مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/12/2001

الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى التضامن والتآلف والوحدة

الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى التضامن والتآلف والوحدة


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 21/12/2001


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


كلما وجدتني أقف في هذا الموقف، أو في موقف كهذا، في بلدة من هذه البلاد الأوربية التي ينتشر فيها الإسلام والمسلمون، وأبحث عن موضوع ينبغي أن أطرقه وأُفِيدَ وأستفيدَ منه، أبحث ثم لا أجدني إلا أمام الموضوع الأول؛ والذي لا أجد مجالاً لتجاوزه طالما كانت هذه الأمة بأَمَسِّ الحاجة إليه. ألا وهو موضوع وَحْدة المسلمين. تَضَامُن المسلمين. تَآَلُف المسلمين. اجتماعهم على الجذع الواحد وابتعادهم أو تناسيهم للفروع والأغصان الـمُفَرِّقَة. لا أجد هنالك موضوعاً يحتاج المسلمون إليه ليداووا جراحاتهم به، وليصلحوا أحوالهم بواسطته، وليُقَوِّموا به اعوجاجهم، إلا هذا الموضوع دعوني إذن أَعُدْ مرة أخرى إلى الحديث عن هذا الدواء الذي شَرَدَ عنه المسلمون. لاسيما في بقعة كهذه البقعة.


هل أُذَكِّرُكم أيها الإخوة مرة أخرى بقول الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 3/103]  أمرٌ ونهيٌ؛ أمرٌ بالاعتصام، ونهيٌ عن التفرق والشتات. أم هل أُذكِّرُكم بقول الله عز وجل: ﴿وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 8/46] كل الآيات الكثيرة التي يحذِّر فيها بيان الله عز وجل من التفرّق والشتات تعرفونها، ولعلكم حفظتموها من كثرة ما تكررت على أسماعكم، وتَرَدَّدَت في مثل هذه المناسبات أمامكم. ولكنْ مَالَنا لا ننفِّذُ هذا الذي أمر الله سبحانه وتعالى به؟ مالنا لا ننقاد لما أمر به الله ولما نهى عنه؟.


أيها الإخوة! يا عباد الله! المسلمون في بقاع أوروبا - لاسيما في فرنسا - كثرة كاثرة، والإسلام هو الدين الثاني في فرنسا كما تعلمون. ولكن هذه الكثرة تضيع جدواها أمام تفرق المسلمين؛ أمام تدابرهم وبين يدي اختلافاتهم. المسلمون هم الذين يملكون الحق ويدعون إليه دائماً، ويبتعدون عن الباطل ويُحَذِّرون منه دائماً. ولكن هذه الدعوة تتبخر وتضيع هباءً أمام تفرق المسلمين؛ وأمام غياب مرجعية يمكن أن يعود إليها من يريد أن يسمع صوت الإسلام في مثل هذه البلدة.


المسلمون - أيها الإخوة - هم الذين عَلَّمهم الإسلام أن يكونوا موضوعيين عندما يَدعون إلى العدل، وعندما يجتمعون على ميزان العدالة. المسلمون هم دون غيرهم الذين رَبَّاهم الإسلام على أن يتشبَّعُوا بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 5/8] من منطلق هذه العدالة التي حبَّبَها الله عز وجل إلى قلوبهم، والتي ربَّاهم الله سبحانه وتعالى عليها، من منطلق هذه العدالة فإنهم يرفعون أصواتهم بالدعوة إلى الحق؛ بالدعوة إلى إحقاق الحق، وإلى إزهاق الباطل، وإلى إعطاء كل ذي حقٍ حقه؛ ولكن دون عنصرية، ودون عكوف على مشاعر الأنانية، ودون تمييز بين فئة وفئة أخرى. إلا أن هذه المزية هي الأخرى تتبدَّد - أيها الإخوة - ويضيع هذا الصوت بسبب الخلافات والخصومات والتشرذم الذي أصبح المسلمون مضرب المثل فيه. وأنا لا أتحدث عن البلاد العربية والإسلامية؛ ولكني أتحدث عن المسلمين الذين جَمَعهم الله عز وجل فوق هذه التربة. لا توجد فيما بينهم حواجز. الحواجز التي كانت في بلادهم تركوها، وأصبحوا كتلة واحدة ليس فيما بينهم ما يقتضي أن يختلفوا أو أن يتفرقوا.


المسلمون عندما يرفعون أصواتهم للدعوة إلى الحق ولإحقاق الحق ولإعادة الحقوق إلى أصحابها فإن الإسلام عَلَّمَهم أنهم عندما يدعون بهذه الدعوة لا يضعون نُصْب أعينهم فئة دون فئة، ولا يَجُرُّون هذا الميزان لصالح قوم دون قوم أبداً. حيثما وُجِد المظلوم ينبغي أن يُنْصر أياً كان المظلوم. وحيثما وُجِد الاغتصاب ينبغي أن يرتفع الاغتصاب أياً كان الـمُغْتَصِب وأياً كان الذي أُخِذ حقه. حيثما دارت رحى الحرب ورحى الظلم ورحى الهرج والمرج دون موجب على أبرياء؛ ترتفع أصوات المسلمين؛ لا بل يرتفع صوت الإسلام لاستنكار هذا الهرج وللدعوة إلى المثول تحت مظلة الإنسانية؛ الإنسانية التي جعلها الله عز وجل رحم خير بين أفراد هذه الأسرة التي قضى الله عز وجل أن تَعْمُر هذا الكوكب الأرضي.


المسلمون أينما كانوا يَمْثُلون أمام قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 49/10]. يَمْثُلون أمام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿الخلق كلهم عيال الله، فأَحَبُّهم إلى الله أنفعهم لعياله﴾. تُرى لو أن هذه الحقيقة ارتفع صوتها وبلغت أسماع الناس الذين هم أحوج ما يكونون اليوم إلى معرفة الإسلام وجوهر الإسلام وإنسانية الإسلام وعدالة الإسلام وموضوعية الإسلام؛ إذن لكان في ذلك خيرُ دعوة إلى الله سبحانه وتعالى في مثل هذه البقعة وغيرها. ولكن ما الذي بَدَّد هذا الصوت؟ ما الذي حَجَب هذا الصوت؛ هذه الحقيقة عن أسماع مَن هم بأمسِّ الحاجة إلى أن يعلموا ذلك؟ هذا التفرق، هذا التشرذم الذي آلت إليه حال المسلمين اليوم. وأعود فأقول لا سيما في بقعة كهذه البقعة.


أيها المسلمون آن لكم وآن للمسلمين جميعاً وإن رحى هذه المصائب تدور على العالم الإسلامي كما تعلمون، آن لهذه الأُسرة الإسلامية أن تعود فتمد جسور الأخوة الإيمانية فيما بينها. آن لكم أيها المسلمون أن تسحقوا عوامل الفُرقة أياً كانت؛ عوامل التنازع من أي جهة جاءت وأن تعودوا إلى الجذع الواحد؛ جذع: ﴿إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. هذا هو سلاحكم الأول أيها الإخوة. إذا اتحدتم فمهما كان هنالك فقر؛ ومهما كان هنالك ضَعْف؛ ومهما كان هنالك تخلّف - على حَدِّ تعبير كثير من المتكلمين اليوم - فلسوف يجعل الله سبحانه وتعالى من تضامنكم واتحادكم يَنبوع قوة. ولكن إن بقيتم على هذا النهج وعلى هذه الحال من التفرق - وإن عوامل التفرق معروفة ولا أريد أن أتكلم عنها - فإن القُوى المادية مهما تكاثرت، ومهما تنوعت لا والله لن تفيدكم أيها الإخوة. ولقد قلتُ بالأمس: إن القوة المادية سلاح وخادم للقوة المعنوية. القوة المعنوية هي صاحبة السيادة، والقوة المادية هي الخادم. والقوة المعنوية هي وحدتكم؛ هي تضامنكم، هي تآلفكم. وربما كانت المصائب درساً للمسلمين، وصدق المثل القائل: رُبَّ ضارَّةٍ نافعة. لكن على أن يتخذ المسلمون من مصائبهم درساً.


أيها الإخوة: يا عباد الله! أقول هذا الكلام لأنكم مَدْعُوُّون بين يدي هذا الظلم الذي تدور رحاه على بُرَآء آمنين في بلادكم الإسلامية؛ بين يدي هذا الاغتصاب الذي تُرَسَّخ ثم لا تزال تُرَسَّخ دعائمه؛ بين يدي أصوات كانت ينبغي أن ترتفع بالتعبير عن هذا الحق الإنساني الذي أقول لكنها خَفَتَتْ. في حين أن أصواتاً أخرى تدعو إلى الباطل ولكنها جَهْوَرِيَّةٌ بهذه الدعوة؛ لأن تلك القلة متحدة؛ ولأن هذه الكثرة متفرقة. أما ينبغي أن تتخذوا من هذا الواقع درساً؟!. اجعلوا أولاً من وَحْدَتكم المنبر الذي يُسْمِع حديثكم القاصي والداني. ولن تجدوا غير منبر الوحدة ما يُبَلِّغ حديثكم إلى العالم قط. فإذا أكرمكم الله عز وجل بهذه الوحدة وعَلَوْتُم أدراج هذا المنبر؛ منبر الوَحْدة، فَوَجِّهوا كلمتكم إلى العالم عن يمين وشمال، للأقربين والأبعدين. قولوا: إننا نحن المسلمين. رَبَّانا إسلامنا على أن نتحرر من العنصرية، فلا يمكن أن نجعل من الأنانية أداة لتجاهل العالم، ولا يمكن أن نستقبل معنىً من معاني الأنانية لا الفردية ولا الجماعية لنتناسى بذلك حقوق الآخرين، ولنتناسى من خلال ذلك العالم كله في سبيل أن نتذكر أنفسنا، لا. ربَّانا إسلامنا - كما قلت لكم - على أن نَمْثُل في محراب قول الله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 5/8]. الإسلام الذي هو الجذع الأول للأديان السماوية، أو للشرائع السماوية - هذا الدين كان ولا يزال حَفِيّاً بأبنائه، كان ولا يزال يَمُد جسور التعايش والتآلف بين كل أولئك الذين يَمُدُّهم نسب إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى.


أيها الإخوة: إن لم تقولوا هذه الحقيقة فمن ذا الذي يقولها؟ أنتم أصحاب هذه الحقيقة التي شَرَّفَنا الله عز وجل بها عندما شَرُفْنَا بهذا الدين. ألا تذكرون يوم انتشر الإسلام في بقاع أوروبا وقامت دولة الإسلام في إسبانيا؟ ذَكِّروا الناس بالعدالة العالمية التي عَجَز العالم من قبلُ ومن بعدُ أن يَمُدَّ رُوَاقَها إلا تلك الدولة التي نظر العالم مشرِّقاً ومغرِّباً إليه فطأطؤوا الرأس لتلك العدالة. اليهود الذين كانوا في إسبانيا من الذين حَمَوْهُم؟ أي دولة حَمَتْهُم؟ أي دولة وضعتهم في حرزٍ حصين؟ كيف كان حالهم قبل أن تَعْمُر تلك البقعة بذلك الدين؛ دين العدالة، كيف كان واقعهم من قبل؟ وكيف وإلامَ آل حالهم من بعد؟. إسلامنا أيها الإخوة يُعَلِّمنا الغَيْرِيَّة ويُحَذِّرنا من الأنانية، سواء كانت أنانية فردية أو أنانية جماعية. إسلامنا أَشْبَعَنا وثم أشبعنا بالحقيقة القائلة: إن الأسرة الإنسانية كلها أسرة واحدة، وما الإسلام إلا الراعي الأول والأخير لهذه الأُسرة.


مَنْ الذي يرفع صوته - أيها الإخوة - ليقول للعالم كله: إننا من هذا المنطلق ندافع عن أرض اغْتُصِبَت عندما ندافع عنها، وندافع عن بُرآء يُقْتَّلون عندما ندافع عنهم، وندافع عن حقوق اسْتُلِبَت عندما ندافع عن هذه الحقوق؟إن لم تقولوا هذه الحقيقة فمن ذا الذي يقولها؟ إذا كنتم تجدون أن هنالك قانوناً نَبَع من الأرض ولم ينزل من السماء يرعى الأسرة الإنسانية دون أي تفريط ودون أي تفريق فحدِّثوني عن هذا القانون. لم يولد هذا القانون بعد. إنما هو الإسلام. عندما تبحثون عن ميزان دقيق يرسم حقيقة العدالة، يرعى هذه العدالة موضوعياً ويحفظها في شكلها وأُطُرِها، حدثوني أين تجدون هذا الميزان أيها الإخوة ﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ﴾ [الرحمن: 55/7] ذاك الذي رفع السماء هو الذي وضع الميزان في هذه الأرض؛ ألا وهو ميزان العدالة. أي يدٍ وضعت هذا الميزان بعد الإسلام؟


أجل. ولكن كيف السبيل إلى أن تقولوها للعالم كله؟ السبيل أيها الإخوة أن تتحدوا، وأن تتضامنوا، وأن تَعْمَدوا إلى عوامل التفرقة، تلك العوامل التي حَجَزت الأخ عن أخيه، والفئة عن الفئة الأخرى فتحطموها. شُمُّوا رائحتها أولاً ستجدون أنها رائحة الأنانية التي تزكم الأنوف. الأنانية ولا شيءَ غيرُ الأنانية. من ذا الذي ينسى قول الله عز وجل: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 3/105] ثم يقول: أنا مؤمن بالله؟ أنا مُعَظِّمٌ لحرمات الله؟.


نعم أيها الإخوة. أقولها لكم أيها الإخوة وأرجو وأسأل الله أن يجعل من المصائب التي تطوف بعالمنا الإسلامي أن يجعل منها درساً يوقظنا من سُبَاتِنا ويعيدنا متحدين إلى صراط الله سبحانه وتعالى. لماذا تستطيع القلة القليلة جداً أن ترفع صوتها عالياً بالباطل الذي تتباهى به؛ بالعنصرية التي تتباهى بها، ولماذا لا تستطيعون أنتم دعاة الحق والعدالة الإنسانية الـمُنْطَلِقة بِهُوِيَّة إنسانية لا شائبة فيها، لماذا لا تَبْلُغ أصواتكم العالم؟ لأن تلك القلة اتحدت، ولأن هذه الكثرة تَفَرَّقت. وهكذا فأنا كلما شَرَّقْتُ أو غَرَّبْت، وكلما رأيتني في بقعة من بقاع أوروبا أو أمريكا ودُعِيْتُ إلى أن أقف مثل هذا الموقف فأتكلم أجدني أمام وَتَرٍ واحدٍ لا بد أن أعزف عليه دون غيره. الشَّجْوُ الذي في نفسي لا يمكن أن يفصلني عن هذا الوَتر؛ ألا وهو وَتَر: اتحدوا أيها المسلمون، كفاكم تفرقاً، ليس هنالك موجب لهذا التفرق الذي ران عليكم. وكم وكم وكم قلتُ هذا الكلام. ولكنْ... ولكنَّ الأنانية هي التي تجعل كثيراً من الآذان لا تعي هذا الكلام. أو كثيراً من القلوب صُفِّدَت برانٍ يجعلها لا تعي ولا تسمع هذه الحقيقة التي أقولها. إذا غاب الإخلاص لله عز وجل في سبيل الأنانية وفي سبيل المصالح الشخصية وفي سبيل ما لا أريد أن أقوله، أليس هنالك ما يجمعكم من أَتُون هذه المصائب؟ هذا الذي تسمعون من قريب أو من بعيد. إخوانكم الذين يرفعون أصواتهم عالياً في الأرض الـمُغْتَصَبة الـمُسْتَلَبة ينادون قائلين: لا نريد أكثر من إحقاق الحق. لا نريد أكثر من أن نتعايش نحن جميعاً في سلام حقيقي تحت مظلة من السِّلْم الحقيقية. لا نريد إلا أن ننال حظوظنا وحقوقنا التي متَّعَنا الله عز وجل بها وأن ينال الآخرون أيضاً حظوظهم وحقوقهم. ومع ذلك فلا العالم الأوربي يعي هذا الأنين الذي يُتَرْجَم إلى هذا الطلب، ولا العالم الأمريكي يرعى ويسمع هذا الأنين. مَنْ الذي يترجم هذا الأنين ليَصُكَّ أسماع العالم كله؟ أنتم أيها الإخوة. أنتم.


ثم أقول بعد هذا وقبله: نحن نتعبد الله عز وجل في هذا الذي كنت ولا أزال أُرَدِّده وأقوله في كل مناسبة. نحن أيها الإخوة نعيش اليوم أيامنا فوق ظهر الأرض، وعما قريب سنكون في باطنها. وأعمارنا طالت أو قَصُرَت والله لسوف تلتفتون إلى ما وراءكم فلسوف تجدونها لا أياماً؛ بل سوف تجدونها دقائق. لكنَّ هذه الدقائق تَعْظُم وتَعْظُم وتَكْبُر؛ إن ملأتموها بما يرضي الله، وتذوب ثم تذوب ثم تذوب؛ إن راوحتم في أماكنكم وبحثتم عن حظوظكم وجعلتم للإسلام حظاً من ألسنتكم فقط. فإذا كنتم تعرفون هذه الحقيقة، وإذا كنتُ أعلم أن المآل إلى الله، وإذا كنت أقرأ صباح مساء قول الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 3/103]، وأجد بيان الله يَتَفَنَّنُ في ترديد هذا المعنى بأساليب شتى؛ أين أنا من محراب العبودية لله؟ أين أنا من المثول عبداً على أعتاب الله عز وجل؟ كيف..؟ كيف أيها الإخوة أقف بين يدي ربي غداً إذا كنت أجعل من الفروع والحظوظ والمصالح العاجلة سبباً لتقطيع صلة الرحم بيني وبين إخواني؟ أجعل من مصالحي الآنِيَّة وحظوظي النفسية - ولا أريد أن أفتح ملف الحديث عن هذه الحظوظ - أجعل منها سبباً للإعراض عن كلام الله سبحانه وتعالى. ومهما رأيت أن السلاح الأوحد الذي يعيد إلي حقي؛ السلاح الأوحد الذي يجمع شمل هذه الأمة كلها على القَدْرِ الأعلى من القوة، ومن الغنى، ومن السلاح الحقيقي الذي أمرنا الله عز وجل به إنما هو هذه الوحدة. ومع ذلك فلا نبالي بالمصائب عَظُمَت أو قَلَّت، ولا نبالي بالبلايا والرزايا دَنَتْ أو تباعدت ويظل كل ذي حظ.....


في كيان إنسان تنامت إنسانيته ولم تذبل ولم تُمْسَخ. ليس هنالك شيء يبعث النشوة في كيان هذا الإنسان إلا الإسلام، ذلك لأنه دين العدالة، لأنه الدين الذي يحارب العنصرية. ذلك لأن الدين الذي يَمُد أسباب التواصل إلى أنحاء العالم أجمع. ذلك لأنه الدين الذي يرعى العدالة لذات العدالة، لا لكي تُجَرَّ إلى فئة دون فئة. لأنه الدين الذي يرعى الحق لأنه الحق، لا لكي يكون الحق من نصيب فئة دون أخرى. فانظروا إلى هذا الشرف الذي مَيَّزَكم الله عز وجل به كيف يكون سبيل حمايته وحفظه؟


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل