مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 27/02/1998

أخلص للإسلام يخلص لك الإسلام

رسالة للمسلمين التقليدين

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

نعود مرة أخرى إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المُنبئ عن المرض العضال الذي يعاني منه المسلمون اليوم: "ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أمن قلة نحن يا رسول الله يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنّ الله الرهبة من قلوب أعدائكم، وسيقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا ما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا أو الحياة وكراهية الموت".

كثيرون هم الذين يتذكرون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، في هذه الظروف المدلهمة السوداء التي تمر بها هذه الأمة الإسلامية اليوم. وينظرون فيجدون المصداق الدقيق والعجيب لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ولكن ما العمل الذي يدفعهم هذا الحديث إليه؟ وما العلاج الذي يتفكرون فيه؟

أما الكثرة الكاثرة من المسلمين التقليديين ممن يكتفون أو يفتخرون بانتماءٍ شكليٍ منهم إلى الإسلام الذي غدا اليوم يسمى تراثاً، أما هؤلاء الكثرة فإن هذا الحديث يحدث فيهم أثراً واحداً، ويدفعهم إلى شيء واحد لا بديل عنه هو أنهم يوظفون الإسلام من أجل تحقيق مصالحهم، ومن أجل السعي به إلى أهدافهم؛ أي يجعلون من الإسلام أداةً ومطيةً من أجل تحقيق أهدافهم وربما كانت أهدافاً سليمة وصحيحة. فهل هذا العمل هو الدواء؟ وهل هذا هو الذي عناه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا ليس هذا هو الدواء الذي نبه إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام.

أما القلة من المسلمين المتحرقون على الرجوع إلى هدي رسول الله، المتألمون لشرودهم عن صراط الله عز وجل وابتعادهم عن أوامر الله عز وجل، فإنهم يطمحون إلى أن يوظفوا أنفسهم لخدمة الإسلام وتحقيق أهدافه. وانظروا كم من الفرق يقوم بين الأمرين؟ كم من الفرق بين من يريد أن يوظف الإسلام لمصالحه وأهدافه وبين من يتجه ليوظف نفسه لأهداف الإسلام ومبادئه وقيمه.

العلاج أيها الإخوة لا يكمن ولا يتحقق في أن نوظف الإسلام ونستعمله أداةً لخدمة أهدافنا التحررية أو التقدمية أو الثقافية أو الحضارية أو العلمية أياً كانت، بل إن هذا النهج لا يزيد بلائنا إلا بلاء، ولا يزيد واقعنا إلا تخلفاً. النهج السليم واستعمال الدواء الناجع هو أن نوظف أنفسنا نحن لخدمة هذا الإسلام الذي به سعدت هذه الأمة في أمسها الدابر، وما ينبغي أن يفوتكم الفرق الكبير بين هذين الأمرين.

هنالك منظمة اسمها منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذه المنظمة مكونةٌ من مسؤولين كبار في العالم الإسلامي على اختلافه، والمفروض أن تكون هذه المنظمة هي الطبيب الذي يقدم العلاج لهذه الأمراض التي تستشري في جسم الأمة الإسلامية اليوم. فمالها لا تستطيع أن تقدم شيئاً؟

إن أعضاء هذه المنظمة يجتمعون بين الحين والآخر، ولم ننس بعد آخر مؤتمرٍ لهم، وهذه الظاهرة فيما يبدو سعي حثيث لمعالجة مشكلاتنا ولتقديم الدواء الناجع لأمراضنا، ولكن لماذا نراوح في مكاننا؟ بل لماذا ننظر فنجد أننا نزداد تخلفاً على تخلف؟

السبب أيها الإخوة أن رجال هذه المنظمة في أحسن الأحوال إنما تتجه إلى استخدام الإسلام وتوظيفه لمصالحها. رأوا أن ورقة الإسلام شيءٌ كبير، وأن اللعب بهذه الورقة يحقق فائدةً كبرى، إذاً فلماذا لا نلعب بهذه الورقة؟ لماذا لا نستخدمها؟ لماذا لا نستعملها أداةً من أجل ردم الثغرات التي تتفتح فيما بيننا؟

هذا النهج لا يفيد أبداً .. إن الله سبحانه وتعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وليس الإسلام الذي ابتعث الله به الرسل والأنبياء إلا بوابةً أُمر الناس أن يدخلوا عبرها إلى ساحة العبودية لله سبحانه وتعالى، والإسلام إنما يترجم عنه بقول الله عز وجل الذي يعلمنا أن نقول ونردد: (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، كل شيء أملكه حتى الروح التي تخفق بين جوانحي، المال الذي يتجمع في داري أو في صندوقي، كل المدخرات التي أعتز بها، ثقافتي، حضارتي تراثي، كل ذلك ملكٌ لمن خلقني لله سبحانه وتعالى، ودينونتي كلها لله عز وجل. هذا معنى قوله سبحانه وتعالى وهو يقول على لساننا ليعلمنا كيف نقول بل ليعلمنا كيف نؤمن ونستشعر كيف ذلك: "إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

عندما يصطبغ المؤمنون بهذا الشعور ويرتفع إيمانهم إلى هذا المستوى، فإنهم عندئذٍ لا يوظفون الإسلام لخدمة مصالحهم، لأن مصالحم كلها في خدمة الإسلام، ولأن دنياهم كلها إنما تدور على فلك العبودية؛ عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وآية ذلك أن هؤلاء الذين يجتمعون ليتحدثوا عن الإسلام، وليلعبوا بورقة الإسلام، وليوظفوا الإسلام، إن رأيتهم في سلوكاتهم الفردية وأعمالهم الشخصية خاضعين لسلطان الله ملتزمين أوامر الله سحانه وتعالى، لائذين على أعتاب الله عز وجل، كل منهم يجعل من نفسه خادماً لدين الله سبحانه وتعالى، قيماً يحرس أوامر الله عز وجل، داعياً إلى الله سبحانه وتعالى بعيداً عن المحرمات والمعاصي التي نهى الله عز وجل عنها، فاعلم أن هؤلاء عندما يتلاقون لن يوظفوا الإسلام ويستخدموه لأمورهم ومشكلاتهم السياسية، بل سيستخدمون أنفسهم ويوظفون ذواتهم وكل ما يملكون لخدمة دين الله سبحانه وتعالى.

إذا تحول الأمر من هذا الواقع اليوم إلى هذا المستوى الذي يطلبه الله عز وجل منا، فقد بدأت الأمة تستعمل الدواء الناجع، وعندئذٍ لا بد أن تتلاحم القوى من جديد، وعندئذ لا بد أن يتجلى الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بالرحمة، وبإمدادها بالقوة، وبإمدادها بالعزة والكرامة، لا تدري من أين .. كل ذلك سيتحقق، ولكن المصيبة أيها الإخوة أن أكثر المسلمين اليوم وقد عرفوا دور الإسلام العظيم يتجهون ليلعبوا بالإسلام ورقة، تأتي مناسبات تمر في كل عامٍ مرة أو مرتين يتسابق هؤلاء الناس لهذه المناسبات ليستخدموا المناسبة من أجل المصالح، أجل يأتي موسم الحج وقد جاء ما أكثر من يستخدم هذا الموسم من أجل المصالح.

ولعل فينا من يقول: والمصالح التي نستخدم مواسم الدين ونستخدم شعائر الدين من أجلها أليست مصالح مشروعة؟

نعم هي مصالح مشروعة، ولكن فرقٌ كبير بين أن تجعل عبوديتك لله عز وجل الواجفة الصادقة التي تتجلى في تضحيتك بروحك وبكل ما تملك وبكل وقتك وبكل شيء في سبيل مرضاة الله عز وجل، ومن ثم فإن الله يجعل هذا الإسلام حصناً لمصالحك، فرقٌ بين هذا وبين أن لا تبالي لأوامر الله في حق نفسك، لا تطبق أوامر الله عز وجل في حق ذاتك، أخلاقاً مبادئ قيماً في بيتك في مجتمعك في مدارسك في وسائل إعلامك، فإذا لاحت أمامك المشكلات ورأيت أن اللعب بورقة الإسلام يفيد، هرعت عندئذٍ لتتحدث عن الإسلام، والله يرى والله يراقب. فرقٌ كبير أيها الإخوة بين هذا وذاك.

أقول هذا لأن في في المسلمين اليوم من يقول ويكرر القول ألسنا مسلمين؟ ألسنا مؤمنين بالله عز وجل؟ فلماذا لا يحصننا الله ضد طغيان الطاغين وضد هؤلاء الذين يبتزون منا الأموال ويستمرؤون الحقوق تلو الحقوق لماذا؟

الجواب هذا الذي أقوله لكم: الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجه الله عز وجل: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ".

العمل الصالح كلمة كبيرة جداً ولها مدلول واسع، العمل الصالح يتجلى في سلوك الإنسان ما بينه وبين ربه، يتجلى في سلوك الإنسان قوامة في داره، تربية لأهله وأولاده. العمل الصالح يتجلى في رقابة المجتمع. العمل الصالح يتجلى في الدعوة إلى الله عز وجل: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً".

هل تريدون أيها الإخوة أن أضعكم أمام مثالٍ يجسد هذا الفرق الذي ألفت أنظاركم إليه؛ بين من يوظف نفسه لخدمة الإسلام ومن يوظف الإسلام لخدمة ذاته؟

مع الأسف المثال الذي يبرز هذا بشكل جيد هو فرق ما بين المسلمين التقليديين في بلاد الإسلام اليوم، والمسلمين الذين يدخلون الإسلام اليوم من أولئك الذي كانوا إلى الأمس القريب شاردين تائهين، يسبحون في بحار اللهو والمعاصي والكفران، انظروا إلى واقع هؤلاء الكثرة الكاثرة الذين يدخلون في دين الله سبحانه وتعالى في رحاب الغرب، انظروا إلى الفرق ما بين أولئك الناس والمسلمين التقليديين في بلادنا اليوم. عندما يدخل الواحد منهم في دين الله عز وجل، ولا يدخل إلا بعد أن يعمر الإيمان قلبه ويهيمن على عقله ماذا يصنع؟ يتجرد من دنياه، يتجرد من شهواته وأهوائه، يتجرد من ماضيه كله وكأنه مخلوق جديد مناقضٌ كل التناقض مع ذاك الذي كنت لا تراه إلى في الملاهي وفي السهرات وفي أمسيات الشهوات والأهواء متجهاً إلى الله عز وجل.

انظر إلى هذا الإنسان .. هل يسخدم الإسلام لأهوائه لمصالحه، أم يستخدم نفسه بكل ما يملك لمرضاة ربه سبحانه وتعالى؟ ثم انظر إلى المسلمين الذين - ولا أعني القلة من المسلمين الذي أسأل الله أن يرحم الأمة بهم - ولكني أضرب المثل بالكثرة الكاثرة من المسلمين، الذي إن حدثتهم عن حقوق الله أعرضوا، إن حدثتهم عن مشاعر ومبادئ العبودية لله أشاحوا بوجوههم، إن حدثتهم عن الواجب الذي ينبغي أن يسير المسلم عليه سعياً على صراط الله أشاحوا بوجوههم، فإن ضايقته قال لك: الإسلام ليس إلا هذا!!؟ حدثني عن المذاهب الاقتصادية، حدثني عن الرجل العربي الذي يعاني اليوم من سغب كيف السبيل الإسلامي إلى أن نشبعه؟ حدثني عن الإسلام الذي يخلص هذه الأمة من التخلف الذي ران عليها، حدثني عن الإسلام الذي يستعيد حقوق هذه الأمة يستعيد أرضها.

لا يريد أن تذكره بالسجود والركوع، لا يريد أن تذكره باللجوء إلى أعتاب الله، لا يريد أن تذكره بالاصطباغ بالعبودية لله. يريد منك أن تقول له: ماذا يمكن للإسلام أن يقدم له، أرضي مسلوبة وأريد من الإسلام أن يستعيد أرضي، أنا متخلف أريد من الإسلام أن يبين لي كيف أتخلص من التخلف، أنا جائع أمتي جائعة أريد أن يبين لي الإسلام كيف يمكن أن أملئ بطون الجائعين.

هذا هو منطق المسلمين التقليديين عندنا، وذلك هو سلوك المسلمين في الغرب، أولئك الذين كانوا إلى الأمس القريب شاردين بعيدين يسبحون في بحار من اللهو الذي لا حد له.

عندما يكون المسلمون اليوم هنا كأولئك المسلمين هناك، أقطع لكم وأجزم أن الإسلام سيشبع الجائعين عندئذ، بأن الإسلام سيعتق المتخلفين من تخلفهم، بأن الإسلام سيعيد الحقوق المنهوبة لأصحابها، أجل لكن أخلص للإسلام يخلص لك الإسلام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي