
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


يا مسلمي العالم أين أنتم من سلاح الدعاء وصدق الالتجاء إلى الله؟!...
يا مسلمي العالم أين أنتم من سلاح الدعاء وصدق الالتجاء إلى الله؟!...
خطبة الإمام الشهيد البوطي
تاريخ الخطبة: 28/09/2001
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد فيا عباد الله
لقد شهد التاريخ القديم والحديث أن الله عز وجل أكرم الرعيل الأول من عباده المسلمين بسلاح في مجال دفاعهم عن الحق وجهادهم في سبيل الله عز وجل لم يوجد إلى اليوم سلاح يفله؛ أو يتغلب عليه، فهل تدرون أيها الإخوة ما هو هذا السلاح الذي ميـز الله سبحانه وتعالى به ذلك الرعيل الأول من المسلمين عن سائر الناس الآخرين في سائر العهود إلى يومنا هذا؟ إنه سلاح الالتجاء إلى الله عز وجل بصدق، سلاح التبتل بين يديه، سلاح الاستغاثة به كلما ألَمَّ بهم خطب، وكلما دارت من حولهم رحى المصائب، هذا هو السلاح الذي شهد التاريخ بحق أنه لم يوجد إلى اليوم سلاح يفله، أو يستطيع أن يتغلب عليه، على الرغم من كثرة الاكشافات والأسلحة المختلفة التي سمعتم عنها، والتي يهدد اليوم العالم كله بها.
ولقد نبه كتاب الله عز وجل إلى هذا بأساليب شتى، بأساليب من الإخبار، وبأساليب من التنبيه والدعوة والبيان، انظروا إلى وقوله عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ، وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَما النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 8/9-10]، تأملوا في قول الله عز وجل وهو يصف أولئك الربانيين من عباده: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَما اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ ، وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ [آل عمران: 146-147]، لاحظوا كيف يصور البيان الإلهي استغاثة هؤلاء الربانيين بربهم، وكيف كانوا يطرقون أبواب النصر بأيدي عبوديتهم لله عز وجل، ثم انظروا إلى بيان الله عز وجل ناصحاً بل آمراً وموصياً: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 8/45].
هذا هو السلاح الذي اختص الله عز وجل به ذلك الرعيل الأول من عباده المسلمين، وحسبكم في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وآخرون من حديث معقل بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم قال: ﴿عبادة في الهرج كهجرة إليّ﴾ والمراد بالعبادة هنا كثرة الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة التضرع على أعتابه، والاستمرار في الاستغاثة برحمته، هذا هو المعني بكثرة العبادة ﴿عبادة في الهرج﴾ أي في الفتن، في الأحوال التي نمر بها اليوم ﴿كهجرة إلي﴾ وأنا أقول وأؤكد إنها مزية اختص الله عز وجل بها ذلك الرعيل من عباده المسلمين، وأنا أعني ما أقول، أي أنها ليست معطاة لكل المسلمين الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، ويعتزون بانتمائهم التاريخي إليه، وإنما هي مزية اختص الله بها عز وجل أولئك الصادقين الذين وصفهم الله عز وجل بأنهم كانوا ربانيين، فلا جرم أن المسلمين اليوم لا يتمتعون بهذه المزية، المسلمون اليوم، إلا من رحم ربك - وإنهم لقلة - تائهون بعيدون عن هذا السلاح، يتأملون ويبحثون عن سائر الأسلحة المختلفة التي يعتز بها أعداؤهم، ولكنهم عن هذا السلاح العظيم الفعال غافلون، لذلك ينبيغ أن أقول إنها خصيصة ميز الله عز وجل بها الربانيين من عباده، اختص الله عز وجل بها الرعيل الأول، السلف الصالح من عباده ومن جاء على شاكلتهم من بعد، ومن نهج منهجهم فيما بعد مع الأجيال التي تلت ذلك، وإنهم لقلة.
ولكننا نعثر على كثير ممن سلكوا مسلك السلف الصالح فأكرمهم الله عز وجل بهذا السلاح؛ ونصرهم الله عز وجل به، على الرغم من القوى المختلفة الكثيرة المتنوعة التي كانت تواجههم؛ بل التي كانت تحاصرهم من كل الجهات؛ وما قصة ذلك الذي فتح الله على يديه القسطنطينية ببعيد، ما قصة محمد الفاتح عنكم - أيها الإخوة - ببعيد، ماذا كان سلاحه الذي نصره الله به في ذلك اللقاء العجيب، وإنها لأعجوبة الأعاجيب كما يقول الأجانب إلى اليوم، ما هو السلاح الذي نصره الله عز وجل به؟ إنما كان سلاح الالتجاء إلى الله، سلاح التبتل على أعتاب الله، سلاح التذلل والاستغاثة برحمة الله سبحانه وتعالى، ولعلي حدثتكم عن صورة من تبتله واستغاثاته وتضرعه والتجائه إلى الله عز وجل؛ في ليلة كانت أدَقَّ ليالي مواجهته لذلك العدو، دخل عليه (ياوره) خادمه على خبائه الذي كان يدير عملياته العسكرية من داخله؛ وإذا هو ساجد قد وضع جبهته على التراب، ليس بين التراب وبين وجهه فاصل قط، يمرغ وجهه وجبهته بالتراب باكياً داعياً متضرعاً إلى الله سبحانه وتعالى، ووقف خادمه وقفة الجندي أمام القائد، لا يبدي أي حراك، ينتظر إلى أن ينتهي من مناجاته لله عز وجل، وطالت تلك المناجاة، وطال التجاؤه، وطال تضرعه بين يدي الله عز وجل، هكذا استنزل محمد الفاتح النصر بهذا السلاح، وهو سلاح أعلن التاريخ - كما قد قلت لكم - أنه لم يُفَلَّ إلى اليوم، ولم يستطع أي سلاح آخر مهما كان قوياً؛ ومهما اعتز أصحابه بأهميته ومدى خطورته، لم يستطع أي سلاح أن يتغلب عليه إلى هذا اليوم قط.
ولكن أروني الذين يعيدون سيرة ذلك الرعيل الأول، أروي سيرة أولئك الذين ساروا على نهج الرعيل الأول من أمثال محمد الفاتح، والذين كانوا من قبله، أو الذين جاؤوا من بعده من أمثال: نور الدين الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي، وأمثاله. وأنا لا أعني بما أقول أن الله عز وجل أكرم ذلك الرعيل بهذا السلاح ليكون بديلاً عن الأسلحة الأخرى، لا. وإنما أكرمهم الله عز وجل بهذا السلاح ليكون تتويجاً للأسلحة الأخرى. ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 8/60] فقد أمر الله عز وجل بالإعداد، لكن فلتعلموا - أيها الإخوة - أن الإعداد مهما بلغ مداه لا يفيد المسلمون شيئاً إن لم يتوج بهذا السلاح الذي أحدثكم عنه ومرة أخرى أقول: التاريخ البعيد هو القريب، خير شاهد على هذا الذي أقوله لكم.
أمام هذه الحقيقة التي لا ريب فيها، عندما ننظر إلى واقع المسلمين اليوم نجد شيئاً يتنزى له الفؤاد ألماً، نجد المسلمين في حالة يحار المسلم العاقل كيف يصفها، أنحن مسلمون حقاً؟ أم أننا منافقون كاذبون في دعوى إسلامنا وانتمائنا إلى هذا الدين؟ أسأل الله سبحانه وتعالى أن لايزجنا في حكم لانستطيع أن نبلغ مداه الحقيقي، وأن يكرمنا بحسن الظن دائماً، لكنها حالة تزج بالمسلمين إلى هذه الحيرة.
واقع المسلمين أمر غريب وعجيب جداً، ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: 3/28] وننظر فنجد أن المسلم اليوم يُقَطِّع جسور القربى بينه وبين جيرانه المسلمين، لا لشيء إلا لأن عدو الله وعدوه يغمزه ليفعل ذلك، أو يأمره ليفعل ذلك، أي إسلام هذا؟ أي إسلام هذا الذي يقوض قول الله عز وجل: ﴿إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 49/10] كيف أستطيع أن أقنع نفسي بأنني مسلم عندما أجد أن عدواً لله وعدواً لي يأمرني بأن أقطع جسور القربى بيني وبين إخوة لي في الله في الإيمان، فأستجيب لهذه الدعوة، وأعرض عن أمر الله سبحانه وتعالى؟ كنت أتساءل عن الذين يتضرعون إلى الله عز وجل، ويتبتلون ويلتجئون إليه؛ كما كان شأن ذلك الرعيل السابق، لكنني أجد نفسي قبل أن أصل إلى هذا السؤال أمام مصبة أطم، وأمام بلاءٍ أعظم، كيف ينتصر الله عز وجل لهؤلاء الذين وضعوا أقنعة الإسلام على وجوههم، ثم ملؤوا محبة أعداء الله عز وجل، ملؤوا قلوبهم بمحبة أعداء الله سبحانه وتعالى، وأعداء دينه؟ كيف؟.
ومع ذلك أيها الإخوة فإن هذه الأمة ما تزال بخير، هذه الأمة مهما كثر فيها التائهون والشاردون عن سبيل الله سبحانه وتعالى، فما تزال طائفة من هذه الأمة - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - قائمة على أمر الله، حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى.
أمام هذه المصائب - ولا أقول مصيبة - التي تطوف بمحور واحد، ولم أكتشف إلى اليوم محوراً ثانياً له، ألا وهو محور العالم الإسلامي، هذه المصيبة التي تطوف على هذا المحور، وتستهدف القضاء على البقية الباقية من كيان العالم الإسلامي، ما الذي يبعدها عنا؟ ما الذي يجعلنا نخرج من أسرها ونتحرر من عقابيلها وأخطارها؟ إنه شيء واحد لاثاني له، ألا وهو صدق الالتجاء إلى الله، صدق التضرع على أعتاب الله، كثرة الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى، هذا هو السبيل؛ ولا ثاني له، ومرة أخرى أقول لكم: لست أعني أن هذا يغني عن الاستعدادات الأخرى، لا. الاستعدادات الثانية وجدت جهد استطاعاتنا، وكثيرون هم الذين يبحثون عن مزيد منها، لكن الثغرة التي تهددنا بالخطر إنما هي هذه الثغرة، إنما هي فقدان هذا السلاح الذي نصر الله عز وجل به أسلافنا، أين هم الذين يتضرعون إلى الله؟ أين هم الذين يعيدون سيرة حبيبهم المصطفى، يمضون الليل كله مستغيثون بالله عز وجل، نحن أم رسول الله؟ أينا أولى بهذه الاستغاثة؟ وفيمَ يستغيث رسول الله صلى الله عليه وسلم به وهو رسوله، وهو المعصوم من الذنوب والقبائح، أما نحن فمثقلون بالأوزار كما تعلمون، نحن الذين ينبغي أن نلتجأ إلى الله عز وجل صباح مساء، في البكور والآصال، في الأسحار، نلتجأ إلى الله عز وجل بذل العبودية، نستنزل النصر لنا بهذا السلاح، أين هم الذين يفعلون هذا؟ لعلهم موجودن ولكنهم قلة أيها الإخوة، والقلة لا تكفي، لا تغني، وقد حدثت نفسي قبل قليل: وأين هم الذين يمكن أن نحسن الظن بهم فيستجيب الله عز وجل دعاءهم وتضرعهم، وما منا إلا من قد انحرف عن جادة الاستقامة وأصابه رشاش الموبقات؟ لعل الله عز وجل لا يستجيب.
لا أيها الإخوة، أنا أعلم أننا مقصرون وتائهون وشاردون كثيراً عن صراط الله، ولكن في المسلمين في كل وقت من لو أقسم على الله لأبَرَّ الله قسمه، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ قال: ﴿رب أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب ذي طمرين باليين، لو أقسم على الله لأبر قسمه﴾ هؤلاء موجودون ونحن عندما نستغيب ونستنزل رحمة الله متضرعين متذللين نتوسل إليه بهؤلاء، نقول: اللهم إنا نسألك بعبادك الشعث الغبر الذين لو أقسم عليك واحد منهم لأبررت قسمه، أن تستجيب دعاءَنا، وأن تحقق رجاءنا، وأن تفرج عنا الهمَّ والغمَّ.
ألا ترون مظاهر هؤلاء الشعث الغبر أيها الإخوة؟ ألا ترون صوراً كثيرة لهم في الرائي؟ هؤلاء الذين شردوا عن أوطانهم إلى حيث الهلاك، إلى حيث العري، إلى حيث الأمراض، إلى حيث الجوع الفتاك، إلى حيث الموت المتنوع البطيء، هؤلاء الذين يبلغون مئات الآلاف، والذين راهم أعينكم، أليسوا شعثاً غبراً؟ أليسوا مظلومين؟ أرأيت لو أن هؤلاء الشعث الغبر رمقت أعينُهم سماءَ الرحمة الإلهية، واستغاثوا وتضرعوا وتوسلوا إلى الله عز وجل بكرمه ورحمته، ألا يستجيب؟ مطلوب منا أن نتوسل كما يتوسلون، وأن نستغيث بالله كما يستغيثون، وأن نسأل الله عز وجل إن لم نكن أهلاً لأن يستجيب، دعاءنا مطلوب منا، أن نسأله بهؤلاء الشعث الغبر، هؤلاء الذين أخرجهم الإرهاب من أوطانهم، إلى حيث لايجدون أمامهم إلا صوراً متنوعة متلونة من الهلاك.
مَن الذي أرهبهم فأخرجهم من أوطانهم - أيها الإخوة - مَنْ؟ هذا الذي يرفع لواء محاربة الإرهاب، أليس كذلك؟ أليس هو الذي بإرهابه يخرج هؤلاء الآلاف المؤلفة دون جريرة ارتكبوها، نساءٌ أطفالٌ مرضى أُخرجوا إلى حيث الهلاك، إلى حيث العري والجوع، أي إرهاب هذا الذي أخرجهم؟ أليس هو الإرهاب الذي صنعه الرئيس الأمريكي؟ هذا الذي يقول: إنه يحارب الإرهاب، حارب نفسك إذن قبل أن تحارب أياً من هؤلاء الذين تدعوهم إلى أن يحاربوا معك الإرهاب.
نحن عصاة شاردون عن باب الله، أَمَرنا فتركنا، نهانا فارتكبنا، وأنا أعترف بهذا بدءاً من نفسي إلى كثير من الآخرين، ولكن باب الرحمة لم يغلق دون العصاة؛ أمام العصاة، أبداً لم يغلق بعد، نجأر إلى الله بالاستغاثة، نتوب إليه من أوزارنا، ومِنْ ظُلمنا لأنْفُسِنا، نعلن أمام الله عز وجل التوبة النصوح، نجدد ببيعتنا له، ثم نجأر إليه بالاستغاثة، بالضراعة، بالتبتل، باستمرار، نجعل من ذلك ديدناً لنا، ووراً دائماً لنا، كما قلت لكم، ونستنزل رحمته بهؤلاء الشعث الغبر الذين لو أقسم على الله عز وجل أحدٌ منهم لأبر قسمه. إذن فلسوف ترون نداء الله عز وجل يقول لكم: لبيكم ياعبادي.
نعم لتمنيت أيها الإخوة أن يترجم الإعلامُ الإسلامي إسلامنا بهذا الالتجاء، لتمنيت. أن أرى الأقنية الفضائية الإسلامية التي تنتمي إلى دول إسلامية تجأر إلى الله بالشكوى، تجأر إلى الله بالاستغاثة، بالتضرع، بالتبتل، صباح مساء، والله الذي لا إله إلا هو، إذن لأنزل الله عز وجل عليكم نصراً من سمائه، ولجعل من ذلك خارقة الخوارق في هذا العصر، في هذا العصر، لكنني أنظر إلى الألسنة التي تفوه، وتتحدث بواقع العالم الإسلامي اليوم عن طريق هذه الأقنية أو غيرها، وأبحث وأبحث فلا أجد خيطاً بين مشاعر هؤلاء المسلمين وبين الله سبحانه وتعالى، دعك من آيات تتلى على الطريقة التقليدية التي تعرفون، دعك من أحاديث تقليدية تدبج فيها البرامج صباح ومساء، لا. أريد أن يتجلى التضرع على أعتاب الله عز وجل في حال كبار المسلمين، قادة المسلمين، في حال الجمهرة الكبرى من هذه الأمة.
وصورتان أيها الإخوة، ما أعلم أن شيئاً يبعث في كياني النشوة سروراً وابتهاجاً كهاتين الصورتين، إحداهما صورة قائد كبير كبير جداً ذي هيبة ومكانةٍ في أمته ودولته وبلاده، أنظر إليه وإذا هو متذلل متضرع منكسر يجأر الله سبحانه وتعالى بالاستغاثة والتبتل والتضرع، هي الصورة الأولى. الصورة الثانية: منظر إنسان منغمس في الموبقات، منغمس في المهلكات، تائه عن رحاب الله عز وجل، أنظر إليه فجأة وإذا هو ماثل في محراب التبتل اصطلح مع الله سبحانه وتعالى، أعرض عن ذلك الماضي المظلم، وأقبل إلى نور الهداية، يعانق هذا النور.
صورتان لا أعلم أن هنالك صورة تبعث في كيان النشوة كهاتين الصورتين، أنا أبحث عن الصورة الأولى منهما، أين هم القادة الذين يتبتلون إلى الله بالتضرع؟ أليسوا هم أَوْلَى من رسول الله بهذا؟ ألم يكن رسول الله رئيس دولة أيها الإخوة؟ ماذا كان من شأنه يوم بدر؟ أمضى الليل كله وهو يجأر إلى الله يستنزل النصر، يقول: ﴿اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعْبَد في الأرض﴾.
ألسنا أولى بهذا؟ حكام المسلمين أليسوا أولى من رسول الله؟ أضعافاً مضاعفة بهذه الوقفة.
يا قادة العالم الإسلامي أنتم عبيد أعلنوا عن عبوديتكم لله، أنتم أمناء على شرع الله، أمناء على دين الله سبحانه وتعالى، إن أعجزكم أن تقوموا بهذه الحراسة فاطرقوا باب الله عز وجل ضارعين متذللين مستغيثين، اجعلوا من ذلك ورداً لكم، وأنا الكفيل، وأنا الكفيل، بأن نصر الله عز وجل آتٍ لا محالة، وبأن الله عز وجل يورثكم مقادة هذا العالم، ولسوف يصدق فيكم قول الله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ [القصص: 28/5].
أسأل الله عز وجل أن يلهمنا جميعاً صدق التبتل وصدق الضراعة إليه، وكثرة الالتجاء والاستغاثة برحمته.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم.