مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/04/2000

رسالة إلى أصحاب الأعشاش

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

إن من سنة الله عز وجل في عباده أنه يأخذهم بالرخاء آناً والشدة آناً آخر، وهو في كلا الحالتين لطيفٌ في عباده متكرمٌ عليه بذلك.

أما في حالة الرخاء فاللطف في ذلك واضحٌ وجلي والجانب الخفي من اللطف في الرخاء أنه يذكر العباد، بشكر الله سبحانه وتعالى فإذا شكروه زادهم الله عز وجل من نعمه وأسباب الرخاء في حياتهم. وأما مظهر اللطف في الشدة فهو أن الشدائد توقظ الراقد والنائم وتنبه الغافل وتدفع المنحرف إلى الإستقامة والتائه إلى الرجوع إلى الله عز وجل وهل في الألطاف ما هو أعظم شأناً من أن يجذب العبد إلى رحابه بعد شرود أياً كانت الوسيلة فإن ذلك للطفٌ ما وراءه لطف أن يجذب الله سبحانه وتعالى العبد إلى رحابه عندما يكون شارداً عنه تائهاً عن سبيله غافلاً عن سلطان الله سبحانه وتعالى عليه.

ولقد رأينا الصورتين في حياتنا أيها الإخوة ابتلانا الله سبحانه وتعالى بالأمس الدابر في السنة الماضية وفي نصفٍ من السنة التي أقبلت ابتلانا الله عز وجل بالشدة وعانينا من ذلك ما عانينا وطرقنا الأبواب كلها كما قلنا مراراً وتكراراً وظهر لطف الله الجلي الكبير في تلك الشدة، إذ هي التي دفعتنا إلى أن نلوذ بأعتابه وأن نتشبث بالدعاء الواجف في محراب العبودية بين يديه، تلك الشدة هي التي استبطنت نعمة الالتجاء إلى الله ونعمة التوبة وما أكثر الذين تابوا وعادوا إلى رحاب الله سبحانه وتعالى ثم نظرنا فوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد طوى عنا تلك الشدة وأبدل تلك الشدة بالرخاء الذي رأيتم استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء الداعين والتجاء الملتجئين وتضرع المتضرعين وما أكثرهم فأكرمنا الله سبحانه وتعالى كما تعلمون بالأمطار السخية والثلوج المنهمرة وأمر الينابيع أن تتفجر فتفجرت وعادت المياه كسابق عهدها في هذه البلدة تغمر أنحاء هذه البلدة المباركة رأينا اللطف في المرة الأولى ورأينا لطف الله سبحانه وتعالى في المرة الثانية وذلك هو مصداق قول الله عز وجل )وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ( وما الشر إلا نعمة مستبطنة وما الخير إلا نعمة ظاهرة ومستبطنة أيضاً كما قد أوضحت لكم.

ولكن فلتعلموا أيها الإخوة أن عصا التأديب الإلهي تلوح دائماً من خلال نعمه كما تلوح من خلال نقمه فلا يتصورن أحداً منكم أن نعمة المطر إذا انهمر من السماء هي نعمة دائماً وما يتصورن أحدكم أن الينابيع إذا تفجرت هي مقياس كرم وعطاء دائماً لا، إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يعذب عباده سخر ما شاء لما يشاء من أنواع التعذيب والابتلاء إذاً في كل الأحيان يجب على الإنسان أن يلتجئ إلى الله وأن يقول كما كان يقول رسول الله )اللهم اجعلها سُقيا رحمة ولا تجعلها سُقيا عذاب (إذا هطلت الأمطار وهي تحمل معها الوحل كما رأيتم وترون فلتعلموا أن ذلك نذير عقاب ولتعلموا أن في ذلك تخويفاً وتهديداً وكأن الله عز وجل يقول لنا لقد أكرمتكم واستجبت دعاؤكم وفرجت الكرب عنكم فهلا تستقيمون على صراط الله، هلا تصدقون في التوبة هلا تطهرون أنفسكم من بقايا الرجز ومن بقايا الانحراف ؟ ها هي ذي عصا التأديب تلوح أمامنا، تلوح أمامنا من خلال النعمة التي تهمي من السماء وما أيسر أن تلوح أمامنا عصي التأديب من خلال الينابيع التي تتفجر في الأرض أيضاً أجل كأن الله عز وجل يذكرنا بقوله )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ( أو كأن الله عز وجل يذكرنا من خلال هذا بقوله )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّنكُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(

أيها الإخوة بالأمس ذكرت ولعل غيري ذكّر عندما كنا نمر بالمحنة التي تعرفون وأسأل الله أن لا تعود عندما كنا نمر بالأنهر التي كانت تسمى الأنهر السبعة التي جعلها الله سبحانه وتعالى عقداً يتألق في جيد هذه المدينة المباركة عندما كنا نمر فنجد أن الوحل قد حل محل الماء الذي يتألق وكنا ننظر إلى الأعشاش المقامة عن يمين هذه الأنهر وعن يسارها وقد حُشيت بما يُغضب الله، حُشيت بمخالفة أوامر الله سبحانه وتعالى قلت وقال كثيرون يا أيها الناس لا تستبدلوا نعمة الله كفراً توبوا إلى الله عز وجل أغدق الله سبحانه وتعالى علينا من نعمه ونظرنا إلى هذه الأنهر وإذا هي عادت تتألق وإذا هي مغمورة بالماء وتابعنا نظرنا إلى حيث الينبوع فرأينا الينبوع يسبح بحمد الله سبحانه وتعالى ورأيناه ثراً بالماء يعيدنا إلى ذكريات سنواتٍ قديمة سابقة. ترى هل تاب أصحاب هذه الأعشاش؟ ترى هل طهروا أعشاشهم من الموبقات؟ سلوهم أيها الإخوة إن كنتم تستطيعون أن تسألوهم بل انصحوهم إن كانت بينكم وبينهم جسورٌ موصولة تقدركم على النصح لكم، انصحوهم إنني أخشى ما أخشاه أن يركب هؤلاء الإخوة رؤوسهم وأن تغريهم نعمة الله التي تنهمر من حولهم بمزيد من هذه المنكرات وبمزيدٍ من هذه المحرمات وعندئذٍ ما الذي يتهددنا؟ لابد أن يتهددنا الحرمان مرة أخرى وكأن الله عز وجل يرينا طرفاً من هذا الحرمان في المظهر الذي نراه الآن وأسأل الله عز وجل أن يطهر هذه البلدة من الوحل بنعمة تنهمر من السماء وما أحوجنا إلى ذلك.

انصحوا هؤلاء الإخوة قولوا لهم لا تكونوا في عملكم هذا سبباً لنقمة أنتم تستنزلون الرزق بهذا ولكنها حماقةً وجنون إنكم بهذا تحرمون أنفسكم وأهليكم وأهل بلدتكم من الرزق. من ذا الذي يتصور أن وسائل الحرمان هي أسباب للإرتزاق؟ عجيب حال هذا الإنسان الذي يصدق وساوس الشيطان ولا يصدق وعد الرحمن )الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (كيف كيف يكون الإنسان عاقلاً ومؤمناً بالله عز وجل ثم يشك في وعد أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين يشك في وعد الله أو ربما لا يؤمن به ثم يركن إلى وساوس الشيطان الكاذبة يستجيب لوساوس عدوه الشيطان ولا يستجيب لنصائح مولاه الرحمن سبحانه وتعالى، سلوا أيها الإخوة كل من كان يسير في موبقةٍ من الموبقات التي من هذا القبيل ثم تاب إلى الله وطهر مطعمه أو مقهاه أو منتجعه من هذه المحرمات سلوهم أياً كانوا هل حرمهم الله عز وجل من نعمةٍ كانت تفد إليهم بل سلوهم ألم يضاعف لهم الله عز وجل في الرزق ولعلكم جميعاً تعلمون الجواب عن هذا السؤال من صور واقعة حقيقية، من هو هذا الذي أعرض عن وساوس الشيطان واستجاب لأمر الرحمن وصدق وعد الرحمن ثم لم يكرمه الله عز وجل بالمزيد ؟ من أتحدى من ؟

وبالأمس سمعت خبراً ثم إني تحققت منه، تحققت منه بجلية الأمر فنادق من تلك التي كانت تغوص في حمأة الانحراف والفسق والمجون من الدرجة العالية عنّ لأصحابها أن يعودوا لحمى الرحمن في تركيا طهروا فنادقهم من المحرمات، أبعدوا الخمور عنها، أبعدوا اللحوم المحرمة عنها، فصلوا بين أحواض الرجال وأحواض النساء للسباحة، أقاموا أماكن مدنية حضارية للصلاة والعبادة في أبهى أماكن من فنادقهم، فماذا كان جواب الله عز وجل ؟ ضاعف لهم الدخل أضعاف مضاعفة. بالأمس قرأت هذا الخبر وأصدقكم القول أني تصورت أنه ربما كانت فيه مبالغة ثم أتيح لي أن أتحقق من الأمر على كثب على مقربة من الأمر فعلمت أن الأمر حقيقة ولعل في هذا ما يدفع الآخرين إلى سلوك هذا النهج ذاته. تلك هي سياسة الله عز وجل مع عباده الباري سبحانه وتعالى يقول )فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ (الله عز وجل يقول: )لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من ترك شيئاً لله عوضه الله عز وجل خيراً منه (

أنا لا أريد ولست بحاجة إلى أن أضع النقاط على الحروف فأحدثكم عن الأماكن التي كانت بالأمس في بلدنا هذا منحرفة محشوةً بالمحرمات ثم تاب أصحابها ورجعوا إلى حمى الرحمن سبحانه وتعالى وطهروا أماكنهم من الموبقات فأغدق الله سبحانه وتعالى عليهم من رزقه بدون حساب ولكن سلوا ستعرفون وستجدون الأمثلة الحية على هذا. أيها الإخوة أشد ما أخشاه أن يركب أصحاب هذه الأعشاش في ربوتنا الجميلة رؤوسهم وأن يدفعهم دافعٌ خفي ولا أدري ما هو إلا أن يعكفوا على هذه المحرمات وأن يستمروا في هذه الموبقات إذاً فلتعلموا أن الخير الذي أكرمنا الله عز وجل به قد ينقلب إلى شر. لعلكم سمعتم البشائر العظيمة التي لا يمكن للعلماء علماء الأرض أجمع من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب أن يربطوا ذلك بأي سبب مادي إطلاقاً إنما الرباط الأوحد لذلك كله هو كرم الله، استجابة الله عز وجل لمئات الألوف الذين تضرعوا وحملوا صغارهم إلى الله تعالى يلتجئون إلى الله أن يستجيب دعاؤهم، ذلك هو التحليل العلمي وذلك هو السبب المنطقي كرم الله عز وجل عظيم وكبير وما خفي منه مما استبطنته الأرض أكثر بكثير مما ظهر على باطن الأرض من أمطار الهاطلة، لكن أشد ما أخشاه إذا ركب أصحاب هذه الأعشاش رؤوسهم إما بدافع من جهات الله أعلم بها، و إما بسبب مبايعةٍ رجسة بينهم وبين الشيطان.

أشد ما أخشاه أن تتحول هذه النعمة مرة أخرى إلى نقمة وما أيسر أن تتحول ما أيسر أن تغيض المياه بعد أن تفجرت ما أيسر إلى أن تتحول إلى أجاج ما أيسر أن تتحول إلى وحل وها أنتم ترون بارقةً من النذير فإن كنتم تعرفون هؤلاء الناس أو إن كان فيكم من يستطيع أن يتصل بهم ويكون عوناً لي بأمر في معروف ونهيٍ عن منكر فلنتعاون على السبيل الأمثل لتحصين بلدنا ضد الموبقات وضد الشدائد التي قد نتعرض لها، انصحوهم إن كنتم تبتغون الرزق فالرزق سيأتي من عند الله وما من إنسان صدق مع الله في توبة نصوحة إلا ضاعف الله سبحانه وتعالى له رزقه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي