مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/06/2002

الطغاة دائماً يتظاهرون بالإنسانية وينعتون ضحاياهم بالطغيان


الطغاة دائماً يتظاهرون بالإنسانية وينعتون ضحاياهم بالطغيان..


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 21/06/2002


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


تعالوا بنا إلى كتاب الله سبحانه وتعالى، لننظر كيف يصف حال الطغاة الذين يستمرؤون الظلم والعدوان، كيف يصف البيان الإلهي حالهم إذ يخفون طغيانهم وظلمهم بمظهر من الإنسانية بل من الملائكية، في حين أنهم يصفون ضحاياهم الذين يوسعونهم قتلاً وظلماً وعسفاً، يصفونهم بالطغيان، يصفونهم بالإرهاب، يصفونهم بالعدوان وإنها لظاهرة من ظواهر الإعجاز الإلهي الذي يتراءى في كتابه المبين.


انظروا إلى المثل الذي يجسده القرآن في طغيان فرعون، عندما أرسل الله سبحانه وتعالى إليه سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فرعون الذي ادعى الربوبية والذي قال: ﴿ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: 38] ما هو الوصف الذي غطى به نفسه أمام ملئه وجماعته؟ غطى نفسه بوصف من الإنسانية، من الملائكية، من الضعف، ووصف موسى عليه الصلاة والسلام بالطغيان، بالإرهاب، بالعَسْفِ والجور، تأملوا في هذا الذي يقوله بيان الله عز وجل: ﴿إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ﴾ [الشعراء: 34-35]، أتلاحظون كيف وصف البيان الإلهي فرعون الطاغي المتأله؟ كيف جعل نفسه الآن خادماً لقومه، ينتظر منهم الأمر، لكي يلبي أمرهم ولكي ينفذ تعاليمهم، أمام هذا الطاغية الإرهابي موسى؟ ألا ترون إلى بيان الله عز وجل، انظروا إلى قوله وهو يضعنا أمام المشهد ذاته: ﴿قالُوا إِنْ هَذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ، فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ أْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعَلَى﴾ [طه: 63-64]، إن الذي يسمع هذا الكلام الذي يحكيه ربنا على لسان فرعون تأخذه الشفقة عليه، ويتخيل أنه لا يريد شيئاً إلا خدمة الإنسانية، وهو مجرد حارس أمين لمصالح قومه، أما موسى فهو الطاغية الظالم، وهو الذي يريد أن يخرج فرعون وقومه وأهل مصر من بلدهم وهم آمنون مطمئنون.


هذا الوصف الذي يصف به القرآن الطغاة منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم درس بليغ لنا نحن المسلمين أيها الإخوة، شأن الطاغية الظالم لكي يغطي طغيانه بإعلان عن رعايته لحقوق الإنسان، بدعوى حمايته للمضطهدين والمنكوبين والمظلومين، أمّا الضحية التي يريد أن يقضي عليها والتي يريد أن يستلب حقوقها المادية والمعنوية فينبغي أن يصبغ بالإرهاب، ينبغي أن يصبغ بالطغيان، طريقة يسلكها الطغاة من أقدم العصور إلى هذا اليوم، ويصف البيان الإلهي هذا الواقع بأجلى بيان، ما العبرة التي ينبغي أن نأخذها نحن المسلمين أيها الإخوة؟ ينبغي أن نقطف من كتاب الله عز وجل العبرة التالية:


نحن المسلمون ينبغي أن نعلم أن لنا في كل عصر من العصور نمر بها أعداء، هم ليسوا أعداءً لنا وإنما هم أعداء لدين الله سبحانه وتعالى، يضيقون ذرعاً بعبوديتهم لله سبحانه وتعالى، ومن ثم فعلى المسلمين أن يعلموا أن هنالك قوىً شريرة تتربص بهم في كل وقت، تتربص بحقوقهم، تتربص بأوطانهم، تتربص بقيمهم ومبادئهم. وما الطريق الذي يسلكونه لينجحوا في عدوانهم؟ الطريق هو هذا الذي ترونه اليوم، والذي وصفه لنا بيان الله بالأمس، الطريق هو أن ينعت المسلمون بأنهم الطغاة الظالمون، وبأنهم الإرهابيون في العالم، وأن ينعت الذين يتربصون بالمسلمين بديارهم، بحقوقهم بأموالهم، بقيمهم، بأنهم ملائكة يمشون على الأرض، وبأنهم حرّاس الحقوق. أول العبرة هي أن نفهم هذا الذي يلقننا إياه بيان الله المعجز، كلام الله المعجز.


العبرة الثانية: الموقف الذي ينبغي أن نتخذه، ما الموقف الذي ينبغي أن يتخذه المسلمون عندما يرون رأي العين أن حقوقهم تطوى، وأن إنسانيتهم تلغى، وأن قيمهم تستنكر، وأن الأعين المحمرة تتجه إليهم بالعدوان والتخطيط لاستلاب كل ما يملكون من حقوق؟ عندما نجد هذه الظاهرة ما الموقف الذي ينبغي أن نتخذه؟ هذه العبرة الثانية، الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلمون باختصار أقول:


أولاً: أن يعودوا إلى أنفسهم فيسألوها أهم صادقون في إسلامهم لله؟ أهم صادقون في اصطباغهم بذل العبودية ولكن لله؟ أهم صادقون في بيعتهم لله أن يسيروا على الصراط الذي اختطه لهم؟ أهم ملتزمون فعلاً بقوله: ﴿وَأَنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، فإن وجدوا أنفسهم قد ابتعدوا عن العهد، وقد أخذهم الريب، أو آثروا الدنيا الفانية على ما وعد الله عز وجل به عباده الصالحين، فليجددوا البيعة مع الله، فليجددوا العهد مع ولّينا الذي لا ولي لنا سواه، وأنا أدعو نفسي وأدعوكم بهذه المناسبة أن نجدد على كل حال بيعتنا لله، أن نجدد عهدنا مع الله.


فإذا فعلنا ذلك فإن الواجب الثاني: هو ما أكرره على أسماعكم كلما وقفت هذا الموقف في هذه البلدة منكم: أن تسدّوا الثغرات التي تفتحت فيما بينكم، أن تمدوا جسور الود والإخاء والألفة التي ارتضاها الله لكم، أن تتحققوا بمعنى قوله عز وجل: ﴿إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 10].


وسبيل ذلك أن تجعلوا دنياكم، زعاماتكم، رئاساتكم أموالكم خادماً ومطايا ذليلة لدين الله عز وجل، بدلاً من أن تجعلوا دين الله سبحانه وتعالى خادماً لرغباتكم، زعاماتكم، أهوائكم، هذا هو الأمر الثالث.


الأمر الرابع: إذا جددتم البيعة مع الله وإذا سددتم الثغرات ومددتم جسور الألفة والإخاء الحقيقيين فيما بينكم، فينبغي أن تبرزوا هويتكم الحقيقية للعالم، والعالم ليس كله طغاة مارقين، العالم الذي من حولكم ليسوا جميعاً، هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب بأسوأ أشكاله ثم إنهم يجعلون من أنفسهم ملائكة يمشون على الأرض وينعتونكم بأمراضهم، يصفونكم بنقائصهم، ليسوا العالم كله هكذا، ينبغي أن تحددوا علاقاتكم بالعالم الذي من حولكم على أساس هذا المعنى الذي أقوله لكم، أثبتوا لهؤلاء الذين يصبغون عليكم سمة الإرهاب من أجل أن يقتنصوا حقوقكم، من أجل أن يستعمروكم في بلادكم وحيثما كنتم أثبتوا لهم أنكم لستم كما يقولون، أنكم أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وأتباع عيسى ابن مريم وأتباع الرسل والأنبياء من قبل، وما كان واحدٌ منهم من الإرهابيين قط، وما كان واحدٌ منهم من أولي الرعب الذي يتاجرون بالرعب في العالم، لا إطلاقاً، أثبتوا لهم هذا، كيف تثبتون لهم هذا وقد وفقكم الله فاتحدتم، وجددتم البيعة لله عز وجل؟ تثبتون هذا بأن لا يخدعنكم هذا الاتهام، لا يحملنكم هذا الاتهام على أن تصبحوا أرانب أذلاء حتى تنفضوا عن كواهلكم هذه التهمة، تهمة الإرهاب، وهذا هدف، لا تهنوا، كما قال الله عز وجل، لا تضعفوا، لا تجبنوا لأن عدواً لكم وصفكم بأنكم إرهابيون، لا، قولوا: إننا دعاة حق، إننا خدّام للقيم الإنسانية التي أنزلها الله عز وجل علينا عبر رسله الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى. قولوا: إننا نعيش لننفذ قول الله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ﴾ مَنْ؟! الذين يعادونكم، الذين يطمعون بحقوقكم، بدياركم، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، نعم، كما قال الله عز وجل: ﴿وَلا تَهِنُوا﴾ يعني لا تجبنوا، ولا تغيروا ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139].


هنا أيها الإخوة ينبغي باسم الإسلام أقول لا باسم السياسة أبداً، وما كنت يوماً ما لأُخضِع ديني الذي شرفنا الله عز وجل به لسياسة رعناء ولا غير رعناء، إنما أقولها انطلاقاً من أوامر الله لنا، في الناس، في الدول التي تحيط بكم والتي تعيشون في رحابها، من يستنكر طغيان الطغاة ومن يعشق الإنسانية أينما كانت، سواء ارتفعت مما بينهم وبين الله الحجب أو لم ترتفع، ومن ثمّ فهم لا يريدون بكم سوءاً هنا، ما المنهج الذي ينبغي أن نتخذه؟ هو ذاك الذي قاله الله عز وجل: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلَى إِخْراجِكُمْ﴾ [الممتحنة: 8-9] أعانوا العدو الصهيوني على إخراجكم ﴿أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 9] ألاحظتم التفريق الإنساني الذي يضعنا بيان الله عز وجل على نهجه، كل دولة بل كل أمة تقدر الإنسانية قدرها وتخلص للقيم الإنسانية في مسعاها، ولو قدرتها بلغتها الخاصة، وبطريقتها الخاصة بها، ينبغي أن نقدر لها هذا الموقف، وهذه البلدة التي تعيشون فيها من هذه البلاد أقول لكم، تدخل في قائمة من قال الله عز وجل عنهم: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: ﴿لم يشكر الله من لم يشكر الناس﴾


 


هذه ليست سياسة أتناسى من أجلها الإسلام وأضعكم على طريقها، لا هذا هو ديننا الأبلج، هذا هو ديننا الأغر، ننظر إلى كل من حولكم، سواء كان من المسلمين أو غير المسلمين ممن لم يرفعوا فوق رؤوسهم شعار العدوان، شعار الطغيان، ممن لم يمثلوا على مسرح التمثيل الكاذب أنهم ملائكة ورائحة العدوان تفور وتغلي في وجودهم وكينونتهم، كل من لم يكن من هؤلاء ينبغي أن نمد جسور التعاون بيننا وبينهم، بل جسور الألفة كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك، ورُبَّ مسلمين اليوم لا يعرفون هذه الحقيقة، كثيرون هم المسلمون أيها الإخوة الذين يخضعون الإسلام لعواطفهم الرعناء والجاهلة، هذا غلط، أخضعوا إسلامكم للعلم والمعرفة، أخضعوا إسلامكم لما يقوله بيان الله ولما فسرّه به رسول الله، ولما شرعه لنا السلف الصالح من علماء هذه الأمة، أجل، هذا هو الواجب الثالث أو الرابع.


الواجب الذي يليه بعد هذا، هو أن تتخذوا لأنفسكم سلاحاً هو أمضى الأسلحة، أمضى الأسلحة كلها، ألا وهو سلاح الالتجاء إلى الله، وهو السلاح الذي يغمده اليوم كثير من الناس ولا يستعملونه، وما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة إلى هذا السلاح أيها الإخوة، سلاح الدعاء سلاح الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، أيها الإخوة، كلنا نعاني من مشكلات خطيرة جداً نمر منها في منعطف لا ندري المستقبل الذي سيأتي من بعده، تهديدات تلاحقنا، أعداء يتكاثرون من هنا وهناك لينقضوا علينا، والخطة تهدف - الآتية من أمريكا - تهدف إلى إنهاء الوجود الإسلامي بطريقة من الطرق، سَمِّها العولمة سَمِّها النظام الاجتماعي الجديد، سمِّ، ولعل تسميات أخرى ستنشأ وستظهر متتابعة في المستقبل القريب هذا هو الهدف، نحن نعاني، ينبغي أن نقف في وجه هذا الهدف أولاً بالاتحاد كما قلت لكم، بتجديد البيعة مع الله، باتخاذ السبل المادية التي أمرنا الله بها: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60] لكن توجوا هذا كله بأمضى سلاح ألا وهو الالتجاء إلى الله بصدق.


انظروا أيها الإخوة إلى خطاب الله لرسوله يوم هاجر إلى الطائف يتأمل النصر في أهله ولكنه فوجئ منهم بخيبة وخذلان، طردوه آذوه، ألحقوا به سفهاءهم، صبيانهم وتعلمون ذلك، وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتجه إلى الله بدعاءه الواجف آنذاك وهو يعاني من جروح وآلام، نعم ﴿اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.. ﴾ إلى آخر دعائه، بمَ خاطبه رسول الله؟ قال له: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: 36] أليس الله بكاف عبده؟ ما أحلى هذا الكلام، الذي يضمن فيه الرب العظيم الجليل لا لرسوله فقط بل لكل من تحقق بمعنى العبودية له أن يحميه، أن يرعاه، أن ينصره، وبأي صيغة يضمن له ذلك، انظروا إلى هذه الصيغة، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ أفي شك أنت من هذا؟ لماذا لم يقل أليس الله بكاف رسوله، لو قال ذلك إذن لكان الخطاب محصوراً بين المولى ورسوله، لكان الوعد خاصاً لمن؟‍! للمصطفى عليه الصلاة والسلام، ولحُرمنا من هذا الوعد الرائع، لكن مولانا الذي لا مولى لنا سواه، ماذا قال؟: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ ليشمل هذا الوعد كل المسلمين الذين اصطبغوا حقيقة بذل العبودية لله عز وجل، كن عبداً لله، ومارس عبوديتك لله واذكر كيف يكفيك الله عز وجل الأعداء كلهم، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ﴾ لكن بمن؟ ﴿بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ لا تبالِ بهؤلاء الذين يخوفونك.


لكن أيها الإخوة هذا الكلام الحلو من الله عز وجل متى نناله؟ إذا طرقنا الباب، أرأيت إلى من يحتاج إلى مال، إلى طعام، إلى رعاية، إلى أمن وطمأنينة، وعلم أن وراء هذا الباب المرصد زعيماً من الزعماء يستطيع إن استنجد به أن ينجده، لكنه يمر ولا يطرق بابه، ما ينبغي أن يتوقع أن ينجده هذا الإنسان وجلّ الله سبحانه وتعالى عن أن يشبه بمخلوقاته، ربنا عز وجل وعد كما سمعتم، لكنه يريد من عباده أن يدعوه أن يستنجدوا به، {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} لكن ماذا قال؟ ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، لقد نصر الله رسوله لكن متى، بعد أن استغاثه، إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9] وعد قطعه الله عز وجل على ذاته العلية لمن؟ لمن تحققوا بذل العبودية لله، ومتى نتحقق أيها الإخوة بذل العبودية لله؟ إن بسطنا أكف الضراعة على أعتاب الله، إن التصقنا بأبواب رحمة الله، إن جأرنا إلى الله عز وجل بالشكوى، ها هنا تفوح ‎‎‎‎‎‎رائحة العبودية، لو لم يقف رسول الله هذه الوقفة الذليلة بين يدي مولاه ويقل: ﴿اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، إلى من تكلني يا ربي إلى عدو يتجهمني أم إلى بعيد ملكته أمري﴾ لو لم يلتجأ إلى الله، ولو لم يطرق باب الله بيد الذل لما جاءه هذا الجواب ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].


هل طرقتم باب الله أيها الإخوة، هل استنزلتم النصر من سماء الله سبحانه وتعالى ولاسيما في الأوقات الخاصة، ولاسيما في أوقات السحر، أنا أقول إن هنالك سهاماً لا تخطئ، هل تعلمون ما هي هذه السهام أيها الإخوة؟ إنها سهام الأسحار، لا والله لا تخطئ سهام الأسحار، سهام الأسحار هي تلك الدعوات الواجفة التي تنطلق لا أقول من الأفواه والحناجر بل تنطلق من القلوب المنكسرة المستذلة لله في هدأة السحر، حيث يكون التائهون عن الله في فُرُشِهم، حيث يكون المنغمسون في الملهيات والمنسيات قابعين على أسرتهم، أما هذا الإنسان المؤمن بربه المشدود بنياط العبودية إلى مولاه وخالقه، يقف من دونهم جميعاً؛ يناجي ربه في هدأة السحر يثني عليه، يشكره، يدعوه، يتضرع إليه، هل ذقتم لذة مناجاة العبد لربه، نشوة هذه المناجاة في هدأة السحر، عندما يكون أحدكم في هذا الوقت فيخاطب الله عز وجل بقلب منكسر يرسلها سهاماً لا تخطئ إلى كبد أعداء الله عز وجل، افعلوا ذلك أيها الإخوة.


لكن بلاؤنا الأطم ومرضنا العضال هذا الواقع الذي نحن فيه، إسلامنا تحجر، كلماتٌ نجمل بها ألسننا، تحجر مظاهر وعناوين وشعارات نتاجر بها، تحول إلى صور وأشكال، وأكثرنا ولا أقول كلنا بعيدون تائهون عن هذا أيها الإخوة.


إذن أعود فأقول لكم وقد افتتحت كلامي بهذه الصورة العجيبة الأخاذة في كتاب الله كيف يصف الطغاة الذين يستمرؤون حقوق الناس ويسحقون إنسانية الآخرين كيف يغطون طغيانهم بصورة من الملائكية ورعاية حقوق الإنسان، وكيف يَسِمُون ويصفون ضحاياهم بالإرهاب كما وصف فرعون سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، بل كما وصف طغاة المشركين في مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة ماضية في عباد الله عز وجل إلى يوم القيامة.


ما العلاج؟ وضعتكم أمام عِبَرٍ لا تنسوا، أرجو أن لا تكون كلماتي شكلية أيها الإخوة، عاهدوا الله، تجديد البيعة مع الله، لابدّ بدون شك، كلنا عاصون، كلنا منحرفون، كلنا مقصرون في جنب الله، إذن علينا أن نجدد العهد مع الله ونجدد البيعة معه.


ثانياً: سدوا الثغرات، سدوا الثغرات التي بينكم وبين إخوانكم، مدوا جسور الألفة والتآخي.


ثالثاً: فرقوا فيما يتعلق بالأمم الأخرى غير الأمم الإسلامية بين أناس أعلنوا العداوة لدين الله عز وجل بالأسلوب الذي تعرفون وبين أمم أخرى يمدون بينهم وبينكم جسور التعاون بل ربما أصابهم رشاش من أذى أولئك الناس من أجلنا، أجل، ولربما كانت فرنسا دولة من هذه الدول تذكروا في ذلك قول الله عز وجل: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة:  8] ولكن على ألاَّ تتنازلوا عن دينكم، ولا عن حقوقكم، ولسوف تجدون فوق هذه الأرض وأراضٍ كثيرة أخرى مكاناً فسيحاً لغرس القيم، ولغرس المبادئ، وهذا لون من ألوان التعاون والاستنصار بالذين يحترمون الإنسانية ويقدرونها حق قدرها، هذا هو المبدأ الآخر.


العلاج الأخير، أن نلتجئ إلى أمضى سلاح مكننا الله عز وجل منه ألا وهو سهام الأسحار، الالتجاء إلى الله عز وجل، لو التجأنا إلى الله بعد هذين الشرطين أو هذه الشروط الثلاثة التي ذكرتها لكم؛ لأنزل الله عز وجل علينا النصر من سماءه كما أنزل على عباده المسلمين بالأمس، قال لهم: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9] أين هم المستغيثون بالله ليستجيب الله عز وجل لهم.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل