مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 08/10/1999

بين يدي صلاة الاستسقاء شروط

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..

لقد قرأت كتاب الله سبحانه وتعالى بتأمل من أوله إلى آخره، فلم أجد سبيلاً يصل منه العبد إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى أقرب وأقصر من سبيل التذلل بين يديه والتبتل والتضرع على أعتابه، ولم أجد سبباً يقطع العبد من ربه ويحجبه عنه ويبعث غضب الله سبحانه وتعالى عليه كالاستكبار على الله سبحانه وتعالى، وتأملت ما في كتاب الله عز وجل من نذر ومن تهديدات فلم أجده في آية من الآيات يهدد عاصياً أو ينذر إنساناً زلت به القدم في ارتكاب مُحرم، ولكنه وجدت يهدد ويبالغ في تهديد المستكبرين في هذه الحياة الدنيا.

تأملوا مثلاً في قول الله سبحانه وتعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) وتأملوا في قول الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ).

وانظروا إلى قوله عز وجل: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ).

وانظروا إلى قوله عز وجل: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين) وكم يكرر: (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين).

وتأملت فوجدت أن الذي ينجرف إلى المعصية بسائقٍ من اهتياج غرائزه بين جوانحه، لابد أن تدفعه خطيئته إلى الألم والندم والتذلل، يتوب الله عز وجل عليه والله عز وجل تواب. أجل هكذا وعد الله سبحانه وتعالى ومن يغفر الذنوب إلا الله. أما المتكبر فمن هو؟ هو إنسانٌ أقبل إلى نعم الله سبحانه وتعالى التي أكرمه الله عز وجل بها، فجعل منها سبباً لتكبره على المنعم سبحانه وتعالى.

أكرمه الله عز وجل بالعافية فجعل من عافيته سبباً إلى تكبره على من أعطاه هذه العافية.

أكرمه الله سبحانه وتعالى بمال فجعل من نعمة المال التي أكرمه الله عز وجل بها سبباً لتكبره على الله عز وجل وإعراضه عنه.

أكرمه الله عز وجل بقوة فجعل من القوة التي هي قوة الله متعه الله عز وجل بها سبباً لعتوه واستكباره على الله وإعراضه عن وصاياه وأوامره ونواهيه.

ولا أتصور أن في جرائم الكون كله جريمة أشنع من هذه الجريمة، أن تصلني حظوة من الله سبحانه وتعالى لم أكن أملكها ولا أملكها، وبدلاً من أن تكون هذه الحظوة سبب تقربي إلى الله سبباً شكرٍ مني إلى لله عز وجل، أجعل من هذه الحظوة سبباً لإعراضي عن الله عز وجل وسبباً لاستكباري عليه، فإذا نصحني الناصحون سخرت بنصائحهم، وإذا ذكرني المذكرون أعرضت عن تذكرتهم، ومهما طافت بي النذر في حياتي الدنيا آتية من عند الله توقظني .. تنبهني .. تحذرني .. أٌعرض عن هذه النذر كلها، ما أتصور أن في الكون جريمةً أشنع وأسقط من هذه الجريمة.

هذا الذي أقوله لكم أيها الإخوة ينبغي أن يكون ماثلاً في بصائرنا وأمام أبصارنا دائماً، وينبغي أن نعلم من ذلك سنة إلهية ماضيةً في عباده، بل إن في ذلك سنناً لا سنة واحدة من أبرزها وأهمها: أن المجتمع الذي يشيع فيه المستكبرون على الله سبحانه وتعالى الذين هذا شأنهم، فلا شك أن غضب الله عز وجل سيحيق بذلك المكان الذي يشيع فيه أولئك الناس، وحتى لو وجد بين ظهرانيهم البعيدون عن نهجهم السائرون على صراط الله المنضبطون بأوامره عز وجل، فلا بد أن يصيبهم في الدنيا رشاش من غضب الله سبحانه وتعالى على أولئك المستكبرين، فإذا ابتلى الله سبحانه وتعالى تلك البقعة ببعض المصائب، فلا بد أن تتسع هذه المصائب لتشمل الصالحين أيضاً الذين يعيشون بين ظهرانيهم. إذا ابتلى الله سبحانه وتعالى تلك البقعة بشيء من الشدائد فلا بد أن تمتد آثار الشدائد حتى إلى كثير من الصالحين الذين يعيشون بين ظهرانيهم. ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).

ومن سنة الله سبحانه وتعالى أو من سننه أنه يربي عباده، فيبعث عليهم عندما يستكبر فيهم من يستكبر سياط تربية، وسياط التربية من شأنها أن توقظ الإنسان إلى شأنه وأن توقفه عند حده، ذلك لأن المصيبة إذا استحكمت بالإنسان تنبه منها إلى حدود قدراته واستيقظ بسببها من سكرته، فالمأمول أنه يرعوي في هذه الحالة، والمأمول أنه ينزل عن برج كبريائه الزائف ليقف مع عباد الله سبحانه وتعالى موقف التبتل، وموقف التبرء مما كان يعتز به من حول وقوة، هذا هو المأمول ولكن عندما تترى السياط الإلهية لطيفةً تنذر تحذر ثم تعود فتنذر فتحذر ولا من مستجيب لهذه النذر، ولا من ملتفت إلى هذا البيان المحذر، فإن النذير لا بد أن يتحول إلى مصائب مهلكة، وإلى شدائد مرعبة. وأقول لكم:

إن هذه الشدائد لا تلتقط هؤلاء المستكبرين وحدهم من تلك البقعة بل تجتاحهم وتجتاح معهم من كانوا يتقلبون بين ظهرانيهم. هذا في دار الدنيا، أما في الآخرة فإن الله تعالى يحشر الله كلاً على نيته وطبق النهج الذي كان يسير عليه.

أقول هذا بين يدي الشدة التي ذقنا قدراً كبيراً من آثارها ونتائجها في العام الماضي، وها هي تطل علينا في هذا العام أيضاً، هذه الشدة أثر من آثار السنن الإلهية وكلكم يقرأ قول الله عز وجل: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) هلا تضرعوا ومزقوا كبريائهم الزائف عندما رأوا بأسنا، ولكن مر العام الماضي ولم نجد أثراً لنزول المستكبرين عن كبريائهم، لم نجد ظاهرة تدل على أن المستكبرين أعلنوا أنهم كانوا مخطئين كانوا تائهين وقد آن لهم أن يرعوا وأن يتوبوا، لم نجد أثراً لذلك الشيء الذي يخيف أن يتلو النذير النذير وأن تمتد المصيبة وتتضاعف وأن تشتد الشدة وأن يعم أثرها، فهل من متأمل في النتائج؟ هل من متدبر له؟

والعقل يخاطب الكبر، يقول العقل للكبرياء الزائفة: إنها سكرة وإن السكرة تعمي البصر إن السكرة تجعل الرجل الهزيل الضعيف يخيل إليه أنه قويٌ يناطح الدهر بقوته، هكذا يقول العقل لكبرياء المتكبر، وما أظن إلا أن العقل يخاطب كبرياء المتكبرين الآن وما أظن إلا أنه يسائلهم قائلاً: أرأيتم لو أنكم ركبتم رؤوسكم بكبريائكم هذه فلم تعترفوا جهراً بأن عليكم أن تمتثلوا في محراب العبودية لله وأن تصطلحوا مع الله عز وجل من جديد، إن أردتم أن تركبوا رؤوسكم في هذا ماذا عسى أن تفيدكم كبريائكم إن استبد بكم الظمأ وأصبح ماؤكم غوراً، إذا استبدت بكم الحاجة الماسة إلى لقمة تأكلونها، إلى جرعة شراب تبتلعونه ثم لم تجدوا في الأرض ما يسوغ لكم هذه اللقمة من نبات، ولم تجدوا لا في باطن الأرض ولا ظاهرها كأساً من الماء النمير يرويكم من الظمأ؟ ماذا عسى أن تصنع بكم كبرياؤكم؟

إذا كانت هذه الكبرياء تحل المشكلة فلا بأس أن يبقى المتكبر يمتطي كبرياؤه إلى تلك الغاية المنشودة، وها نحن نتبعهم في ذلك، ولكن هل هنالك من سبيل إلى هذه الغاية. هكذا يقول العقل للجاحد وللمؤمن وللمتكبر وللتائه وللفاسق وللعاصي وللطائع: وهذا معنى كلام الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ).

حدثني أناسٌ مسؤولون يباشرون هندسة الري عن البقايا القليلة القليلة الباقية من هذا الماء العذب النمير الذي تشربونه هذا الماء الذي تسمونه الفيجة، بقية لا تكاد تصل إلى الربع، ترى ما الذي سيحدث إذا جاء هذا العام تكراراً للعام الماضي؟ أنا أقول وأقول من منطلق عقل هو الجامع المشترك بين الناس جميعاً، إذا كان هنالك سبيل يغنينا عن الالتجاء إلى الله، ويبقي لنا هذه البقية من الماء، ويجعلنا نطمئن أن مزروعاتنا ستمتد رحمة الله عز وجل بنا في حاجتنا إليها، وأن المياه التي نحتاج إليها لشربنا سيبقى القدر الضروري لذلك مستمر لنا، فنحن نعرض عن كل شيء ونسكت، ولكن هذا الماضي مر وقد طرق المستكبرون كل الأبواب فلم يسعفهم ولا باب من تلك الأبواب، طرقوا باب الوسائل الاستمطارية الاصطناعية العلمانية فماذا أجدتهم تلك السبل؟ طرقوا فيما أعلم وسائل كثيرة أخرى، فما اجدتهم تلك السبل شيئاً.

ولقد علمت أن هنالك تفكيراً في أن يعمد الخبراء إلى مياه الصرف الصحي ثم يكرروها ثم يكرروها لتصبح صالحة لسقي الزروع، بل لشرب الإنسان. أنا أعجب أيهما اقرب وأيهما أكثر اتفاقاً مع العقل أن نعمد فنبدأ مشروع تكرار ثم نكررها استعانة بالخبراء من الشرق والغرب وهنا وهناك، ثم نعود فنزدردها ونشربها ونحن نتخيل القذارة التي فيها أم أن نلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى ونستنزل وعده الذي وعد: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) أيهما أقرب؟

كلنا يعلم الجواب إلا أن شيئاً واحداً يبعد هذا الطريق الثاني هو حجاب الكبرياء، كيف ترضى كبرياؤنا أن نعمد إلى مياه الصرف الصحي ونفكر في أن نكرر هذه المياه ثم نعود فنشربها كيف ترضى كبرياؤنا بذلك؟ ثم لا ترضى كبرياؤنا أن نذل لمولانا ولربنا وخالقنا ومالكنا الذي نحن عبيده؟! أمرٌ لا يمكن تصوره بشكل من الأشكال أيها الإخوة ومن الذي ينبغي أن يستغفر؟ الذين ينبغي أن يستغفروا هم المتنطعون هم التائهون هم الذين كانوا إلى الأمس القريب مستكبرين على الله عز وجل.

قيل لي في العام الماضي: فليقم الشيوخ والمصلون صلاة الاستسقاء في مساجدهم، وتأملت وكأني بملائكة الله تسخر من هذا الكلام العجيب. قلت: إن هذه الشدة لم تنزل بنا بسبب هؤلاء الذين يسمون الشيوخ أو المصلين أو الراكعين، لو كان المجتمع مليئاً بهم وحدهم لما وقعت هذه الشدة، إن سبب الشدة يتمثل في استكبار المستكبرين على الله، في مجاهرة العصاة في معصية الله، في الليالي الكثيرة المتطاولة هنا وهنا وهناك، ولو أن العاصي استتر بمعصيته لوجد رباً كريماً غفوراً، لكن المجاهرة بالمعصية والمجللة بالكبرياء هي سبب هذه الشدة هؤلاء الذين يجب أن يستغفروا ربهم.

أما أن يتوسط المستكبرون على الله إلى الله بالمتدينين المهتدين فهذا أمر عجيب جداً، اذهبوا يا أيها المتدينون المتبتلون فاطرقوا لنا أبواب الله أن يغدق علينا نعمه وأن يكرمنا بالري، أما نحن فإننا مجتمعون في أبراجنا العاجية لا نستطيع أن نتخلى عن كبريائنا. إذهبوا أنتم فاستغفروا ربكم وخاطبوه كما هي عادتكم في مساجدكم لكي نجني ثمرات استغفاركم نحن. أهذا منطق أيها الإخوة؟ هذا ليس منطق صلاة الاستسقاء كما شرعها الله، وكما علمنا إياها رسول الله، ينبغي أن تكون على مستوى البلدة كلها ينهض بها كل من في تلك البلدة، ولها مقدمات، لعل سر نتائجها أن يصوم أهل تلك البلدة أربعة أيام وأن يتوبوا جميعاً إلى الله، وأن يردوا المظالم، ثم يخرجوا أذلة متبتلين متضرعين.

وأنا قلت وأقول أنا أضمن أن الله سبحانه وتعالى سيبدل هذا العسر يسرا أنا أضمن لأنني واثق بأن الله صادق في وعده.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي