مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/05/2000

هل كُتب على إسلامنا أن يُيَتَّم؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله سبحانه وتعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

في ظل مجتمعاتنا الانسانية اليوم أمورٌ بداهية معروفة لا يختلف فيها اثنان:

إذا تطاول إنسانٌ من الناس بلسانٍ تكلم به أو بقلم استخدمه كتابةً على ملكٍ من الملوك نُصّب فوق رقعة من رقاع هذه الأرض أو بلدةٍ من بلادها، اتجهت إليه القوانين والأنظمة بالمحاكمة ثم التجريم.

وإذا تطاول إنسانٌ بلسان امتد ناطقا أو بقلم تحرك كاتبا على رئيسٍ من الرؤساء نُصب في بلدة من البلاد أو دولة من الدول أو على مسؤول كبير في تلك الدولة سرعان ما تنهض لهما المواد القانوينة المختلفة ثم يُحاط محصوراً بهذه المواد القانونية ويساق باسمها إلى المحاكمة ثم إلى التجريم.

وإذا أهان إنسانٌ في صحيفة من الصحف أو في خطبة من الخطب أو في مناسبة من المناسبات إذا أهان إنسانٌ شخصاً من الناس معروف أو غير معروف لامعاً أو غير لامع أهانه بشتيمة أو بسبٍ من السباب أو بسخرية أو نقيصة أياً كانت، سرعان ما يقوم هذا الإنسان الذي أُسيء إليه فيستنهض ما يعرفه بالمواد القانونية ويرفع الدعوى باسم هذه المواد القانونية على هذا الذي أساء إليه شتمه سخر منه، وتخضع المحاكم كلها لدعواه ويُساق هذا الإنسان إلى المحاكم ليُتهم ثم ليُحاكم ثم ليجّرم.

واسرائيل والصهيونية العالمية إذا وجدت أن هناك من اتجه إليها باصبع من أصابع الاتهام تحدث عن محرقتها أو مخرقتها تساءل .. بحث .. حقق، تتحرك القوانين كلها لخدمة الصهيونية، ويساق هذا الإنسان إلى المحاكم أياً كانت البلدة التي وجد فيها هذا الإنسان المُتهم وأياً كانت تلك الدولة يساق إلى المحكمة، ثم إنه بعد التحقيق يُجرم ولا بد أن يُعاقب.

هل هنالك شكٌ في شيء من هذا كله أيها الإخوة؟ ويتم هذا كله في ظل الحرية وحديث الناس عنها، في ظل ما يرتفع لها من شعارات وما يُقدس باسمها من كلمات... فإذا جاء من يتطاول على ملك الملوك، إذا جاء من يتطاول على خالق السماوات والأرض، إذا جاء من يتطاول على من خلقنا ورزقنا وسوانا وأحيانا ويميتنا ثم يحيينا، إذا جاء من يتطاول عليه بسخرية بإنكار بهزء، بأي نوعٍ من أنواع التطاول نظرت يميناً وشمالاً فلم تجد من ينتصر لهذا الإله الذي أُسيء إليه، وإذا قام من ينتصر له قامت الدنيا كلها لتنتصر للظالم ولتغري الناس جميعاً بالإعراض عن الإله. لا أقول المظلوم بالإعراض عن الإله الذي أُسيء إليه.

أفأقول: إن الدين مُيتّم في هذا العصر أيها الإخوة!؟ أفأقول إن شرعة الله وألوهية الله وعبودية الإنسان لله وحقوق الله سبحانه وتعالى على عباد الله كل ذلك ميتم تماماً - ولله المثل الأعلى - كطفلٍ بين أطفالٍ كثيرين يحيطون به عن يمين وشمال لكلٍ منهم أبواه، لكلٍ منهم ولي أمره لا يستطيع أحدٌ أن ينفث في واحد منهم بأي أذى، إلا هذا الطفل، فهو يتحرك بينهم يتيماً ليس له من ولي يدافع عنه، وليس له من أبٍ يخاصم دونه.

أفأقول - ولله المثل الأعلى - إن دين الله عز وجل قد غدا في مجتمعاتنا الإنسانية اليوم كحال هذا الطفل اليتم بين هؤلاء الأطفال الذين ترتفع منهم الرؤوس بأن لهم آباءً وأمهات، وبأن لهم أولياء يدافعون عنهم ويحمونهم.

أنا أعلم - كما تعلمون جميعاً - أن الله سبحانه وتعالى ليس فقيراً إلى الانتصار لذاته العلية. وأنا أعلم والعالم كله يعلم أن الله هو الغني وأننا نحن الفقراء. ولكنكم تعلمون أيضاً أن الله عندما خلق الإنسان استخلفه لإقامة عدله فوق هذه الأرض، عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان استخلفه أي أقامه قيماً لرعاية شرعه، أقامه قيماً لحماية دينه، أقامه مسؤولاً عن تعريف الناس جميعاً بربوبية الله سبحانه وتعالى للإنسان وعبودية الإنسان لله سبحانه وتعالى.

ألم يقل الله سبحانه وتعالى للملائكة: )إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ والخليفة إنما هو هذا المخلوق الذي يتمثل في سلالة آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، شرفنا الله سبحانه وتعالى بهذه الخلافة التي تعني تكليف الله عز وجل إيانا بحماية شرعته، بحماية مقدساته بحماية الحقيقة الإيمانية التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها، ولو شاء لانتصر لدينه دون حاجة منه إلينا، ولكنه ابتلاء من الله بل تشريف من الله عز وجل لنا )وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ[ ما الوزن أقيموا الوزن بالقسط؟ هذه العدالة الإلهية التي أقام الله شرعته بيننا عندما. قال: ووضع الميزان أي في الأرض، إنما المراد بالميزان هذا الدين بمجموعه انطلاقاً من عقائده فعباداته فتشريعاته، وضع هذا الميزان بيننا ثم وكل إلينا حماية هذا الميزان ألا تطغوا في الميزان )وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ[

شرف أنهضنا الله سبحانه وتعالى له، وإلا فمن ذا الذي يقول إن الله بحاجة إلى أن ننصره؟ كلنا نعلم أن النصر بيد الله )وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ [لكنه قال أيضاً: )إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ[ هكذا قال الله سبحانه وتعالى.

إذاً فشاء الله عز وجل أن يشرفنا بأن نكون فوق هذه الأرض أولياء لشرعته، حماةً لدينه رقباء على مقدساته هكذا شاء الله عز وجل. فأين هم هؤلاء الأولياء في جنبات الأرض؟ أين هم هؤلاء الذين وكل الله سبحانه وتعالى إليهم حماية دينه وشرعته ومقدساته من لغو اللاغين وسخرية الساخرين وعداوة المعتدين؟ إن الله سبحانه وتعالى لا يريد من الناس أكثر مما يفعلونه في حق أنفسهم.

لو أن إنسان تطاول كما قلت لكم على ملك من ملوك الأرض في أي بقعة من بقاع هذه الدنيا المتحضرة أو المتخلفة ما الذي سيحصل؟ القانون الإقليمي والعالمي والدولي كله تلاحق هذا الإنسان.

لو أن إنساناً تطاول بسخرية ما على مسؤول على رئيس تطاول على مواطن في بلدة أساء إليه اتهمه بما هو منه بريء سبه شتمه، ما الذي يحصل؟ كلكم يسمع بين الحين والآخر الأنباء التي تتحدث عن سلاسل من دعاوي ترفع من هذا القبيل، يرفع هذا المظلوم أو هذا المتهم الدعوى وتسمع المحاكم دعواه أياً كان، ويُساق هذا المتهم ثم يُعاقب إما بالغرامات المالية وإما بالسجن أو نحو ذلك ذلك.. لأن مواطناً أسيء إليه.

لماذا يُتم هذا الدين وأولياؤه موجودون؟

لماذا يُتم الإسلام وهاهم أولاء الذين شرفهم الله سبحانه وتعالى بحماية الإسلام قائمون؟

ومن هم هؤلاء الذين هم شرفهم الله فأقامهم حراساً على دينه من هم؟ هم الذين حياتهم من عند هذا الإله الذي شرفهم بهذا الشرف. رزقهم من لدن هذا الإله الذي توجهم بهذا الشرف عافيتهم من لدن هذا الإله الذي توجهم بهذا الشرف، محياهم ومماتهم بيد هذا الإله الذي توجهم بهذا الشرف. قال لهم: انتصروا لديني أنتم المستخلفون على هذا لا تطلبوا مني أن أقوم عنكم بهذا عملي، سيكون يوم القيامة في محكمة أنا ديانها وأنا صاحبها، أما اليوم فقد جعلتكم أنتم المسؤولين عن هذا كله. لا يقولن قائل: ها هو ذا ربنا موجود فلماذا لا ينتصر لدينه؟ لماذا لا ينتقم من هؤلاء الساخرين والشامتين؟

الجواب معروف ومقروء: )وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ[ إلى أن كرر وأكد هذا فقال )فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ أما اليوم فأنتم المسؤولون.

شرفٌ متعنا الله عز وجل به استخلاف ما كان لنا أن نرقى إلى سدته الباسقة لكنه الشرف الأعظم شرفنا الله عز وجل به. فمالِ لأولياء هذا الدين راقدون غافلون أو غائبون؟ مالِ للإسلام يًتم وما ينبغي أن يُيَتم؟ لماذا أيها الإخوة؟ سلوا القوانين ومقننيها سلوهم، لماذا يُساق من يحرك لسانه بتطاولٍ على ملك من ملوك الأرض أو على رئيسٍ من رؤوسائها أو على مسؤول فيها أو على مواطن من المواطنين فيها، فإذا اهتاج هؤلاء المجرمون ومدوا ألسنتهم بقالة السوء ألواناً وأشكالاً على الله على دين الله على شرعة الله غابت القوانين وظهرت الحرية! غابت القوانين كلها وحلت الحرية محلها، وجاء من يقول: إنها الحرية التي ينبغي أن يستمتع بها كل مثقف كل عاقل إنه الأدب وقدسية الأدب ينبغي أن لا تُمس بشكلٍ من الأشكال.

قدسية الأدب؟! أنتم الذين أنكرتم قدسية الإسلام وقلتم في عصر الحرية ينبغي أن تغيب القدسية، فما لكم تقدسون الأدب تقديساً مطلقاً في كل الأحوال، ومن ومتى قال العقل وقال العقلاء الأدب إنما يُطلب للأدب؟ من الذي قال ينبغي أن نحج للأدب لندور حول الأدب كما يدور الطائفون حول الكعبة لا لشيءٍ إلا للأدب؟ هل في العقلاء من يجهل أن الأدب وسيلة لغاية؟ هل في العقلاء من يجهل أن الأدب لغة مضمخة بالعطر يُجتذب بواسطتها عقل العقلاء إلى معرفة الحق؟ من الذي قال الأدب عبارة عن كائن مجنون يراوح في مكانه؟ من الذي يقول إن الأدب عبارة أن يطرب الإنسان للهذيان الذي ينبعث من لسانه وأياً كان الهدف الذي ينبغيه هبط أو صعد هو أدب مقدس؟ أي لغة تقرر هذا الكلام المهذار؟ من؟

الأدب وسيلة ترتقي بارتقاء هدفها وتهبط بهبوط هدفها.

أرأيتم لو أن إنساناً اتخذ الأدب وسيلة لسلب الناس حقوقهم؟ أرأيتم لو أن إنساناً اتخذ الأدب وسيلة للدجل على الناس وللكذب عليهم؟ أرأيتم لو أن الأدب استخدم وسيلة للضحك على الناس وتجريدهم من ممتلكاتهم؟ أفيُقر هذا الأدب؟ أفيأتي من يهذي ويقول: ينبغي أن يُقدس الأدب إلى أي جهة اتجه؟ وأي هذيان من الهذيانات عانق هل هنالك عاقل يقول هذا الكلام؟ لماذا يُصفق للأدب عندما يتطاول على الله وعلى دينه؟ ولماذا يجرم الأدب إذا استبطن الأدب كلمات فيها تطاولٌ على ملك من الملوك فيها تطاول على مسؤول من المسؤولين فيها تطاول وشتم وجرح لمواطن من المواطنين؟ لماذا يُساق الأديب وأدبه للمحاكمة. بوسعي أن أضرب لكم أمثلة ولكني أنزه هذا المنبر عن ذكر الأسماء؟

أعود فأقول أيها الإخوة هل كُتب على إسلامنا أن يتيتم؟

أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يُرينا عهداً يصدق فيه جواب هذا التساؤل بشكلٍ إيجابي أبداً. سقى الله أيها الإخوة عهوداً كان الحكام وكان أئمة المسلمين وكان ملوك المسلمين فوق الأرض لا يعرفون لنفسهم إلا مهمة واحد هي حراسة دين الله سبحانه وتعالى، فإذا أدى أحدهم مهمته وجاء ابنه وجاء خليفته من بعده سلمه هذه الأمانة وأوصاه أن يواصل سيره الحثيث حراسة لدين الله بالعين بالعقل بالجسم بالمال بالجسد والروح.

سقى الله ذلك العهد سقى الله يوم وقع عثمان أرطغرل أو خليفة من خلفاء العثمانيين في سياق الموت فأوصى ابنه قائلاً كنت كالنملة الصغيرة فأعطاني الله كل هذا لخدمة دينه فاخدم دين الله سبحانه وتعالى فوق هذه الأرض فإنما تلك هي مهمة الملوك في هذه الدنيا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي