مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/12/1997

من أسخف السخافات الاحتفال بيوم للإيدز.. لماذا؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

لقد احتفى العالم في الأسبوع الماضي كما تعلمون، بما سماه اليوم العالمي للإيدز، ولتمنيت لو أن العالم احتفى بيومٍ عالميٍ بضرورة الرجوع والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.

كم يروق للنفس وكم ينسجم مع العقل، والعالم يتنبه إلى الرزايا والمصائب التي تحيط به وتطوف من حوله. كم ينسجم مع العقل أن يتنبه العالم إلى يوم عالمي يتداعى فيه ويتواصى أفراده فيه، بضرورة الإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وما لم يتنبه العالم إلى هذا فإن ما يسمى باليوم العالمي للإيدز ونحوه ليس إلا سخافةً من السخافات وعملاً يستثير الضحك بل يستثير الاشمئزاز.

أليس عجيباً أن يحتفل العالم بيومٍ عالمي لسوط من سياط الله سبحانه وتعالى التي يربي بها عباده، ثم لا يتنبه أفراد هذا العالم إلى اليد التي تهوي بهذا الصوت على ظهور الناس!

أليس شيئاً مثيراً للضحك .. وأليس من أسخف السخافات أن نحتفل باليوم العالمي لمعالجة هذا السوط دون أن نتنبه إلى اليد التي تحرك هذا السوط؟

وماذا يصنع العالم بل ماذا صنع عندما احتفل واحتفى من أقصاه إلى أقصاه بيومه العالمي لمعالجة هذا المرض الفتاك ماذا صنع؟

هل تنبه إلى اليد التي تحرك؟

هل تنبه العالم إلى الإله الذي يبتلي ويتوعد ويُنذر؟

هل أخذ العالم عدته للوقاية من هذا البلاء المهلك بالطريقة الفعالة الصحيحة؟

كلكم يعلم أن العالم لا يزال يراوح في مكانه، وأن المتعة التي تسوق أفراد هذا العالم إلا من رحم ربك ما تزال تحركهم وتدفعهم إلى الانتحار، الانتحار السريع أو الانتحار البطيء، لم يتغير من هذا الأمر شيء، ولم يحول العالم وجهته عن هذا الهلاك شروى نقير إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم.

ما هو الإيدز أيها الإخوة؟ وقد سُئلت وأجبت بالأمس، إنه المرض الذي لا يعلم أحد سره، إلا الله سبحانه وتعالى. قالوا: إنه نقص أو فقد المناعة.

قلنا: ما هي المناعة؟ قالوا هي المناعة، ما هي المناعة؟ ومن هو الذي نسج حصن المناعة للإنسان؟ ومن هو الطبيب العبقري الذي اخترع ما يسمى بالمناعة؟

لا أحد يعلم ذلك، لأن المناعة إنما هي الحماية الربانية للإنسان من كل الأخطار الجرثومية والفيروسات وغير ذلك التي تحيط وتطوف به بكل لحظة، لا أحد يعلم حقيقة هذه المناعة، ذلك لأن صاحبها هو الله سبحانه وتعالى. فإذا شاء الله عز وجل أن يبتلي عباده بالضراء بعد السراء وإذا شاء الله عز وجل أن يُنزل مصيبةً ما ماحقة أو غير ماحقةٍ بعباده، سلب منهم هذه النعمة التي أكرمهم بها. فمن ذا الذي بعد ذلك يملك من يعيدها لهم؟ من ذا الذي يستطيع أن يغرس في كيان الإنسان هذا السر الذي لا يعلمه الإنسان؟

سلوا الذين يخترعون المخترعات العجيبة .. سلوا الذين ينصبون السلالم إلى أجواز الفضاء .. سلوا الذين يتباهون بعقولهم الآلية التي يبدعونها وينثرونها وينشرونها .. سلوا سلوا كل هؤلاء المخترعين عن المناعة ما هي وهل لهم أن يوجدوها بأي وسيلة من الوسائل بعد أن يحرم الله سبحانه وتعالى الإنسان من نعمتها؟ سلوهم ..

لن يكون الجواب على مستوى العالم كله إلا العجز والعجز وحده.

فإذا كان الأمر كذلك أيها الإخوة، فما هو معنى احتفال العالم بما يسمى اليوم العالمي للإيدز ما هو معناه؟

ليس له أي معنى إلا أن يرعوي العالم ويستقيم بعد الانحراف، ويستيقظ بعد طول الرقاد، ليس لهذا الاحتفال من معنى إلا أن يتنبه إلى ضرورة الرجوع والإنابة إلى الله الذي حصّن الإنسان في حصن المناعة هذه، ليس لهذا الاحتفال من معنى إلا أن يعود العالم فيما يتساءل:

لماذا ابتلانا الله بهذا من حيث لا نستطيع أن نرفع هذا الابتلاء لا بأجهزةٍ علمية ولا باختراعات ولا بتقنيةٍ ولا بأي وسيلة من الوسائل؟ لماذا ابتلانا الله بهذا الابتلاء؟

والجواب ماثل والجواب واضح: الانحراف عن صراط الله عز وجل .. الانحطاط في طريق الخطيئة .. التحلل والتحرر من الضوابط الإنسانية التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها .. الانحطاط في أودي الإباحية التي لا حد لها.

هذا هو السبب الذي جعل الله عز وجل يبتلي عباده هؤلاء بهذا السوط الغريب في أمره، هذا السوط يتحدى علم العلماء، ويتحدى اختراع المخترعين، ويتحدى عبقرية العباقرة والمبدعين.

إذا أدرك الذين يحتفلون باليوم العالمي للإيدز هذه الحقيقة، ثم تناصح أفراد العالم وتداعوا إلى اليقظة، وإلى الالتزام بأوامر الله والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل فهذا معنىً سليم للاحتفال بيوم الإيدز.

أما والأمر كما تعلمون، مر هذا اليوم والعاكفون عاكفون على إباحيتهم، والمنصرفون إلى أنواع الشذوذات التي تعرفونها منصرفون إلى شذوذهم، والمجاهرون باختراق حدود الله عز وجل لا يزالون يجاهرون .. ليت شعري ما معنى الاحتفال إذاً باليوم العالمي للإيدز!؟

رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر وأنذر - لا أقول في حديث بل في أحاديث كثيرة - شرح فيها بيان الله سبحانه وتعالى. أين هم الذين يقفون في هذا اليوم العالمي ليتبينوا معنى كلام رسول الله وليجعلوا من كلام رسول الله علاجاً لأمراضهم ومرهماً لجراحاتهم. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المهاجرين خصالٌ خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قومٍ فاعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع" أي الأمراض "التي لم تكن في أسلافهم، وما نقصوا المكيال والميزان إلا أخذهم الله بالسنين وشدة المأونة وجور السلطان، وما منعوا زكاة أموالهم إلا حبسوا أو منعوا قطر السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم حتى يأخذ بعض ما بأيدهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله سبحانه وتعالى إلا جعل الله بأسهم بينهم".

هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيح، وأول هذه الخصال هذا البلاء الذي قيل أن العالم يحتفي بيوم عالمي في خلال العام، ولا والله إن الاحتفال فيه لاحتفالٌ سخيف مضحك، إلا تلك البقايا الهامشية التي غدت اليوم جزءاً مما يسمى العالم الثالث، ربما كان فيهم من التفت إلى الله، ومن اتخذ سبيلاً للإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.

ولكن تعالوا فانظروا إلى العالم من مجموعه، أين هم أولئك الذين يتنبهون إلى جذور هذه المصيبة ممن قالوا أنهم يقودون العالم؟ إنهم يقودون العالم إلى الهلاك، إن هؤلاء الذين يتباهون بما يسمى النظام العالمي الجديد إنما يقودون العالم - إن أمكنتهم الفرصة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يمكنهم من ذلك، وهو على ما يشاء قدير نعم - من خلال نظامهم العالمي هذا إلى الهلاك وإلى الدمار. وما مسألة هذا المرض الذي يجتاح العالم إلا ظاهرةً من ظاهرة قيادة هذا العالم للآخرين إلى سبل الغواية والهلاك.

هذه الحقيقة ينبغي أن نعلمها أيها الإخوة.

أما ما ينبغي أن ندركه في حق أنفسنا نحن، نحن الذين نمثل جزءاً من هذا العالم، نحن المسلمين، فينبغي أن ندرك أن العالم الغربي يحقد على المسلمين اليوم حقداً ما حقد عليه مثله من قبل ولن يحقد عليه مثله من بعد أيضاً. لماذا؟.. ما هو مصدر هذا الحقد؟

العالم الغربي بمقدار ما يتباهى ويسكر بقيادته وبقدراته وبقوته وبعلمه واختراعاته وحضارته التي تُدّعى له، بمقدار ما يتباهى بذلك يشعر أنه يسير إلى الهلاك. الغرب يعلم هاتين الحقيقتين يعلم أنه وهو في أعلى قمم القوة والقيادة والحضارة والعلم، يعلم أن الخط البياني لمجتمعه يسير إلى الهاوية. وحسبكم من ذلك عاملان اثنان:

العامل الأول: ذوبان الأسرة ونهايتها وقد أعلن العالم أن الأسرة انمحقت.

العامل الثاني: أن الجيل الصاعد الجديد جيلٌ قد أتلفته المخدرات وأتلفته الأمراض النفسية.

ثم جاء هذا البلاء الآخر ليجتاح، ومن ثم فإن الجيل الجديد الصاعد لن يستطيع أن يرث هذه القيادة التي يقود بقاياها اليوم العالم الغربي.

إذاً العالم الغربي يعلم أنه يهوي إلى الاضمحلال والزوال على الرغم من أنه لا يزال يمسك بقيادة العالم علماً وقوةً وثقافةً وحضارة.

وينظر إلى العالم الإسلامي وإذا هو على العكس تماماً، فالعالم الإسلامي بمقدار ما هو بعيدٌ في العلم وبمقدار ما فقيرٌ في الغنى وبمقدار ما متفرق وبمقدار ما متخلف كما يقولون، الخط البياني في حياته يدل على أنه يسير صعوداً، ذلك لأن الأسرة ما تزال في هذه المجتمعات متماسكة، ووجود الأسرة إنما هو النواة للمجتمع الصالح. وينظرون فيجدون أن هذه المصائب التي تتمثل في المخدرات والتي تتمثل في الأمراض النفسية المختلفة والتي تتمثل في هذا الوباء الذي يجتاح، نجد أن العالم الإسلامي نسبياً في مأمن من ذلك كله.

إذاً العالم الإسلامي صاعد على الرغم من تخلفه، والعالم الغربي هابط على الرغم من سموه علمياً، هذا هو مبعث حقد الغرب على العالم الإسلامي.

الرجال هناك .. والصحفيون والقادة هناك يتهامسون أن عليهم وهم يعانون من هذه الأمراض الفتاكة أن يجعلوا عزائهم أن يجدوا العالم الإسلامي أسرع منهم إلى هذا الفتك، أسرع منهم إلى هذا البلاء، ولذلك فخططهم المكشوفة كانت بالأمس خفية، وهي اليوم مكشوفة ترمي إلى إهلاك الأسرة الإسلامية، ترمي إلى غزو العالم الإسلامي بأسباب الأمراض النفسية المختلفة، ترمي إلى حرب وغزو العالم الإسلامي بفيروس الإيدز علم ذلك من علم وجهل ذلك من جهل.

هذا كله مظهرٌ لحقد الغرب على العالم الإسلامي اليوم، وإذا كان الأمر كذلك وأظن أن ما أعلمه من هذا يعلم حكامنا المسلمون أضعاف ذلك، فما عندهم من علوم ووثائق دالة على هذا أضعاف ما لدي، وإذا كان الأمر كذلك، فما النهج الذي ينبغي أن نسلكه؟ وما السبيل الذي ينبغي أن ننهجه؟ وما الحبل الذي ينبغي أن نتمسك به؟

الغرب يحتفل باليوم العالمي للإيدز وهو يراوح في مكانه، أما نحن فنحتفل لنعود إلى الله، لنتوب إلى الله عز وجل، لنجدد البيعة مع الله قادةً وشعباً وفئاتٍ على اختلافها، أن نعود إلى الله عوداً حميداً، أن نصلح حالنا، وأن نتوب إلى الله عز وجل حتى لا يتمكن الغرب أن يصل إلى نفاثة حقده في حقنا، حتى تبقى أسرنا آمنة، ولن تبقى أسرنا آمنة إلا في حمى الأخلاق، إلا في حمى الفضيلة، إلا في حمى العلاقة الزوجية المقدسة، ولا يمكن للأسرة أن تبقى في مأمنٍ من خطط أعدائنا مشرقين ومغربين اليوم، إلا إذا كانت الأخلاق الإسلامية هي الحمى الأوحد لحماية هذه الأسرة.

ينبغي أن نعلم أن كل السبل التي تودي إلى فتح السبل الخلفية إلى أي متعة ينبغي أن تسد، وينبغي أن ننظر إلى كل الفئات وكل الوسائل وكل الأنشطة التي من شأنها أن تفتح السبل الخلفية فتجعل الغرب يتسرب من هذه السبل الخلفية إلينا؛ لبذر بذور الهلاك فيما بيننا، ينبغي أن تسد هذه السبل الخلفية كلها، ينبغي أن نتعاون جميعاً على كل المستويات لعودٍ حميدٍ إلى الله سبحانه وتعالى، كل الفئات ينبغي أن تنهج هذا النهج.

وما أعتقد إلى أننا جميعاً ندرك هذه الحقيقة، فمن آب إلى الله والتزم هذا النهج فقد برهن على أنه يقف في وجه الغرب ويضع المتاريس الحقيقية في سبيل أن لا يصل الغرب بأحقاده إلينا، ومن أعرض عن هذا وسار ولا يزال يسير في طريق التحلل والإباحية بأي اسم من الأسماء، وتجاهل الخلق والفضيلة، فلنعلم أنه مشترك مع الغرب في الكيد لأمته.

أقول قولي هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء صراطه المستقيم فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي