مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/01/1998

الإسلام دين السلم والسلام والحوار .. ولكن متى وكيف؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

إنّ من الأمور البديهية والمفروغ منها أن الإسلام الذي شرف الله عز وجل به عباده هو دين السلام، وما أكرم الله هذه الخليقة بالإسلام إلا من أجل أن يتفيأوا بواسطته ظلال الأمن والطمأنينية والسلم. وهل فينا من لم يسمع أو لم يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ".

ولكن المهم الذي ينبغي أن يعلمه كل عاقل أن هذا السلم الذي جاء به دين الله سبحانه وتعالى والذي هو نعمة من أكبر النعم، ومكرمة من أعظم المكرمات التي امتن الله عز وجل بها على عباده، هنالك من يتربصون به، وهنالك من يتخذون منه موقف العداء، وهم أولئك الذين لم يرتضوا شرعة الله ديناً، ولم يرتضوا الدخول في بوابة العبودية لله سبحانه وتعالى. هؤلاء الذين استكبروا على الله لابد أنهم يتخذون موقفاً معادياً من هذه المكرمة التي جاء بها الإسلام ألا وهي مكرمة السلم.

إذاً فقد كان لابد أن يجعل هذا الإله المشرّع المتفضل على عباده لهذا السلم الذي متع به عباده حمايةً، ولا بد أن يجعل له حصناً، ولا بد أن يُكلف عباده الذين ارتضوا الإسلام ديناً، لابد أن يكلفهم بأن يكونوا حراساً لهذا السلم، وأن يكونوا رعاةً وحماةً له، وربما اقتضى الأمر أن يقوم قتالٌ وجهادٌ في سبيل الوصول إلى السلم، وذلك هو قانون الله سبحانه وتعالى، وذلك هو مقتضى سلم الأولويات في دين الله سبحانه وتعالى.

إن السلم الذي لا يمكن تحقيقه إلا بجهاد، ما أيسر أن يشرع الجهاد في سبيله، هذه الحقيقة ينبغي أن يتبينها كل عاقل، وإذا عرفناها فإننا لا يمكن أن نجد في كتاب الله تناقضاً ولا تضارباً، كما يحب أن يتوهم أو يُوهم بعض الذين يحاولون أن يصطادوا دين الأمة بالماء العكر. لن نجد أية تناقضٍ بين هاتين الآيتين في كتاب الله سبحانه وتعالى. أما أولاهما فقوله عز وجل: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ"، وأما الآية الثانية فهي قوله عز وجل: "فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ". قد يتخيل السطحي الساذج من الناس أن بين هاتين الآيتين تناقضاً، إطلاقاً. من وعى هذه الحقيقة التي ذكرتها الآن يعلم أن بين الآيتين كل الانسجام.

يأمر الله سبحانه وتعالى بالجنوح إلى السلم عندما يطرق العدو بابنا يبتغي السلم، ومن ثم يقول: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ"، ذلك لأن حواراً يتم بيننا وبين الذين يلاحقوننا بصدق ويطالبون بالسلم بصدق لابد أن يكون هذا الحوار حوار الند للند على أقل تقدير، هذا إن لم يكن المسلمون هم المتفوقين.

أما في الحالة الثانية عندما يقول الله عز وجل: "فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ" فالأمر مختلف أي ما ينبغي أن تكونوا أنتم الدعاة إلى السلم من منطلق المهانة من منطلق الضعف، لأنكم عندما تلاحقون أعدائكم مسالمين بدافعٍ من المهانة وبدافعٍ من الذل فلن يكون ذلك السلم إلا سلماً مزيفاً، ولن يكون ذلك سلم إلا أداة تحمل الدمار وتحمل الهلاك للأمة جمعاء. هذا معنى كلام الله سبحانه وتعالى.

وحصيلة الأمر أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين الذي شرفنا به تربةً يُستنبت فيها السلم، ولكن لما كان هذا السلم كنزاً ثميناً وعظيماً جداً كان لابد أن يتربص به أعداؤه، ومن ثم فقد كان لا بد من حماية هذا السلم بالقوة، أو بكل الوسائل التي ينبغي أن يتخذها المسلمون أداةً لحماية هذا الكنز العظيم الذي متع الله سبحانه وتعالى به عباده.

واليوم أيها الإخوة ونحن ننظر إلى العالم الذي أحدق بالمسلمين، وننظر إلى الأدوات والوسائل المتنوعة والمختلفة التي تتجه جميعاً إلى محور واحد وهدفٍ واحد ألا وهو الإسلام، وننظر فنجد وسائل الكيد لهذا الدين متنوعة شتى، بالأمس أكرم الله هذه الأمة بيقظةٍ وصحوة إسلامية حقيقتين، فأسرع الذين يكيدون للإسلام ويتربصون به سوءاً ووضعوا الخطط التي تجهد هذه الصحوة، وأنتم ترون كيف أن الخطط التي رُسمت بالأمس تُنفذ اليوم في كثيرٍ من الأصقاع العربية والإسلامية.

وبالأمس القريب طرحت شعارات السلم والسلام، وجاء من يُحرك المسلمين ويذكرونهم بأن الإسلام هو دين السلم والسلام، ونظرنا فوجدنا أن الدعوة إلى مكيدة، وأنها عبارة عن سعي إلى تمزيق السلام الحقيقي في العالم الذي هو أحوج ما يكون إلى أن يتفيأ ظلال السلام باسم السلام ذاته، أو باسم السلم ذاته، ولكن الإنسان الذي يتبين بدقةٍ بيان الله، ويتبين بدقةٍ الإعجاز الرباني في كلام الله سبحانه وتعالى أدرك ويدرك أن هذه الشعارات الكاذبة تحارب الحقيقة بأسمائها، ونحن نعيش اليوم عصر محاربة الحقيقة بأسماء مزيفة لتلك الحقيقة. فالسلم يُحارب اليوم باسم السلم، أجل والصحوة الإسلامية الحقيقية التي فُجرت وأشرق نورها بالأمس تُحارب اليوم باسم صحوة إسلامية مزيفة أُخرى.

ويأتي دور أداة أخرى ألا وهي أداة الحوار التي كانت ولا تزال القوة الأولى بيد المسلمين والمفتاح الأول الذي فتح المسلمون به البلاد العالمية شرقاً وغرباً، هذا الحوار الذي به تمت الفتوحات الإسلامية يُحارب اليوم باسم الحوار علم هذا من علم وجهل ذلك من جهل. نحن دعاة الحوار ولا يوجد من هو أقدس من الحوار بعد الإسلام الذي هو أقدس من كل شيء مقدس.

ولكن عندما تُطرح ورقة الحوار كما طرحت بالأمس ورقة السلام أو السلم، وكما أكرم الله قبل ذلك هذه الأمة باليقظة أو الصحوة سرعان من نجد من يغطي هذه المكرمة باسمٍ مزيف لها.

غُطيت الصحوة بوسائل مزيفة لها لإجهاضها.

غُطي السلام بأسماء مزيفة للسلام من أجل إجهاضها ومن أجل استجرار المسلمين إلى المهانة والذل والتخلي عن حقوقهم.

واليوم يُغطى الحوار باسم الحوار، يُغطى الحوار الحقيقي الذي هو مفتاح الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحوار المزيف، وبوسعكم أن تتبينوا أشكالاً وألواناً للحوار المزيف هنا وهناك عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

قالوا إن حواراً جرى بين أكبر شخصية إسلاميةٍ تعبر عن الإسلام وجوهره وعلمه وحقيقته في القاهرة، وبين أكبر شخصيةٍ يهودية تُمثل الصهيونية أو تمثل إسرائيل، حوار أليس الإسلام دين حوار؟ قام هذا الحوار فماذا كانت النتيجة أيها الإخوة؟

الذين قرأوا كلام الله عز وجل، وتبينوا كيف يربي عباده الصالحين، يدعوهم إلى السلم عندما يكونوا هم الأعلون، ويحذرهم من السلم عندما يكونون في حالةٍ من المهانة ويستجرون باسم المهانة إلى السلم. الذين تبينوا كلام الله عز وجل عرفوا سلفاً نتيجة هذا الحوار.

أجل .. وماذا عسى أن ينتظر من هذا الحوار عندما يكون ممثله الإسلامي ذاك الذي أباح بالأمس كل أنواع الربا، واليوم يُجالس أكبر شخصية يهودية ينطق باسم اليهودية بل باسم الصهيونية يجالسه باسم الحوار. إذا كان أعلى الزيت درياً فماذا تنتظر في نهاية هذا الوعاء؟

أجل أيها الإخوة ما ينبغي أن نكون مغفلين بحيث يتصيد أعداء هذا الدين ديننا باسم الدين، يتصيدون السلام الذي جاء به الإسلام باسم السلام، يتصيدون الحوار الذي هو مفتاح الدعوة إلى الله عز وجل باسم الحوار، بالأمس وباسم الحوار وتحت مظلة الحوار جيء بمن يعلنها لأول مرة عن عقيدته العفنة أن الإسلام لا قيمة له، وأن القرآن انتهى دوره، وأن القرآن يتنافى مع العلم سمعت ذلك بأذني، اُستجر هذا الإنسان ليقول هذا ولم يكن يحلم أن يقول هذا أبداً. لكنه قال ذلك تحت غطاء الحوار، وراجعت ذهني وفكري ترى هل هنالك من قال هذه الكلمة علناً وراء مذياع أو أمام كاميرا ولو في ظل دولة غير إسلامية؟ أبداً .. لأول مرة يسمع العالم الإسلامي هذه الكلمة ويطرق الاستهزاء بكتاب الله عز وجل سمعه. في بلاد الكفر لا يمكن أن تمر كلمة من هذا القبيل؛ من أجل أن لا تُجرح كرامة المسلمين، وفي ديار المسلمين لا يمكن أن يقول قائلٌ هذا الكلام أيضاً لأنه كلامٌ غريبٌ أرعن لا يرقى إلى مستوى علمٍ ولا منطق ولا فكرٍ بشكل من الأشكال. لكن الأمر حصل وباسم الحوار، باسم الحوار الزائف أُجهض الحوار الحقيقي المقدس.

قلنا وأرسلنا إليهم نقول: الحوار مقدس ادع ملحداً، ولكن حاوروه في الجادة، لتكن الجلسة معقودة من أجل بيان قيمة القرآن، لتكن نقطة الحوار هي حقيقة هذا الدين، حقيقة وجود الله عز وجل ألا وهي الحقيقة الكبرى في الكون، على أن يكون هنالك جامع مشترك قبل ذلك ألا وهو الانطلاق من العلم، الانطلاق من المنطق، الانطلاق من المنهج، أما أن نستنطق الملحد الأرعن بإلحاده ثم لا يناقش إلحاده ونجعل من إلحاده مقياساً للحديث عن فلسطين والحقوق المستلبة فهذه مكيدة صلعاء، مكيدة لا يمكن أن تمر حتى على عقول الأغبياء بشكلٍ من الأشكال أيها الإخوة.

إذاً ينبغي أن نعلم أن كتاب الله سبحانه وتعالى يبعث الفكر الثاقب لدى من كانوا سذجاً وبسطاء فليلجؤا إلى كتاب الله، كتاب الله سبحانه وتعالى فيه الحكمة، فليلجأ كل من ينشد الحكمة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى. كتاب الله عز وجل يكشف عن مكيدة الكائدين مهما تطورت وتعقدت فليلجأ كل من يبحث عن ذلك إلى كتاب الله سبحانه وتعالى.

نحن أيها الإخوة دعاة سلم باسم الإسلام " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً "، ولكننا من أجل أننا دعاة سلم، حراس سلم أيضاً ولا يمكن لحراس السلم أن يحرسوا سلمهم هذا إلا بكل الوسائل التي ينبغي أن يهيؤها ويجندوها.

أجل .. ونحن الذين أكرمنا الله بالصحوة الإسلامية ولكن الصحوة الإسلامية التي كانت تحتاج إلى مرشدين يرشدونها ابتليت بأناسٍ أجهضوا هذه الصحوة باسم الصحوة. إنما يجري اليوم في الجزائر وأشباه الجزائر ثمرةٌ لخطة مرسومة قُرأت وقرأناها وحفظناها في أدراجنا وهي موجودة اليوم واليوم يحارب الحوار الذي طرحناه قبل سنوات، تعالوا إلى الحوار تعالوا إلى الحوار الذي هو وسيلة فتح الإسلام ووسيلة إدخال الهداية في قلوب الناس جميعاً، وإذا بنا نجد من يجهض الحوار باسم الحوار. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي