
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أمّا بعدُ فيا عباد الله..
لا أعلم أن الله سبحانه وتعالى أكرم عباده في الأرض في هذه الحياة الدنيا بنعمة بعد نعمة الإيمان والإسلام أجلّ وأعظم من الكتاب الذي نزله عليهم خطاباً لهم وتشريفاً وتعليماً وتهذيباً. لم يتوج الإنسان في الأرض بتاجٍ من قبل الله عز وجل أجل ولا أعظم من هذا الخطاب الذي أهّل الله سبحانه وتعالى بني آدم له، ولم يكن لذلك من قبل أهلا. وحسبكم ما قد تقرأونه في كتاب الله سبحانه وتعالى من الآيات التي توضح عظم هذه المنة، وتوضح أهمية هذه الصلة التي انعقدت بين الإنسان وربه من خلال هذا الخطاب الذي تنزل إليه من علياء ربوبيته.
ومن ثم فقد أمر الله عز وجل الإنسان أن يكون على مستوى هذا الشرف، أمره بأن يرقى إلى مستوى هذه النعمة فيكون شاكراً لها، وأول معاني الشكر لهذه النعمة التي أسداها الله عز وجل إلى هذا الإنسان أن يتعرف على كتابه هذا فيتلوه ثم يتدبره ثم يعمل به. تلاوة كتاب الله عز وجل عن معرفة ودراية أولى خطوات الشكر لهذه النعمة ولذا خاطب الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بما خاطب به عباده أجمع فقال: )وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا[ ثم كرر وكرر الأمر بتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى.
وانظروا أيها الإخوة إلى هذا المعنى ذاته كم يُظهر أهميةً إضافيةً للإقبال على تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى في آيٍ من كتاب الله المبين يأمر الله عز وجل رسوله ومن معه بصلاة الليل، ولكنه يجعل من تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى عوضاً عن قيام الليل لمن قد فاته ذلك: )إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[ عاد فأكد وكرر )فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[ أي إن الذي يواظب على تلاوة كتاب الله عز وجل ويتخذ لنفسه من ذلك ورداً، فإن ورده هذا يقوم مقام التهجد إن لم يتح له ذلك.
ولكن كيف كان موقف الإنسان اتجاه هذا الشرف الذي توج الله عز وجل به الإنسان؟ هل كان شكوراً لهذه النعمة التي نبهنا إليها كتاب الله عز وجل؟
يقول بيان الله عز وجل: )قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ" قل هو نبأ عظيم[، كتاب الله عز وجل. ولكن ماذا قال بعد ذلك؟ أنتم عنه معرضون، وليت أن هذا الذي يقوله الله عز وجل وهو يحمل في طيه العتب الشديد والرقيق، ليت أن هذا الكلام لم يكن ينطبق علينا نحن في هذا العصر، إذاً لقلنا إن المراد من ذلك أناس آخرون خلو من قبلنا، وإن الله عز وجل إنما يعني بذلك ثلةً أعرضت عن الإيمان وابتعدت عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يبدو لي أيها الإخوة أن هذا العتب الشديد والرقيق ينحط أول ما ينحط علينا نحن المسلمين في هذا العصر، على الرغم من هذا التنويه الذي أشرت لكم إلى بعض منه في كتاب الله عز وجل في بيان أهمية الإقبال على كتاب الله، وعلى الرغم من تنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعوته المتكررة إلى الإحتفاء بخطاب الله سبحانه وتعالى لنا وحديثه عن الأجر العظيم الذي يدخره الله سبحانه وتعالى لمن يتلوه، أنظر إلى جل المسلمين في هذا العصر فإذا هم عن هذا الكتاب معرضون.
المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما يرويه الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود: )من قرأ حرف من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف بل أقول ألف حرف ولام حرف وميم حرف[.
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه مسلم في صحيحه وأبو داوود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه )ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده[.
ويروي ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصيني فقال: )عليك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله قلت يا رسول الله زدني، قال عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء[ أي يوم القيامة.
على الرغم من هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرتكم ببعضٍ يسير مما قال - أنظر إلى واقع المسلمين اليوم فأجدهم معرضين عن كتاب الله إعراض استخفاف، إعراض استهانه، إعراض نسيان.. ولعل الفئة القليلة القليلة التي تلتفت إلى كتاب الله عز وجل وتعنى به بشكل ما، هذه الثلة أو النخبة فئة من الشباب الذين أقبلوا إلى الله سبحانه وتعالى بعد شرود، يستأنسون بكتاب الله عز وجل بين الحين والآخر، ولكن أنظر إلى السواد الأعظم أيها الإخوة في هذا العصر من المسلمين - ولا أقول من التائهين والشاردين والفسقة والكفرة أسأل الله لنا ولهم الهداية، لا وإنما أتحدث عن المسلمين المعترفين بالإسلام والذين يرون أنهم يسيرون على طريق الهداية والرشد أنظر - فأجد أن الإسلام بل إن القرآن غريب فيما بينهم، ومن ثم فأنا عندما أقف عند قول الله سبحانه وتعالى: )قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ[ لا أتصور إلا أن هذا الخطاب يتجه إلينا نحن المسلمين في هذ العصر.
ما السبب؟ كثيراً ما أصادف إخوة يتحدثون عن مشكلات إجتماعية وإسلامية ونفسية مختلفة ويزفرون ويتأففون بحثاً عن علاجات لها. وأقول: إن كتاب الله خير علاج، كتاب الله تلاوةً خير علاج، كتاب الله تدبراً خير علاج، كتاب الله سبحانه وتعالى تطبيقاً وتنفيذاً لمضامينه وأحكامه خير علاج. على هذه المستويات الثلاثة تلاوةً، تدبراً، عملاً. ومع ذلك فأنظر لأجد أن القوم معرضون عن هذا الدواء الناجع، بل أتأمل وجوههم ومشاعر نفوسهم التي تنعكس على قسمات وجوههم فأجد أنه إعراض استخفاف .. وكأن الواحد منهم ينتظر أن أجيبه بنظريةٍ فلسفية تتعب الألباب وتزجهم في حيرةٍ من الأمر، هكذا ينبغي أن يكون الدواء خطيراً ومعقداً وفلسفياً وعلى مستوى المشكلة أو الإشكالية كما يتنطع البعض في تعابيرهم عن ذلك. أهؤلاء مسلمون أيها الإخوة؟!
أنظر إلى جل المسلمين - ولا أقول إلى كلهم - فأجد أن الذين يريدون أن يتعاملوا مع القرآن إنما يتعاملون معه ليجملوا به كلماتٍ هم على ميعاد في إلقائها، صلتهم بالقرآن إنما هي من أجل أن يدبجوا كتابات لهم، محاضرات لهم، خطباً لهم، يدبجوها بآياتٍ من هنا ومن هنا في كتاب الله عز وجل، فإذا انتهت المهمة نسي القرآن وتم الإعراض التام عن كتاب الله سبحانه وتعالى.
ماذا أقول عن هذه الظاهرة التي أعيشها وأراها بعيني أيها الإخوة؟ وكم وكم تشمئز نفسي عندما أنظر فأجد مسلماً يتعامل مع الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ويعلن عن حرقته على واقع المسلمين وابتعادهم عن دين الله، أنظر إليه وهو يحاول أن يعود إلى سورة في كتاب الله عز وجل فيستعين بالفهرس، يلجئ إلى الفهرس في آخر كتاب الله عز وجل ليستعرض هذه السور، سورة الأنفال في أي مكان تقع أفي أول القرآن أم في آخر القرآن؟! وقد كنا نعلم أن الطفل الصغير عندما يخرج من المهد وعندما يبدأ بدراسته المرحلية الأولى ويتعلم كتاب الله سبحانه وتعالى يعلم أماكن سور القرآن بحافظته وذاكرته دون أن يحفظ القرآن غيباً، كل من قرأ القرآن مثنى وثلاث ورباع يستطيع أن يعلم مواقع السور. أهذا هو حال مسلمين يتحرقون على كتاب الله سبحانه وتعالى؟!
دعوني أصنف لكم الأمر حتى تتحدد المشكلة:
أما الشباب المتجهون إلى دين الله عز وجل والذين اصطلحوا مع الله عز وجل من قريب من عهد قريب أو منذ نعومة أظفارهم فأكثرهم يقبلون على كتاب الله بل فيهم من يسعى إلى حفظه غيباً.
فإذا تجاوزنا هذه الفئة أنظر إلى الطبقة الأولى إقتصادياً في المجتمع الطبقة التي تتقلب في نعيم الغنى، في نعيم الترف وأتأمل صلة هذه الطبقة وأفرادها بكتاب الله وأنظر بعد البحث والتمحيص فإذا العلاقة لاشيء! ولعل الواحد منهم إذا طرقت سمعه آية من كتاب الله يحتاج إلى أن يسأل أهي آية من كتاب الله أم هو حديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ لا يطرق سمعه القرآن إلا في مناسبة من المناسبات التالية: جلسة عزاءٍ حضرها، جلسة مع التلفزيون أو الإذاعة بدأت هذه الجلسة بشيء من القرآن طرقت الآيات سمعه، حفلٌ بمناسبة عقد قران أو نحوه بُدء هذا الحفل بشيء من القرآن. إذا تجمعت وتراكمت آيات في ذهن أحدهم من كتاب الله فبسبب مناسبة من هذه المناسبات تتراكم، هذه هي الطبقة الثانية.
أما الطبقة الثالثة والتي هي الطبقة العليا: المسؤولون والتي هي أحوج الناس إلى أن يشدهم كتاب الله عز وجل وإلى أن يعيشوا مع كتاب الله عز وجل، فهم أبعد الفئات كلها عن التعامل مع كتاب الله سبحانه وتعالى.
أجل أليس قول الله سبحانه وتعالى: )قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ[ ينحط علينا نحن أيها الإخوة؟
تاجٌ من الشرف الأغر توّج الله به عقولنا وتوّج به كياناتنا وشرفنا به فامتازت بذلك الإنسانية عن الملأ الأعلى فضلاً عن بقية المخلوقات ونعرض عنه، نعرض عن خطاب الله سبحانه وتعالى! هنالك سبب أيها الإخوة، هذا السبب لعل المسؤولين عنه هم الذين يسمون اليوم بالإسلاميين، وهي تسمية لا عهد لنا بها من قبل نحن نعلم أن هنالك مسلمين ملتزمون ومسلمين شاردين وفئات غير ملتزمة أما إسلاميون فهي تسمية حديثة ولا أعلم ما هو السبب أو الموجب لها. هؤلاء الإسلاميون أيها الإخوة ينظرون اليوم إلى الإسلام على أنه فكر وأن هذا الفكر لا تتم خدمته إلا بمقارعته للأفكار الأخرى فالإسلام الذي يتعامل معه جل الإسلاميين اليوم إنما هو عبارة عن أفكار تواجه أفكار العلمانيين تواجه أفكار الليبراليين، تواجه أفكار أولئك الاقتصاديين الذين يبحثون عن منافذ أخرى للاقتصاد في مجتمعاتهم، إذاً فالإسلام الذي ينبغي أن يتغلب على تلك الأفكار إنما هو إسلام الفكرة، إسلام الفلسفة، إسلام النقاش، أين الجذور التي تتمثل في عبودية الإنسان لله؟ أين جذور الإسلام التي تتمثل في علاقة الإنسان عبداً مع مولاه وخالقه رباً؟ هذا الجزع للإسلام التعبدي، هذا الجزع للإسلام الذي يمثل لب الإسلام ويقين الإسلام بأنه عبد لله عز وجل ذاب وغاب.
نحن الآن في هذا العصر من الإسلام أمام أحكامه الفوقية، أمام أغصانه، بل أمام ما يسمى اليوم بالفكر الإسلامي! عندما ألتقي مع هؤلاء الإخوة وأجلس إليهم أجد أن مشاعرهم العاطفية وأفكارهم العقلية كل ذلك منصرفٌ إلى الإسلام الفكري منبتاً عن هذا الجزع، هذا التصور أيها الإخوة جعل كثيراً من هؤلاء الإسلاميين لا يتعاملون مع القرآن تلاوةً أي تعبداً، وإنما يتعاملون معه فكراً. عندما تشتد الخصومات، وعندما يدعى الواحد منهم إلى نقاش وجدل، يلجئ إلى القرآن ليجمع منه الحجج التي يستطيع بها أن يتغلب على خصمه فكرياً إنما ينظر أحدهم إلى القرآن على أنه مجموعة أفكار، على أنه أفكار تأخذ هذه الأفكار لتضرب بها الأفكار الأخرى، فيتصادم الفكر مع الفكر، فينتصر الفكر الإسلامي على الفكر الآخر، ولا يمكن لأمة تفهم الإسلام على هذا النحو أن تنتصر على الآخرين أبداً.
إن الإسلام الذي أقبلنا إلى الله عن طريقه إنما هو إسلام المعتقد وعندما أقول إسلام المعتقد أعني ما تفرزه المعتقدات الإسلامية في القلب وفي العاطفة من مشاعر العبودية لله والتبتل على أعتاب الله سبحانه وتعالى والذل والضآلة بين يدي الله سبحانه وتعالى، هذا هو جزع الإسلام، ثم إن هذا الجزع يتفجر بعد ذلك أحكاماً، يتفجر بعد ذلك سلوكاً، يتفجر بعد ذلك تشريعاً.
هذا عامل من أخطر العوامل التي جعلت كثيراً من المسلمين يبتعدون عن هذه الجلسة التي أصبحت جلسة العوام تقريباً أن يجلس هكذا مستقبل القبلة ويقرأ جزءاً أو جزءاً ونصف أو أقل من ذلك من كتاب الله عز وجل ثم يقوم فيضع المصحف في مكانه وقد حمد الله أنه انتهى من دوره هذا، هذا الأمر غاب لأن الإسلام اليوم إسلام فكر هذه الجلسة لا تعبر عن فكر، هذه الجلسة أمر غيبي ونحن اليوم في عصر مقارنة الأفكار مع الأفكار.
أيها الإخوة ينبغي أن نصحو من رقدةٍ قل من يتنبه إليها، أنا لا أعني بالرقدة غفلات كثير من الشاردين عن دين الله عز وجل، أسأل الله لهم الهداية والكثير منهم بين الحين والآخر يعودون فيصطلحون مع الله، لكن الرقدة الخطيرة التي لا نتنبه إليها تتمثل في أننا نسينا معنى الإسلام عبودية لله، تبتلاً لله، واستبدلنا بذلك الإسلام الفكري، ألا تسمعون إلى هذه الكلمة التي تصك أسماعكم دائماً المفكرون الإسلاميون، المفكر الإسلامي، الأفكار الإسلامية ألا تسمعون إلى هذه.. إنها خطة أيها الإخوة، وأنا أدرى الناس بذلك، خطة رسمها أعداء دينكم، ثم إن فئة من الغوغاء والمغفلين أخذوا هذه الخطة وراحوا يطبقونها إن بغفلةٍ أو بدون غفلة.
أما الخطة فترمي إلى أن تفرغ أدمغة المسلمين من الحقيقة الإسلامية عبوديةً لله سبحانه وتعالى وانقياداً لسلطان الله وأمره ثم يحل محل ذلك الفكر الإسلامي والفكر الإسلامي من أين يأتي الفكر؟ الفكر إنما هو عملٌ إنساني، الإنسان هو الذي يفكر الإنسان هو الذي يتأمل كلمة الفكر ملتزمة إلتزاماً تاماً وشديداً مع الإنسان، فإذا ارتبطت كلمة الفكر مع الإسلام وتكرر ذلك في أذهاننا وترسخت في أذهاننا هذه العلاقة بين الإسلام والفكر فلسوف يأتي يوم نعتقد فيه أن الإسلام إنما هو ثمرة الأفكار الإنسانية، هذا الإسلام الذي ندعى إليه إنما هو نتيجة إعتصارات فكرية لبني الإنسان سابقاً ولاحقاً. هذا هو الهدف من تلك الخطة التي كم وكم قرأنا عنها. لكن المشكلة ليست فيمن رسم الخطة وهو عدو، إنما المشكلة في المغفلين الذين أخذوا هذه الخطة ورحبوا بها وجعلوا منها معزوفةً يرددونها على أسماعنا صباح مساء.
الفكر الإسلامي والأفكار الإسلامية والمفكر الإسلامي والمفكرون الإسلاميون، كانت نتيجة ذلك أن ابتعدنا عن تلاوة كتاب الله كما أمر: )وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا[ أصبجت غريبة هذه الآية عن مجتمعاتنا.
أيها الإخوة أين هم الذين يذكرون الله عز وجل ويتبتلون إليه تبتيلاً؟ نعم هذا هو الإسلام في جوهره، ذُوب هذا الإسلام الجذري وحل مكانه ما يسمى بالفكر الإسلامي. النتيجة التي ينبغي أن ننتهي إليها أيها الإخوة هي أولاً أن نصحو إلى هذه الحقيقة، اطردوا كلمة الفكر الإسلامي من أذهانكم جهد استطاعتكم، والنتيجة الثانية أننا نهيب بمجتمعاتنا الإسلامية لا سيما بلدتنا الإسلامية هذه أن تعود إلى كتاب الله عز وجل فتعانقه وتحتضنه معرفة، تلاوةً، تدبراً ،عملاً به. وأولى الفئات التي ينبغي أن تعود إلى كتاب الله عز وجل هي الإخوة المسؤولون.
ينبغي أن تكون مدارسنا بكل مراحلها خادماً أميناً لكتاب الله عز وجل، ينبغي أن تكون جامعاتنا خادماً أميناً لكتاب الله عز وجل. )قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[ هذا هو مفتاح النصر ويحكم، مفتاح النصر لا تضيعوه هو لا يزال بين أيدينا احملوه وتشرفوا به، واجعلوا من أنفسكم خدماً له واجعلوا صلتكم بالله عز وجل عن طريق نجواه لنا وخطابه إيانا، ينصركم الله سبحانه وتعالى ويثبت أقدامكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.