مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 17/05/2002

الحب التأسي الأخلاق هي أهداف الاحتفال بمولد سيد الأنام

الحب التأسي الأخلاق


هي أهداف الاحتفال بمولد سيد الأنام


خطبة الإمام الشهيد البوطي في بلجيكا


تاريخ الخطبة: 17/05/2002


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


لقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رئي في يوم من أيام الاثنين صائماً، فسأله أحد الصحابة عن ذلك؛ والشهر ليس شهر رمضان، فقال عليه الصلاة والسلام، لَه: ﴿ذلك يوم ولدت فيه﴾، وهذا يعني أنه صلى الله عليه وسلم يحتفي باليوم الذي ولد فيه عليه الصلاة والسلام، فقد صح أنه ولد يوم الاثنين، وتوفي أيضاً يوم الاثنين، ومعاذ الله أن يكون احتفالُ المصطفى صلى الله عليه وسلم بيوم ولادته عن طريق صيام ذلك اليوم بدافع من التباهي، معاذ الله، وإنما هو شكر لله سبحانه وتعالى أن اصطفاه وأرسله رحمة للعالمين، ثم إنه تعليم لنا نحن المسلمين من أمة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا كان مصدرُ الرحمة يحتفي بيوم ولادته، فالناس الذين تلقَّوا هذه الرحمة وأكرمهم الله عز وجل بها أَوْلى بالاحتفاء والاحتفال بيوم ولادته صلى الله عليه وسلم.


 


وها أنتم في الأيام التي تفوح فيها ذكرى ولادة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولاشك أن من دواعي تجديد البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتجديد المحبة له والنظر إلى حقيقة اتباعنا له عليه الصلاة والسلام؛ من مقتضى ذلك أن نحتفي بذكرى ولادته، لا لذات الاحتفاء، كثيرون هم الذين يتخذون من هذه المناسبة مثابة لخطب رنانة تلقى، وقصائد تدبج، وإعلام ينادي ويتنادى بالحديث عن ذكريات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وننظر إلى حال هؤلاء المحتفلين فنجدهم يراوحون في أماكنهم من الابتعاد عن نهجه، والابتعاد عن صراطه والابتعاد عن سنته التي أمرنا الله عز وجل بأن نتبعها.


ليس الاحتفاء مقصوداً بذاته وإنما وسيلة إلى هدف، الهدف أن نجدد حبنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم فهذا هو الغرض الأول، ثم أن نتأسى بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا هو الهدف الثاني، وصدق الله إذ قال: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 33/21]، الهدف الثالث أن نجعل من الأخلاق التي أكرم الله عز وجل بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم منهج دعوتنا إلى الله، وأساس حوارنا مع عباد الله سبحانه وتعالى، فأنعِم بالاحتفال بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما يكون سُلَّماً لبلوغ هذه الآداب الثلاثة.


أولها - أيها الإخوة - تغذية محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أقول أولها إيجاد محبتنا، فأنا لا أتصور وأنتم لا تتصورون أن يكون في الدنيا مسلم آمن بالله وآمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم لم يُصبح قلبه وعاءً لمحبة هذا الرسول الذي اصطفاه الله وأرسله رحمة لنا ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 9/128]، مؤمن بالله وبرسول الله ثم لا يكون محباً لله؟!.. هذا أمر لا يمكن أن يكون، ولكن المأمول من احتفاءنا واحتفالنا بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن تمتعنا ذكراه بمزيد من محبته، أن تتجدد محبته صلى الله عليه وسلم في أعماق نفوسنا، وأنتم تعلمون أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه: ﴿لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين﴾، لم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الكلام إطراءً لنفسه، لا، معاذ الله، وإنما بلغنا ما أمره الله عز وجل أن يبلغنا إياه، أمره الله أن يعلمنا بأن محبتنا لرسول الله جزء لا يتجزأ من الإيمان بالله، فكان لابدّ أن يبلغنا ذلك وإن لم تبلّغ ما أديت أمانة الله سبحانه وتعالى، لم يكن ليؤديها لو لم يبلغنا ما قد أمره الله سبحانه وتعالى بتبليغه، ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ [المائدة: 5/67].


أيها الإخوة! تلمّسوا في أفئدتكم مكان محبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلموا أنه الدواء الذي يقضي على كثير من أمراضنا النفسية التي تجتاح عالمنا الإسلامي كله، محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي الدواء لو أن أفئدتنا كانت أوعية لهذا الحب، ونحن الذين حيل بيننا وبين رؤية المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تكتحل أعيننا بمَرآه، وحجبنا عن رؤيته بزمن يبلغ مداه أربعة عشر أو خمسة عشر قرناً، لابدّ أن يستبدّ بنا الحنين إليه، ولابدّ أن يستبد بنا الشوق إليه، إلى من؟!.. إلى الذي تشوَّق إلينا قبل أن نتشوَّق إليه، أليس كذلك؟، ألا تذكرون يوم زار البقيع قُبيل وفاته، سلّم على أهل البقيع ومعه ثلة من أصحابه ثم قال: ﴿ودِدْت لو أني رأيت إخواننا، فقال له أحد أصحابه: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يَلْحقوا بَعْد، وسأكون فرطاً لهم على الحوض﴾.


أيها الإخوة أرأيتم كيف تشوق رسول الله إلينا؟ أفلا نبادله شوقاً بشوق، أفلا نبادله تَحْناناً بتحنان؟ حباً بحب؟ أعتقد أيها الإخوة أننا بحاجة إلى أن نجدد حبنا لرسول الله، وليس حُبُّنا لرسول الله إلا غصناً متفرعاً عن حبنا لله سبحانه وتعالى.


يا عجباً أيها الإخوة لجمادٍ لا يعي، وليس له قلب كقلوبنا ينبض به يحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أُبْعد عنه، ثم لا يكون الإنسان ذو القلب الشجي ذو المشاعر الوهاجة مثل هذا الجماد في حنينه إلى رسول الله، أيُعقل ذلك؟! أتذكرون ما قاله البخاري في صحيحه وغيره يوم وُضِع المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن منه، واُبعد الجذع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقف يخطب استند إليه، أُبعد الجذع إلى مكان قصي في المسجد، لمّا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب سمع كل من في المسجد أزيزاً كأزيز المرجل ينبعث من ذلك الجذع الجامد الذي لا يعقل فيما نتصور، والذي ليس له قلب كقلوبنا فيما نتخيل، حنّ إلى رسول الله لأنه أُبعد عنه بضعة أمتار حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر واستلم الجذع وظل واضعاً يده عليه إلى أن سَكَنْ، وإني لأتخيل أيها الإخوة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقول له وقد وضع يده على ذلك الجذع: ماذا تريد؟ إن شئت غرستك فوق أعلى رابية من قمم الأرض، نخلة سحوقاً، يتمتع الناس بثمارِكَ إلى يوم القيامة، ولكن الجذع لم يعجبه ذلك. قال له من خلال ما يُترجَمْ إليه ذلك الحنين والأنين: لا، أريد قربك، أريد القرب منك. ألسنا أحرى بأن نقول هذا أيها الإخوة لحبيبنا المصطفى؟ بيننا وبينه أزمنة طويلة حالت دون رؤيتنا له وقربنا منه، ألسنا أَوْلى من هذا الجذع بأن نقول له: نريد قربك يا رسول الله.


الحب أيها الإخوة، تلمسوا محبة رسول الله بين جوانحكم، إن عدتم إلى أنفسكم فوجدتم أن محبة الدنيا قد تغلبت على محبة رسول الله، وأن محبة الأهل والعشيرة والقوم تغلبت على محبة رسول الله، فاعلموا أنكم تعانون من حياتكم الإسلامية من مشكلة لا حل لها، ومهما قَدُّمتْ العقول والأفكار حلولاً فالعقلانية لا تقدم في مثل هذه الحالة حلاً ناجزاً، القلب هو الذي يقدم الحل. العقل يشير كما يشير الشرطي لمن تاه عن الطريق إلى الجادة التي ينبغي أن يسلكها، ولا يفعل العقل أكثر من ذلك، أما الحادي الذي يسوق، أما الذي يدفع إلى الطريق فهو الحب، هو الذي يجعل المؤمن يركل بقدمه الدنيا وأهواءها، هو الذي يجعل المؤمن يركل بقدمه كل ما ينافس دين الله، شِرْعة الله، أوامر الله سبحانه وتعالى، نعم، هذه هي الغاية الأولى من احتفائنا بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنني لأسأل الله لي ولكم أن يجعل قلوبنا أوعية صافية لحب الله أولاً ولحب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ثانياً.


الغاية الثانية - أيها الإخوة - من احتفائنا، بذكرى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن نجدد البيعة له، يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 3/31]، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ أي فاتبعوا رسول الله، لاحظوا هذا الربط، يقول لي الله عز وجل: أتحبني؟ أتحب مولاك وخالقك؟ نعم: يا رب. قدّم البرهان على ذلك. ما البرهان يا مولاي؟ برهان محبتي لله اتباعي لرسول الله ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ [النساء: 4/80]، تعالوا أيها الإخوة والأخوات، نجدد بيعتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تركنا على سنة بيضاء نقية ظاهرها كباطنها لا يزيغ عنها إلا هالك لا تبتعدوا عنه، لا تَبْتَعِدْنَ عن سنة نبيكم المصطفى صلى الله عليه وسلم.


أعود بكم وبِكُنَّ إلى ذلك الحديث الذي تشوق فيه رسول الله إلينا، أقول إلينا، أملاً أن نكون نحن من أولئك الذين اشتاق إليهم رسول الله، ماذا قال بعد ذلك؟ حديث نصفه الأول بِشَارة ونصفه الآخر إنذار، قال: ﴿سأكون فرطاً لهم على الحوض -أي سأستقبلهم على الحوض- قال له أحد أصحابه: أتعرفهم يا رسول الله، - يعني أنت لم ترهم-  قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيول غُرٌ مُحَجلة في خيول دُهْمٍ بُهم أفكان يعرفها؟ قالوا: نعم، -أفرأيتم لو أن رجلاُ له خيول غُرٌ، أي لها صبغة بيضاء على جبينها ولها إسورة بيضاء على قوائمها، هذا معنى ((غُر محجلة))، وسط خيول دُهم بهم، أي سوداء أفكان يعرفها، قالوا: نعم-  قال: فأنا أعرفهم غراً محجلين من آثار الوضوء، ثم قال: ألا ليذادَنَّ رجال عن حوضي - أي ليطردن رجال عن حوضي كما يزاد البعير الضال - فأقول: ألا هلمّ، ألا هلم فيقال: إنك لا تدرك كم بدّلوا من بعدك، أقول: فسحقاً، فسحقاً، فسحقاً ﴾


أيها الإخوة والأخوات تعالوا نحرص على أن نتبع حبيبنا المصطفى ولا نبدل، لا نغير، أنتم تُدْعَوْن بين الحين والآخر إلى التغيير، إلى التبديل، إلى التطوير، إياكم. والله إنها رُقية شيطان أيها الإخوة، اثبتوا على العهد، نفِّذوا وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: ﴿ولسوف تجدون أثرةً من بعدي فاصبروا حتى تَلْقوني على الحوض﴾ اصبروا على الشدائد إن رأيتموها شدائد، اصبروا على أوامر الله يعنكم الله سبحانه وتعالى. هل تعلمون أيها الإخوة أعظم مزية متع الله بها رسوله المصطفى ما هي؟ إنها مزية الأخلاق الإنسانية الرفيعة، وما أعلم أن الله أثنى على حبيبه المصطفى بمزية أجلّ وأسمى وأبقى من مزية الأخلاق التي صاغه الله عز وجل عليها ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 68/4]. قفوا أمام هذه الكلمة الموجزة التي لا تتناهى معانيها، والتي تنبض بدلائل محبة الله عز وجل لرسوله، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ﴿إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق﴾ هذا حديث كلكم يعرفه.


وأقول بحق أيها الإخوة والأخوات، لو أن الله عز وجل عَلِم، أن هنالك سبيلاً لتنمية الأخلاق الإنسانية الفاضلة في حياة الإنسان غير سبيل العقيدة الإيمانية وغير سبيل المبادئ الإسلامية، لأمر الله عباده بسلوك ذلك السبيل، لكن الله الحكيم العلي القدير علم أن السبيل الأوحد الذي يفجر الأخلاق الإنسانية ومن ثم الإسلامية السامية بين جوانح العبد إلا ربوبية الواحد الأحد وهينمته عليه، هذا هو السبيل الذي يحقق الأخلاق الإنسانية الفاضلة، ألسنا مسلمين؟ ألسنا مؤمنين بالله؟ ألسنا قد عاهدنا الله على أن نتأسى برسوله، إذ قال: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 33/21]، إذن فتأسّوا بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، هل سمعتموه وهو يقول: ﴿أيها الناس، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، لتسعكم منهم بسطة الوجه وحسن الخلق﴾ إنكم لن تسعوا الناس، الناس كلهم مسلمين وغير مسلمين، لن تسعوا الناس بأموالكم، أن تشتروا قلوب الناس بأموالكم لا قِبل لكم بذلك أموالكم لا تكفي لشراء قلوب الناس أبداً، لكن هناك سبيلٌ آخر لا يكلفكم شيئاً من هذا، فلتسعكم منهم بسطة الوجه وحسن الخلق.


حسن الخلق أيها الإخوة والأخوات هو السلاح الأمضى على طريق الدعوة إلى الله، حسن الخلق أيها الإخوة هو الدواء الأنجع الذي يجعلكم محبوبين في قلوب الناس، الذي يجعل لكلماتكم سلطاناً على عقولهم ومن ثمّ سلطاناً على أفئدتهم، الخلق الإنساني السامي الذي هو الثمرة الأولى لشجرة الإسلام، هو السبيل الذي افتتح به المسلمون من قبلكم شرق العالم وغربه، الإسلام الذي وصل إلى ربوع آسيا الوسطى وغيرها وإلى جنوب شرقي آسيا بأي وسيلة وصل، والله لم يصل ذلك الإسلام إلى تلك البقاع إلا بواسطة الأخلاق الإنسانية الراشدة، وانظروا إلى المسلمين هناك كم يتعشقون الإسلام، إن تعشقهم للإسلام صدىً لدعوة ذلك السلف، يوم دخلوا ربوعهم فرأوا في سلوكهم ما لم يروه في سلوك الآخرين، رأوا في إنسانيتهم، في وداعتهم في لطفهم، في حبهم، في إخلاصهم، ما لم يروا مثل ذلك لا من قبل ولا من بعد. من أين جاء ذلك كله؟ من الإسلام تعشقوا هذا الدين الذي فجر هذه الأخلاق الإنسانية الراشدة، هذا الإسلام الذي وصل إلى ربوع الغرب الذي أشرقت شمسه في إسبانيا، كم هي قطرات الدماء التي أُريقت في سبيل ذلك؟ ولا قطرة، حسناً، كيف انتشر الإسلام خلال عشرات السنوات لا خلال قرون؟ انتشر الإسلام إذ تعشق أهل هذه البقاع في المسلمين أخلاقهم، تعشقوا فيهم صدقهم، إنسانيتهم، لطفهم، وداعتهم، فترسخ الإسلام في قلوب أولئك الناس.


وأنتم أحفاد ذلك الرعيل أيها الإخوة، وأنتم بحاجة ماسة اليوم إلى أن تصححوا صورة الإسلام في أذهان كثير من الناس، شوهت حقيقة الإسلام في أذهانهم ورؤوسهم، كيف تستطيعون أن تصححوا هذه الصورة التي شوهت، أبخطب رنانة؟ أبداً، لا تفيد الخطب وحدها، أبتهديدات وإنذارات؟ أبقوة مادية؟ لا تكفي وحدها، إنما الذي يصحح هذا الخطأ الذي ران على عقول كثير من الغربيين، بل على أفئدتهم أيضاً أن تُروهم من سلوككم ومن نفوسكم صفحة الأخلاق الإنسانية الراشدة، وأن تجعلوا دعوتكم إلى الله عز وجل سائرةً تحت مظلة الأخلاق الإنسانية كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، تعشقه الناس على الرغم من قسوة قلوب الأعراب، تعشقوه، لماذا؟! لتواضعه، لأخلاقه، لحبه، لإنسانيته العجيبة الغريبة، إذن ينبغي أن نسلك السبيل الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


انظروا إلى ذلك الإعرابي الذي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخطأ في بعض تصرفاته، نال منه بعض الصحابة الذين كان عهدهم بالإسلام قريباً نالوا منه ببعض الكلمات، أقبل إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام، أجلسه إلى جانبه، لاطفه، حدّثه بالكلام المحبب ففاض قلبه حباً لرسول الله، رفع يديه يقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فتبسم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: ﴿لقد حَجّرْت واسعاً يا أخا العرب﴾.


هذا هو رسول الله، تأسَّوْا به أيها الإخوة كونوا في هذه البلاد المظلمة التي رانت عليها ظلمات الكفر، كونوا شعاعاً، كونوا مصابيح الهداية، ولن تكونوا كذلك إلا بأخلاقكم، إلا بأخلاقكم الإنسانية الراشدة، برهنوا على أخلاقكم السامية، بتآلفكم، بالود الذي ينبغي أن يشيع فيما بينكم، بإسقاط عوامل الخلافات والتدابر، برهنوا على ذلك، الأخلاق الإنسانية ليست كلمات مدبجة تلقى كما ألقي حديثي هذا إليكم، وإنما هو سلوك، عندما تزول الخلافات التي تستشري بين الحين والآخر بين المسلمين ولاسيما في هذه البلاد، عندما يشيع الإيثار بين المسلم وأخيه المسلم بدلاً من الأثرة، عندما أتنازل عن فكر اجتهادي تبنَّيتُه في سبيل أخوة إسلامية، أَجَلُّ وأبقى، وعندما تتنازل عن رأي اجتهادي تبنَّيَه في سبيل أخوة إسلامية أجل وأبقى؛ عندئذ ينظر الغرب إليكم، يتعشقونكم، وحتى لو كنتم صامتين، فإن صمتكم المقدس لسوف يكون أعظم مصباح يهدي السالكين إلى الله، يخرج التائهين من ظلمات تيههم إلى الإسلام.


هذه ثلاثة أهداف، نحتفي بذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم مولده كما احتفى هو، لكن اذكروا أن الاحتفال ليس أمراً مقصوداً لذاته وإنما هو سبيل إلى هذه الأهداف الثلاثة.


جددوا محبة رسول الله بين جوانحكم، اجعلوا منه بعد الله مهوى قلوبكم.


ثانياً: جددوا البيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبعوا هديه وسنته ألا تبدلوا حتى لا تطردوا من حوضه إذا قام الناس غداً لرب العالمين حتى لا يقال لكم فسحقاً، فسحقاً، فسحقاً.


جملوا سلوككم بالأخلاق، الإنسانية الراشدة واعلموا أن الثمرة الوحيدة في الدنيا لشجرة الإسلام هي ثمرة واحدة لا ثاني لها، ألا وهي الأخلاق الإنسانية الراشدة، حُسْن خُلق المسلم مع أهله، مع أولاده، حُسن خُلق المرأة مع زوجها وأولادها، ثم حُسن خلق المسلم مع إخوانه المسلمين يتآلفون، يتضامنون، يكونون مثال الوحدة، ثم حُسن خلق المسلم مع سائر عباد الله عز وجل.


أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا وأن يُيسر لنا تحقيق أهدافنا الثلاثة إنه سميع مجيب فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل