مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 26/04/2002

حتى لا يقول قائل : متى نصر الله؟

لحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..


إن من دأب الشيطان أن ينتهز مثل هذه الفتن التي تعصف بمجتمعاتنا وحياتنا الإسلامية اليوم، من دأب الشيطان أن ينتهز هذه الفرص ليوسوس إلى ضعاف الإيمان يوسوس إليهم يسألهم أين هو نصر الله؟ أين هو وعد الله الذي قد أخذ على ذاته أن ينتصر لعباده المؤمنين؟ هاهم الطغات في جنبات الأرض يستكبرون وينحطون بكل أنواع الظلم على عباد الله المؤمنين به المستمسكين بهديه. فماله لا ينتصر لهم وماله لا يهلك الطغاة من أعدائه وأعدائهم؟


ولكي لا يجد الشيطان سبيلاً إلى عقول المسلمين إذ يوسوس إليهم بمثل هذه المعاني في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بالعالم الإسلامي أجمع، ينبغي أن نتذكر سنن الله سبحانه وتعالى وقوانينه في عباده حتى نزداد بذلك إيماناً بالله عز وجل بدلاً من أن يزجنا الشيطان في المتاهات وفي الريب وفي الشكوك. اذكروا أن الله سبحانه وتعالى يمهل الطغاة ولكنه لا يهملهم، تلك هي السنة الماضية في عباد الله سبحانه وتعالى أجمع منذ بدء هذه الخليقة إلى أن تقوم الساعة. وتبينوا هذه السنة في الكثير والكثير في آي الكتاب المبين التي ينبئنا الله عز وجل من خلالها إلى هذا القانون.


ألم تقرأوا قوله سبحانه وتعالى: )فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[؟ هذا كلام الله سبحانه وتعالى.


ألم تقرأوا قوله سبحانه: )وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ [؟ وكأين من قرية، كثيرة هي الأمم والبلاد التي تمرد أهلها على الله عز وجل وعثوا في الأرض فساداً فظلموا وطغوا وبغوا، أمليت لها أي تركت لها الحبل على الغارب مدة من الزمن ما شاء الله أن يمد لها هذا الحبل ثم أخذتها وإلي المصير.


ألم تقرأوا قول الله سبحانه وتعالى )وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ[. اقرأوا أحاديث كتاب الله عز وجل عن تلك الأمم التي طغت وبغت وعثت في الأرض فساداً كقوم نوح وكقوم هود وكقوم صالح وكقوم لوط .. أفهلكهم الله سبحانه وتعالى بمجرد أن ظهرت الانحرافات في حياتهم وظهر البغي والطغيان في سلوكهم؟ لا اقرأوا تجدون أن الله سبحانه وتعالى أمهل وترك لهم الحبل على الغارب كم وكم أفسدوا؟ كم وكم ظلموا؟ كم وكم عثوا في الأرض فساداً؟


اقرأوا قصة أصحاب الأخدود: )قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ[ ما الذي فعله هؤلاء الناس؟ كم وكم أساؤوا؟ كم وكم طغوا وبغوا وقتلوا وسفكوا وحرقوا )قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ[ هذا الذي فعلوه إنما فعلوه على امتداد واسع من الزمن، ولقد أهلكهم الله عز وجل لكنه لم يهلكهم ما بين عشية وضحاها.


ألم تقرأوا قوله سبحانه )وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ  * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ[  كما هو شأن أمريكا الآن فتحنا عليهم أبواب كل شيء )حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ[.


كم لبث نوح في قومه أيها الإخوة وهم يظلمون وهم يمارسون شر أنواع الطغيان والبغي؟ وصبر نوح وأمره الله عز وجل بالصبر حتى إذا جاء الميقات الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل أهلكهم )حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ[ لا تنسوا هذه السنة الماضية في كتاب الله عز وجل.


وانظروا وقائع ذلك في التاريخ، كم طغى المشركون إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم في مكة، كم عذب المسلمين؟ كم قتلوا منهم؟ كم عذب منهم تحت رمضاء الشمس كما تعلمون، فلما جاء الميقات المحدد في علم الله عز وجل أهلك من بقي على طغيانه وهدى من أقبل إلى الله سبحانه وتعالى راشداً مهدياً. فإذا تبينتم هذه السنة الربانية فإن الشيطان لن يستطيع أن يتسرب إلى أفئدتكم بأي وسواس، ولن يستطيع أن يداخل إلى عقولكم أو إلى أفئدتكم شيئاً من الريب بعدالة الله سبحانه وتعالى وحكمه.


ثم إن لله عز وجل - لا أقول حكمة بل - حكماً باهرة في هذا الإمهال ولا يتسع الوقت للحديث عن سائر هذه الحكم، ولكنها حكم باهرة جليلة من أهمها: أن هذا الامتداد في أجل طغيان الطغاة فرصة لايقاذ الشاردين عن صراط الله من أمثالنا، فرصة لكي يعود الشاردون عن صراط الله عز وجل فيعودوا إلى صراطه، يتوب الفاسق يؤوب المعرض عن الله سبحانه وتعالى، يجتمع الكل على شعور واحد وهدف واحد، ألا ترون كيف وحدت هذه الفتنة التي تعصف برياح دمارها وآثارها كيف وحدت مشاعر أمتنا العربية والإسلامية إن لم أقل كلها فجلها، هذه حكمة من الحكم، هذه الفتن التي تعصف بمظاهر الظلم والدمار والهلاك والإهلاك إنما هي أجراس خطرٍ تقرع على مسامعنا ولا بد أن يستمر هذا القرع مدة من الزمن لكي تعطى الفرصة لمن يستطيع أن يستيقظ من سباته، ليستيقظ من يستيقظ وليؤوب من يؤوب وليتوب من يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من يتوب.


هذا شيء.. شيء ثانٍ .. هذه الفتن وأمثالها أيها الإخوة إنما هي من ثمرات أعمالنا ومن نتائج سوء معاملتنا لله سبحانه وتعالى، ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة ولا يجوز أبداً أن نتجه بأبصارنا إلى حيث يمارس الطغاة طغيانهم دون أن نعود بالتأمل في أنفسنا وواقع حالنا، شأن من يرى نفسه معصوماً عن كل المعاصي والآثام والانحرافات وليس عليه إلا أن يلقي المناظير ويتفحص حال هؤلاء الطغات ويتحدث عن جرائمهم وجناياتهم وكأنه الملك المعصوم عن كل جريرة، لا إن هذه الفتن وهذه الكوارث إنما هي انعكاس لسوء حالنا.


أفرأيتم إلى أمتنا الإسلامية هذه لو أنها كانت على العهد ولو أنها كانت اليوم تستمسك بحبل الله سبحانه وتعالى كما أمر قادةً وشعوباً، أفكانت لهذه العاصفة أن تهب؟ أم أفكان لهؤلاء الأعداء الأقزام الصغار الأذلاء أن يطغوا طغيانهم وأن يستشروا بظلمهم وعتوهم؟ معاذ الله. ولكنا أعرضنا عن أوامر الله سبحانه وتعالى وتبرمنا بشرائعه وإنكم لتعلمون ذلك وبحثنا عن الجديد والمستحدث، وأصبحنا نكرر ما طاب لنا التكرار، مللنا من القديم، على مستوى كثير من القيادات. وعلى مستوى كثير من الشعوب ولا أقول الكل، كانت العاقبة هذا الذي نراه. لا يمكن لربنا عز وجل أن يخلف وعداً قطعه على ذاته العلية أجل.


ربنا سبحانه وتعالى قال: )وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[ والله أصدق الصادقين، والله لا يخلف الميعاد ولا يخلف عهداً قطعه على ذاته العلية، ولكن يجب علينا أن نتحسس أحوالنا وأن نعود إلى واقعنا.


ربنا سبحانه وتعالى يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ[ وننظر إلى حال كثير من المسلمين وفي هذا المنعطف الخطير الذي تتمزق فيه هذه الأمة تحت رحى هذه الكوارث العجيبة الغريبة ننظر إلى طائفة من المسلمين وقيادات العالم الإسلامي فنجدهم يعانقون أعداءهم أي عناق، ننظر فنجد أيديهم لا تزال ممتدة إلى أيدي أولئك الذين تخضبت بدماء الأبرياء، الأطفال، الأمهات إلى دماء الإخوة المسلمين المؤمنين الذين قتلوا بدون جريرة لا تزال أيدي هؤلاء القادة المسلمين ممتدة إلى تلك الأيدي التي تتقاطر منها دماء الأبرياء بالمصافحة. أين هو تنفيذ بل الخضوع بل الأدب مع قول الله سبحانه وتعالى: )لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ[؟


كما قلت بالأمس: هذا العدو الذليل القذر المهين يمارس تقتيله وتنكيله وتهديمه للبيوت على رؤوس أصحابها وكثير من قادة المسلمين مهمتهم أن يمارسوا بذل حراسة سفارات هذا العدو، العدو يقتل إخواننا وأبناءنا وأخواتنا وهؤلاء القادة المسلمون يمارسون خفارة سفاراتهم بمنتهى الذل ومنتهى الوضاعة والهوان. عندما يكون حال المسلمين على هذه الشاكلة، فما ينبغي أن نستعجل النصر الذي وعدنا الله سبحانه وتعالى به.


وإني لأذكر في هذه المناسبة خبراً كنت في يوم من الأيام قد حدثتكم به وأعود فأذكركم به لأن فيه عبرة وأي عبرة، قامت الحرب العالمية الأولى كما تعلمون وكان إذ ذاك في العراق رجل من كبار الصالحين بل كان مظنة ولاية اسمه ابراهيم الراوي، استخار الله عز وجل في أن يدخل ويشترك في تلك الحرب، رأى فيما يرى النائم معسكرين كبيرين أحدهما للمسلمين والآخر لأعداء الله سبحانه وتعالى والمعسكران منفصلان يتناظران ويتقابلان يقول ابراهيم الراوي رحمه الله تعالى: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف متوسطاً بين هذين المعسكرين فأقبلت إليه وسلمت عليه وقلت: يا سيدي هذه أمتك، ألا تنتصر لها ألا تنتضم إليها! قال: إنما جئت كي أنتصر لأمتي ولكني أنظر ذات اليمين وأنظر ذات الشمال فلا أعلم أي الفريقين من أمتي. إذا كان هذا الذي رآه ابراهيم الراوي إبان انفجار الحرب العالمية الأولى فما الذي يمكن أن يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واقع المسلمين اليوم وأنتم تعلمون ما لاداعي إلى أن أوضحه لكم وأذكركم به؟ لا تستعجلوا النصر الله سبحانه وتعالى يستجيب لكن في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد، هذا شيء.


الشيء الثاني: الله عز وجل ينتقم من الظالم ويهلكه في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد، ولكن اهلاك الله للظالمين والطغات لا يعني انتصارنا نحن، لا يعني أن يكون إهلاك الله إياهم من أجل سواد عيوننا نحن أبداً، سواء كنا على العهد أم لم نكن على العهد، فإن سنة الله عز وجل في الطغاة والبغاة أنه قد يمهلهم ولكنه لا يهملهم. أمريكا التي تعثو فساداً في العالم كله والله الذي لا إله إلا هو إن حينها لقريب وإن ميقات إهلاك الله عز وجل لها لآت لا ريب فيه، ولكن لا تتصورا أن هذا سيكون من أجلنا نحن إن أذهب الله عز وجل عدواً سلطه علينا بالهلاك فلسوف يأتي عدواً آخر يسلط علينا ما دمنا قد نكثنا العهد وما دمنا ابتعدنا عن النهج. عندما تعود هذه الأمة قادةً وشعوباً فتصطلح مع ربها بصدق، عندئذٍ يهلك الله عز وجل أعداءنا ويكون إهلاك الله لهؤلاء الأعداء ترجمة لتأييده لنا وترجمة لحمايته إيانا.


بقي أن أقول شيئاً لبعض القادة الذين يعلمون مدى ضغط الشعوب الإسلامية عليهم ومدى ازدراء الشعوب الإسلامية لهم ومدى تحولهم إلى صغار وصغار وصغار في أعين هذه الأمة، يقول أحدهم: إننا لا نستطيع في هذه الحال أن نعلنها حرباً على أمريكا الحرب على اسرائيل حرب على أمريكا، قولوا لهؤلاء القادة الصغار من الذي قال لكم: أعلنوها حرباً على من لا تستطيعون أن تحاربوهم؟ أنتم لن تصلوا إلى تلك المرحلة بعد، أنتم لا تزالوا تراوحون في دهاليز، نحن نكتفي منكم بأن تتجاوزوا الدهاليز التي حبستم أنفسكم فيها، طهروا أرضكم من هذا العدو الرجس ولا نطالبكم بشيء أكثر من ذلك، إنكم تستطيعون أن تطهروا أرضكم من هذه السفارات القذرة، تستطيعون أن تفعلوا ذلك ولكم أسوة بمن طهروا أراضيهم منها، أما القتال فلا نطالبكم به، نحن نعلم أنكم صغار وأنكم لم ترتقوا بعد إلى هذه الدرجة لكنكم تملكون أن تطهروا أراضيكم. أما القتال فسبيل ذلك مفتوح وبين وله شرط واحد تملكون تنفيذ هذا الشرط: أن توحدوا صفوفكم وأن توحدوا قلوبكم وأن تتجهوا من حياتكم هذه التي تعيشونها إلى هدف واحد عندما تتحدون وتتضامنون وتسقطون فوارق ما بينكم ومصالحكم العاجلة الدنيوية وتتجهون جميعاً إلى هدف واحد هو الانتصار لدين الله عز وجل وتطهير هذه الأرض المقدسة من الرجز فإنكم عندئذٍ تملكون أن تفعلوا كل شيء.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 


تحميل



تشغيل

صوتي