مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/11/1999

بشارة ... ومأساة

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

أخيراً وبعد أن وصل السيل الزبى وبعد أن اشتدت وحشية الكيد للإسلام والمسلمين وتفاقمت إلى درجةٍ لا يستطيع أن يتصورها عقل عاقل ولا إنسانية إنسان، نهضت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تستنكر، وتبعها الاتحاد الأوروبي هو الآخر رفع صوته يستنكر، أما الذي يبعث على الأسى في النفس فذاك هو الشعور المنبعث في قلب كل إنسان مسلم عندما ينظر إلى مصير العالم العربي والإسلامي والعالم العربي قلب العالم الإسلامي كان ولا يزال، عندما ننظر فنجد أنه يرقد عن مصائبه كما قلت لكم رقدة الموت، فنجد أنه مشغولٌ عن معالجة مصائبه عن البحث عن وسائل لإنهاء هذا النزيف الذي تحكم بجسم العالم الإسلامي، نجده مشغولاً عن ذلك كله باحتفالات الإسراء والمعراج، راقدٌ عن مصائبه رقدة الموت ويغني في حلمه ورقاده ذكريات الأيام التي أعز الله سبحانه وتعالى بها هذه الأمة، هذا ما يبعث الأسى بين الجوانح.

ما قيمة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج إن لم يهيج هذا الاحتفال بين جوانح المسلمين أجيج نارٍ تتقد للنهوض إلى القيام بالواجب، للنهوض إلى إعادة شيء من التضامن شيءٍ من الوحدة التي أعز الله سبحانه وتعالى بها هذه الأمة؟

ما قيمة أن أقوم فأتكلم أو أن يتكلم أي إنسان مثلي في أطراف عالمنا الإسلامي هذا عن ذكرى الإسراء والمعراج؟ ما قيمة أن يتغنى المتغنون بهذه الذكرى وهم يغطون في رقادٍ هو أشبه بالموت عن معالجة مشاكلهم ومصائبهم؟

العدو يمعن في بتر أعضاء هذا الجسم الإنساني وإلقاء كل عضو منه في وادٍ من الأودية، ثم يمعن في تقطيع العضو الواحد وتحويله إلى قطع وأجزاء، ونحن عن معالجة هذه المصيبة تائهون، ونرقد ثم نرقد حتى إذا جاء ميقات ذكرى الإسراء والمعراج تسابقنا إلى الكلمات، تسابقنا في إلقاء القصائد والأناشيد المختلفة.

ما قيمة هذا؟ ومتى كان الله سبحانه وتعالى ينظر إلى صورنا التافهة وإلى أشكالنا التي تكذب سرائرنا متى؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم( إنما ينظر الله سبحانه وتعالى إلى القلوب المحركة، القلوب التي تولد دوافع العمل والنهوض بما قد كلف الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة.

أيها الإخوة أما أن يبعث هذا الواقع المرير يأساً بين الجوانح فيما يتعلق ببقاء الإسلام في عزه وبقاء الإسلام متربعاً على عرشه، فهذا ما لا يمكن أن يتسرب إلى قلب مؤمن ولا إلى عقل مفكر موضوعي بشكلٍ من الأشكال، ذلك لأننا مؤمنون بالله ومؤمنون بأن الله صادق فيما أخبر ومنجز وعده فيما وعد وهو القائل: )يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(، وقد قال رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: )سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار(.

لا يمكن لهذا اليأس أن يتسرب إلى أفئدتنا، بل أنا على يقين وكأني أرى ذلك بعيني أن ضياء الإسلام سينبثق من ظلمات الأقبية التي يخطط فيها ضد إسلام المسلمين، لكأني أرى هذا الواقع بعيني، ولكن المأساة تتمثل في أن يجردنا الله سبحانه وتعالى من مهامنا ووظائفنا التي شرفنا الله سبحانه وتعالى وأن يحيلنا إلى التقاعد وأن يقول لنا: ابقوا كما أنتم في أودية ذلكم ومهانتكم فقد أبيتم ثم أبيتم ثم أبيتم إلا أن تخلعوا عز الإسلام الذي أكرمتكم به، إذاً عودوا إلى ما كنتم عليه سابقاً وهاتوا الرداء الذي أعزكم لألبس أمة أخرى غيركم به. تلك هي المأساة الخطيرة التي أعرفها وأتصورها.

أما الحقيقة الأولى فكأني أراها، وأما هذا الخوف الآخر فأسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحققه وأن يلهم هذه الأمة أوبة عزيزةً إلى صراطه المستقيم ويقظةً تامة قبل فوات الأوان.

أنا أنظر إلى المستقبل الآتي والعاقل لا بد أن يتبينه، وليس هذا من قبيل العلم بالغيب وإنما الدلائل هي التي تنطق، فإذا عرفت المستقبل الآتي فينبغي أن أعالج حاضري على ضوء ذلك المستقبل الآتي.

العالم العربي والإسلامي يرى تشوف الغرب إلى الإسلام؛ التشوف العجيب الغريب الذي لا نعرفه قبل عدة سنوات بشكل من الأشكال، جل من يغشون بلادنا العربية والإسلامية من الأجانب الغربيين الآتين من أمريكا أو الآتين من أوروبا يطمحون إلى أن يسمعون كلمة عن الإسلام وحقيقته قبل أن يطمعوا إلى منهاج رحلتهم السياحية إلى البلدة التي يزورونها، هذه حقيقة لم تكن موجودة بالأمس ولكنها أصبحت حقيقة ماثلة للعيان اليوم يعرفها كل إنسان، وعندما ينظر المسلمون التائهون عن دينهم الشاردون عن صراط ربهم إلى الغربيين الذين يسيل لعاب الناس وراء تقليدهم ووراء تقمم بقايا الحضارات العفنة من تحت أقدامهم ومن تركاتهم، ثم ينظرون فيجدون أن أولئك الذين يقلدوهم يتشوفون إلى معرفة الإسلام وتشرئب أعناقهم إلى أن يسمعوا كلمة عن الإسلام، وينهلون هذه الحقيقة كما ينهل الظمآن الماء العذب البارد، ثم يبقى هؤلاء الناس شاردين كما هم، ثم يبقى هؤلاء الناس يغطون في رقادهم.

ليت أن التقليد تقليداً كلياً ولم يأت تقليداً انتقائياً، أنتم تقلدون الغرب حسناً فمالكم لا تقلدونهم في كل حركاتهم وسكناتهم، هاهم أولاء في مختلف بقاع أوروبا وفي كثير أصقاع أمريكا يتجهون إلى معرفة الإسلام ويطمحون إلى أن يتعلموا حقيقة هذا الدين، بالأمس كانت الكتب التي تترجم من العربية إلى اللغات الأجنبية لا تجد من يبحث عنها تتراكم ثم تتراكم ثم تتلف، واليوم الكتب العربية التي تتحدث عن الإسلام عندما تترجم تجد الأيدي الكثيرة التي تتلقفها. أين المقلدون ما لهم لا يقلدون ما لهم لا يقلدون أولئك الأجانب عندما يطمحون إلى أن يعرفوا حقيقة الإسلام؟ هنالك يأتون من قارة إلى قارة بحثاً عمن يجلسون إليه ليسمعوا ما هو الإسلام، وكثير ولا أقول كل كثير من المسلمين في بلادنا العربية والإسلامية زاهدون في معرفة دينهم لا يريدون أن يعلموا منه شيئاً.

تلك هي البشارة التي تقر لها أعين المسلمين وهذه هي المأساة، المأساة والبشارة كلاهما يتمثلان في قول الله عز وجل: )وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(، والإسلام سيبقى عزيزاً منيعاً. قد تستبدل غرفة العمليات قد يكون محور الإسلام هناك وقد يكون هنا وقد يكون في مناطق أخرى حسب إخلاص المخلصين لهذا الدين وحسب صدق المسلمين لربهم وخالقهم سبحانه وتعالى.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيدنا إلى حظيرة دينه وأن يعزنا بإسلامه وأن يوقظنا من سباتنا ورقدتنا قبل أن يحيق بنا ذل الموت.

أقول قولي هذا وأسأل الله العظيم أن يغفر لي ولكم.لعالم الإسلامي , نجده مشغولاً عن ذلك كله باحتفال

تحميل



تشغيل

صوتي