مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 14/09/2001

موقف الإسلام والعالم الإسلامي من العمل الإجرامي الذي وقع في أمريكا

موقف الإسلام والعالم الإسلامي من العمل الإجرامي الذي وقع في أمريكا


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 14/09/2001


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


كما أن الجسم يحتاج إلى غذاء يبقيه على الحياة وينعشه ويُنَمّيه، فكذلكم إنسانية الإنسان؛ لابد لها من غذاء يبقي لها الحياة وينعشها وينميها. وإذا كان غذاء الجسم هو هذا الطعام الذي يستنبته الله سبحانه وتعالى لنا من الأرض، ويسخر لنا في سبيله الأنعام لحوماً وألباناً؛ فإن غذاء إنسانية الإنسان هو الإسلام، فالإسلام هو الذي ينعش إنسانية الإنسان، وهو الذي يُنَمّي قوّتها، ويبقيها على أداء وظيفتها، وينعشها ويدعمها.


والإنسانية - أيها الإخوة - التي تترعرع في ظلال الإسلام وتأخذ غذاءها من مبادئه وقيمه؛ هذه الإنسانية كُلٌّ لا يتجزأ، يعلم هذا كل من رُبِّي في ظلال الإسلام، وكل من أخذ تعاليمه من هدي مولاه وخالقه سبحانه وتعالى. عندما ينظر هذا الذي رُبِّي في ظلال الإسلام إلى إنسانيته يجد أنها تعامل الكون كله طبق ميزان واحد، وتَرْمُق إلى موازين العدالة طبق مبدأ واحد وشرعة واحدة، لا تتأثر هذه الإنسانية التي رُبِّيَت في ظلال الإسلام، لا تتأثر بعِرْق، ولا تتأثر بعنصرية، ولا تتحيز إلى قوم، ولا تفرق بين أقارب وأباعد بشكل من الأشكال.


ونحن المسلمين - بحمد الله - من منطلق هذا الغذاء الذي نشأت إنسانيتنا في ظلاله؛ ألا وهو الإسلام، عندما نتألم من الظلم الذي نراه واقعاً هنا أو هناك، فإنما نتألم من الظلم الذي ينحط على الإنسانية من حيث الإنسانية. لا نتأثر ولا ننحاز تحت سلطان عنصرية، أو عِرْق، أو قرابة، أو قومية، أو أي شيء من هذه المعاني الذي تضيق عن رَحْب الإنسانية الواسع. عندما نتألم لهذا الظلم الذي ينحط على جيران لنا، سُلِبت منهم أوطانهم، أُخِذت منهم حقوقهم، تُهدَّم عليهم بيوتهم، تُمزَّق أسرهم، تُثْكَلُ الأمهات، يُيَتَّم الأطفال والبنات، يُقَطَّعُون ويُقَتَّلون صباح مساء. عندما تتألم إنسانيتنا لهذا، فإنما تتألم لأن الله عز وجل كرّم الإنسان، ولأن الله سبحانه وتعالى سما به عن أن يكون لقمة سائغة في أفواه الظَّلَمة والطغاة. أجل، رُيِّينا في ظلال قول الله عز وجل: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 5/8] رُبِّينا في هذا في ظلال قول الله عز وجل: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيا النّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة: 5/32]. رَبَّانا إسلامنا على أن نقف عند كلمة ((نَفْس))، ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ ولم أجد في كتاب الله أعم وأشمل من هذه الكلمة. أي نَفْسٍ تتمتع بحياة تُقْتَل ظلماً أمر يتأَبَّاه ديننا، ويرفضه إسلامنا، ومن ثَمَّ فإن إنسانيتنا رُبِّيَت في هذه الظلال.


إن هذه المشاعر التي نعبّر من خلالها عن ألمنا لهذا الذي يصاب به صباح مساء أخوةٌ لنا؛ جيران لنا دون أي جريرة ودون أي موجب - إن هذه المشاعر التي نعبر عنها صباح مساء ألماً وإهابةً بالعالم الإنساني أن يتعاون فئاته وجماعاته على رفع هذا الظلم الذي يحيق بهؤلاء المستضعفين، بهذه المشاعر ذاتها نعبر عن آلامنا عن هذا الذي وقع بالأمس.


الإنسانية كُلٌّ - أيها الإخوة - لايتجزأ، لاسيما عندما تُرَبّى الإنسانية في ظلال دين الله سبحانه وتعالى الحق. ما ذنب هؤلاء الآلاف البُرآء؛ الذين يعكفون على شؤونهم وأمورهم ووظائفهم؟ ماذنب هؤلاء البُرآء أن تتحول الأبنية الباسقة، التي يتقلبون عمالاً أو موظفين أو سكاناً في رحابها، خلال دقيقة واحدة إلى قبر يَأويهم؟ ما الذنب الذي ارتكبوه؟ ما الظلم الذي ارتكبوه حتى نقابل ظلماً بظلم؟


لو أن هؤلاء الآلاف احتلوا هذه الأبنية التي أُخذت غصباً من أصحابها فأقاموا فيها وهي ليست لهم؛ فإننا نقول بحق إن إنسانية الإنسان تُبرّر لأصحاب هذه الأبنية وهذه البيوت أن يقاوموا هؤلاء المحتلين، وأن يخرجوهم من بيوتهم التي هي مِلك لهم، كما نقول في حق هؤلاء الذين طُرِدوا من ديارهم في فلسطين، والذين ينظرون بأعينهم إلى أناس يُسْتَقْدَمون ليحتلوا بيوتهم وليقيموا فوق أراضيهم، وهم عن أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم مطرودون. لو كان الأمر بالنسبة لأولئك الآلاف المؤلفة كحال هؤلاء الذين طُردوا من ديارهم وأوطانهم، لقلنا: إن لأصحاب هذه البيوت أن يأتوا فيدافعوا عن حقهم، وأن يسترجعوا بيوتهم ودُورَهم.


لو كان هذا البنيان الشاهق الباسق مِلكاً لأناس وأُخذ هذا المِلك منهم، ثم سُكِّن في هذا البناء هؤلاء الآلاف المؤلَّفة، لقلنا: إنهم يحتلون دُوراً ليست لهم، يحتلون أرضاً ليست مِلكاً لهم؛ وذلك ظلم، والإنسانية تستنكر الظلم وللمُلاَّك أن يدافعوا عن حقوقهم. لكنّ هؤلاء الناس يقيمون من هذا المكان في أوطان لهم، في بيوت لهم. فما هو الذي يُبرِّر - في حكم الإنسانية - عملاً من هذا القبيل؟ وهذا هو فَرْقُ - أيها الإخوة - ما بين إنسانية الأمة التي تغَذَّت إنسانيتها في ظلال الإسلام، وبين دول البغي التي ترعرعت إنسانيتها في ظلال العنصرية، في ظلال العصبية، في ظلال العِرْق، في ظلال ما يسمى بالمصالح.


ولقد كنا ولا نزال نُهِيب بتلك الدول - وفي مقدمتها أمريكا - نُهيب بهم أن يتعاملوا مع الإنسانية كُلاًّ لا يتجزأ، وأن لا يجعلوا من الإنسانية حقيقتين متناقضتين متعارضتين. كما ولا نزال نُهِيب بدول البغي تلك، أن لا يجعلوا للإنسانية التي يعاملون بها الدنيا وجهين اثنين؛ وجه: تنظر إليه فتجد أنه يرقى إلى أعلى درجات الرِّقة والشفافية والإحساس. ووجه آخر: تتعامل هذه الدول به تجاه فئات أخرى، تنظر إليه وإذا هو مثال القسوة، وإذا هو أقسى من الحجر الصلد. كيف يكون هذا؟ كيف تكون إنسانية الإنسان ذاتَ وجهين متناقضتين تناقضاً حاداً بهذا الشكل؟ أجل، كنا ولا نزال نقول لهؤلاء الناس: أيها الناس اجعلوا من أمر الله وحكمه ميزاناً لإنسانية الإنسان، تَسامَوْا بإنسانيتكم عما تسمونه: المصالح، تسامَوْا بإنسانيتكم عما تسمونه: العِرْق أو العنصرية أو الفئوية أو نحو ذلك. نعم، كيف؟ كيف يتأتى لمن يتعامل مع الإنسانية اهتماماً ورعاية وتحكيماً - كما يقال الآن - كيف يتأتى لهؤلاء الناس أن ينظروا إلى أذىً طفيف - وأسميه: أذىً بتعبيرٍ مُصْطَلَحٍ يرددونه هُم -; إذا رأوا أذىً طفيفاً يدور رحاه على أناس من اليهود الذين يحتلون هذا الوطن الإسلامي، ويطردون أصحابه منه، تنادَوا وأنكروا واستنجدوا بالإنسانية واتهموا المظلومين البُرآء الذين يدافعون عن أنفسهم، وهَدَّدوا ونادَوا بالويل والثبور؛ لأن أناساً من الناس دفعهم الأسى، دفعتهم حُرقة الظلم التي انحطت عليهم، دفعتهم إلى أن يدافعوا عن حقوقهم. ننظر إلى دول البغي تلك وإذا بها تعتبر هؤلاء الإسرائيليين المحتلين الذين طَرَدُوا الـمُلاَّك عن دُورهم وأوطانهم، الذين لا يفتؤون يعكِفون على التقتيل والتمزيق والتقطيع كما يشاؤون ويحبون، دون أي رقابة ودون أي اهتمام بمنظمة دولية، أو بحُكم من أحكام الإنسانية تنطق به دولة ما. عندما يكون هذا الأمر ننظر إلى أولئك الذين كانوا يتحدثون عن الإنسانية، ننظر إلى أولئك الذين كانوا يتحدثون عن همجية الفلسطينيين لأنهم يدافعون عن حقوقهم. وإذا بهم الآن يصفِّقون لهذا الظلم العجيب الغريب، وإن لم يصفقوا سكتوا سكتة الموت، وتعلو الأصوات من هنا وهناك. يا ناس! يا أيها الذين تتحدثون عن الإنسانية! يا أيها العصابات التي تتحدث عن الاهتمام بحقوق الإنسان ما لكم لا تتحدثون عن الحقوق التي تُمَزَّق تحت الأقدام؟! ما لكم لا تغارون على الإنسانية التي تُدْفَن في الرَّغَام؟! ما لكم لا تضربون على يد الظالم ولو بكلمة؟! ما لكم لا تعبّرون عن الأسى والأسف الذي ينحط على المظلوم ولو بكلمة؟! لماذا تحول صُراخكم الذي كان بالأمس، لأن فئة من المحتلين قد لَقَوا حتفهم نتيجة لدفاع مشروع، بينما اليوم تحول الصُّراخ إلى سكوت، بل تحول إلى رضا؟ ومهما ارتفعت الأصوات تُهيب بالذين بيدهم الـحُكم والقضاء وكلمة الفصل، مهما ارتفعت الأصوات تُهيب بهم أن يتكلموا لا يتكلمون ولا يلتفتون. لماذا؟ لأن الإنسانية هناك مجزّأة إلى أجزاء متناقضة، ولأن الإنسانية هناك ليس كُلاًّ واحداً. وهذا فَرْق ما بين نظرة الأُمة الإسلامية إلى الإنسانية، ونظرة دول البغي إلى الإنسانية.


نحن الذين رُبِّينا في ظلال الإسلام - وأقول هذا بلسان كل مسلم صادق في إسلامه فوق هذا الكوكب الأرضي - ننكر الظلم أينما وُجد، وفي أي ساحة ظهرت سواء انحط على أناس من الأقربين، أو انحط على أناس من الأباعد. بشكل من الأشكال لا يمكن أن نفرق بين فئة وفئة إطلاقاً؛ ذلك لأن غذاءنا في هذا قول الله عز وجل: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: 5/2]، أليس هنالك أناس صدُّوكم عن المسجد الحرام؟ إياكم أن تجعلوا من هذا الصَّدّ دافعاً مُبَرِّراً لأن تظلموا أولئك الذين صدّوكم، لا يحملنكم هذا على أن تظلموا. هكذا رَبَّانا إسلامنا. وهذا الكلام ينطبق على كل من صدق مع الله سبحانه وتعالى في الخضوع لدينه.


نحن المسلمين نجعل مصالحنا خادمة لإنسانيتنا. بينما أولئك يجعلون الإنسانية خادمة لمصالحهم. ألا تذكرون الكلمة التي تَصُكُّ أسماعنا دائماً؟ كلما تعارضت إنسانية تلك الدول مع مصلحة من المصالح التي تراها، تعتذر بأن مصالحها تقتضي ذلك.


المصلحة هي ((التيرمومتر)) أو هو الميزان القدسي الذي ما ينبغي أن يُثْلَم. مصلحتنا تقتضي أن نُقَطِّع رؤوساً بريئة، مصلحتنا تقتضي أن نضرب صفحاً عن الظلم الذي يقع وتدور رحاه على آلاف الناس في شرق العالم أو في غربه في فلسطين أو في غير فلسطين. المصلحة عندهم هي الأساس، والإنسانية ينبغي أن تُضَحَّى في سبيل المصلحة، هذا هو قانونهم. أما نحن: في كل الأحوال وفي كل الأوضاع وفي سائر التقلبات، مصالحنا هي خادمة لإنسانيتنا. وإنسانيتنا تتحرك كما يحركها دَيَّان السماوات والأرض، وديّان السماوات والأرض يُلْزِم عباده بالعدل والقِسْط ﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ، أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ﴾ [الرحمن: 55/7-9] هكذا نحن.


من هذا المنطلق أيها الإخوة أقول: إن إسلامنا الذي يترجمه المسلمون في سائر أقطار العالم الإسلامي ينكر هذا الذي حدث. وإن إسلامنا ربّانا على أن نشعر بالأسى والتمزق على أولئك البُرآء الذي دُفِنوا موتى أو أحياء تحت تلك الأبنية الشاهقة، لا فرق بين مشاعرنا الإنسانية ومشاعر الأقربين منهم بشكل من الأشكال. هكذا ربّانا ديننا، وهكذا ربّانا إسلامنا. ومن ثَمَّ فإنني أقولها لكم وبيقين: لا يمكن لهذا العمل أن يكون نتيجة يد صاحبها مسلم صادق مع ربه أبداً. سواء كان هذا العمل شأن فئة كبيرة أو قليلة، مُشَرِّقة أو مُغَرِّبَة. لا يمكن أن يصدر هذا العمل عن أناس صدقوا مع الله سبحانه وتعالى في الإسلام له، وفي الإيمان به، وفي الخضوع لقانونه، الذي سمعتم ما سمعتم من آياته وأحكامه.


نعم، يمكن أن نعثر على عملاء لدول من دول البغي يضعون أقنعة الإسلام عند اللزوم، تماماً كالذين يُمَثِّلُون على مسرح، والعالم مليء بهؤلاء العملاء، كم وكم من أناس يلبسون أقنعة الإسلام، ويمارسون أعمالاً لا يمكن أن تُقِرَّها قطرة من إنسانية إنسان تنبض في كيانه الإنسانية حقيقة، كما يحصل اليوم في الجزائر وربما في جهات أخرى. هذا يمكن، ولكن: فلنعلم أيها الإخوة - وعلى تلك الدول أيضاً أن تعلم - أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن الإسلام، وإنما يَرْتَدُون أقنعة الإسلام؛ من أجل أن يمزقوا الإسلام باسمه، ومن أجل أن يقضوا على الإسلام خنقاً من داخله، وأنا أضعكم أمام برهان ساطع يؤيد هذا الذي أقوله لكم تماماً. أمريكا اليوم أيها الإخوة ينتشر فيها الإسلام انتشار النار في الهشيم، ولعلي لا أبالغ إن قلت هذا الكلام. أمريكا بالذات - ولا أقول عن الدول الأوربية - أمريكا ينتشر فيها الإسلام انتشاراً كبيراً وذريعاً وسريعاً، لعوامل يضيق الوقت عن ذكرها الآن.


المجتمعات الصهيونية، الدوائر الأجنبية التي تكيد للإسلام، وفي مقدمتها شبكة الصهيونية تتوجس خيفة من هذا الأمر، وتعلن النذير فيما بينها، ما الذي سيحصل بعد عشرين عاماً إذا استمر المد الإسلامي على هذه الحال؟ الأمر سيكون خطيراً جداً، والحسابات في هذا دقيقة، والمصالح؛ هو المقياس والميزان - كما قلت لكم - كيف السبيل إلى أن يُبْتَر هذا المدُّ عن مواصلة السير إلى مداه؟ السبيل هذا، السبيل أن تقع مصيبة كهذه المصيبة وتنحط على رؤوس آلاف من البُرآء في تلك البلدة، في تلك الدولة، فيشيع من ذلك الذعر، وتشيع من ذلك المخاوف، ثم تأتي الخطوة الثانية وتمارس الأجهزة، أجهزة الإعلام الصهيونية دورها في ربط هذا الأمر بالإسلام والمسلمين. والناس يتأثرون بهذه الأجهزة تأثراً كبيراً كبيراً كلكم يعلم مداه ويعلم غرابة شأنه. ما الذي يحصل بعد هذا فيما رُتِّب من مُخطَّط؟ الذي يحصل أن التوجه إلى الإسلام ينقلب إلى نقيضه، وأن حب الإسلام في أفئدة أولئك الذين يحدِّثون أنفسهم بالتعرّف عليهم ثم اعتناقه يتحول هذا الحب إلى كراهية، إلى اشمئزاز، بل إلى مقاومة. وهذا ما قد ظهر اليوم أثره.


أيها الإخوة: ينبغي لهذه الأمة المسلمة بشعوبها وقادتها أن يتمرَّسموا بوعي ثاقب، وأن يقودهم هذا الوعي إلى نوع من أنواع التضامن الحقيقي الاستراتيجي كما يقولون. إن لم تدفعهم هذه الظاهرة إلى هذا التضامن الحقيقي فأنا أعلن التكبير، تكبير الجنائز على الموتى، أعلن التكبير على هذه الأمة، وعلى حكامها الذين كنا ولانزال نتأمل أنهم ربما يرعوون ويعودون إلى تضامنهم، ويعودون إلى وفاقهم، فإذا لم توقظهم هذه المصيبة التي هي مصيبتنا بمقدار ماهي مصيبة أمريكا، إذا لم توقظنا هذه المصيبة إلى أن نعود فنتحد ونتضامن لنكون على مستوى الأحداث التي تدور من حولنا، والخِطط التي تتربص بنا، حتى مع هذه المصيبة، إن لم ننجذب إلى ساحة الوحدة، إلى مستوى التآلف والتضامن فقد تُوُدِّع من هذه الأمة. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون مخطئاً في هذا التصور، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يُلْهِم أُمتنا الرُّشد، وأن يُلهم أمتنا التضامن والاتحاد، وأن نفرّق بين المسلمين الصادقين في إسلامهم، وبين العملاء المدسوسين داخل هذه الأمة الإسلامية، والذين يحملون أقنعة متنوعة يتخيَّرون منها ما يناسب للحدث المناسب. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم


تحميل



تشغيل

صوتي