
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض
مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض
خطبة الإمام الشهيد البوطي
تاريخ الخطبة: 03/11/2000
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد فيا عباد الله
يقولون إن المصائب تجمع الشمل. وهذا كلام صحيح إلى حد كبير، فأنا ما أذكر أن الشعوب العربية والإسلامية في محيطنا هذا اجتمعت كلمتها على معنى واحد وتلاقت على شعور واحد في فترة من فترات هذا العصر الذي نعيش فيه؛ كما اجتمعت كلمتها واتحدت مشاعرها في ظل هذه المصيبة التي هي مصيبة العالم الإسلامي أجمع. أصغي السمع إلى مشاعر الشعوب الإسلامية في محيطنا العربي، فأجد أن الجميع يعزفون على وتر واحد، ويتطلعون إلى حل واحد لا ثاني له أمام هذا المصاب، ألا وهو حل الجهاد الإسلامي في سبيل الله سبحانه وتعالى. شعور يسير في طريق لا تسده الرؤى السياسية. ولا تقف في وجهه المعايير الحكومية، شعور واحد كان ينبغي أن يولد في ما مضى في ظل أحداث أخرى سبقت، ولكن نحمد الله سبحانه وتعالى أن رأينا أنفسنا أمام الدليل الواقعي الباهر على أن الأساليب السياسية مهما تلونت، وأن المحاولات التي تقوم بها القادة مهما كثرت وتنوعت، كل ذلك لا يحرك ساكناً وإنما الذي يحرك، وإنما الذي يفيد هو هذا الجهاد الذي أمر به الله سبحانه وتعالى.
ولكني أسأل نفسي أيها الأخوة وعلى كل مسلم أن يسأل نفسه: هذه المشاعر هي صادقة، والتعبير عن الحل الوحيد الذي لا ثاني له تعبير صادق أيضاً، لكن فلنعلم أن التعبير عن هذا الحل لا يكلف صاحبه شيئاً، وأن الإصبع التي تشير إلى مبدأ الجهاد في سبيل الله لا تكلف شيئاً عندما تمتد لتبين أو لتتحدث أو لتعلن. إنما الذي يكلف صاحبه القيمة الحقيقية للجهاد، هو النهوض العملي بهذا الجهاد الذي أمر به الله سبحانه وتعالى. أن تثور ثائرة أناس يجلسون في بيوتهم، اجتمعوا في صالونات سهراتهم، ينظرون إلى هذه المآسي التي تنقلها الفضائيات، ويتنقلون خلالها من منظر إلى منظر إلى منظر، ثم أن يزبد كل منهم، ويرغو ويطلق الزفرات، ويتحدث عن الحل، هذا أمر لا يكلف صاحبه شيئاً، هو جالس في مكانه الوثير في داره الآمنة مع صحبه الذين يسمر معهم، ويتحدث عن الحل الأمثل، وعن الحل الخُلَّبي الذي لا فائدة منه، هذا لا يقتضي أي قيمة تبذل، ولا يحمل صاحب هذا الكلام أي مسؤولية يتحملها.
ولكن فلنتساءل أين هي الخطى التنفيذية سعياً إلى هذا الهدف المنشود؟ أو سعياً إلى هذا الحل الذي آمنت الأمة كلها به، ثم آمنت بأن لا حل أمام هذا المصاب غيره؟ دون ذلك - كما يقول المثل العربي - خرق القتاد، لماذا أيها الأخوة؟ الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى في حياة الإنسان المسلم كلٌّ لا يتجزأ، ومن المستحيل أن ينتقي الإنسان من معاني الجهاد التي خاطبنا بها الله عز وجل نوعاً دون نوع. من الخيانة لدين الله عز وجل أن ينتقي أحدنا ما طاب له من أنواع الجهاد، ويشيح بنظره عن الأنواع الأخرى. الجهاد الذي خاطبنا الله عز وجل به كلٌّ لا يتجزأ، وآية ذلك أننا نقرأ كتاب الله عز وجل فنجده من فجر نزوله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتحدث عن الجهاد ويأمر بالجهاد. يأمر بالجهاد إذ كان المسلمون لا يزالون في مكة لم يهاجروا بعد، ولم يفرض عليهم بعدُ الجهاد القتالي، يأمر بالجهاد. عندما يحدثهم عن العقائد التي ينبغي أن يملؤوا بها عقولهم، وينبغي أن يطهِّروا أفئدتهم وعقولهم من رجس الوثنية والشرك السابقين، يتحدث عن الجهاد عندما يأمر ببذل المال والوقت وتزكية النفس وتطهيرها من الشوائب، سيراً على صراط الله سبحانه وتعالى. يأمر بالجهاد عندما يتحدث عن ضرورة صبر المسلمين ومصابرتهم أمام الإيذاء الذي يطوف بهم، أمام السخرية، أمام الاستهزاء، اللذَيْن يراهما كل مسلم أمامه عندما يدعو إلى الله عز وجل. يدعو إلى الجهاد عندما تألبت أمم البغي ضد المسلمين، ويهيب بهم أن يقاتلوا في سبيل الله سبحانه وتعالى. إذن فالجهاد كلٌّ لا يتجزأ، في حالة السِّلْم نحن مكلفون بالجهاد، في حالة الحرب مكلفون بالجهاد. عندما يكون الإنسان آمناً مطمئناً في عقر داره مكلفٌ بالجهاد. الجهاد واجب يصطبغ به الإنسان من فرقه إلى قدمه. العقيدة التي ينبغي أن ترتكز في عقلك إيماناً ويقيناً، ثم تنعكسَ إلى فؤادك عاطفةً، حبّاً، تعظيماً، مهابةً، جهاداً. بذلُ المال في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وفي سبيل إيجاد النسيج الإنساني للمجتمع الإسلامي، جهادٌ جزءٌ لا يتجزأ منه، الصبرُ والمصابرة على الالتزام بشرعة الله، بأوامر الله، في الدار، في المجتمع، أمام المستهزئين، أمام الساخرين، أمام الذين ينتقصونك من أجل أنك سائر على صراط الله، جهاد.
ثم إن حمل السلاح في وجه من يقف في طريق الدعوة إلى الله عز وجل، أو في وجه من يريد أن ينتقص حقاً من حقوق المسلمين أيضاً جهاد، فمن أراد أن ينتقي من الجهاد عندما تهتاج به نفسه وعندما تثور به عواطفه؛ يتذكر الجهاد الذي يتمثل في الوقوف في وجه العدو مقاتلاً باذلاً الروح، باذلاً الدم في سبيل الله عز وجل، لون من ألوان الجهاد، من أراد أن ينتقي هذا اللون فلسوف يكون حظه من الجهاد اللسان فقط، ولسوف تجده يحمل سبحته التي يتسلى بها وهو جالس في مقعده الوثير في زاوية من زوايا صالونه الفخم، يتحدث عن الجهاد، ضرورة الجهاد في سبيل الله. فإذا استنهضتَهُ لذلك تقاعس، أجل، وأخلد إلى الأرض - كما قال الله عز وجل - لماذا؟ لأن هذا الإنسان سار في طريق دعوته إلى الجهاد على نهج انتقائي، طاب له أثناء هذه العواطف المهتاجة أن يتحدث عن الجهاد القتالي، ولكن أين هي المقدمات الأخرى، أين هي تزكية النفس؟ وهو لون من أخطر ألوان الجهاد، هذه التزكية التي يُبتغى منها أن يصبح القلب مَرْكَزاً لمحبة الله، مركزاً لمحبة الباقي، ومركزاً لازدراء الفاني، حتى تَخِف في سيرك إلى الجهاد في سبيل الله، ولا تكون متثاقلاً بحمل أعباء الشهوات والأهواء والملذات وما إلى ذلك، الجهاد أيها الإخوة، - مرة أخرى أقول لكم - كلٌّ لا يتجزأ. ولذلك عندما نقرأ كتاب الله، نقرأ السور المكية في كتاب الله؛ نجده يكرر الدعوة إلى الجهاد ﴿جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ [الحج: 22/78] ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾ [العنكبوت:29/69]. هذا هو المدخل الذي لابد منه، وفي مكة لم يكن هنالك قتال، ولم تكن ثَمّةَ دعوة إلى قتال أيضاً، لكن كان هنالك جهاد، كان هنالك جهاد الصبر على شظف العيش. كان هنالك جهاد التعالي والتسامي عن الشهوات والأهواء. كان هنالك جهاد الصبر على الاستهزاء بدين الله سبحانه وتعالى، والسخرية من السائرين على صراط الله عز وجل، ثم كان هنالك جهاد الترفع على العقارات، على الدور، على الوطن، ونفض اليد من ذلك كله عندما يدعو الداعي إلى هذا. ثم جاء الجهاد القتالي نتيجة لهذه المقدمات.
أنا اليوم أقول، وأحمد الله عز وجل، على أن مشاعر الشعوب الإسلامية في بلادنا العربية أصبحت تعزف على وتر واحد، وتعبر عن شعور واحد، وهي خطوة هي جيدة على كل حال، لكنني أتساءل: ما الذي يلي الخطوة الأولى؟ هذا هو القرار اللساني، فأين هو التنفيذ العملي؟ التنفيذ العملي عسير، لأنني أنظر فأجد أن هذه الأمة مثقلة برغبات، مثقلة بأعباء من الشهوات، مثقلة بألق من الدنيا، قد هيمن هذا الألق على بصائرها، وعلى أفئدتها، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تبيانه: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 9/38]. أتأملتم في هذا الكلام الرباني؟ ما الذي يقف في وجه المهتاجين نظرياً، عاطفياً، ما الذي يقف في وجوههم عندما يريدون فعلاً إلى الجهاد في سبيل الله؟ هذا الذي قاله الله عز وجل: الدنيا التي اثاقلت بهم إلى الأرض. الأعباء الشهوانية التي تهتاج بين جوانحهم. وهذا معنى كلام الله ﴿ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ شيء واحد هو الذي يجعل الإنسان يحجب عملياً عن الجهاد في سبيل الله، أهواؤه التي تشده إلى الأرض، رغباته التي تشده إلى المال، رغباته التي تشده إلى الأحلام الطيفية الدنيوية التي تعرفونها، يجمّل لسانه بالحديث عن الجهاد، ولكن كيانه كله من الدماغ إلى القلب، إلى الفرق، إلى القدم، كل ذلك قد أصبح مشدوداً إلى الأرض، أي مشدوداً إلى الدنيا، هذا كلام الله سبحانه وتعالى.
أنظُر إلى التناقض في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، الألسن تتحدث عن الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهذا كلام سليم، والأعمال كلها تتجه إلى التقلب في غمار الدنيا وشهواتها وأهوائها. في سبيل هذا العشق الذي بلغ أقصى مداه للرغبات والشهوات والأهواء، غيّرنا شرع الله، بدّلنا أحكام الله، طرقنا أبواب المفتين ليستجيبوا لنا في تغيير أحكام الله سبحانه وتعالى، وكم وكم من المفتين استجابوا لذلك. غاب الرِّبا، لم يعد في مجتمعنا رباً محرم إطلاقاً، ألا تسمعون؟ ألا تصغون إلى الفتاوى التي تفتح كل يوم نافذة جديدة؟ إلى جانب الخروق التي فتحت بيننا وبين ما يطوف به الغرب من أوضاع حضارية تشمئز لها النفوس، ألا تلاحظون أنه قد استوى الماء والخشبة، استوى واقعنا مع واقع أولئك الغربيين، لم يعد هنالك رباً محرم، كل ما كان محرماً دخل بطريقة من أغرب الطرق تحت ماقد أذن الله عز وجل به، وبالأمس قلت: إما أن هؤلاء صادقون، ورسول الله - والعياذ بالله - كاذب، وإما أن رسول الله صادق وهؤلاء دجالون وكاذبون، ولاشك أن هذا الاحتمال الثاني هو الصحيح. ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلّم ﴿يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره﴾ لئن كان التعامل الذي يجري اليوم بين الناس وبين المصارف أمراً مباحاً زالت عنه الصبغة المحرمة، إذن فليس هناك رباً، وليس كلام رسول الله إذن صحيحاً، ولكننا نعلم أن الأمر ليس كذلك، هو عشق غريب وعجيب، ولا كعشق مجنون ليلاه، في التاريخ الذي تعرفون. تكالب المسلمين اليوم على الدنيا، على الشهوات، على الأهواء.
لماذا تنهض فئات في كل يوم هنا وهنا وهناك، تدعو إلى تطوير شريعة الله، تدعو إلى تغيير مبادئ دين الله، تدعو إلى ما يسمى بالتجديد، لماذا؟ من أجل أن يقوم اصطلاح بين شرع الله سبحانه وتعالى وبين الحضارة الإسلامية؛ بحيث تخضع شرعة الله سبحانه وتعالى للحضارة الغربية التي ترون، وبحيث تحجَّم الشريعة الإسلامية، ثم تحجَّم، ثم تحجّم، لتقف تحت إبط رواد الحضارة الغربية، ولتكون أداة للدعوة إليها. هؤلاء الذين يفعلون هذا هم الذين يتحدثون عن الجهاد والدعوة إليه، قلنا حسناً فنفذوا ما تقولون. ولا سبيل إلى التنفيذ، لا لأن قُوىً تحول بينهم وبين ذلك، لا، لا لأن قرارات سياسية تحول بينهم وبين ذلك، لا، ولكن لأن الإنسان في كثير من الأحيان يجمل لسانه إرواءً لغلته العاطفية، يجمل لسانه وهو جالس في مكانه الوثير كما قلت لكم. والله الذي لا إله إلا هو لئن علم أن شوكةً ستؤثر على دخله المالي وتؤثر على أحلامه فيما يتعلق بتجاراته وأرباحه ومدخراته، فلسوف يقيم الدنيا ولا يقعدها، وكم رأينا دلائل ذلك وآية هذا الذي أقول، إنني أكرر الدعوة إلى ما قد قلت: هنالك خطوة أولى نحو الجهاد في سبيل الله عز وجل، هذه الخطوة الأولى لا تكلف صاحبها حمل السلاح، ولا تكلف صاحبها أن ينتقص من ماله شروى نقير، ولا تكلف صاحبها أي عنت، أو دخول في أي خطر، أو أي مغامرة. قاطعوا هذه البضائع التي تفيض بها مجتمعاتكم، تلك التي تفد إليكم من الولايات المتحدة الأمريكية، قاطعوها، لا تستطيع فئة من الناس أن تمنعكم من ذلك، للقادة أن يفعلوا ما يشاؤون، وأن يستقدموا هذه المتع وهذه البضائع كما تحبون، فلتتراكم في مجتمعاتكم، ابتعدوا عنها، قاطعوها، لكم غنى عنها، تستطيعون أن تعيشوا بدونها، تستطيعون أن تحققوا أحلامكم الذهبية بحياتكم الفارهة، بقصوركم العامرة، بأثاثكم، برياشكم، بكل ما تبتغون، دون أن تمتد يد منكم يد إلى الذل والمهانة إلى هذه البضائع. قاطعوها، هذا نوع من أنواع الجهاد، جزء من الكل الجهادي الذي أمر الله سبحانه وتعالى به، فأين هم الذين ينفذون هذا، وأنا لا أشك ولست مبالغاً إن قلت لكم لئن كان السلوك الإسلامي في بلادنا العربية متطابقاً مع المشاعر النظرية في هذه البلاد في هذه الفترة بالذات، وتحقق هذا السلوك العملي في الخطوة الأولى هذه التي تتمثل في تطهير المسلمين أيديهم من هذه البضائع الأمريكية، فإن الله سبحانه وتعالى سيوفقهم للخطوات التالية، وإن الله سبحانه وتعالى سيفتح لهم آفاق عصر لا يتوقعونه، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى شيء واحد أن لا يُخلد الإنسان إلى الأرض، أن لا يتبع هواه، لا يسيل لعابه على المشتهيات، وهو يتحدث عن الجهاد، بشدق يتحدث عن الجهاد، وبشدق آخر يسيل لعابه على المشتهيات العجيبة. كيف يكون هذا؟ ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 7/175-176] المشكلة هي إخلاد هذه الأمة إلى الأرض، وها هي هذه رائحة هذا الإخلاد إلى الأرض تفوح بألوان شتى وبصور شتى، السعي إلى التلاعب بشرعة الله فائحة تزكم الأنوف. هذه الفتاوى العجيبة التي جعلت الحرام حلالاً وجعلت الواجب مباحاً، غيرت وبدلت بشكل لا عهد لنا به لونٌ من هذه الألوان. رائحةٌ من هذه الروائح التي تزكم الأنوف، هذا السلوك الشائن المائع البعيد عن دين الله سبحانه وتعالى، هذه المنكرات التي لا تجد من ينكرها، من يشير بإصبعه إليها. كل ذلك مظهر للرائحة التي تزكم الأنوف، لمعنى كلام الله تعالى ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْض﴾.
أسأل الله عز وجل أن يحررنا من هذا الوصف، حتى يجعلنا فعالين لا قوالين، وحتى لا نتكلم بشدق من أفواهنا عن الجهاد، وشدق آخر من أفواهنا يسيل لعابه على هذه المشتهيات الدنيوية العجيبة.أقول قولي هذا وأستغفر الله.