مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/05/1999

ما هي الضرورة التي لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأحوجه إلى طهورين اثنين، أحدهما يؤدي مهمة تطهير جسده وجسمه وقد أكرمه من أجل ذلك بالماء الذي امتن الله سبحانه وتعالى به عليه. فقال سبحانه وتعالى ممتناً على عباده بهذه المادة التي أنجده الله سبحانه وتعالى بها لتطهير جسمه ولتنظيفه كلما ألمت به الشوائب والأدران، قال عز من قائل: [وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا].

ثم إن الله سبحانه وتعالى أحوج الإنسان إلى طهور آخر لروحه ولكيانه ولعلاقة ما بينه وبين أنداده وأقرانه، وأكرمه في سبيل ذلك ومن أجل تحقيق هذا الطهور بهذا الدين الذي متعه الله سبحانه وتعالى تعليماً وهدياً وتشريعاً. فقال سبحانه وتعالى منبهاً إلى هذا الطهور الثاني: [مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]

فانظروا أيها الإخوة كيف ينبه بيان الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى أن حياته لا تستقيم إطلاقاً إلا إذا أكرمه الله بطهورين اثنين: أحدهما الماء الذي ينظف جسمه وينقيه من الشوائب والأدران، والطهور الثاني الذي هو الدين الذي يطهر روحه وكيانه القلبي وينظف علاقة ما بينه وبين أقرانه الآخرين من سائر الأحقاد والأضغان والشوائب.

ولو عقل الإنسان لعلم أنه كما يحتاج في كل دقيقة إلى هذا الماء الذي أكرم الله سبحانه وتعالى به الإنسان من أجل أن ينظف به جسده وجسمه، فهو بحاجةٍ مثلها تماماً إلى هذا الدين أكرمنا الله سبحانه وتعالى به من أجل أن ينظف بهذا الدين قلبه، ومن أجل أن يطهر به علاقة ما بينه وبين إخوانه وأقرانه؛ وكما لو أن الإنسان لو حُرم نعمة هذا الماء لتفسخت حياته ولآل - وهو حي - إلى ما يشبه الرميم، فكذلك الإنسان إذا تخلى عن الطهور الثاني ألا وهو الدين مدةً من الزمن، فإن حياته الاجتماعية تتفسخ، وإن هذا الإنسان يتحول إلى ما يشبه الوحوش التي تتصارع في الغابات. ولكن هل عقل المسلمون هذا المعنى الكبير والجليل؟

نحن ننظر في هذا العصر فنجد أن هنالك قوى تجتمع كلها وتتظافر من أجل فصل الناس عن هذا الطهور الثاني الذي لا تستقيم حياة الإنسان إلا به، ننظر فنجد أن هنالك من يحاولون أن يفصلوا عباد الله سبحانه وتعالى المسلمين عن طهور هذا الدين، وهو أهم من الماء الذي جعله الله شرطاً للحياة، يسعون سعيهم اللاهث إلى فصل عباد الله سبحانه وتعالى عن الدين مرةً لتشويه عقائده والتلاعب بقيمه ومبادئه الاعتقادية بالوسائل الكثيرة التي يضيق الوقت عن ذكرها وشرحها، ومرة أخرى بتحطيم سياج الأخلاق الذي هو الثمرة الأولى لهذا الدين الذي ابتعث الله سبحانه وتعالى به الرسل والأنبياء، ومرةً أخرى سعياً إلى التبديل والتغيير والتطوير بأسماء متنوعةً شتى؛ ربما أملاً منهم يكون ذلك سبيلاً إلى تبخيره وتبديده والقضاء عليه. ولو تأملنا لوجدنا قوى الشر هذه مندلقةً إلينا من كل حدبٍ وصوب، ولو تأملنا لوجدنا لهذه القوى التي تتسرب إلينا خدماً وحشماً من أبناء جلدتنا يمعنون تطبيقاً وتنفيذاً لتلك الخطط التي رسمها ساداتهم.

هذا هو واقع المسلمين اليوم، وتلك هي الضرورة التي أوضحتها لهذا الدين الذي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنه إلا إذا أمكن للإنسان أن يستغني عن الماء الذي جعله الله سبحانه وتعالى سر حياة الإنسان، فإذا استطعتم أن تتصوروا أن يستغني الإنسان عن الماء مدةً ولو يسيرة من الزمن، فبوسعكم أن تتصوروا استغناء الإنسان عن طهور هذا الدين ومائه النقي الذي أنزله الله عز وجل وحياً إلينا من السماء.

هذه هي المشكلة ... وكم تحدثنا عنها وأفضنا الحديث فيها، ولكن الأهم من الحديث عن المشكلة وعن تصويرها والتفكير بها أن نتسائل عن واجبنا: ما هو الواجب الذي ينبغي أن ينهض به المسلمون لدرء هذا الخطر عن دينهم ومن ثم لدرء هذا الخطر عن وجودهم؟ فإن الخطر إذا اتجه إلى الدين فلا بد أن يتجه بعد ذلك إلى أصحاب هذا الدين، ولا يمعن أعداء الدين سعياً لتمزيق هذا الدين العظيم إلا طمعاً في تمزيق هذا المجتمع الإنساني والقضاء عليه، لأنهم يعلمون أن هذا المجتمع محصنٌ بحصنٍ واحد، ألا وهو الدين.

فإذا أرادوا أن يهيمنوا على هذا المجتمع ويشلوا فعاليته، فليس لهم من سبيل إلى ذلك إلا أن يهدموا هذا الحصن الذي يتحصنون به.

ما السبيل الذي ينبغي أن يسلكه المسلمون من أجل إبعاد هذه القوى المتربصة بدين الله ومن ثم هذه القوى المتربصة بنا نحن المسلمين؟

سبيل ذلك أن ينهض كلٌ منا بالواجب الذي أناطه الله به، وأن لا يني وأن لا يُقصر في تنفيذ الأوامر التي خاطبه الله عز وجل بها بحق نفسه وبحق من يلوذ به. هذا هو الدواء القريب والبسيط والواضح والذي لا يحتاج لفلسفة طويلةٍ أو تعقيد في الكلام.

هل يقوم كلٌ منكم بالواجب الذي أناطه الله عز وجل به؟ لو كنا نقوم بذلك لدرء الله عنا هذه الأخطار، ونظراً إلى أننا ننظر فنجد أن هذه الأخطار متسربةٌ إلينا وأنها تفعل فعلها ولو بشكلٍ جزئي، فمعنى ذلك أننا نائمون عن أداء واجباتنا الشخصية التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها.

وما هي الواجبات الشخصية؟

هي أولاً: أن يقوم كلٌ منكم بتنفيذ ما قد كلفه الله به في حق نفسه، وأن يبتعد عن المحرمات والمناهي التي حذره الله عز وجل منها أيضاً في حق نفسه.

ثانياً: أن ينهض بمسؤوليته التي علقها الله سبحانه وتعالى بعنقه اتجاه أهله اتجاه أولاده وذريته.

هذان هما الواجبان ولا ثالث لهما. ولا شك ولا ريب أن المسلمين لو نهض كل فرد فرد فرد منهم بهذا الواجب في حق نفسه وفي حق أسرته، وصدق مع الله سبحانه وتعالى في نهوضه بهذا الواجب، إذاً لرأينا أن هذه الأخطار تلتصق بنا ثم ترتد عنا، ولرأينا أن هذه الأخطار لا تستطيع أن تتسرب بأي فعالية إلى مجتمعاتنا.

ولكن هما شرطان اثنان: أن ينهض كل مسلم بالتبعة التي كلفه الله عز وجل بها في حق نفسه، ثانياً أن ينهض بهذه التبعة التي كلفه الله عز وجل بها بحق أسرته وأولاده ومن يلوذ به.

وما معنى أن يكون صادقاً مع الله في ذلك؟ معنى هذا أنه إذا وجد نفسه أمام اختيارين إما أن يضحي بدنياه وماله وما يسميه المستقبل لأولاده وبناته، أو أن يضحي بأمر الله سبحانه وتعالى الذي كلفه به. الصدق يتمثل في أن يقول لا بل أضحي بدنياي وأضحي بما أتخيله المستقبل لي ولأولادي في سبيل أن يبقى الدين مكلوءاً محفوظاً في كياني، في سبيل أن تبقى هذه الأمانة التي استودعها الله عز وجل عندي مكلوءةً كما أراد الله سبحانه وتعالى. هذا هو دليل الصدق.

ولا شك أن الإنسان إن لم يبرهن على صدقه فلا قيمة لمن يقول إنني قيوم على أهلي إنني أرعى واجبات الله سبحانه وتعالى في تربيتهم، لا قيمة لهذا الكلام لأن الإنسان طالما يسير على أرضٍ معبدة مفروشةٍ بالرياحين ما ينبغي أن يمتن على الله بأنه يسير على صراطه، ولكن عندما يضع الله في طريقه القتات والأشواك والمنغصات والعقبات فيتجاوزها راضياً صابراً فذلك هو الصادق مع الله سبحانه وتعالى، وفي هذه الحالة فإن الله عز وجل قد أخذ على نفسه العلية - ولا مجبر له - أن يعوضه عن الدنيا التي فاتته أضعافاً، وأن يعوضه عن المستقبل الخيالي الذي تصوره، وأن يحصنه في حصن من كلائته وحمايته، ومن ثم فإن هذا الإنسان يزداد ثقةً بالله سبحانه وتعالى.

هذا هو الدواء وقد وصفه الله سبحانه وتعالى لنا في محكم تبيانه: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا" "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا]، وهي كلمة عامة. ما أوسع وأكثر الوسائل التي بها تقي نفسك وتقي أهلك نار الشقاء في الدنيا ونار العذاب الواصب يوم القيامة.

هذا بيان الله وقد وصف لنا الدواء، ماذا بقي أيها المسلمون؟ بقي أن ننفذ، بقي أن نطبق بقي أن نقول بألسنة حالنا لبيك اللهم لبيك وأن نسير على صراط الله سبحانه وتعالى بصدق وقد عرفتم معنى الصدق، الصدق ليست كلمة يدعيها الإنسان بلسانه، إنما الصدق هو أن يضحي الإنسان بدنياه في سبيل أوامر مولاه وخالقه. إن أنتم فعلتم هذا هان الخطب ورد الله كيد الكائدين عنكم مشردين ومغربين، ولكن إن لم تفعلوا وإن لم تصدقوا مع الله سبحانه وتعالى في هذا، وإن أنتم ركبتم رؤوسكم في سبيل دنياكم، وجعلتم حظ الله من حياتكم حظاً هامشياً عندما لا يكلفكم شيئاً، عندما لا يكلفكم تضحيةً، عندما لا يكلفكم أي خسارة .. فإني أخشى أخشى أن الله سبحانه وتعالى سيكلكم إلى خطط الأعداء وتلك هي سنة الله سبحانه وتعالى في عباده.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا من سوء أنفسنا وأسأله عز وجل أن يقينا من سوء عباده وأن يجمع شملنا على ما يرضيه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي