مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/11/2001

لنجعل هذا الأسبوع أسبوع توبة ورجوع إلى الله عز وجل

لنجعل هذا الأسبوع أسبوع توبة ورجوع إلى الله عز وجل


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 09/11/2001


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


يقول ربنا سبحانه وتعالى في محكم تبيانه: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 42/30] وهو خطاب لنا نحن المؤمنين بالله عز وجل، أما الجاحدون والكافرون فقد خاطبهم الله عز وجل بقرار آخر إذ قال: ﴿فذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [القلم: 68/44-45]، إذن فبيان الله عز وجل يخبرنا بعبارة حاسمة جازمة أن كل ما يطوف بنا من مصائب إنما سببه ما قد كسبته أيدينا، ما قد اجترحناه من المعاصي والآثام في جنب الله سبحانه وتعالى، على أنه يعفو الكثير من ذلك.


ونحن أيها الإخوة، نعلم جميعاً أن المصائب التي قد تنزلت بنا كثيرة ومتنوعة، والتي تطوف بنا وتتهددنا من قريب أو بعيد كثيرة ومتنوعة أيضاً، وأخطر هذه المصائب الواقعة أو من أخطر هذه المصائب الواقعة التي نعاني منها هذا الجفاف الذي تحكم بنا والذي يهددنا بأخطر الآفات وأخطر النتائج، ولا أريد أن أطيل بما تسمعونه بين الحين والآخر من أحاديث خبراء المياه، ولكن الأهم من هذا أن نعود إلى أنفسنا وأن نشم رائحة أكفنا وأن نتعامل مع قول الله عز وجل: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 42/30] هذا الجفاف الذي حطّ برحاله فينا إنما هو نتيجة معاصٍ تراكمت متنوعةً في مجتمعاتنا؛ ولا مجال للحديث عنها، وللتنويه بها أو لذكر أمثلةٍ عنها، المهم أن نعلم أننا جميعاً على اختلاف مستوياتنا وفئاتنا متلبسون بالآثام والمعاصي، شاردون عن صراط الله سبحانه وتعالى، ولم يبق بيننا وبين مولانا وخالقنا من نسبٍ إلا نسب الإيمان به، ونسب إقرارنا بالعبودية له، فما العمل أيها الإخوة؟


إن الله سبحانه وتعالى يدعونا من خلال هذا الكلام إلى أن نؤوب إليه، وأن نعود فنصطلح معه، وكم وكم بيّن وكرر هذا في محكم تبيانه، وانظروا إلى قول الله عز وجل وهو يحكي خطاب سيدنا نوح لقومه بإلهام وأمرٍ من الله عز وجل: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً﴾ [نوح: 71/10-12] هذا كلام الله سبحانه وتعالى: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّارا﴾ مهمة ألْزَمَنا الله عز وجل بها، ووعد قطعه الله عز وجل على ذاته العلية، أما المهمة التي ألزَمَنا الله عز وجل بها فهي أن نعود فنستغفر الله سبحانه، وأما الوعد الذي قطعه الله على ذاته العلية، فهو أن يغفر لنا الذنوب كلها ﴿إِنَّهُ كانَ غَفّاراً﴾ هذا كلام الله عز وجل يقوله عن ذاته العلية ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ باب المغفرة مفتوح لكنه يتطلب من يلج في هذا الباب، يتطلب من يلج في هذا الباب عن طريق طلب المغفرة، فهل طلبنا المغفرة من الله أيها الإخوة؟ هل طرقنا باب التوبة والإنابة إلى الله؟ قلتها مراراً وأكررها: ليست المصيبة أن يكون الإنسان عاصياً؛ فكل بني آدم خطّاءٌ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المصيبة كل المصيبة أن يعكف الإنسان على معصيته وشروده عن الله، فلا يرفع رأسه باستغفار، ولا يلتفت إلى الله بسير إليه وبيعة جديدة معه، واصطلاح جديد معه، تلك هي المصيبة، المصيبة أن يعصي الإنسان ربه ثم يعكف على عصيانه ولا يحدث نفسه بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل، وهذا معنى قوله سبحانه: ﴿اسْتَغْفِرُوا... ﴾ أي اطلبوا من الله المغفرة عن طريق التوبة، عن طريق الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والرجوع إليه، فإن أنتم فعلتم ذلك فإن الله عز وجل سيُبْدِل سيئاتنا حسنات ﴿إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ [الفرقان: 25/70] هذا هو ربنا سبحانه وتعالى، ولكن أين هي عبوديتنا التي تقتضي التوبة الدائمة إلى الله عز وجل؟


أيها الإخوة كما قلت لكم مصائبنا التي حاقت بنا كثيرة، ولا أريد أن أعددها، ومن أهمها وأخطرها هذا الجفاف.


ومما نحمد الله عز وجل عليه أنه ألهم قائدنا ورئيسنا أن يتجه بدعوة إلى هذه الأمة إلى شعب هذه البلدة المباركة بالتوبة والإنابة إلى الله، ورد المظالم وصوم ثلاثة أيام بدءاً من يوم الأربعاء ثم التوجه إلى صلاة الاستسقاء صبيحة يوم الجمعة، أجل. ونحمد الله عز وجل على هذا الإلهام، ولسوف تسمعون هذه الدعوة تترى وتتكرر على أسماعكم. إذن أيها الإخوة فلنجعل هذا الأسبوع بدءاً من هذا اليوم أسبوع توبة، أسبوع رجوع إلى الله، أسبوع اصطلاح مع الله عز وجل، وأنا أدعو نفسي إلى هذا قبل أن أدعو أي أخٍ من إخواني، فأنا أول العصاة، وأنا أول الشاردين، وأنا أول المقصرين في جنب الله عز وجل. ولكني كما أدعو نفسي إلى الإنابة إلى الله والتوبة النصوح والابتعاد عما قد حرم ونهى، فلا بد أن أحب لإخواني ما قد أحببته لنفسي، لا بد أن أدعوكم إلى هذا الذي أدعو نفسي إليه، تعالوا نتب إلى الله سبحانه وتعالى، أما حقوق الله عز وجل فمبنية على المسامحة بالتفاتة صادقة إلى الله، وببيعة جديدة مع الله، يغفر الذنوب كلها ويحيلها إلى حسنات، وأما حقوق العباد فمبنية كما تعلمون على المشاحَّة على الشدة والدقة فيها، تعالوا نُعِدِ المظالم إلى أصحابها، تعالوا نتدارك حقوق من أهدرنا حقوقهم سواءٌ كانت حقوقاً مادية أو حقوقاً معنوية، أعيدوا الحقوق إلى أصحابها؛ فاليوم ساحة فرصة وإنابة إلى الله، وغداً إذا مَثُلَ الناس أمام الله عز وجل ووقفوا موقف الحساب بين يديه لا نستطيع أن نرد حقوقاً استلبناها، ولا نستطيع أن نصلح فاسداً تسببنا له. الفرصة سانحة أيها الإخوة، والموت آتٍ، ولا ندري كم هي مسافة ما بيننا وبينه، ردوا المظالم أيها الإخوة إلى أصحابها، استسمحوا أصحاب الحقوق أياً كانوا وأياً كانت هذه الحقوق، واجعلوا تعاملكم في هذا مع الله لا مع عباد الله سبحانه وتعالى. والله رقيبٌ أيها الإخوة، والله محاسبٌ، فإذا وفقنا الله عز وجل وجعلنا هذا الأسبوع الذي نحن مقبلون عليه وهو آخر أسبوع في هذا الشهر المبارك، تبنا إلى الله، وأعدنا الحقوق إلى أصحابها، وجددنا البيعة مع الله سبحانه وتعالى، وعدنا إلى قلوبنا فنظفناها من السخائم، وراقبنا الله عز وجل ونسينا الأغيار أمام مراقبة الله الواحد القهار، ثم توَّجنا هذه التوبة وهذه الإنابة بالصيام الذي ستدعون إليه، ثم بالهروع منكسرين خاضعين أذلاء متجلببين بجلباب العبودية لله عز وجل إلى صلاة الاستسقاء كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا واثق بأن الله سبحانه وتعالى سيرفع الغمة، وسيقشع عنا المصيبة، ولسوف تعود الأمطار سخية، ولسوف تفيض الأنهار وتتلألأ بمياهها كما كانت، وصدق الله القائل: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً﴾ [نوح: 71/10-12]. أنا واثق بأن من تعامل مع الله عز وجل بالإنابة الصادقة إليه، وبالعود الحميد إلى صراطه، وعزم على أن يستقيم ولا ينحرف، أنا واثق أن الله عز وجل سيُوفّي بما التزم به تجاه عباده هؤلاء: ﴿وَإِنِّي لَغَفّارٌ﴾ جلّ القائل هذا الكلام ﴿وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 20/82].


لعلكم تقولون أيها الإخوة إن ابتداء الصوم بعد دخول النصف الثاني من شهر شعبان غير جائز، أجل، هذا إذا كان صوماً لا موجب له بدون سبب، أما الصيام الذي يكون عن سبب، كأن يكون الرجل معتاداً على أن يصوم كل اثنين وخميس من الأسبوع، فلا حرج في أن يستمر على ذلك، أو كأن يُلزَم بالصيام لسبب من هذا القبيل، وينبغي أن نعلم أن ولي أمر المسلمين إذا دعا الناس إلى التوبة وجب عليهم أن يتوبوا وجوباً مؤكداً، وإذا دعاهم إلى الصوم، إلى صيام هذه الأيام الثلاث، وجب عليهم أن يصوموا، تحول الصوم من ندب إلى وجوب.


أسأل الله سبحانه وتعالى ألا يبعدنا عن حظير عبوديتنا له، مهما أخطأنا ومهما شردنا عن بابه، ونحن ضعاف، ذلك هو شأن الإنسان، ذلك هو شأن العبد، لكني أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأوابين، أي من كثيري الرجوع إلى الله، كلما شردنا عُدنا، هكذا يقول الله عز وجل: ﴿هَذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ﴾ [ق: 50/32]، الجنة، ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، هَذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ﴾ [ق: 50/31-32]. انظروا كم تتبدى وتتجلى وتتألق رحمة الله في هذا الكلام لم يقل: هذا ما توعدون لكل مستقيم على صراطي لا ينحرف عنه يمنة ولا يسرة، وإنما قال: ﴿هَذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّاب﴾، والأوّاب صيغة مبالغة من آيب، والآيب: هو الراجع، فمتى يكون العبد أيها الإخوة رجّاعاً إلى الله؟ عندما يكون كثير الشرود عن باب الله، ليس الخطر أن يشرد العبد، إنما الخطر أن يشرد ثم لا يعود.


اللهم ارزقنا عوداً حميداً إلى صراطك، اللهم طهر قلوبنا من الشوائب والأدران حتى نستأهل كرمك ومغفرتك وجودك وإحسانك.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي