مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/10/1999

أي ذلٍّ حاق بالمسلمين حتى تدور رحى الحرب على إخواننا الشيشان

أي ذلٍّ حاق بالمسلمين حتى تدور رحى الحرب على إخواننا الشيشان



خطبة الإمام الشهيد البوطي



تاريخ الخطبة: 29/10/1999



 



الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.



أما بعد فيا عباد الله



ما أظن أن المسلمين قد غدوا غرباءَ عن إسلامهم في عهدٍ من العهود، كما أصبحوا غرباءَ عنه في هذا العهد. وما أتصور أن وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أصبحت منسيةً عن المسلمين في عهدٍ من العهود كما أصبحت منسيةً في هذا العهد، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ﴿المؤمنُ للمؤمنْ كالبنيانِ المرصوص يشدُّ بعضهُ بعضاً﴾ ويقول: ﴿المسلمونَ كالجسدِ الواحد إذا تألمَ منه عضوٌ تداعىَ لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى﴾. ‏



وننظر إلى واقع المسلمين اليوم من شرقِ العالم الإسلامي إلى غربهِ، ومن شمالهِ إلى جنوبهِ، وإذا بهذا الكلام منسيّ بعيد عن أذهانِ المسلمين جميعاً بكلِ فئاتهم وبكلِ منظماتهم الجَسَد الإسلامي الذي تحدث عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قد تبضع اليوم. وتقطع إلى أوصال، وأعضاء متفرقة؛ كلَّ عُضوٍ منها في وادٍ، إذا تألم عضوٌ في وادٍ من الأودية، لم يشعر به، أو لم تشعر به بقية الأعضاء الأخرى، أعضاء متفرقة بعيدة بعضها عن بعض، وما أظن أن المسلمين اليوم على كثرتهم – كما تعلمون وتسمعون – لهم أي قيمة في ميزان الله سبحانه وتعالى، ومن ثم ما أظن أن لهم أي قيمة في ميزان العالم اليوم. ذُلٌّ أشبه بالموت، حِطَّةٌ لا يمكن للإنسان أن يتدانى إلى أكثر منها قط، إنكم لتسمعون أنباء أخوةٌ لكم في الشيشان في كلِ يوم، وتقفون على وحشيةٍ يتبرأ منها الوحوش في غاباته، وتقفون على نموذج من الإرهاب لا يمكن أن يتصور العقل أشنع منه ولا أحط، وتجدون التطرف والعنف متمثلين في مظهر تبرأ منه الإنسانية من فجر وجودها إلى قيام الساعة‏.‏



وأنا لا أتحدث عن موقف العالم الغربي موقف أمريكا ومن هم في فلك أمريكا ذلك لأنهم هم الذين يصنعون الإرهاب، وهم الذين يصدرونه، وهم الذين يبتدعون العنف، وينشرونه، وينصرونه، بين سمع العالم وبصره، وظيفتهم الإرهاب، مهمتهم صنع المخالب، والولوغ في دماء البرآء‏.‏



أنا لا أتحدث عنهم، وإنما أتساءل أين هم المسلمون؟! أين هي المنظمات الإسلامية؟! أين هو مصداق الإعلانات والكلمات الضوئية الباهرة: منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وما شاكل ذلك من الأسماء والمنظمات‏.‏



أين هي أصوات هؤلاء؟! يدافعون عن حقوق الإنسان، ويشيرون إلى صانعي الإرهاب، ويناشدون العالم أن يرعى حقوق الإنسان بالفعل كما يكذب بالدعاوي القولية صباح مساء!. أين هذه المنظمات؟!‏..‏



إنها ترقد رقدة الموت، وليتها كانت ميتةً وما أكثر ما يكون الرقاد أكثر ذلاً من الموت، رقادٌ يبعث على تصور أشنع أنواع الذل، وأحط أنواع المهانة، هذا هو واقع المسلمين اليوم‏‏.‏‏



تدور رحى حرب طاحنة صباح مساء على برآء آمنين، لم يسيئوا إلى أحد، لم يتحرشوا بروسيا ولا بغيرها إطلاقاً، وتأتيهم صواعق الموت صباحَ مساء تسحقهم مع بيوتهم سحقا!.‏



والعالم فريقان اثنان: فريق يهلل في صمتٍ وسرور ساكت، ألا هو الغرب المتمالئ يقيناً مع هذا الذي يجري. وفريق آخر يعاني من الذل، الذل الذي لاشك أن الموت خيرٌ منه ألا وهو العالم الإسلامي‏.‏



ما هو هذا الصمت؟! وما هو نوعه أيها الأخوة؟! وأنا أسأل نفسي؟ وأسأل كل الدول العربية والإسلامية؟. ترى ماذا كان موقف أية دولة منها؟! لو أن هذه الصواريخ الصاعقة والقاتلة توجهت إلى دولةٍ منها؟! أفكانت تسكت ؟! أفكانت تصمت؟! أفكانت تربط لسانها بأغلال الذل التي تربطها الآن؟‏!‏



لا شك أن الدولة التي تصاب بمثل هذه الآلام لا بد أن تصرخ ولابد أن تتكلم، ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المسلمين جسد واحد، ما الفرق بين أن يستحرّ الموت بجسد إخوةٍ لي في شرق العالم وغربه وبين أن يستحرّ الموت بجسدي؟! ما الفرق؟ إذا كنت مسلماً فينبغي أن أعلم أن لا فرق بشكل من الأشكال‏.‏



الدولة التي ترفع عقيرتها مستنكرةً محتجةً لأن بلاءً صاعقاً ظالماً نزلَ بها ينبغي أن ترفعَ الصوت ذاته وأن تحتج الاحتجاج ذاته عندما تنـزل هذه الصواعق الظالمة بإخوة لهم أيّاً كان وننظر إلى الخطة الدنيئة التي لا يجهلها الطفل في مدرسته، ونتبين أن المسألة إنما اختلقت اختلاقاً من أجل إنهاء حياة دولة آمنةً مُطْمَئِنةً مُطَمْئِنَة، لا تريد سوءاً بجيرانها ولا تريد سوءاً بنفسها، أُرسِلَ ألف أو نحوُ ذلك، ليتحرشوا بروسيا وليعطوها الذريعة للإيقاع بالبرآء الآمنين، ثم إن أولئك الذين تحرشوا اختفوا؟! وجاءَ دور روسيا لتنفذ الجزء الثاني من الخطة. انتهى التحريش وبدأت ردة الفعل. لماذا لا تتعقب أولئك الذين كانوا يتحرشون بها بالأمس؟! لماذا اتجهت إلى البرآء الآمنين؟! لماذا وجهت صواعقها وصواريخها ورحى دمارها إلى أناسٍ لا شأن لهم بغيرهم، لم يتفكروا ولم يتصوروا ولم يخططوا لإيذاء أحد ممن حولهم؟! ما لها لم تتعقب أولئك الذين تحرشوا بها بالأمس؟! لماذا تنظر إلى الظالم والمظلوم بعين الأحول؟! تنظر إلى الظالم ثم تنحط ضرباً بالمظلوم، لماذا؟‏!‏



الخطة واضحة أيها الأخوة ومرسومة، كلما تنفس المسلمون في بقعةٍ من بقاعِ العالم الصعداء، وكُلَّمَا شعروا بأنهم قد اطمأنوا وتفرغوا لأداء واجباتهم الإسلامية في حقِ أنفسهم، اتجهت الأنظار إليهم بالسحق والمحق. النظام العالمي الجديد في الغرب هكذا يقضي، وجنود العالم النظامي الجديد بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها بهذا يقضي، وكل ذلك يُغَطَّى بورقٍ من نوعِ السُّلوفان – كما يقولون – لا يمكن أن يخدع غبياً فضلاً على أن يخدع عاقلاً وعالماً، يغطى كل ذلك بالاتجاه إلى حماية حقوق الإنسان، محاربة الإرهاب والإرهاب أيضاً يُصَنَّع‏!‏



ها هي ذي بريطانيا تغلي وتفور بالإرهابيين والحماية التي تتحقق لهم ما مثلها حماية‏.‏



ها هي ذي أمريكا تصنع الإرهاب في الليالي المظلمة ثم ترسله عبر أقنية خفية، يعلم ذلك من يعلم ويجهله من يجهل‏.‏



ومع ذلك فهل أنا أحتج؟ لا أحتج. الوحشُ مطبوعٌ على فطرتهِ الوحشية المعروفة، ولايمكن أن أنتزع هذه الطبيعة ممن فطر عليها، هؤلاء الوحوش. بل أقول لكم الوحوش يبرؤون من هذا الواقع‏.‏



أنا لا أحتج عليهم، ولكني أتألم ألماً أشبه بالموت من مسلمين! يشكلون أكثرَ من مليارٍ بكثير لهم منظماتهم، لهم دولهم، لهم كراسيهم في هيئة الأمم، لهم أصواتهم، ومع ذلك تنظر إليهم وإذا بهم راقدون رقدةَ الموتْ بل أسوء من رقدةِ الموتْ هذا هو الألم الذي ينتاب كل مسلمٍ‏.‏



لو ارتفعت الأصواتُ من هنا، وهنا، وهناك. ولو أن منظمة المؤتمر الإسلامي اختارت لنفسها أحد سبيلين: إما سبيل العمل الجاد وتمثيل عواطف المسلمين ومواقفهم وإخلاصهم لدين الله.. وإما أن تدفن نفسها في الرغاء إذاً لانتهت المشكلة، لكن لا هي نفذت ما يأمر به الإسلام، ولا هي أحيت وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا هي عبرت عما تجيش به صدور المسلمين، ولا هي دافعت عن العضو الأعز من أعضاء هذه الأمة الإسلامية، ولا هي حكمت على نفسها بالإعدام والموت‏.‏



وإنما هو مظهر هكذا يتجلى جملة المنتفعين ينتفعون، أموالٌ تنقل وتنشر في البنوك، والإسلام بعيد كلَّ البُعدْ عن أي فائدة من وراءِ ذلك كله‏.‏



هذا الكلام الذي أقوله أيها الأخوة لايصب في وصيةٍ أقولها لكم. لأن هذه المشكلة الكبرى لا يمكن حلها ولا علاجها بموقف يقفه كلٌّ منكم. ها أنا ذا أتكلم. من هم الذين يسمعون صرخاتي؟! ها أنا ذا أتحدث أين هو العالم الذي يهتز لهذا الكلام؟! إطلاقاً، ولكن أقولها كلمة لعلها تبلغ أسماع المسؤولين في العالم الإسلامي كله، لعل يقظةً تدرك الأمة الإسلامية قبل أن يذهب الأوان، وأنا لا أعني بذهاب الأوان اندثار الإسلام معاذ الله، معاذ الله، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِّمُ نُورَه‏.‏‏



وأنا أؤمن بهذا الكلام إيماني بوجودي، إيماني بوجود هذه الشمس التي تتلألأ في وضح النهار، أؤمن بذلك، ولكني أعني بفوات الأوان. أن رداء عزة الإسلام سيتحلى به أناس غيرنا، ولسوف نعود كما قلت لكم في الأسبوع الماضي إلى ما كنا عليه، سنعود إلى هامش التاريخ، وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكون أمثالكم‏.‏



ها هو ذا الإسلام يغلي ويفور، وعما قريب سيتفجر في الغرب لا على مستوى القادة الذين يُذَبِّحون المسلمين البرآء، لا على مستوى القادة الذين تحتج عليهم الوحوش في الأدغال. وإنما على مستوى الشعوب سيتفجر الإسلام قوياً نيراُ متألقاً بين هؤلاء الذين يخططون للعدوان عليه، يخططون للقضاء عليه‏.‏



أنا أعني بفوات الأوان أن يضعنا الله سبحانه وتعالى في الأودية السحيقة التي كنا فيها والتي لم يكن العالم يشعر بنا آنذاك، وينقل تاج الإسلام إلى أُناسٍ آخرينَ، وأسأل اللهَ - سُبحانهُ وتعالى - من فضلهِ وكرمهِ أن يعيدَ الحياة. حياةَ العِز، حياةَ القُّوَة إلى هذهِ الأمة الإسلامية برؤسائها وبمنظماتها وبشعوبها‏...‏



أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.‏



 


تحميل



تشغيل

صوتي