا التي من حولك وقد سخرها الله عز وجل لمصالحك ولكن لابد أن تجد فيها ما يبعثك على الملل منها، لابد أن تجد فيها ما يبعثك على الاشمئزاز منها. وتلك حكمة من حكم رب العالمين سبحانه وتعالى بل هي مظهر من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده.

تعيش في دنياك هذه تجد كل ما تحتاج إليه من أجل مقامك ومن أجل عيشك في الأيام القليلة التي قضى الله عز وجل أن تعيشها فوق الأرض، وتجد فيها الأسباب التامة للنهوض بالوظيفة التي أقامك الله عز وجل عليها. ولكنه عز وجل يبعث لك بين الحين والآخر من المعكرات ومن المنبهات ومن الابتلاءات ما يجعلك تنجذب إلى ما أنت مقبل إليه، ما يجعلك مشدود العواطف والفكر إلى المقر الذي أنت على موعد معه، هذا مظهر من مظاهر ألطاف الله سبحانه وتعالى بعباده، ومن ثم فإن الله عز وجل قضى إذا دنت المنية من أحدنا أن يزداد اجتواءً لهذه الدنيا وأن يزداد مللاً منها، تماماً كإنسانٍ جلس على طعامٍ فأكل منه ثم أكل ثم مل من هذا الطعام، ذلك لأنه قد آن أن يقوم عن هذا الطعام كي لا يتحول الطعام إلى سبب لإهلاكه بعد أن كان سبباً لعافيته وحياته، حياتك الدنيا التي تعيش فيها كهذه المائدة، أرأيت إلى أحدنا عندما يقبل على الطعام وهو جائع كيف أن الله عز وجل يفتح في نفسه القابلية لتناول هذا الطعام، حتى إذا تراجع جوعه ثم تراجع جوعه وتغلب الشبع عليه ثم تكامل الشبع يبعث الله عز وجل في نفسه عوامل الاشمئزاز من هذا الطعام، هي حكمة بل هي رحمة، ذلك لأنه لو بقي يأكل من هذا الطعام على الرغم من أن حاجته قد انتهت فلسوف يتحول الطعام الذي كان سبباً للعافية إلى سمٍ يتحول إلى سبب للهلاك.

دنيانا على هذه الشاكلة عندما تحين ساعة رحيل أحدنا وبينه وبين الله نسب من الإيمان بالله والخضوع بسلطان العبودية لله عز وجل فلسوف يبعث الله عز وجل في نفسه عوامل التبرم من الدنيا، عوامل الاشمئزاز منها والملل من كل ما فيها من أجل أن يتهيأ للرحيل، من أجل أن لا يرحل عن الدنيا وهو يبكي عليها، من أجل أن لا يرحل عن الدنيا وهو متعلق بها كتعلق تلك الكتلة الحريرية بتلك الأشواك.

أليست هذه من مظاهر رحمة الله عز وجل بعباده أيها الإخوة؟ هذا هو الجواب عن هذا السؤال الذي يتطارحه كثير من الناس، المستودع ينبغي أن تكون فيه طبيعة المستودع والمقر ينبغي أن تكون فيه طبيعة المقر وهذا هو الجواب باختصار إذا دنى الموت من الإنسان وكان قد عمر ما بينه وبين ربه بما استطاع من أداء الواجبات والابتعاد عن المحرمات فإن الله سبحانه وتعالى يجعله ينسى الدنيا، لا أقول يجتويها بل ينساها، ويجعل عواطفه وأفكاره ومشاعره مقبلة إلى الله سبحانه وتعالى، كيف يكون ذلك؟ يكون ذلك بالبشرى التي يتلقاها هذا الإنسان الذي شم رائحة الموت نحن لا نشعر لكنه يعلم ذلك، هذه سنة من سنن رب العالمين تعال نقرؤها في محكم تبيانه )أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[ أمران اثنان بهما ترقى إلى هذه الولاية )الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *  لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[. والبشرى التي يتلقاها أحدنا في هذه الدنيا هي هذه يأتيك ملك يبشرك بما لك من علم بما لك عند الله عز وجل من نعيم مقيم ولعله يريك جانباً من هذا النعيم فلا تكون ذرة في مشاعرك إلا وتتجه اتجاه شوقٍ وحنين إلى هذا الذي أنت مقبل إليه وتنسى الدنيا عندئذ.

انظروا إلى قول الله سبحانه وتعالى: )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[ إذاً هذا الكلام يكون في الحياة الدنيا )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ[ هذا هو الشرط الأول )ثُمَّ اسْتَقَامُوا[ هذا هو الشرط الثاني )تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ[عندما تحين الرحلة من هذه الدنيا العكرة الفانية )تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[.

من هو هذا الذي سيبقى خياله مشرئباً معانقاً هذه الدنيا الفانية عندئذٍ؟ من هو هذا الذي سيظل يتعشق أمواله التي سيتركها أو داره التي بناها أو أحبابه أو أصدقاؤه الذين سيتخلى عنهم؟ سينسى هذا كله ولو أن إنساناً ذكره بشيء من مظاهر الدنيا لاستوحش. هذا هو مظهر رحمة الله.

فإذا ارتحل الانسان إلى الله عز وجل هنالك النعيم المقيم، هنالك الحياة الصافية عن الشوائب هنالك يتمتع الإنسان بما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هنالك يحقق الله عز وجل معنى هذه الكلمة الجامعة التي يقول فيها )وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[. نعم هنالك عقبات لابد أن يتجاوزها الإنسان موقف الحساب، الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، الاجتياز على الصراط لكن كل ذلك أيها الإخوة أمرٌ هين بعد البشارة التي يتلقاها هذا العبد في دار الدنيا.

لاحظوا رحمة الله، لاحظوا كرم الله عز وجل، أنا عندما أرحل من هذه الدنيا وقد تلقيت هذه البشارة من لدن رب العالمين سبحانه وتعالى تذوب عندئذ المخاوف التي أنا مقبل عليها، إن وقفت في الحشر بين الناس وفي ازدحامهم فإن البشرى ستذيب هذه المخاوف، إن وقفت بين يدي الله ليحاسبني فإن البشرى التي تلقيتها ستذيب وقع هذا الحساب، إن سرت على الصراط فإن البشرى التي تلقيتها ستذيب هذا كله. لكن من هو هذا الذي سيعاني من تلك العقبات ما يعاني؟ الإنسان الذي ارتحل إلى الله وهو مثقل بالأوزار ولم يشأ أن يذيب أوزاره هذه بتوبة نصوح، بعود إلى الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة رحمة الله عز وجل إذا تأملها الإنسان ينسى إلى جانبها مقته وعقابه وعذابه، ولكن هذا لا يعني أن الله عز وجل ليست له صفة الجبروت وليست له صفة الانتقام، ولكنك عندما تكون عبداً لله عز وجل وتضع عبوديتك لله في موضع التنفيذ فاعلم أنك مرحوم واعلم بأنك مأجور، حتى لو أن إنساناً رحل عن هذه الدنيا وفي عنقه مظلمة للناس بل مظالم للناس ولكنه رحل عن هذه الدنيا وقلبه مليء بمشاعر عبوديته لله سبحانه وتعالى، يتمنى لو أنه رأى هؤلاء الذين ظلمهم ليؤدي إليهم حقوقهم وليرفع عنهم الظلامة التي كان هو سبباً لها، فإن الله عز وجل سيلهم أصحاب هذه الحقوق أن يغفروا له، أي سيتدخل الله عز وجل بينه وبين أخيه حتى بالنسبة لحقوق العباد، كيف يتدخل؟ بأن يلهم الله عز وجل المظلوم بأن يصفح عن الظالم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )يقف اثنان بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يقول الواحد منها لربه يارب خذ من هذا الإنسان ظلامتي لقد ظلمني فيقول الله سبحانه وتعالى للظالم رد إليه حقه[ وكيف يرد الحق يوم القيامة؟ العملة التي يتعامل بها آنذاك والعملة الرائجة هي الحسنات. فيقول: يا رب لقد نفذت حسناتي فليس لدي ما أعطيه، يقول المظلوم فليتحمل عني شيئاً من أوزاري هنا يتدخل مولانا وخالقنا إذا جاز التعبير، يري هذا الإنسان المظلوم صورة من صور النعيم المقيم في الجنة والله أعلم بهذه الصورة التي يريه إياه فتشرأب نفسه إلى ما يرى فيقول يا رب لمن هذا؟ يقول لمن يصفح عن أخيه، فيقول: يا رب لقد صفحت عنه. يقول له الله عز وجل: خذ بيد أخيك وأدخله الجنة"

ذلك هو المقر أيها الإخوة ينبغي إذا تسائلنا عن أسباب الابتلاءات والفتن وما إلى ذلك فلنسأل عن هذا كله يوم نرحل إلى الله عز وجل، كن عبداً لله بمعنى الكلمة، ضع عبوديتك له موضع التنفيذ وسر على صراط الله عز وجل جهد استطاعتك، وانظر إذا حانت منيتك ودنى رحيلك من هذه الدنيا كيف ستتلقى البشارة أولاً؟ وكيف تنسى الدنيا بكل ما فيها من نعيم وشهوات وأهواء، وكيف تتعشق المقر الذي أنت مقبل إليه، ثم انظر كيف يكون حالك إذا قام الناس لرب العالمين؟ كيف يكون شعورك هنالك لا ظلم اليوم أجل )الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[. ولكن الثمن الوحيد لهذا، أن تكون ممن تبتعد عنهم آلام يوم القيامة وآلام الحشر وآلام يوم الآزفة يوم ترحل إلى الله عز وجل وقد أصلحت ما بينك وبينه وأصلحت ما بينك وبين عباد الله سبحانه وتعالى.

انظروا إلى قوله سبحانه )إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ* لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدون[ ما أيسر أن نكون من وصفهم الله بهذا النعت الثمن يسير، عبودية صادقة لله عز وجل تصطبغ بها، عهد مع الله عز وجل تلتزمه جهد استطاعتك فإذا انحرفت بك النفس أو زلت منك القدم تؤوب وتتوب إلى الله عز وجل سبحانه وتعالى عندئذٍ تكون من هؤلاء الناس؛ يأتيك البشير قبل الموت، العقبات التي ستراها لن تجد لها أي وقع عليك إطلاقاً ثم بعد ذلك النعيم المقيم، اللهم اجعلنا ممن بشرتهم بهذا النعيم المقيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي