مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 08/05/1998

عيد الشهداء .. وسبل الغرب في تشويه معنى الجهاد

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله.

منذ يومين احتفلت هذه الأمة بما يسمى بعيد الشهداء، أو يوم الشهداء وإنه لاحتفاء جميل، وإنه لقيامٌ بجزءٍ من الواجب تجاه هذه الثلة من الناس التي يكفي ثناء الله سبحانه وتعالى عليها في محكم تبيانه، ولو لم يكن هنالك ما ينوه بعلو مكانة الشهداء عند ربهم سبحانه وتعالى، إلا قول الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) " لو لم يكن من التنويه بعلو شأن الشهادة والشهداء إلا هذا الكلام الرباني لكفى، لا سيما عندما يكون الحديث في هذه المناسبة موصولاً بما يُرضي الله سبحانه وتعالى، وتعريفاً بمعنى الشهادة وقيودها وضوابطها ودفعاً للمسلمين إلى أن يتحرروا من التعلق بزهرة الحياة الدنيا، وأن يستخفوا ويستهينوا باقتحام أبواب الموت وصولاً إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى. أنعم بمثل هذه المناسبة عندما يُتاح أن تُملأ هذه المناسبة بالكلم الطيب وبالكلام الذي يدفع المسلمين إلى أن يتحرروا من التعلق بحمأة هذه الدنيا وشهواتها وأهوائها.

ولكن الذي أريد أن أقوله هو أن الشهادة فرعٌ عن الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فلا تتحقق الشهادة من دون الجهاد في سبيل الله. المناخ الذي لا بد منه لتتكون فيه الشهادة إنما هو مناخ الجهاد، ومن أكبر الدلائل على هذا أن الله سبحانه وتعالى الذي وصف مكانة الشهداء كما قد ذكرت لكم وتلوت عليكم، تحدث قبل ذلك عن الجهاد والمجاهدين وربط بين الحديثين فقال سبحانه وتعالى قبل ذلك: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)". إذاً كان مقتضى السياق المنطقي وترتيب ما بين المقدمات والنتائج أن يكون هناك احتفاءٌ بيوم الجهاد في سبيل الله أو يوم المجاهدين في سبيل الله خلال العام، ثم يأتي الاحتفاء بيوم الشهداء على أعقاب ذلك كما تأتي النتيجة بعد المقدمة.

أقول هذا وأن آمل وأنتظر ان يأتي اليوم القريب الذي يرتفع فيه لواء الجهاد واسمه كما ارتفع لواء الشهادة واسمها، لا يمكن لمن يقع صريعاً في حلبة الدفاع عن الأرض أو القيم أن يُسمى شهيداً إلا إذا وقع صريعا ًتحت لواء الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولكن يا ترى هل يتسنى ذلك؟ هل يتسنى لهذه الأمة أن تجعل في العام كله يوماً باسم الجهاد في سبيل الله أو يوماً يسمى عيد المجاهدين في سبيل الله سبحانه وتعالى؟

هل يمكن أن يتم هذا دون أن يضج العالم الغربي ودون أن يدخل الخوف والهلع في قلوب أولئك الذين يزعمون أنهم يقودون العالم وأنهم يُمسكون بزمام القوة وأنهم يتحكمون بالقدرات كلها؟

أغلب الظن أيها الإخوة أنه عندما تقوم دولة أو تقوم هذه الأمة باتخاذ يومٍ من أيام العام شعاراً للجهاد في سبيل الله تكريماً للمجاهدين في سبيل الله، أغلب الظن أن العالم الغربي الذي يصنع التطرف ويقوده ويسوقه إلى العالم كله، أغلب الظن أن هذا العالم سيضج وسيأخذ منه الهلع مأخذه.

ولقد حصل هذا ولعلكم تذكرون عندما صرّح أحد الملوك أو الرؤساء في دولة من دولنا العربية والإسلامية بأن فلسطين والقدس لا يمكن أن تُسترد إلى أصحابها إلا عن طريق الجهاد، هاج العالم الغربي وماج، وظهرت الاحتجاجات وسرى الضغط تلو الضغط تلو الضغط على ذلك المسؤول الكبير الذي صّرح بتلك الكلمة، مما اضطره بعد ذلك بعد أيام إلى أن يتراجع عن تصريحه وإلى أن يؤول كلامه وإلى أن يؤكد أنه لم يكن يبتغي بالجهاد ما يفهمه المسلمون أو ما يعنيه كتاب الله سبحانه وتعالى، اضطر إلى أن يمسخ كلمته مسخاً. إن كان هنالك ما يمنع من أن يتخذ العالم العربي والإسلامي في العام يوماً يمثل قيمة الجهاد والمجاهدين في سبيل الله تماماً كما أنه هنالك يوماً يُمثل قيمة الشهداء والشهادة في سبيل الله، إن كان ثمة ما يمنع فهذا هو.

ولكني أقول أيها الإخوة شيئاً ينبغي أن يعرفه كل واحد منكم، أولئك الناس الذين يملكون القدارت كلها ويملكون الأسلحة العجيبة الفتاكة المتنوعة التي يخيل إلى بعض الناس أن القيامة لن تقوم إلا باستعمال تلك الأسلحة، أولئك الذين يملكون زمام تلك القدرات ويملكون زمام هذه القوة ثم ينظرون إلينا إلى هذا العالم الذي يُسمى العالم المتخلف أو الذي يسمى مجاملة ومداهنة بالعالم النامي، فيجدون أنه مفكك الأوصال أنه مقطع الصلات ما بين الأخ وأخيه، وأن الضعف قد انتهى به إلى آخر النهايات، ما الذي يخيفهم من أن يرتفع لواءٌ كتب عليه الجهاد في سبيل الله؟ ما الذي يخيفهم من أن يقول قائلهم: إن استرداد الحقوق المغصوبة لا يمكن أن يتم إلا بروحٍ تسري في الدفاع عن هذه الحقوق ألا وهي روح الجهاد، ما الذي يخيفهم؟ أولئك الناس لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا يثقون إلا بما تراه أعينهم أو تلتقطه حواسهم، وأمر الجهاد وروحانية الجهاد من الأمور الميتافيزيقية الغيبية. فلماذا يخافون من ما لا يجدون ولا يحسون به؟

الجواب أيها الإخوة أن ألسنتهم تقول شيئاً يتنافى مع ما تعتقده قلوبهم، هم يعلمون أن قوة هذه الأمة العربية والإسلامية إنما تكمن برجوعها إلى استعمال الأداة والسلاح الذي كانت تستعمله من قبل، هم يعلمون أن سر قوة هذه الأمة لا يكمن في الأمور الظاهرة والأسلحة العادية المحسوسة، وإنما تكمن قوتهم فيما لا يُرى ولا يُحس، ألا وهو الجهاد الذي أمرهم الله سبحانه وتعالى به عندما ينهضون بهذا الواجب ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى. أولئك الغربيون يعرفون أن قيمة الأسلحة المادية والقدرات المادية إنما كقيمة الجندي عندما يتحرك تحت لواء ضابطه وقائده الأعلى يجب أن يكون هنالك جنود، ولكن لا قيمة للجندي إلا إذا كان منضبطاً بالقيادة الراشدة التي تنطلق من القيادة العليا. القيادة العليا في هذه الأمة كانت ولا تزال قيادة الجهاد في سبيل الله. يأتي بعد ذلك دور القدرات المادية منفذةً لأوامر هذا الجهاد الرباني العظيم.

فماذا يفعل الغرب اليوم أيها الإخوة من أجل أن يصد هذه الأمة عن رفع لواء الجهاد؟ من أجل أن لا يُخطأ حاكم أو ملك كما أخطأ ذلك المسؤول الكبير من قبل فقال إن القدس لا يمكن إرجاعها إلا عن طريق الجهاد في سبيل الله، ما السبيل الذي ينبغي أن يسلكه الغرب ليبتعد المسلمون عن اسم الجهاد وعن مسماه؟ السبيل إلى ذلك أن يُزيف الجهاد وأن يُشوه، وأن يرتبط معناه بأقذر الأمور التي لا يقرها الشرع ولا تقرها الإنسانية، فإذا ارتبط الجهاد بنقيض معناه، وإذا ارتبط الجهاد الرباني العظيم الجليل بما تشمئز منه النفس الإنسانية وبما لا يتفق مع موازين شريعة الله عز وجل واستمر الأمر على هذا ردحاً من الزمن، فإن المسلمين سيشمئزون من الجهاد قادةً وشعوباً. كل ما ذُكر الجهاد تصوروا معناه المزيف، كلما ذكر ضرورة الرجوع إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل تصوروا الصورة الشوهاء ونحن نحارب اليوم بأسلحة نفسية أسمعتم بمسألة الفعل الشرطي؟ هذا هو الذي يتم فعله من أجل أن يخلع المسلمون آخر ما تبقى من أردية الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، خوفاً من أن تعيش جذوة الجهاد بمعناه الإيجابي بمعناه المُشرف، بمعناه الإنساني، بمعناه الحضاري المتفق مع كتاب الله المتفق مع تعليمات رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفاً من أن يعود المسلمون إلى ذلك المعين الطاهر النقي بمعنى الجهاد، وعندئذٍ مهما استعمل الغرب قواه المادية ومهما استعمل سلطان قوته فلن يقف ذلك كله في وجه الجهاد الحقيقي في سبيل الله سبحانه وتعالى، لأن أرضية الجهاد في سبيل الله إنما يكمن في اتفاق المجاهدين تحت لواء قول الله سبحانه وتعالى: "واعتصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تفرّقوا".

ترى هل سيصحو المسلمون من أجل أن يتخلصوا من هذه الحرب النفسية التي يمارسها العدو الغربي تشويهاً لمعنى الجهاد؛ كي لا يلجئ المسلمون في انتصارهم لأنفسهم واستعادة حقوقهم إلى هذا السلاح الأوحد؟ ترى هل سيتنبه المسلمون إلى أن ما يجري في الأفغان ليس جهاداً في سبيل الله سبحانه وتعالى وإنما هو واقع يُمثل نقيض ذلك، يمثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار"؟ ترى هل سيصحو المسلمون إلى أن التناقض الهائج الذي تستثار عوامله الخارجية بين فئات المسلمين بعضهم مع بعض بين المسلمين وحكامهم، بين حكام المسلمين وشعوبهم هل سيتحرر المسلمون من هذا وهل سيتنبهون إلى أنها مكيدة مكيدة نصبت لهم من أجل أن ينتهي المسلمون إلى حالة يشمئزون فيها من اسم الجهاد كلما ذكر.

المأمول من فضل الله عز وجل وكرمه ووجود بقية من الصالحين في عالمنا العربي والإسلامي أن يُكرمنا الله بهذا التحرر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي