مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 26/11/1999

فلننتهز فرصة شعبان

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

أذكركم بما قلته الأسبوع الماضي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصح ما ورد من فضائل شهر شعبان عندما سُئل عليه الصلاة والسلام عن السبب في إكثاره الصوم فيه قال: "ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهرٌ ترتفع فيه الأعمال إلى الله فأحب أن يرتفع عملي إلى الله وأنا صائم".

هذا الذي يقوله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنه أن يدفع كل إنسانٍ بينه وبين الله خيطٌ من الإيمان، من شأنه أن يدفع هذا الإنسان إلى الرجوع إلى الله إن كان شارداً عن هديه، وإلى الإصطلاح معه إن كان معرضاً عن أوامره، يتوب إلى الله من سيئاته حتى لا ترتفع السيئات والمعاصي التي تثير مقت الله سبحانه وتعالى وغضبه، ومن المعقول بالنسبة لأي إنسانٍ بينه وبين الله أوهى خيوط الإيمان أن يبذل كل ما يملك وأن يبذل كل جهد في سبيل أن ترتفع أعماله الصالحة إلى الله عز وجل، والمأمول في هذه الحال أن تمحو الصالحات من الأعمال في هذا الشهر ما سلف قبل ذلك من الموبقات والآثام مهما كثرت ومهما تطاول عليها الأمد ومهما استمرت.

أذكركم وأذكر نفسي بضرورة الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى لإصلاح الأمر وللتوبة الصادقة إلى الله عز وجل وللعزم الصحيح الصادق على أن لا يعود أحدنا إلى ما سلف من موبقاتٍ وآثامٍ وتقصيرات في جنب الله عز وجل. وأنا أُسائل نفسي ... إذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يهتم هذا الاهتمام بمثل هذا الشهر ويعود فيحاسب نفسه ويراقب أعماله كي ترتفع صافيةً عن الشوائب إلى الله، وهو المعصوم عن السيئات والأوزار، فكيف ينبغي أن يكون حال أحدنا ونحن مغموسون في أيامنا وليالينا بالموبقات وما أكثرها، بالانحرافات وما أخطرها، وبحالات كثيرة من النسيان والغفلة، سعياً وراء شهواتنا وتجاراتنا وأموالنا ودنيانا. كيف ينبغي أن يكون حال أحدانا إذا قايسنا بين أنفسنا وبين هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أيها الإخوة أريد أن يعلم كل واحدٍ منكم أن ما يجري في هذا العالم من مصائب تنحط على المسلمين في مختلف أصقاعه ومختلف بلاده، مهما تنوعت هذه المصائب، إنما هي من شؤمنا نحن إنما هي من شؤم معاصينا، شؤم أوزارنا، شؤم ابتعادنا عن أوامر الله وانغماسنا في ما قد نهى الله عز وجل عنه. وأنا لا أبالغ في هذا وأرجو إذا لاحظنا ظلم الظالمين للمسلمين أياً كانوا على مقربة منا أو بعيدا ًعنا ينبغي أن نبدأ فنحاسب أنفسنا وأن نعلم أننا نحن المسؤولون عن هذه العصي التي تتهاوى على ظهور عباد الله المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها سواءٌ كانوا جيران لنا أو كانوا بعيدين عنا وما ينبغي أن نأخذ المناظير وننظر من خلالها إلى البعيد والبعيد ونتحدث عن ظلم الظالمين وسفاهة السفهاء وإجرام المجرمين ثم نضع أنفسنا من ذلك في أبراج عاجية بعيدين عن المسؤولية وكأننا ملائكةٌ نُظلم ولا نظلم، يُساء إلينا ولا نسيء، لو لم نسئ إلى الله عز وجل لما سلط الله عز وجل علينا من يسيء إلينا.

وقد روى الطبراني في الأوسط بسندٍ صحيح "الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه"، وقد روي هذا الحديث بألفاظٍ عدة وبطرق مختلفة، هذه الألفاظ أصحها، "الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به" كما ترون "ثم ينتقم منه". تأتي الساعة التي لا مرد لها عندما ينتقم الله سبحانه وتعالى من أولئك الفجرة، من أولئك الظالمين. ولكن لماذا يسلط الله أولئك الظالمين علينا أو على إخوة لنا بعدوا أو قربوا لماذا؟ لأن المسألة تعود إلى شؤمنا نحن. هذا الظلم نتيجة نسيج معاصينا التي تراكبت ثم تراكبت وتزايدت فكان من جراء ذلك هذا الواقع الذي ترون.

عندما يمر شهرٌ كهذا الشهر المبارك وننظر من حولنا فنجد أن العاصين لا يزالون عاكفين على معاصيهم، وأن السادرين في غيهم لا يزالون يعانقون غيهم، وأن الفسقة والفجرة لا يزالون كما هم، وأن الذين يمدون ألسنتهم بمقالة السوء عن الإسلام باسم العلم أو باسم العلمانية أو العولمة إلى آخر تلك الكلمات التي تتزايد؛ عندما نجد هذه الظاهرة ينبغي أن نعلم أن بمقدار ما تكون أبواب الرحمة الإلهية في هذه المناسبات مفتحة تتهيأ وسائل الانتقام أيضاً، فإما أن ننتهز الفرصة ونستغل هذه الأبواب المفتحة أمامنا وهذا النداء الذي يبلغنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنتوب إلى الله من سيئات أعمالنا، وسوء تصرفاتنا، ونحسن علاقة ما بيننا وبين الله وبيننا وبين عباد الله سبحانه وتعالى، أو إذا ركبنا رؤوسنا ومرت المناسبة تلو المناسبة، والفرصة تلو الفرصة ونحن معرضون سادرون، أو نحن مستكبرون على هذا الذي يُنبئنا عنه بيان الله أو يخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن نتوقع المزيد من الظلم الذي يحيق بنا أو بإخواننا، وتلك هي سنة الله تعالى في الأرض.

بدلاً من أن يستيقظوا إلى ما فيه من عبرة وإلى ما فيه من عظة يطلقون لعقولهم العنان في التفلسف في معنى هذا الكلام كيف ترتفع الأعمال إلى الله وما معنى ارتفاعها؟ وهل الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى أن ترتفع إليه الأعمال وتجد من يؤول ومن يتمشدق في ربط التصورات الكثيرة بهذا الكلام واتخاذ ذيول له ما أنزل الله بها من سلطان، بدلاً من أن تدخل الخشية إلى قلبه من هذا الكلام الذي يقوله رسول الله في أحاديث كثيرة شتى ويغمض العين، ويقول صدق الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيل تفسير هذا الأمر الغيبي إلى الله، بدلاً من أن يقبل إلى الله تائباً مرعوياً، يبقى في مكانه ويطلق لسانه يتمشدق بالتأويلات. تحرك بسلوكك إلى الله بدلاً من أن تبقى جاثماً في مكانك وتتفلسف أمام الناس لتظهر لهم قدرتك الكلامية وفلسفتك الفكرية.

نظير ذلك من يسمع عن المكرمات التي أكرم الله عز وجل بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم والخوارق التي أكرمه بها، ومن ذلك الإسراء والمعراج يأتي من يتمشدق فيقول على أسماع الناس: إنه إنما ارتقى بجسمه الأثيري نعم ونحو ذلك، من قال لك هذا؟ في أي آية في كتاب الله قرأت وفي أي حديث من أحاديث رسول الله سمعن ومتى همس لك رسول الله بهذا فأنبأك بما لا يعلمه السلف والخلف.

أمرٌ غيبي سواءٌ كان ما يتعلق بإسراء رسول الله وكيفية ذلك أو بارتفاع الأعمال إلى الله عز وجل. هذه الأمور الغيبية نتلقاها من الصادق المصدوق كما نبلغها، ثم نكل كيفية ذلك إلى علام الغيوب، هذه ليست من الأمور المادية الخاضعة للتجربة والمشاهدة حتى نعمل فيها فلسفتنا ونتسابق إلى ذلك باعتصار عقولنا وكلامنا، لو كان موضوعاً خاضعاً للتجربة والمشاهدة لتسابقنا ولكنه أمرٌ غيبي. نقول: سمعنا وأطعنا.

أسري برسول الله جسداً وروحاً لم يقل عليه الصلاة والسلام بجسدي الأسيري أو بغير الأسيري أو نحو ذلك ومن ثم فإن هذا الكلام بهذا الشكل المتنطع لا معنى له إلا المباهاة وإلا العمل على رفع درجات هذا الإنسان أمام الناس ليزداد شهرةً ولتتجه إليه الأصابع بمزية لم تُعهد في غيره من الناس، السلوك هو المطلوب.

أنبأنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن شهر شعبان شهرٌ ترتفع فيه الأعمال إلى الله، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنبأنا رسول الله أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويطلع على عباده فيقول: "ألا من مستغفر فأغفر له، ألا هل من تائب فأتوب عليه، ألا هل من داع فأستجيب له" صدق رسول الله، أنت الذي ستشرح وستقول كيف يكون النزول!؟

أنت لا تعلم كما قال الإمام الغزالي كيف تأكل، أنت شرب الماء لا تتقنه، كيف تزدرد الطعام لا تعرفه، لا تعلم شيئاً من طواياك، تريد أن تسلط المناظير على هذه الأحاديث الغيبية التي أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلالها بأمر هو الصادق المصدوق في ذلك، هذا من عمل الشيطان.

بدلاً من أن نتجه بقلوبٍ واجفة وبأحاسيس خاشعة إلى الله لنتوب ولنؤب ولنحاسب أنفسنا في كل يومٍ: ما هي الأعمال التي تصاعد إلى الله عز وجل في مساءه، ثم نعود إلى أنفسنا فنتوب إلى الله من سيئاتنا وأوزارنا، ونصلح فيما بيننا وبينه في مستقبل حياتنا، بدلاً من ذلك نراوح في مكاننا ثم نلغو لنلفت الأنظار إلى أنفسنا أننا متفلسفون، وأننا نعلم ما لا يعلمه الآخرون من خلفيات هذا الكلام.

أيها الإخوة إذاً ينبغي أن نزداد إقبالاً إلى الله عز وجل خلال هذا الشهر ثم أن نزداد إقبالاً إلى الله إذا ودعناه لنستقبل بعد ذلك شهر رمضان. وأقول لكم بعد هذا بناءً على توجيهٍ واهتمام من السيد الرئيس حافظ الأسد بل بناءً على أمرٍ صدر منه مباشرةً أدعوكم إلى صلاة الاستسقاء التي ستقام يوم الجمعة الآتي إن شاء الله في تمام الساعة التاسعة الاجتماع والصلاة ستكون في تمام التاسعة والنصف إن شاء الله تعالى على أن نباشر المقدمات التي لا بد منها بين يدي هذه الصلاة وهذا أيضاً بتوجيهٍ من السيد الرئيس فنتوب إلى الله جميعاً من الأوزار كلها ونعود بالمظالم إلى أصحابها ونعيد الحقوق المالية والمعنوية إلى أصحابها جهد الاستطاعة ونصوم أربعة أيام بدءاً من يوم الثلاثاء فالأربعاء فالخميس فالجمعة ولا يقولن قائل إننا قد دخلنا في النصف الثاني من شهر شعبان ولا يجوز الصيام فيه ذلك الصيام الذي لا سبب له أما هذا الصوم فله سبب وهو صلاة الاستسقاء والمأمول أن تستجيب هذه البلدة بقبضها وقضيضها لنداء الله أولاً ولأمر الله سبحانه وتعالى أولاً ثم لتذكرة السيد الرئيس ثانياً والمأمول أن يستجيب الله سبحانه وتعالى لنا. ومع ذلك فنحن عبيد مهمتنا أن نلجئ دائماً إلى الله وأن نمد يد الفقر إليه أياً كانت النتيجة نحن عبيد الافتقار مهمتنا السؤال مهمتنا التضرع مهمتنا أن نلتصق بأبواب الله بباب الله عز وجل وكرمه ولن نبارحه إلى أي باب آخر لأنه ليس لنا أو أمامنا أي باب غير باب الله عز وجل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي