
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


أهيب بشعوب العالم الإسلامي أن يزدادوا إقبالاً على أعتاب الله
أهيب بشعوب العالم الإسلامي أن يزدادوا إقبالاً على أعتاب الله
خطبة الإمام الشهيد البوطي
تاريخ الخطبة: 12/10/2001
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد فيا عباد الله
لقد تحدثنا عن هذه الكوارث التي تدور رحاها على الإسلام والمسلمين، وتأملنا في مظاهرها وصورها، وربطنا الأسباب منها بالمسببات ضمن دائرة ما تراه حواسنا وما تدركه أبصارنا داخل دنيا المادة التي نراها، ولكن قد آن لنا أن نخترق هذه الظواهر إلى ما وراءها، آن لنا أن نتجاوز هذه الأوضاع التي تراها أعييننا والتي تخضع لأسباب ومسببات ماديةٍ تدركها حواسنا، آن لنا أن نتجاوزها وأن نخترقها، لنقف على اليد التي تحرك الكل، ولنقف على السلطان الأوحد الذي يسوس هذا العالم ويقوده كما يشاء ألا وهو سلطان الإله العلي الأعلى الواحد القهار سبحانه وتعالى، هذا ما يتيه عنه إلى الساعة، إلى هذه الساعة كثير من المسلمين في كل بقاع هذه الأرض وفي سائر بقاع العالم الإسلامي.
إن ما تراه أعيننا من مظاهر الظلم الذي ينحط على ضعفاء برآء مظلومين، إن هذه التي تراه أعيننا من مظاهر الفتن، من مظاهر الطغيان، كل هذه صور أيها الإخوة، وكل هذه نتائج وثمرات لتدبير مدبر، ولتخطيط إله مخطط، أفلا نقف على هذا التدبير وحكمته؟ أفلا نتجاوز حركة الجنود الذين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، لكي نقف على حكمة اليد التي تقود؟ ولكي نقف على سلطان الإله المتحكم والحاكم في عباده، لقد آن لنا أن نقف على قرار الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِين﴿ [البقرة: 2/251]. آن لنا أن نقف على قوله عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ، وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ، لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 6/65-67] آن لنا أيها الإخوة أن نعيش ونحن مؤمنون موحدون، آن لنا أن نعيش من هذه الفن والأزمات في بحار التوحيد، وأن لا نرى إلا تدبير المدبر الأوحد وسلطان الواحد الذي لا شريك له.
ولعل فيكم من يقول فما هي الحكمة؟ وما معنى قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [البقرة: 2/251]؟ وأي فضل يتمثل في أن يسلط الله عز وجل شرار خلقه على خيار عباده المسلمين؟
الجواب أيها الإخوة أن المؤمن في مثل هذه الحال ينبغي أن يسلّم انطلاقاً من الثقة التي هيمنت على قلبه؛ بعد أن آمن بالله حكيماً ورحيماً، إن الله سبحانه وتعالى، إذ يخطط وإذ يبعث لتنفيذ هذه الخطط جنوداً من عباده، الطغاة أو الفاسقين أو غيرهم، فإنه سبحانه وتعالى لا يطلعك على هذه الخطة ولا على مراميها، ولكنه يريك نتائجها، يطلعك الله عز وجل على سننه، أي على قوانينه في عباده، إنه قد أخذ على نفسه أن يربي عباده المؤمنين به والتائهين عنه، أخذ على نفسه ذلك، لابد أن يربيهم، ولابد أن يوقظهم، وله إلى ذلك سبله، وله إلى ذلك خططه، والرب رب والعبد عبد، وما ينبغي للعبد أن يتمطى ليسائل ربه: كيف تجري هذه الحكمة إلى نهايتها؟ وأين هي الفائدة المتوخاة منها؟ وأين هو فضل الله عز وجل على عباده إذ يسلط عليهم جنداً من الطغاة؟ هذا السؤال إنما يسأله المرتاب في ذات الله سبحانه وتعالى، أما العبد الذي هيمن على قلبه الإيمانُ بالله والثقة بحكمة الله واليقين برحمة الله، فهو إذ يقف على قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [البقرة: 2/251]، يستسلم ويسلم ويقود نفسه إلى مزيد من الالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى.
آن لنا أيها الإخوة أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسوطنا، وأقول: يسوطنا. أي يسوط العالم الإسلامي بقطع النظر عن فئاته وجماعته ودوله، والعالم الإسلامي جسم واحد لا يتجزء، إن المسلم ينبغي أن يعلم أن هذه الفتن أو هذه المحن إنما هي عِصِيٌّ تتهاوى عليه من لدن مولاه وخالقه عز وجل، وليست فتناً أو محناً يهيمن بها عليه عدو مشرق أو مغرب أبداً، العين قد ترى الجند والخدم، ولكن البصيرة لا ترى إلا الله سبحانه وتعالى، ولله سبحانه وتعالى سنن ينفذها في عباده أياً كانوا، كل الناس أيها الإخوة خاضعون لقوانين لا يتحيز بيان الله فيها إلى قوم دون قوم. ما وقع في الأمس ببني إسرائيل للأسباب التي جعلتهم يتعرضون لذلك الواقع هو ذاته الذي يمكن أن يقع بالمسلمين للأسباب ذاتها، وإنكم لتقرؤون قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَيْنا إِلَى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ [الإسراء: 17/4] لاحظوا السبب الفساد ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ [الإسراء: 17/5] أفسدوا في الأرض، وتاهوا عن سلطان الله، واستكبروا على مننه ونعمه، فسلط الله سبحانه وتعالى عليهم جنداً من لدنه، أرسل عليهم عباداً له أولى بأس شديد، هل هذا القانون كان وقفاً على بني إسرائيل؟ لا، لا يتحيز الله في هذا لقوم دون قوم، هذا القانون يطبق على كل من وقف الموقف الذي وقفه بالأمس بنو إسرائيل، هذا التأديب يراه كل من قام في المقام الذي قامه بالأمس بنو إسرائيل في الإفساد، وفي الاستكبار، وفي الإعراض عن نعم الله سبحانه وتعالى. ما حل بالأمس البعيد أو القريب ببني إسرائيل، لابد أن يحل اليوم بالمؤمنين الذين كانوا قد بايعوا الله عز وجل ثم خانوا البيعة، عاهدوه على الوفاء بحقه ثم إنهم أعرضوا عن هذا الوفاء، أعرضوا عن أوامره، وتقلبوا في نعمه. أعرضوا عن أداء حقوقه، ولكنهم استمرؤوا مننه، واستمرؤوا الكثير من أعطياته. إذن فقد تعرضوا للبلاء ذاته الذي تعرض له بنو إسرائيل بالأمس، إن الصورة أنها محنةٌ جاءت من أناس طغاة متجبرين يتمتعون بقوة لا نتمتع بمثلها، أما الحقيقة فهي أن هؤلاء جند وخدم ينفذون أوامر الله سبحانه وتعالى؛ بكل دقة.
آن لنا أن نعلم هذه الحقيقة أيها الإخوة. المسلمون اليوم يزيدون على المليار، بل ربما كانت الحقيقة أنهم يناهزون المليار ونصف المليار. هم كثرة من الكثرة بمكان، لكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿غثاء كغثاء السيل﴾ ولا داعي إلى أن أشرح هذا الغثاء الذي أنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أأجوب بكم بأسواق المسلمين وميادينهم ونواديهم وأسمارهم وحاناتهم؟ أأقف بكم على سيرة حكامهم ورؤسائهم وقادتهم وشؤونهم وتقلباتهم في الليالي والأيام؟ أأحدثكم عن فراغ أفئدتهم من سلطان الله سبحانه وتعالى والشعور بقاهريته وحكمه ووحدانيته؟ لا داعي إلى أن أحدثكم عن شيء من هذا قط، إذن تعلمون لماذا آل بهم الأمر إلى أن يكونوا غثاءً كغثاء السيل، على الرغم من كثرتهم. تركيا بلدة مسلمة، أجل لكن ضعوا إسلامها في كفة، ووضعوا واقعها في كفة ثانية، ماذا ترون؟ وما نقوله عن تلك الجماعة، نقوله عن كثير وكثير من المسلمين، في مثل هذه الحالة تظهر الحكمة وتتجلى من قوله عز وجل: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ [البقرة: 2/251] وتتجلى الحكمة من قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: 6/65].
إذا عرفنا هذه الحقيقة وتجاوزنا ظواهر الصور والمشاهد التي تراها أعيننا أو تسمعها آذاننا إلى هذه الحقيقة الواضحة التي نعرفها، إذا فعلنا ذلك ما الفائدة الني نجنيها؟ الفائدة التي نجنيها أن هذه المعرفة التي تتكشف لنا وتتبين حقيقة ماثلة أمام بصائرنا تعود بنا إلى إيمان جديد بالله، وتدفعُنا إلى أن نصطلح مرةً ثانيةً بصدق مع الله سبحانه وتعالى، وتُهَيِّأَ لنا سبل الرجوع مرةً أخرى لنعاهد الله على الوفاء بحقوقه المنوطة في أعناقنا، تلك هي الفائدة، وإلا فما فائدة عِصِيِّ التأديب إذ تتهاوى من المربي إلى الولد أو التلميذ الذي يرعى شأنه؟ هذه هي الفائدة. ومن ثَمَّ فإننا نقبل إلى الله سبحانه وتعالى بعبودية واجفة، ونطرق بابه بذل، ونقف أمام أعتابه بانكسار، ندعوه ونتوسل برحمته، ونلجأ إلى فضله وكرمه وجوده، والمأمول أن يستجيب الله سبحانه وتعالى، تلك هي الفائدة.
هذه الفائدة أيها الإخوة قريبة المنال جداً بالنسبة لكثير من شعوب العالم الإسلامي، لا أقول لكل. لكثير من شعوب العالم الإسلامي، وكأني بهم اليوم في مهب هذه الفتنة التي تعصف بهم قد استيقظوا وقد تنبهوا، وقد أخذوا يتلمسون جلباب العبودية لله على كياناتهم، وكأني بكثير منهم يتجافون عن مضاجعهم في الأسحار ليقوموا فيقفوا بين يدي الله عز وجل باكين متضرعين يستغيثون برحمته أن يرفع عنهم هذا البلاء. كأني بالكثير منهم يفعلون ذلك، وما كانوا بالأمس هكذا، لاحظوا الكرم الإلهي ولاحظوا الحكمة الربانية. هذه الظاهرة ينبغي أن نستزيد منها أيها الإخوة. أملي كبير بكثير من شعوب العالم الإسلامي أن يشتعل فتيل العبودية لله بين جوانحهم في ظل هذه المأساة، وإني لأتجه إليهم أهيب بهم أن يزدادوا إقبالاً على أعتاب الله المولى الكريم الذي يقول: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 2/186].
أهيب بهم أن يقوموا فيطرقوا باب الله عز وجل بانكسار، وأن يلجؤوا إليه بالضراعة المتناهية، وأن يبسطوا أكف الافتقار الحقيقي إلى الله عز وجل، ولا عليهم إن كانوا قبل يوم عصاة، ولا عليهم إن كانوا إلى هذه اللحظة شاردين عن باب الله، فإن الله يقبل العصاة قبل أن يقبل الطائعين؛ إذا صدقوا في الالتجاء إليه؛ والتضرع على أعتابه، والترامي على أبواب كرمه وفضله، أقول لهؤلاء المسلمين أينما كانوا اطرقوا باب الله صباح مساء، في الغدو والآصال، في الأسحار، في الأوقات الخاصة التي تملكونها، فهذا هو الباب الذي يأتي إليكم منه النصر والتوفيق، ولا باب بعد هذا الباب سواه، أجل ولاسيَّما هؤلاء المسلمون المنكوبون، الضعفاء الأذلاء، هؤلاء يستجيب الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة كلها بشفاعتهم، أجل هؤلاء المظلومون لابد أن يستجيب الله دعاءهم، إن دعَوْهُ بقلب واجف، وإن قدّموا بين يدي دعائهم له قرباناً من صدق التوبة وصدق الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. لوذوا بباب الله أينما كنتم وفي أي مكان وجدتم من أرض الله سبحانه وتعالى الواسعة، خاطبوا الإله الذي يراكم ولا ترونه، والذي هو أقرب إليكم من حبل الوريد، واجعلوا من ذلك ورداً دائماً دائماً تغذون به إيمانكم وقلوبكم النابضة بتوحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان برحمته والثقة بفضله.
أما حكام المسلمين فأكاد أقول إني يائس من أن أجد نفسي أمام الساعة التي أنظر وإذا بهم واقفون أذلاء، خاضعين، خاشعين، يبسطون أكف الافتقار إلى الله عز وجل، أن يرفع عنهم هذا البلاد، أكاد أقول: إني يائس، وأرجو الله أن أكون مخطئاً، ذلك لأنني أنظر أيها الإخوة إلى هؤلاء القادة والحكام، إلا من رحم ربك، وقليل ما هم....، هؤلاء يرون في الدنيا التي تحيط بهم كل شيء ويتعاملون من دنيا الأسباب بكل الأسباب، إلا ما وراء هذه الأسباب المادية التي تراها أعينهم، إنهم غارقون في دنيا الملهيات والمنسيات، إنهم سجناء لما تبصره أعينهم ولما يحتك بحواسهم ولما يرونه من دنيا المادة التي تحيط بهم، وكأني بعروشهم أو بمراكزهم وسلطنتهم قد حجبتهم عن الله، مع العلم بأن هؤلاء كان ينبغي أن يكونوا أقرب الناس جميعاً إلى الله، لأنهم يحملون من أوقار المسؤوليات ما لا يحمله بقية الناس بشكل من الأشكال، أنا عندما أحمّل مسؤولية أمتي، أنا عندما أحمّل مسؤولية مصير قومي، إذن فأنا أَحمل عبئاً كبيراً كبيراً لا طاقة لي بالوفاء به، إلا بقوة، أية قوة، بأية قوة ألجأ؟ وأي قوة أؤمن بها؟ وإلى أي قوة أستند؟ إنها قوة الله، فقط لا ثاني له، ومع ذلك أيها الإخوة فإني لأسأل الله سبحانه وتعالى في هذه الساعة المباركة أن يغرس من تعظيم الباري سبحانه وتعالى ومن معاني الإيمان به، ومن مظاهر العبودية له في قلوب قادة المسلمين وحكامها، ما يوقظهم إلى الحقيقة التي أحدثكم عنها، وما ينبههم إلى ما وراء هذه الصور وما وراء هذه المظاهر، ليس المهم أن يسوسوا الأمور، في تعامل دقيق وخبير وبصير مع أمريكا وأندادها، إنما المهم أن يسوسوا أمورهم مع الله، إنما المهم أن يمدوا أيدي البيعة إلى الله الذي يستخدم أميركا وغير أميركا في تنفيذ قضاءه وتنفيذ خططه، أسأل الله عز وجل أن يلهم قادتنا هذه الحقيقة، كنت أتمنى لو أن ساعة قدسية أزفت لي وتهيأت لأجدني أقف أمام ثلة كبيرة من هؤلاء الحكام لأقول لهم هذا الكلام: وَيْحكم أنسيتم عبوديتكم لله؟ أنسيتم هوياتكم في غمار هذه القيادات التي تتقلبون فيها؟ ويحكم غداً ستذكرون ما نسيتم، ولسوف تقفون على حقيقة هذه العبودية، أنتم عبيد عبيد لله عز وجل فما لكم لا تنفذون هذه العبودية، ما لكم لا تلجؤون إلى الله بالانكسار، أين هي ساعات السحر تقومون فيها وتتركون مضاجعكم لتلهجوا بالإقبال إلى الله عز وجل، بالدعاء الواجف، أين هي سيرة من قبلكم من الحكام والقادة؟ لماذا ضيعتموها؟ نور الدين الشهيد، محمود زنكي ذاك الذي فتح ما بين خمسين وستين حصناً من حصون الفرنجة، ذاك الذي أخضع الفرنجة لسلطان الله في العالم الإسلامي، بمَ وصل إلى ذلك؟ وصل إلى ذلك بكثرة التجائه إلى الله، بذل عبوديته لله، وصل إلى ذلك بالتزامه بأوامر الله سبحانه وتعالى، لماذا تركتم سيرة السلف الصالح من القادة الذين كانوا قبلكم؟ صلاح الدين الأيوبي كيف نصره الله عز وجل؟ نصره باليد الذليلة المرتجفة التي كانت تطرق باب الله، هكذا القادة الذين كانوا من قبل، لماذا لا تستفيدون من سيرتهم؟ التاريخ عبرة ودرس، يا قادة المسلمين! ليس هنالك من فرق بين يومنا هذا وأمسنا الدابر، ليس هنالك من فرق، كانت الفرنجة تتمتع بالطغيان ذاته، وكان فرق ما بين المسلمين وبين قوة الفرنجة الفرق ذاته، ولكن الفارق الوحيد، أن أولئك القادة كانوا يعتزون بجلبات عبوديتهم لله، لم يكن الإسلام شارة يجملون بها صدورهم أو يحركون بها ألسنتهم، لا. بل كان إسلامهم زخماً من مشاعر العبودية، تهيمن على قلوبهم، لماذا تركتم ذلك العهد؟ لماذا آلَ الإسلام في حياتكم إلى أن يكون صوراً؟ بالأمس تساءلت من منهم يلتجئ إلى الله في أوقاته الخاصة؟ ثم عدت فقلت: لا، لعلكم تَسألون، بل من منهم يصلي الصلوات الخمس؟ من منهم يؤدي الفرائض؟ هذه كلمتي أقولها لنفسي ولعامة المسلمين ولقادتهم في ظل هذه المحنة التي جاءت من عند الله، أقولها آملاً أن يستيقظ المسلمون شعوباً وقادةً، ليلتجؤوا إلى الله، وليعودوا فيصطلحوا مع الله ولسوف يردُّ عنهم غائلة المستكبرين والطغاة أياً كانوا وأينما وجدوا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.