مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 31/03/2000

أثر الأطباق المتكاثرة على أسطح المنازل

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

قلت لكم بالأمس إنه ما من شيء أوجده الله سبحانه وتعالى ووضعه بين يدي الإنسان إلا وهو في أصله صالحٌ للخير وموجهٌ لإسعاد الإنسان، وما من مخترع من المخترعات، وما من أحدوثةٍ تظهر على يدي إنسان إلا وهي في أصلها من إبداع الله وخلقه، وهي في أصلها موجهةٌ لخدمة الإنسان وإسعاده، ولكن الإنسان هو الذي يصرف الخير إلى الشر في كثير من الأحيان، يستعمل الأداة التي جعلها الله سبيلاً لخير الإنسان يستعملها أداةً لشره، يستعمل السُّلم الذي يمكن أن يرقى به الإنسان إلى سعادة العاجلة والعقبى، فينكس هذا السلم ويجعله سبباً للوقوع في أودية الشقاء.

حقيقة أوضحتها قبل أيامٍ لكم، وأعود إلى هذا الذي ذكرته لأركز على جانب من هذه الجوانب وعلى مخترع من هذه المخترعات ألا وهو هذه الأقنية الفضائية، وأذكركم بما قد قلت آنذاك من أن العلم لا يوجد شيئاً معدوماً وإنما يكتشف العلم ما أوجده الله عز وجل فوق هذه الأرض التي نعيش فيها، كل ما يمكن أن تسمعوه من المخترعات إنما هو نسيح لمواد موجودة في الأصل أوجدها الله سبحانه وتعالى، وهذه الأقنية الفضائية واحدة منها، هي في أصلها أداة طيعة في يد الإنسان؛ إن توجه بها إلى الخير كانت خير خادم له، وإن نكسها ليتوجه بها إلى الشر كانت قنبلة موقوتة لتدمير حياة الفرد والأسرة، والمأمول من الإنسان عندما يكون قائماً بعهد ربه، مؤدياً الأمانة التي حمله الله سبحانه وتعالى إياها، ملتزماً نهج العبودية لله بسلوكه بتعامله مع هذه الحياة وأسبابها.. المأمول من هذا الإنسان أن يطوع هذه الأجهزة وهذه الأداة لما يقرب الإنسان إلى الله عز وجل، وكان المأمول بناءً على هذا عندما يقع هذا الجهاز في أيدي مسلمين صادقين مع الله، ملتزمين بعهده أوفياء مع ما بايعوا الله سبحانه وتعالى عليه، أن يرفعوا هذا الجهاز أو هذه الأحدوثة أو هذا الاكتشاف أن يرفعوه إلى سدة الخدمة لدين الله سبحانه وتعالى.

ولكن المصيبة الفادحة أن في المسلمين مسلمين من حيث الانتماء، إذا ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بامتحان تعارضت فيه أهواء هذا الإنسان وشهواته مع أوامر الله سبحانه وتعالى ووصاياه، نسي أوامر الله وقال لمتعه وأهواءه: لبيك. وهم مسلمون ومؤمنون دون أن يتنبه هؤلاء المسلمون في الظاهر المنقادون لشهواتهم وأهوائهم عند أي تعارض بينها وبين أوامر الله عز وجل دون أن يتبينوا أنهم بذلك يخلقون أسباب الشقاء لأنفسهم، يديرون حبل المشنقة ويضعونها في أعناقهم ويحكمون على أنفسهم بالشقاء في هذه الدنيا العاجلة قبل الآخرة الآجلة.

كثيرون هم المسلمون الذين يختلفون إلى هذه المساجد ويحضرون الجماعات والجمعات، إذا عادوا إلى بيوتهم جعلوا من هذه الأقنية قبلة لهم، جعلوا من هذه الأداة سميرهم في كل أمسية، سميرهم في سهراتهم إلى آخر الليل أو إلى ما بعد منتصفه، وكان المأمول من هؤلاء المسلمين الذين عاهدوا الله فصدقوا على ما عاهدوا الله عز وجل عليه، والذين أبوا إلا أن يستعملوا هذه الأجهزة، كان المأمول منهم أن يخضعوها لما يريد الله، وأن يصفوها من الشوائب، فلا يتعاملوا إلا مع الخير منها، كان هذا هو المأمول، ولكن الذي يجري خلاف ذلك تماماً، الغرض من هذا تلبية المتع وتلبية الشهوات والأهواء، أما أمر الله فمنسي وملقى دبر الأذان. ونحن مسلمون ونحن نعلن أننا عاهدنا الله وأننا أوفياء بما عاهدنا الله سبحانه وتعالى عليه.

أريد أيها الإخوة من هؤلاء المسلمون أن يكونوا صادقين: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ( أي في صدقهم، كونوا صادقين مع الله سبحانه وتعالى.

وأريد أن تعلموا أن هذه الدنيا دار ابتلاء )زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( هذه الدنيا دار امتحان هذا شيء.

والشيء الثاني الذي يجب أن نعلمه هو أن الله عز وجل لا يأمرنا إن أمر إلا بأمر فيه سعادتنا في الدار الدنيا قبل الآخرة، وإن نهانا عن شيء فإنما ينهانا عنه لأنه ينطوي على سبب من أخطر الشقاء لنا في الدنيا العاجلة قبل الآخرة الآجلة: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( )مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً( هذا عهد الله عز وجل لنا.

إذاً ركون بعض الناس إلى هذه الأجهزة؛ إلى هذه الأقنية الفضائية كي يستجيبوا من خلال ذلك لعطش شهواتهم وأهوائهم ومتعهم لن يحقق لهم سعادة إطلاقاً، بل سيزجهم في شقاء خطير وبلاء وبيل، هذا ما يجري.

الله عز وجل لا يكذب - والعياذ بالله - الله عز وجل يقول: )اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(، أي إن خلاف ذلك يشقيكم ويميتكم ويهلككم. ماذا استفاد هؤلاء الذين يساهرون الليل بطوله في بيوتهم أمام هذه الأجهزة التي اتخذوها لأنفسهم معبوداً من دون الله ماذا استفادوا؟

أولاً: وقعوا في مثل ما يقع فيه من يشرب ماءً ملحاً أجاجاً كلما شرب كأساً ازداد ظمأً وازداد تعلقه بالكأس الثانية فالثالثة فالرابعة إلى أن يتمزق ويهلك. هذا أول ما وقع فيه هؤلاء الناس. هذا الشيء الذي تراه مما تبحث عنه وتلتقطه لن يسعدك، سيتثيرك ولن تجد شفاءً وراء استثارته لك أبداً، ثم سيستثيرك ثم سيستثيرك ثم يمزقك، أو تنحرف وتضع هذه الأوامر الإلهية تحت قدميك، وهذا هو الشقاء الوبيل الذي أرجو أن يحمينا الله سبحانه وتعالى منه.

الشيء الثاني: كانت هذه الأسرة مأتلفة وكان الوداد سارياً بين الزوجين وكانت صلة القربى بين أفراد هذه الأسرة متألقة، فلما دخل هذا الشيطان بالشكل الذي سخره هذا الإنسان إلى ما آل حال هذه الأسرة؟ تحول الوداد بين الزوج والزوجة إلى برودٍ فجفاءٍ فحصام، وكم من أسر شقيت وشقي الزوج بزوجته وشقيت الزوجة بزوجها من وراء هذا الأمر. كانت الرعاية سارية من الآباء إلى الصغار وكانت الاستجابة وكان البر سارياً من الأبناء إلى الآباء، تقطعت هذه الصلة تقطعت، كان المجلس في المساء مجلس مذاكرة مجلس محادثة مجلس تناصح فلما جاء هذا المتكلم الذي أصمت الأسرة كلها ولما استعمل هذا الجهاز من حيث لا يرضى الله سبحانه وتعالى انتهت المحدثات التي كانت ترمي إلى التناصح انتهت رسالة الأب اتجاه أولاده انتهى بر الأبناء اتجاه آبائهم. أليس هذا الكلام هو الواقع أفي هذا الكلام شيء من المبالغة أيها الإخوة؟

أنا أعلم أسراً كانت تعتز بالود الساري في أرجاء دارها، وما من تسرب هذا البلاء برضى طبعاً من رب الأسرة وبهذا التوجيه الذي أقول حتى تحولت الدار من مسكن للسعادة إلى بؤرة للشقاء، وقع الطلاق ووقع الفراق وشقيت الزوجة بالزوج والزوج بالزوجة وإلى ما آل حال الزوج؟ هل عثر على سعادته ومتعته الحقيقية من وراء ذلك؟ لا بل انتقل من ظمأٍ إلى ظمأٍ ولسوف ينقله تسلسل الظمأ إلى الهلاك. هذه حقيقة لا مرد لها.

كان هذا الإنسان يتحرك في داره طبق نظام يرقد طبق نظام ويستيقظ طبق نظام، ثم يخرج إلى عمله نشيطاً طبق نظام، أما الآن فقد تحول النظام إلى فوضى، تحول النظام الرقاد فاليقظة إلى فوضى. السهر ممتد إلى آخر الليل وفي الصباح لابد أن يخرج هذا الإنسان إلى عمله. كيف يؤدي عمله والجسم بحاجة إلى حظه وحقه كيف؟ ولا أريد أن أتجاوز الحديث عن الأسرة إلى الحديث عن المجتمع، المجتمع ينبغي أن يغار عليه أربابه، كانت الأعمال والوظائف تؤدى على خير ما ينبغي أن تؤدى عليه، ولكن لننظر إلى الدوائر وإلى هؤلاء الذين كانوا أمناء على أعمالهم، ينشطون في أداء وظائفهم تنظر فتجد التأخر لا المدة التي تكون مدة معقولة كعشر دقائق ربع ساعة ونصف ساعة لا، بل التأخر يمتد إلى الساعة والساعتين، والتثاوب ممتدٌ إلى الظهيرة، والكسل الذي ران على الجسم ممتدٌ إلى الجميع، ومن ثم فالعمل متروك ومجمد، والوظائف تشكو من لا يستطيع أن ينهض بها. لا أريد أن أتحدث عن ذلك البلاء، ولكني أريد أن أتحدث عن مصير الأسرة.

أيها الإخوة إن هذه الأطباق التي تتكاثر فوق بيوت الفقراء قبل أن تتكاثر فوق قصور الأغنياء والأمراء، هذه الأطباق نذير هلاك لهم، نذير شرٍ لهم، ولا يمكن لها أن تروي ظمأ أصحاب الشهوات والأهواء لا يمكن، لابد أن تزج الأسر في دمار، لابد أن تشتعل هذه البيوت بلظى الفتن.

فأنا أعود إلى الكلام الذي قلته بالأمس لأتممه بهذا التحذير اليوم.

أقول لهؤلاء الإخوة وقد جربوا ورأوا أن وراء هذا الخط لا يمكن أن يروي ظمأ رغبات الإنسان، بالعكس تماماً. هو يصد وهو يجعل الإنسان واقعاً في مهلكة لا يستطيع أن يخرج منها، سيكون حبيس الظمأ في سبيل شهواته وأهوائه، جربتم ورأيتم كيف تسربت الفتن إلى بيوتكم، جربتم ورأيتم كيف كان الزوج قنوعاً بزوجته محباً لها وكيف كانت الزوجة تبادله الود، كانت تؤدي المهام والوظائف التي أمرها الله عز وجل بها اتجاهها وكان الزوج مقبلاً إليها غير مدبر فماذا كانت النتيجة؟ آل الأمر إلى خلاف ذلك.

ها أنتم ترون ... شقي الزوج بالزوجة وشقيت الزوجة بالزوج. هذه هي النتائج جربتم ورأيتم هذه النتائج، فعودوا من طريق تجربتكم تستغفرون الله، واقتلعوا هذه الأطباق من فوق بيوتكم قبل أن تقعوا في مصيبةٍ دنيوية لا أقول أخروية لا مفر منها.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي