مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 10/10/1997

لهذا ظهرت المشكلات .. وما أيسر أن تذوب

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

إن المشكلات التي تحيق بالمسلمين اليوم كثيرةٌ ومتنوعة، يعلم ذلك كل مسلم، ولا داعي لأن يحصيها الإنسان ويتحدث عنها الواحدة تلو الأُخرى. إن من أبرز هذه المشكلات:

هذه الفرقة التي حاقت بالأمة الإسلامية الواحدة.

وإن من أبرز هذه المشكلات: هذه الفتن التي استشرت داخل الأمة الإسلامية الواحدة. وقد كان الإسلام ولا يزال خير حصنٍ يقي المسلمين مغبة هذه الفتن.

وإن من أبرز هذه المشكلات: تقاعس المسلمين عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه المحرمات التي نهى الله عز وجل عنها كما قلت لكم في الأسبوع الماضي.

وإن من أبرز هذه المشكلات: انتشار الوسائل والسبل الهدامة للفكر الإسلامي وللمجتمع الإسلامي وللقيم الإسلامية باسم الإسلام وبقناعٍ من الإسلام كما تعرفون وتعلمون ولا داعي إلى أن أفصل.

هذه من أبرز المشكلات التي يذكرها كل منا ومن وراءها ذيول كثيرة من المشكلات التي تتسرب إلى واقع الأمة الإسلامية في هذا العصر.

وكثيرون هم الذين يقومون ويقعدون بالبحث عن أسباب هذه المشكلات أو بالتساؤل عن العلاج الذي يمكن أن يتغلب عليها أو يحلها في حياة المسلمين، ولكن هؤلاء المسلمين الذين يتسائلون ويبحثون وينبشون عن الأسباب والعلاج يرجعون من بحوثهم بدون طائل، حتى غدا تساؤلهم مشكلة أخرى من بين هذه المشكلات، ذلك لأن في المسلمين من يتصور اليوم أن الإسلام لا يقوى على هذه المشكلات ومن ثم فهو عاجز عن إنجاد المسلمين ورفعهم إلى المستوى اللائق بحياة المسلمين.

فما سبب هذه المشكلات وما علاجها أيها الإخوة؟

بكلمة بسيطة جامعة سبب هذه المشكلات اختفاء عنصر الإخلاص لله سبحانه وتعالى في الأفئدة والقلوب، ومن ثم فعلاج هذه المشكلات والسبيل الأوحد للقضاء عليها هو رجوع جذوة الإخلاص إلى الأفئدة وهيمنة سر الإخلاص على قلوب وأفئدة المسلمين.

ومن سوء حظ المسلمين أو لعله من المشكلات أيضاً التي ينبغي أن نتبه إليها في واقع المسلمين أن المسلمين اليوم يستصغرون أموراً هي من الأهمية والخطورة بمكان، ويستعظمون أموراً هي من التفاهة بالواقع بمكان، يحتقرون أموراً كثيرة وهي من أهم الأمور التي نبه إليها كتاب الله عز وجل ونبّه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحتقرون الحديث عن الإخلاص ويعرضون عن هذا الموضوع كلياً وكأن الحديث عن الإخلاص ودواعي الإخلاص والعلاجات التي تحقق الإخلاص في القلوب، كأنها مهمة المتصوفة أو كأنها مهمة الذين أعرضوا عن واجب القيام بالأعمال الإسلامية والوظائف الحركية المختلفة.

أُصغي السمع جيداً إلى الذين يقومون ويقعدون بالبحث عن خلفيات هذه المشكلات وأسبابها، فلا أكاد أسمع من ألسنة هؤلاء الناس كلمة واحدة عن الإخلاص، ولا أكاد أرى أن أياً منهم يتنبه إلى أن هنالك فراغاً في حياة المسلمين وفي أفئدتهم، ألا وهو فراغ هذه الأفئدة عن سر الإخلاص لله سبحانه وتعالى. يفرضون الأسباب المختلفة لهذه المشكلات، ويتكلفون في البحث عن العلاجات المتنوعة لحل هذه المشكلات وهم عن هذا السبب الخطير الهام غافلون ومعرضون، وكأنهم لم يقرأوا كتاب الله سبحانه وتعالى، ولكأنهم لم يقفوا على الأحاديث الكثيرة التي يُهيب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، أن يجعلوا من الإخلاص زادهم في كل معترك زادهم كل ما ادلهم عليهم خطب، لكأنهم لم يقرأوا قول الله عز وجل: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ" لكأنهم لم يقفوا عند هذا القيد الكبير "مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" أو لكأنهم لم يقرأوا قول الله عز وجل: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".

وهذه الجملة تفسيرٌ بيّن وواضح لمعنى الإخلاص، إعراضهم عن هذا العلاج ونسيانهم لهذا الدواء يبرز جوهر هذه المشكلة وسببها، لو كانوا يشعرون بأهمية الإخلاص لوقفوا عند هذا الكلام ووقفوا عند كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً"، ولا أعلم فرقاً بين الإخلاص والصدق وكلٌ منهما يُهيب كتاب الله المسلمين أن يعودوا إليهما ويجعلوا منهما مقياس تحركات المسلمين جميعاً.

الصدق هو الإخلاص والإخلاص هو الصدق: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" أي كونوا في جملة الصادقين، وكونوا مثلهم في الصدق في تعاملكم مع الله سبحانه وتعالى، ومن لم يتفق لسانه مع قلبه فما هو بصادق، ومن ثم فما هو بمخلص لله سبحانه وتعالى.

لو كان المسلمون مخلصين لله، حطموا من طريقهم إلى الله عز وجل نوازع شهواتهم وأهوائهم وحظوظهم وسلكوا إلى الله عز وجل طريقاً صافياً عن الشوائب لما عانى المسلمون من مشكلة هذا التشرذم الذي يعانون منه، وهل وقع بهم هذا التشرذم إلا لأنهم تفرقوا اتباعاً ولحاقاً بحظوظهم، لكلٍ حظ ولكلٍ غاية ولكلٍ سبيل يريد أن يصل إليه، ولمّا تفرقت بهم السبل جعل الله سبحانه وتعالى وحدتهم تشرذماً وتفرقاً.

لو كانوا مخلصين لله لاجتمعت أهدافهم في هدف واحد ومن ثم لاتحدوا.

لو كان الإخلاص لوجه الله عز وجل مهيمناً على أفئدة المسلمين الذين يتحركون على ساحة الإسلام، لو كان الإخلاص لله عز وجل مهيمناً على قلوبهم لما وجدت هذه الفتن، ولما استشرت، ولما دارت رحى المصائب على المسلمين باسم الإسلام، ولما انتهكت حرمات المسلمين باسم الإسلام، ومن ثم لما أُتيح لأعداء الله عز وجل أن يرقصوا رقصة فرح ما مثلها في التاريخ أبداً لما أُتيح لهم ذلك.

لو كان الإخلاص لدين الله موجوداً لما وجد هذا بشكل من الأشكال أيها الإخوة.

لو تحقق الإخلاص لوجه الله سبحانه وتعالى في أعمال العاملين وفي سلوك السالكين وفي أنشطة الحركيين، لو وجد هذا الإخلاص لوجه الله عز وجل في أعمالهم المختلفة إذاً لما تسربت وسائل للتربص بالإسلام وللعدوان على الإسلام باسم الإسلام، لما وجدنا فرصة سانحة لمن يريد أن يتقنع بقناع الإسلام ثم يدخل إلى ساحة الإسلام فيحطم الإسلام من داخلها إطلاقاً.

لو وجد الإخلاص لدين الله سبحانه وتعالى لحميّت الثغور ولسدت المنافذ، ولما استطاع أبداً هؤلاء الذين يتقنعون بقناع الغيرة على دين الله عز وجل أن يحملوا أسلحةً باسم الإسلام ويُحطموا الإسلام، إن باسم القراءة المعاصرة، وإن باسم الدعوة إلى تجديد الإسلام وفقهه، وإن باسم الدعوة إلى نبذ السنة والاكتفاء بكلام الله سبحانه وتعالى. ها هم هؤلاء يسرحون ويمرحون وما أكثر من يؤخذ بكلامهم وما أكثر من يُخدع بحديثهم ما السبب؟

السبب أن الذين يشتغلون للإسلام وأن الذين يتحركون بأنشطة الإسلام ليسوا مخلصين لدين الله سبحانه وتعالى، لكلٍ هدفٌ يبتغيه ولكلٍ غاية يرمي إليها، والإسلام هو المطية الذلول لهؤلاء جميعاً.

لو كان الإخلاص لدين الله عز وجل متوفراً لكانت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى حيّةً نابضة على كل لسان من ألسن هؤلاء المؤمنين المسلمين الذين يتحركون في ساحة العمل الإسلامي، ومن ثم لاتجهت هذه الدعوات إلى الله، ولاتجهت سهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أفئدة سائر الجانحين وسائر الشاردين على اختلاف مستوياتهم من أعلى القمم إلى أدناها، ولدخلت هذه الكلمات في قلوبهم مؤثرة نابضة، ولاهتاجت بين جوانحهم مشاعر الإيمان بالله سبحانه وتعالى.

ولكن لمّا غاض الإخلاص لله سبحانه وتعالى واختفى هذا الإخلاص، وظهر في مكان ذلك الأهداف الأخرى، كلٌ يسعى كما قلت لكم إلى هدفه، ما أكثر الذين يبتغون من وراء الإسلام ومطيته جمع المال وإدخار الكنوز، وهاهم هؤلاء يجمعون ويدخرون، يجمعونها باسم الإسلام، يجمعونها باسم العمل الإسلامي، كثيرون الذين يتخذون من الإسلام مطية ويالها من مطية تُحقق كل غاية؛ يبتغون من وراء هذه المطية زعامة، يبتغون من وراء هذه المطية سيادةً ورئاسة، ويصلون إلى مبتغياتهم أو لا يصلون، وما أكثر وما أكثر الأهداف المختلفة كلها مختفية تحت مظهر الإسلام وتحت الدعوة الحركية إلى دين الله عز وجل.

ومن أخطر الأهداف الأخرى رعونات النفس والشهوة التي تهتاج بالإنسان دافعةً إياه إلى التغلب على الخصوم، وإلى التغلب على الآخرين أياً كان الهدف وأياً كانت الوسيلة.

هذه الغايات لما حلت محل الإخلاص في أفئدة المسلمين ظهرت هذه المشكلات وكم كانت مشكلات بسيطة وما أيسر أن تذهب هذه المشكلات وتذوب في ضرام الصدق مع الله والإخلاص لدين الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة هذه مشكلة المسلمين اليوم لا داعي لأن نوجع رؤوسنا بوضع الفلسفات العميقة التي تستثير جدلاً متطاولاً، لاكتشاف المشكلات وأسبابها ولاكتشاف العلاج الخطير يحتاج إلى عبقرية ما مثلها عبقرية، ينسون الباب الموصد والمفتاح أمامنا موجود، لا يحتاج إلا إلى أن نعرف مكان هذا المفتاح ونحركه، فإذا بالباب قد تفتّح وإذا بالمشكلات قد ذهبت. ننسى البسيط البسيط الذي أمرنا الله عز وجل به ونتلهى بالعمق الذي لا يوصلنا إلى شيء، وهذه هي مشكلة المشكلات أن ننسى المهم الذي أمرنا الله به ونضعه في خانة المحقرات.

ذكر الله عز وجل هل تجدون من يتحدث عن أهمية ذكر الله عز وجل كوسيلة لتطهير القلوب من الرعونات؟ لا تجد من هؤلاء الذين ينشطون للأعمال الحركية المختلفة من يلتفت إلى ما يسمى بذكر الله أو إلى حديث القرآن عن ذكر الله، وكما قلت لكم، لكأن فيهم من يتصور أن هذا شأن العوام من الناس، وأن هذا شأن الذين يتسلون بمجالس الذكر لأنهم بعيدون عن القيام بالوظائف والواجبات ذات الأهمية القصوى، وكلكم يقرأ الآيات الكثيرة والكثيرة التي تُهيب بالمسلمين أن يجعلوا سدى ولحمة حياتهم ذكر الله سبحانه وتعالى.

أمر عظيم وخطير وُضع في زاوية المحقرات: الإخلاص لدين الله قرأت في كثير وكثيراً من المقالات والكتابات التي يتحدث فيها أصحابها عن ما حاق بالمسلمين من مشكلات، وعن الأسباب الكامنة ورائها، ورأيت هؤلاء الكاتبين يبحثون عن الحلول ونظرت إلى كلامٍ يوجع الرأس وأحاديث معقدة، ولكأن الكاتب يريد أن يصور للقارئين مدى ذكائه ومدى عمقه عندما ينخر عباب الأمر ليصل إلى عمق عمقه، وأعود من هذا الذي يوجع الرؤوس بدون طائل، تمنيت لو أني رأيت واحداً من هؤلاء الكاتبين يقول في آخر كلامه أو في لأول كلامه أو بمعرض حديث إننا بعيدون عن الإخلاص لدين الله.

يا هؤلاء الناس ابحثوا عن مكمن الإخلاص لله بين جوانحكم هل تجدونه؟ ابحثوا ونقبوا واجلسوا ساعة قدسية من النقد الذاتي وراقبوا أنفسكم هل تنبض قلوبكم بالحرقة على دين الله ولا شيء غير دين الله وغير رضا الله سبحانه وتعالى أم إن أهدافكم الخفية الخفية في قلوبكم تتجه إلى أماني وأغراض دنيوية متنوعة أخرى.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بفضلٍ منه بنعمة الإخلاص لوجهه وأن يطهر قلوبنا من الأغيار وحب الأغيار.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي