مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/06/1998

وجه الشبه بين سيدنا يوسف والإسلام

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى .

أمّا بعدُ فيا عباد الله ..

كنت الساعة أتأمل في آياتٍ من كتاب الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف، تأملت في الكيد الذي كاده الناس ليوسف في هذه السورة، كاد له الأقربون قبل الأباعد، زجّه إخوته وهو طفلٌ بريءٌ في الجب، ثم إن الله سبحانه وتعالى أخبر عن تلك القافلة التي جاءت فانتشلته من الجب لتجعله عبداً تبيعه بدراهم قليلة بخسة: "وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ"، ويصور لنا كيف أن الحر تحول إلى عبد وبثمنٍ بخس: "وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ"، ثم تأملت كيف فجر الله سبحانه وتعالى رعاية هذا الإنسان الذي اصطفاه الله عز وجل؛ تأملت كيف فجر الله أسباب اصطفائه ورعايته من سلسلة هذا الكيد ذاته أجل. انظروا إلى قوله سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

تأملت في سلسلة هذا الكيد الذي يُصوّره كتاب الله عز وجل لنبيٍ من أنبيائه، وقفز ذهني فجأةً إلى هذا الدين؛ هذا الدين الإسلامي الحق اليوم وقلت في نفسي: ما أشبه هذا الدين اليوم بسيدنا يوسف الذي كاد له الأقارب قبل الأباعد بالأمس، ولكأن الله سبحانه وتعالى وهو يُحدثنا عن قصة هذا النبي وهي قصة واقعة، لا يطوف بها الريب إطلاقاً، لكن ولكأن الله سبحانه وتعالى يجسد لنا من خلال هذه القصة الكيد الذي ينسج اليوم لهذا الإسلام العظيم، إنه كيدٌ يبدأ بكيد الأقربين، بكيد المسلمين أنفسهم لهذا الدين كما كاد إخوة يوسف ليوسف. ثم إن مظاهر هذا الكيد تتسلسل ليقوم بدور ذاته كثيرٌ من الأباعد كثيرٌ من الحاقدين بل من الأعداء التقليديين لهذا الدين الإسلامي العظيم.

الصورة تماماً كصورة سلسلة ذلك الكيد الذي نُسج حول حياة سيدنا يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ولقد رأينا كيف أن تلك المكائد ذاتها جعل الله منها سلماً لعلو شأن يوسف، تلك السلسلة ذاتها التي نسجتها عقول البشر الضعاف الذين لا يعلمون شيئاً عن حقيقة هذا الكون وواقع الأسباب وسلطان مسببها، سلسلة تلك المكائد لم تكن إلا سلماً عُرج فيه سيدنا يوسف إلى أن تبوأ عرش مصر، وإلى أن نقل الله سبحانه وتعالى الأسرة كلها من البدو إلى الحضر، كما تعرفون عندما تتأملون في هذه الصورة المباركة.

انظروا إلى هذا الدين الذي يطوف من حوله الكيد بدءاً بالمسلمين أنفسهم، بدءاً من الحاقدين عليه من أهله المسلمين أنفسهم، ثم انظروا إلى من وراء ذلك من الأعداء التقليديين الذين يخططون الخطط الكثيرة المتنوعة للكيد لهذا الدين ولخنقه وللقضاء عليه تماماً. ما النتيجة؟ النتيجة التي أرانا الله عز وجل إياها مما قد تم لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام هي النتيجة ذاتها التي لابد أن نراها هنا، ولأن كان يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام واحداً من المصطفين الذين أحبهم الله عز وجل. فهل هنالك حقيقةٌ قدسية يكلؤها الله من العالم كله بأتم رعاية كحقيقة هذا الدين؟ هل هنالك حقيقة أجل شأناً وأعلى مكانة وأكثر تقديراً للمولى سبحانه وتعالى من هذا الدين الذي يجسد حقيقة هذا الكون، والذي يربط العبد بالرب، والذي ينبه الإنسان إلى هويته الدائمة التي لا تتحول ولا تتطور، كما أن الله جعل خطط الكيد التي تربصت بيوسف بالأمس سلماً لبلوغه ذلك الشأو العالي الذي بلغه.

فكذلكم هذا الدين الذي يخطط الأعداء للقضاء عليه هذه الخطط ذاتها هي التي ستكون سبباً لعلو شأنه وهي التي ستكون سبباً لسعة انتشاره وعظيم سلطانه في الغد القريب. ألم يقل الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن الكيد الذي كاده أولئك الناس ليوسف وعن الخطط الربانية الخفية التي وضعها لإنقاذ يوسف، ألم يقل في أعقاب ذلك: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

أيها الإخوة إنكم لتلاحظون كيف أن الغرب الأوروبي والأمريكي يقوم ويقعد بالحديث عن خطورة الإسلام، وبضرورة الوقوف في وجه خطر الإسلام، يظن أنه بهذا يخطط للكيد له ويخطط للقضاء عليه، لكن انظروا تجدون مصداق قول الله عز وجل: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

أجل أيها الإخوة، عندما تقرأون كتاب الله اقرأوه بتدبر، لتجدوا أن سنة الله واحدة، قد تجدون أنفسكم أمام جزئية من هذه الجزئيات كقصة سيدنا يوسف مثلاً، والقانون الذي على أساسه فشّل الله سبحانه وتعالى كيد الكائدين، ثم جعل من هذا الكيد ذاته سبيلاً لعلو شأن سيدنا يوسف، تلك جزئية من الجزئيات التي يضعنا الله عز وجل منها أمام قانون، هذا القانون كما انطبق على سيدنا يوسف بالأمس ينطبق على الدين الذي يكيد له كثيرٌ من أهله اليوم، ويخطط للقضاء عليه كثيرٌ من الأعداء والأجانب أيضاً اليوم، كما تنطبق سنة ربنا سبحانه وتعالى على قصة يوسف لا بد أن تنطبق هذه السنة على هذا الموقف الذي يقفه كثير من المسلمين - ويا للأسف - متضامنين مع أعدائهم - ويا للمهانة - من هذا الدين العظيم.

فإذا رأيتم أيها الإخوة أن هنالك مسلمين من أبناء عمومتكم من إخوانكم يضيقون ذرعاً بالإسلام إن في عقائده وإن في أخلاقياته وقيمه المثلى، ويتخذون من المناسبات المختلفة من صيف العام وشتائه من انصراف الطلاب إلى إجازاتهم أو من إقبالهم إلى دراساتهم، إن رأيتم أن في المسلمين من ينتهزون هذه الفرص ليملؤوها بما يقصيهم عن الدين وبما يستثير غرائزهم وأهوائهم، وإذا رأيتهم يجتمعون في هذا مع الصهاينة الذين يمزقون أخلاق هذه الأمة في خندق واحد فإياكم واليأس، إياكم وأن يسري إلى قلوبكم أو تصوراتكم خيبة أمل إطلاقاً.

كم وكم كرر بيان الله في هذه السورة قوله نعم: "إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" إنه لا ييأس من روح الله، ما ينبغي أن نيأس من روح الله.

أرأيتم إلى هؤلاء الذين يضيقون ذرعاً بالتاج الذي توجهم الله عز وجل به؟ لن يكون شأنهم أكثر من شأن إخوة يوسف، فما النتيجة؟ أرأيتم إلى أولئك الذين يخططون من بعد ويجندون المال ويجندون الطاقات ويجندون القدرات السياسية المختلفة من أجل الإحاطة بهذا الدين والقضاء عليه، لن تكون عاقبة كيدهم إلا كعاقبة كيد القافلة التي انتشلت هذا الطفل حراً ثم سامته العبودية وباعته في سوق النخاسة.

لن تكون عاقبة ذلك إلا كعاقبة أولئك الذين سجنوه وهو بريء، ماذا كانت العاقبة؟ كانت العاقبة أن هذه الخطط نفسها كانت - كما قلت لكم - سُلما ًإلى علو شأنه.

كذلكم هذا الدين الحق عرف ذلك من عرف وجهله من جهل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي