مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 14/04/2000

من أين يبدأ حل كل المشكلات؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله. .

ما تزال المشكلات التي تحيق بالمسلمين في عالمهم الإسلامي تتزايد وتتفاقم.

تتفاقم فيما بينهم المشكلات الإجتماعية والمشكلات الأخلاقية التي تغزو بيوتهم وتذيب قدسية الأسرة فيما بينهم. وتتجه إليهم المشكلات الإقتصادية التي تحاول أن تشل فاعليتهم وأن تقضي على قدراتهم وأنشطتهم. وتتفاقم متجهةً إليهم المشكلات السياسية ومن ورائها العسكرية، كل ذلك يُصوب إلى العالم الإسلامي من جهة واحدة، والغرض من ذلك القضاء على البقية الباقية لكيان هذه الأمة، ومن ثم القضاء على الإسلام الذي يتجلى في مظهر هذه الأمة وكيانها.

والوقت لا يتسع لتفصيل الحديث عن هذه المشكلات، لا يتسع الوقت للحديث عن المشكلات الإقتصادية التي تتجه بالقصد إلى شل فاعلية هذه الأمة وأنشطتها الاقتصادية المختلفة، لا يتسع الوقت للحديث عن المشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي تتسرب إلى كل بيت فضلاً عن كل مدينة وقرية ومحلة، لا يتسع الوقت للحديث عن المشكلات السياسية والتي تتهددنا من وراءها المشكلات العسكرية. ولعل كل من أوتي حظاً من الوعي الثقافي يعلم تفاصيل ذلك كله، ومن ثم فهو ليس بحاجةٍ إلى فتح هذا الملف في مثل هذا الموقف في مثل هذا الزمن، ولكني أتسائل معكم عن العلاج الذي به ندرء به هذه المشكلات الكثيرة المختلفة المتعاونة من أجل هدف واحد، ما السبيل إلى أن ندرء هذه المشكلات عن أنفسنا بل عن العالم الإسلامي كله؟

سبيل ذلك يتمثل في علاج واحد لا ثاني له: ألا وهو أن تعود هذه الأمة إلى سابق وحدتها، أن تعود هذه الأمة إلى ما قد ارتضاه الله سبحانه وتعالى لها من التضامن ومن الاتحاد والاجتماع على كلمة الله سبحانه وتعالى، هذا هو العلاج. فإذا لم تهتدي هذه الأمة إلى علاجها هذا الذي به شفيت فيما مضى من أمراض وبيلة أخطر من هذه الأمراض التي تتهددنا، إذا لم تهتدي هذه الأمة إلى هذا العلاج فلا يمكن أن تجد من وراء ذلك أي علاج آخر؛ مهما تفلسف الناس عن القومية ومعانيها وآثارها وجدواها، مهما تفلسف الناس عن العلم والعلوم الحديثة وضرورة الإقبال إليها والضرب بسهمٍ عمليٍ مع العالم فيها، مهما تحدث الناس عن الفلسفات الاجتماعية المختلفة، ومهما نشط الناس هنا وهناك بحثاً عن سبلٍ سياسيةٍ جديدة مختلفة يبرع فيها البارعون، كل ذلك لا يُجدي، كل ذلك يتبخر ويذهب أدراج الرياح ما دامت هذه الأمة قد ركنت إلى التفسخ الذي وقعت فيه، ما دامت هذه الأمة تركن إلى الخصومات التي ارتضتها لنفسها بعد التضامن الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لها.

معين العلاجات كلها يكمن في الوحدة، في أن تعود هذه الأمة مرة أخرى إلى وحدتها السابقة ولولا أن هذا هو أس العلاج كله وهو مصدر الأدوية كلها لما خاطبنا الله سبحانه وتعالى آمرا ًناصحاً موجهاً إلى هذا العلاج: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا(، لما كرر وعاد فقال: )وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(.

وكأن في الناس المؤمنين بهذا الكلام يسألوا فما السبيل إلى أن نسترجع وحدتنا؟ ما السبيل إلى أن نجد هذا الجاذب الذي جمعنا بالأمس ووحدنا، فعشنا متضامنين وتفجرت من داخل ذلك قوتنا وعزتنا، تفجرت من ذلك مظاهر غنانا، ما السبيل؟

عند البحث عن جواب على هذا السؤال يتيه الناس في سبل متعرجةٍ كثيرة مختلفة، ويختلفون ويتناقشون ويتجادلون في الطريقة المثلى لاستعادة هذه الأمة وحدتها. وأنا أقول أيها الإخوة في كلمة جامعة: السبيل الذي يعيد هذه الأمة إلى وحدتها شعورها بجاذب يجذبها إلى حبل الله عز وجل، هذا الشعور أين ينبثق؟ ينبثق من القلب، القلب هو محل هذا الشعور وهو مكمنه، وإذا لم يوجد لدى أفراد هذه الأمة الشعور الذي يجذب أفرادها بعضهم إلى بعض، بل فئاتها يجذبها بعضها إلى بعض، بل بلدانها ودولها تجذبها بعضها إلى بعض، فإن هذه الوحدة المنشودة لا يمكن أن تتحقق، الذي يجذبني إليك ويجذبك إلي هو الشعور الجاذب، والشعور الجاذب لا يوجد في كلام يردده اللسان، ولا في ابتسامة أواجه بها صديقاً أو يواجههني ذلك الصديق بمثلها، إنما يوجد الشعور في حنايا القلب، فالقلب هو مغرس ذلك الشعور الجاذب، ومن أين يأتي هذا الشعور ليهيمن على القلب؟ لا يأتي إلا من مصدر واحد من عند الله عز وجل. ما السبيل إلى أن استنزل هذا الشعور من علياء الربوبية؟

ما السبيل إلى أن يستنزل الناس مشاعر الانجذاب إلى بعضهم، مشاعر التآلف فيما بينهم، مشاعر تحطيم الفوارق وأسباب الخلاف فيما بينهم. ما السبيل إى أن يستنزلوا هذه المشاعر إلى قلوبهم من عند بارئهم ومولاهم وخالقهم؟

الجواب يتمثل في شيء واحد: ذكر الله عز وجل، الاكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى. وكم قلت وأعود فأكرر فأقول إنه العلاج المنسي في عالمنا الإسلامي اليوم.

يتسابق المسلمون إلى فئات وإلى فجاج وإلى وسائل شتى بحثاً عن علاجات خيالية يحلمون بها لعلاج مصائبهم، لعلاج المشكلات التي توضع بعضٌ منها فيما بينهم والتي يتهددهم كثيرٌ منها وهي آتية إليهم يبحثون عن علاجات شتى وهم عن هذا العلاج الوحيد تائهون، ذكر الله سبحانه وتعالى، ألم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم على شرط الشيخين وأبو داوود وابن ماجة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: )ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فيضرب أعناقكم وتضربوا عنقه قالوا بلى يا رسول الله، قال : ذكر الله(.

وربما عجب بعض المسلمين من هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وربما تاهوا في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: )وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فيضرب أعناقكم وتضربوا أعناقه( ربما قال قائل وقالها بعض الناس: كيف يكون ذكر الله هذا خيراً من الجهاد؟ كيف يكون ذكر الله هذا خيراً من بناء المجتمع عن طريق التضامن والتكافل الاجتماعيين؟ ليس هذا معنى كلام رسول الله.

معنى كلام رسول الله هذا أن ذكر الله هو المفتاح، ما قيمة أن تقف أمام الدار وليس مفتاح هذه الدار بيدك؟ ما قيمة أن تتباهى بالصرح الكبير أن تنسبه إلى نفسك بملكية أو غيرها وأنت ممنوع من الدخول إلى هذا الصرح لأن مفتاحه ليس بيدك؟ المفتاح الذي ييسر لهذه الأمة سبيل التضامن والتكافل الاجتماعيين هو ذكر الله، المفتاح الذي يجعلك تجاهد حقاً في سبيل الله فتتغلب على عدوك هو ذكر الله سبحانه وتعالى.

إذا لم يعمر فؤاد الإنسان بالذكر لن يوجد هذا الشعور الذي أحدثكم عنه، وإذا لم يوجد هذا الشعور لن أشعر بالجاذب الذي يدعونني إليك ولن تشعر بالجاذب الذي يجذبك إلي، ومن ثم فإن الوحدة المنشودة لا تتحقق بشكلٍ من الأشكال، السر الذي يجعلني أحن إليك ومن ثم تذوب سائر التضاريس والخلافات التي بيني وبينك، الإكثار من تذكر الله عز وجل وذكره، والسر الذي يجذبك إلي هو أيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى ومن ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، المفتاح قبل كل شيء لابد من أن يتسر السبيل إلى تلك الأهداف وسبيل ذلك الشعور القلبي والشعور القلبي لا يتفجر إلا من خلال الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى.

ألم تسمعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة: )أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إن ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملأه، وإن خطى إلي خطوة دنوت إليه ذراعا، وإن دنا إلي ذراع دنوت إليه باعا، وإن أقبل إلي يمشي أقبلت إليه هرولة. .. ( إلى آخر هذا الحديث. ألم تسمعوا هذا الحديث؟ كلنا سمعناها لكنه ملقىً وراء آذاننا ملقىً على الرفوف هو من المنسيات بغمار حياتنا الإجتماعية التي نعيشها.

لماذا يُلح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإلحاح العجيب على الذكر؟ لسبب واضح ربما أقول بسيط، كل المشكلات التي يعاني منها العالم الإسلامي في هذا العصر أو في غير هذا العصر يبدأ علاجها من إصلاح القلب، ولا يمكن أن تتم معالجتها من خلال إصلاح الهيكل الجسمي بكل ما له من عوارض والقلب ما الذي يصلحه؟ لا يصلح القلب إلا علاج واحد: رقابة الله، ورقابة الله من أين تأتي؟ من الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، هذا العلاج، إن أقبل إليه المسلمون فئات وجماعات سرعان ما يجدون السبيل الذي يعيد إليهم وحدتهم كفئات وجماعات، وإن أقبلت إليه الدول متمثلة في حكامها وملوكها وقاداتها عكفوا على ذكر الله سبحانه وتعالى، سرعان ما يجدون سبيل الوحدة قد تعبد، وأسباب الخلافات ذابت. ولكن إن لم يتحقق هذا العلاج، وإن ظل المسلمون معرضين عن الله سبحانه وتعالى يبحثون في كل الوسائل البسيطة المختلفة الخلبية والخيالية، فإنهم سينتقلون من مشكلةٍ إلى مشكلة إلى مشكلة.

ها هو ذا العالم العربي والإسلامي يضج منظمة التجارة العالمية تهديد خطير للعالم الإسلامي، والهدف منه شل فاعلية هذه الأمة اقتصادياً.

ها هي ذي الخطط الإجتماعية والأخلاقية التي نُغزى من خلالها عن طريق هذه الأقنية المتنوعة المختلفة الكثيرة، التي تغزو بيوتنا وتغزو عقر دورنا، تهدف إلى تحطيم ركائز المجتمع في حياتنا، تهدف إلى تحطيم البقايا الباقية من أخلاق هذه الأمة.

ها هي ذي وسائل النسيج السياسة الرعناء التي تهدف إلى أخذ البقية الباقية من ممتلكات هذه الأمة والبقاء على البقية الباقية من قوتها، ومد رواق الاستعمار الجديد على العالم العربي والإسلامي كله، ومع ذلك فالعالم العربي والإسلامي يلتفت ذات اليمين وذات الشمال لا يملك إلا أن يرفع صوتاً ويخفض صوتاً ولا يملك إلا أن يتلاقى القادرون على اتخاذ القرارات ليتناقشوا وليتحاوروا ثم ليعودوا إلى ما كانوا عليه، كل ذلك لا يجدي، وسائل الخنق تقبل ثم تقبل وهي عما قريب ستأخذ منا بالخناق، وهذا هو مصداق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم: )ستداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها( هذا مصداق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلاج واضح العلاج ماثل أمامنا ومولانا وخالقنا ينظر ويبصر حالنا هل سنهرع إلى هذا العلاج؟ إذاً ستعود هذه الأمة من حيث لا نحتسب إلى سابق وحدتها وإلى سابق عزتها وإلى كل قوتها، العلاج مرة أخرى أقولها وباختصار إنما يتمثل في الشعور القلبي الذي يدفع إلى التلاقي إلى التضامن إلى الاتحاد، هذا الشعور القلبي لا يأتي إلا من تجليات الله عز وجل، وتجليات الله عز وجل لا تأتي إلا من الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى بدءً من القادة والرؤساء والملوك والحكام إلى القاعدة الشعبية المتمثلة في الأفراد والفئات.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي