مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 08/02/2002

أوروبة تستنكر همجية الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي

أوروبة تستنكر همجية الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي


والقادة العرب أذلاء صامتون


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 08/02/2002


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


إن الحج إلى بيت الله الحرام عبادة من العبادات الكثيرة التي شرعها الله سبحانه وتعالى وشَرَّف بها عباده الذين كلّفهم بها، ولكن للحج مزية بل مزايا فريدة لا تتراءى في العبادات الأخرى قط.


من أهم هذه المزايا التي تنفرد بها هذه الشعيرة أنها لا تُؤَدَّى إلا في مجتمع كبير يجمع الناس كلهم من شتى أقطارهم وبلادهم مُشَرِّقين ومُغَرِّبين، في حين أن العبادات الأخرى كلها يمكن أن تُؤَدَّى أو أن يؤديَها الناس متفرقين، وأنتم تقرؤون في هذا قول الله سبحانه وتعالى خطاباً لخليله سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: ﴿وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلَى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: 22/27-28]. هذه هي الميزة الأولى؛ شعيرة فريدة برأسها، إذ لا تُؤدّى إلا على نحو يتلاقى فيه الناس من شتى أقطارهم ومن مختلف أوطانهم التي يعيشون فيها، ولله عز وجل في ذلك حكمة باهرة سنشير إليها.


ثم إن المزية الثانية التي تنفرد بها شعيرة الحج إلى بيت الله الحرام، أنها سلسلة عبادات تتلاقى في عبادة واحدة، فنُسُك الحج عبادة واحدة ولكنها تتألف من سلسلة من العبادات مترابطة تؤدَّى خلال بضعة أيام؛ لا خلال ساعات أو ساعة كما هو شأن العبادات الأخرى. فالحج - كما تعلمون - فيه الطواف، وفيه السعي، وفيه الرمي، وفيه الوقف. وكل عبادة من هذه العبادات مرتبطة بمكان مستقل، فلا تؤدّى هذه العبادة إلا في مكانها الذي أناطها الله سبحانه وتعالى به. إنها مزية ثانية لا تتراءى في أي من العبادات الأخرى التي شرعها الله سبحانه وتعالى.


أما المزية الثالثة فهي أن الله سبحانه وتعالى لا يَقْبَل حج الـمُقْبِلين إلى هذه العبادة وإلى أداء هذه النسك إلا إذا تَخَلَّوا عن ثيابهم، وتخلَّوا عن مظاهر دنياهم، وتخلَّوا عن شارات تفاوت ما بينهم فاتجه الجميع بمظهر واحد وقد تخلَّوا عن فوارق الرُّتب، وتخلَّوا عن فوارق ما بين الطبقة والطبقة مما يدل على الغنى وعلى الفقر أو على ما بينهما؛ الكل لابدَّ أن يُقْبِل إلى هذه النسك كما يُقْبِل الـمَيْتُ إلى قبره عندما يَرْتَحِل من هذه الحياة الدنيا، وإنها لمزية فريدة عجيبة تبعث على مشاعر لايستطيع مثلي أن يصفها في هذا الموقف قط.


إذا بَعَثْتَ عينيك تنظران إلى الآلاف المؤلَّفَة التي استجابت لنداء الله سبحانه وتعالى هل تستطيع أن تميز قائداً عن مُقود؟ هل تستطيع أن تميز ضابطاً عن جندي؟ هل تستطيع أن تميز مَلِكاً عن واحد من أفراد رعيته؟ هل تستطيع أن تميز غنياً يختال في دويرة أهله وفي وطنه بغناه وبماله الثَّرّ وبمظاهر النعيم التي يمتلكها، هل تستطيع أن تميز واحداً من هذه الفئة عن فقير مُدْقِع؟ لا تستطيع، ولو أنك استطعت لكان حج هؤلاء الناس غير مقبول.


هذه مزية أخرى، وثمة مزايا متنوعة كثيرة تنفرد بها شعيرة الحج إلى بيت الله الحرام.


ولكن هذا كله أيها الإخوة المزية الأولى والثانية والثالثة وما وراءها مما لم أذكره إنما يتجه كل ذلك إلى غاية واحدة أو إلى حكمة كبرى لا ثاني لها في هذه الحياة الدنيا؛ ألا وهي أن تتساقط أسباب الفُرْقَة مما بين المسلمين بعضهم مع بعض، وأن تتلاقى مشاعر الأخوة الإسلامية من جديد، وأن يتجدد بنيان الوحدة الإسلامية الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده عندما شرَّفهم بهذا الدين قائلاً: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ [المائدة: 5/3].


والغريب أن في الناس من يَحْصِر قول الله عز وجل: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: 22/27] بالمنافع الدنيوية المختلفة. مَنْ قال هذا؟ أول منفعة من المنافع التي شُرِع الحج إلى بيت الله الحرام لتحقيقها إنما هو منفعة الرجوع بهذه الأمة إلى وحدتها؛ إنما هو منفعة ردم الثغرات والخلافات وأسباب الخصام التي قد تتفتّح لأسباب متنوعة خلال الأزمنة التي تتوالى على المجتمع الإسلامي. هذه المنفعة هي المنفعة الأساسية الأولى التي يعنيها بيان الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ هذه المنفعة تتمثل في أن يعود المسلمون فيستيقظوا من أسباب فُرقتهم، ويستغفروا الله عز وجل من لغو شقاقهم، ويعودوا وقد ردموا شقوق هذه الاختلافات وسَدُّوا الثغرات المختلفة، وعادوا وإن فَرَّقَتْهم الدنيا ما بين شرق وغرب وشمال وجنوب عادوا أمة واحدة كما قرر الله سبحانه وتعالى وارتضى ذلك له.


ولكن فلنعلم أيها الإخوة أن الحج متى يؤدي هذه الرسالة؟ ومتى يحقق في الحجيج هذه المهمة؟ عندما يكون الإيمان بالله قد عَمَرَ أفئدة الحجاج إلى بيت الله الحرام، وعندما تكون تقوى الله قد هيمنت على قلوب الوافدين إلى بيته الحرام؛ وذلك لأن الله لم يفرض شعيرة الحج على الناس عامة، وإنما فرضها على من تحققوا بالإسلام والإيمان وتقوى الله سبحانه وتعالى. ولو كان الحج إلى بيت الله الحرام دون اشتراط هذا الإيمان مُحَقِّقاً وَحْدَة الناس إذن لدعى الله عز وجل الناس جميعاً إلى هذا العلاج، ولَدَعى كل الناس المتفرقين والمختلفين إلى أن يَطَّوَّفوا بالبيت العتيق وإذا هم قد عادوا أمة واحدة. لا. الحج إلى بيت الله الحرام فرع عن شجرة الإسلام والإيمان؛ فإذا وُجِد الإسلام حقاً وإذا وُجِد الإيمان بالأفئدة صِدقاً فإن الحج عندئذ يصبح غصناً ذا أهمية كبرى يُثْمِر وَحْدة هذه الأمة. فإن رأيتم اليوم أن المسلمين يَفِدُون في كل عام متكاثرين حُجاجاً إلى بيت الله الحرام، ثم إنك تنظر فتجد أن الخلافات المستشرية فيما بينهم لا تزال كما كانت، وأن الثغرات لا تزال مفتَّحَة بينهم فلتعلموا أنها شعيرة في الظاهر لكنها تنطوي على زَغَل كبير في الباطن، هذا شيء.


وشيء آخر مُنْطَلَقُ وحدة هذه الأمة في واقعها التطبيقي اليوم إنما يبدأ من قادة المسلمين، وإن كانت الوحدة في واقعها الحقيقي قاعدة تتجلى في علاقة المسلمين كلهم بعضهم مع بعض. لكن عندما نبحث عن السبيل الأوحد لوضع هذه الوحدة من حياة الأمة الإسلامية موضع التنفيذ فلنعلم أن المنطَلَق إلى ذلك إنما هو قادة المجتمعات الإسلامية. ولتَمَنَّيْت - أيها الإخوة - أن يكون في مقدمة المتجهين إلى بيت الله الحرام حجاجاً قادة العالم العربي والإسلامي، أجل. بل لتمنيت أن لو استبدلوا بمؤتمر القمة الذي يُطْبَخ نظامه وقراره منذ حين لتمنيت أن لو استبدلوا بذلك اتجاههم حجاجاً إلى بيت الله الحرام؛ إذن لوجدوا أن في مؤتمرهم هذا إذ يتجهون إلى هذا النسك الأغر الـمُتًمَيِّز عباداً لله عز وجل طائعين أذلاء وقد زالت مظاهر التَّميُّز والتباهي مما بينهم لسوف يجدون غايتهم في توجههم إلى هذا النسك ماثلة أمامهم أكثر من أن يبحثوا عنها في ذلك المؤتمر الذي يُهَيِّئون له. نعم نحن بحاجة لكي نتحد إلى أن نتعهد هذا النسك الذي أمرنا الله عز وجل به، لكن قادة العالم العربي والإسلامي أحوج منا إلى هذا النسك. وليت شِعري لماذا يتكاثر الناس في كل عام ويزدادون عن العام الماضي مقبلين مسرعين إلى أداء هذه الشعيرة، وأنظر وأبحث بعيني وأتأمل بفكري هل أرى فيهم قائداً من قادة العالم العربي؟ فلاأجد. لماذا لا يتفق قادة الأمة العربية على أن يعالجوا الداء الذي استشرى ثم لم يجدوا دواءً له، ألا وهو داء هذه الفُرْقة الـمَهِيْنة الـمُذِلَّة؟ لماذا لا يتجهون إلى هذا الدواء؟ لماذا لا يتنادون حُجَّاجاً إلى بيت الله الحرام؟ لماذا لا تنظر الأمة إلى بيت الله العتيق وقد أحاط به قادة هذه الأمة العربية بالمظهر الذي وصفته لكم؛ عباداً أذلاء لله سبحانه وتعالى، يجأرون إليه بالدعاء، بالشكوى وبالرجاء؟ إذن والله لن يتركهم الله سبحانه وتعالى خائبين، ولسوف يستجيب دعاءهم.


بالأمس تكلمت أوربا بالنيابة عنا؛ بالنيابة عن الأمة العربية والإسلامية التي تعاني من محنة الظلم الذي يستشري يوماً بعد يوم، تكلمت أوربا على لسان واحد منها باسمهم جميعاً تنتقد هذا الإجرام الذي ما تزال أمريكا عاكفة عليه؛ تنتقد هذه الوحشية التي ما تزال أمريكا مصممة عليه، في سكوتها عن الباطل الذي يستشري ظلماً وعدواناً ومَحْقاً لأناسي مظلومين بُرَآء، انتقدت الانتقاد اللاذع وانتصرت لهؤلاء الفلسطينيين الذين يُقَتَّلون ويُشَرَّدون وتُهَدَّم البيوت فوق رؤوسهم، وانتقدت إرهاب هؤلاء الطغاة الهمجيين من اليهود. بالأمس تكلمت أوربا بالنيابة عن العالم العربي والإسلامي، وأصغيت السمع هل أسمع همسة من قادة الأمة العربية في هذا الأمر؟ لم أسمع. أصغيت السمع هل أسمع كلمة كهذه الكلمة التي نطق بها بالأمس الاتحاد الأوربي؟ هل أسمعها مجتمعة في فم القيادة العربية؟ لم أسمع.


ليت أن هذه القادة اتجهت إلى بيت الله الحرام وقد خلعت مظاهر الأُبَّهة ومظاهر هذا الجلال والهيبة والصولجانات المختلفة المتنوعة واتجهت إلى بيت الله الحرام أفراداً عباداً لله سبحانه وتعالى وقد ارْتَدَوا أكفان الإحرام مُعْلِنين عن عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، يتوبون ينادون يستغيثون يتضرعون يطوفون يسعون يفعلون ما يفعله الحجيج. لعلهم إن فعلوا ذلك قالوا هم أيضاً كلمة كالكلمة التي قالها الاتحاد الأوربي بالأمس نيابة عنا نحن المسلمين.


أيها الإخوة هل أنا بحاجة إلى أن أصور لكم مهانة الأمة العربية متمثلة في قادتها لا في شعوبها؟ هل أنا بحاجة أن أُمَثِّل لكم هذه المهانة بأجلى وأوضح من هذه الصورة؟ لا أستطيع أو لا أتصور أنَّ كائناً ما يملك أن يصف مهانة القادة قادة الأمة العربية والإسلامية كهذا الذي وصفته لكم؛ بل كهذا الذي استطاع الاتحاد الأوربي أن يصفه لنا.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي