مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 27/06/1997

رسالة الله تعالى إلى المرشدين والمريدين

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله ..

لقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا من رسوله ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة فقال عز وجل: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" هو قدوة هذه الأمة جمعاء، هو قدوةٌ للعلماء والمرشدين وقدوةٌ لسائر الناس من العامة وغير العامة والمتعلمين، فكل من أراد أن يسلك الطريق القويم إلى الله عز وجل لا بد أن يقتدي بسيد الرسل والأنبياء وسيد المرشدين والمربين والموجهين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولو أن المسلمين التزموا أمر الله سبحانه وتعالى فاتخذوا من رسوله قدوةً لهم لما زاغوا يوماً ما عن المحجة، ولما تاهوا عن الطريق قط، ولكن لما زاغت بهم السبل وابتعدوا من عند أنفسهم المناهج المختلفة ابتعدوا عن صراط الله سبحانه وتعالى ووكلهم الله عز وجل إلى أنفسهم.

كثيرون هم الذين يتحدثون في هذا العصر عن المرشد وضرورة المرشد، كي يستطيع الإنسان الشاب الذي اهتدى إلى صراط الله عز وجل أن يتخلص من تيهه وضلاله، وأن يضمن لنفسه سلامة العاجلة والآجلة، ويبحثون عن هؤلاء المرشدين. وأقول لنفسي ولهؤلاء الإخوة: انظروا إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانظروا إلى علاقة أصحابه به فاجعلوا من ذلك نبراسكم وقدوتكم وأساسكم فيما تبحثون عنه.

كيف كانت سيرة أصحاب رسول الله مع رسول الله؟ وما هو السبيل الذين انتشلهم الله عز وجل بها من الغي والجاهلية الجهلاء، ورفعهم بها إلى سدة الهداية والتوفيق؟

السبيل الأول: هو العلم الذي كان الخط الأول المتصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أصحابه جميعاً بهذا الغذاء وبهذه الوسيلة التي ينبوعها كتاب الله سبحانه وتعالى.

ولا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم علّم واحداً من أصحابه فن الاتباع له بالطرق التي نسمعها اليوم.

لا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم لقن واحداً من أصحابه كيفية الذكر، وكيفية تصوره لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذكر، وكيف سلّكه في الطرق التي نسمعها اليوم، وكيف راقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلاواته وجلاواته وشؤونه.

لا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم مارس شيئاً من هذا مع أصحابه، ولكنه كان يعلمهم، وكان يحاورهم، وكان يحاجهم إلى كتاب الله. والدلائل الواضحة في خطاب الله سبحانه وتعالى.

وقد نقول: أفلم يكن الصحابة يتأثرون بالمصطفى صلى الله عليه وسلم من وراء هذا العلم الذي يخاطبهم به؟ أفلم يكونوا ينجذبون إليه بسرٍ آخر أقامه الله سبحانه وتعالى في تبيان رسوله؟

نقول: بلى. كان الرجل إذا دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إليه وكان خالي القلب من الكبر والعصبية والعناد، شعّت الهداية من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه، ولكن هذا لم يكن يُحوج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن يدعي الدعاوي، وأن يُلزم هذا الإنسان وهذا الأعرابي بشيء أو أن يتحدث له عن نفسه وعن مناقبه وعن عظيم صلته بالله عز وجل.

الذي كان يتأثر به أصحاب رسول الله هو حال رسول الله، لا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاوي رسول الله، بل كان واقع المصطفى صلى الله عليه وسلم غارقاً في التذلل والتبتل لله سبحانه وتعالى، وكان لايرى نفسه فوق أي عبدٍ من عباد الله عز وجل، وكان يُجالس المساكين، ويجالس الفقراء، ولم يكن يوجد أو ينسج أمام أبصار الناس من قوله أي هالة أو أي معنى من معاني التبجيل أو التقديس قط.

القداسة تأتي إلى أفئدة أصحاب رسول الله من حال رسول الله، من الواقع الذي أكرم الله عز وجل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فلم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يُدرب أصحابه على أن يركعوا بين يديه، ولا عن أن يجعلوا من نفسه ما يُشبه معبوداً لهم من دون الله سبحانه وتعالى، ولم يكن يأمرهم قط في يوم من الأيام إذا ذكروا الله عز وجل أن يجعلوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسم الذي ينبغي أن يكون موضوعاً نُصب أعينهم أو في قلوبهم إطلاقاً.

كانت هداية أصحاب رسول الله عن طريق العلم، وينبوع العلم هو كتاب الله وسنة رسول الله، ثم إن الصحابة كانوا يتأثرون وكانوا ينجذبون بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مزيدٍ من الهداية وإلى مزيدٍ من الرشد. هكذا كان رسول الله وهكذا كان أصحابه والله يقول: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"

ينبغي على المسلمين جميعاً أن يجعلوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم محجتهم، وأن يجعلوا منه الميزان الذي يلتزمون به في سائر سلوكاتهم وأعمالهم، سواءٌ منهم العلماء والمربون أو الشباب والمتثقفون والمتربون، كلنا ينبغي أن نقتدي برسول الله وأول أن يقتدي برسول الله من يُسمون اليوم بالمرشدين والمربين والموجهين والعلماء، كيف كانت سيرة رسول الله؟ هكذا ينبغي أن نصنع.

ثم إن على الشباب الذين يريدون أن ينهلوا من علوم العلماء، وأن يقفوا في مظلة الإرشاد وأن ينهلوا من إرشاد المرشدين، عليهم أيضاً أن يجعلوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم المرشد الأول لهم، فهل سمعتم أن رسول الله كان يتبجح بالدعاوي؟! وهل سمعتم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان دائماً إذا جلس مفتوناً بمدح نفسه والثناء على ذاته، الذي نعلمه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان يُلح على أن يُدخل في ذهن الصحابة معنى عبوديته لله عز وجل، وصورة تذلله بين يدي الله سبحانه وتعالى، فلماذا نجد كثيراً ممن يتبوأون مركز الإرشاد أو ما يُسمى بالتربية أو التوجيه اليوم، يسلكون طريقاً آخر مخالفاً لطريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، رأيت بالأمس رسول الله حياً يقظة قال: لي كذا وكذا وكذا، وأنا عندما أغيب عنكم وأراقب الله عز وجل أجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي ويوصيني إلى آخره...، ثم يضع الواحد منهم في ذهن مريديه المعنى الأكبر للتقديس الذي ربما لم يبلغوه بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من أين جاء هذا؟ وأي رسولٍ يتبعون في هذا؟ لماذا نسمع في كل يوم تعليماً لأساليب غريبة وعجيبة من ذكر الله سبحانه وتعالى؟ لماذا نسمع من بعض هؤلاء المرشدين من يدعو المريد إذا جلس ليذكر الله أن يضع الشيخ نصب عينيه وأن لا يبدأ بالذكر إلا وشيخه مرسومٌ في قلبه أو بين عينيه من أين جاء هذا؟ ومتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لأصحابه؟

أما الذكر فهو أول مصدر من مصادر الهداية والرشد بعد الإيمان بالله "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ" ولا شك في هذا ولا ريب، ولكن باب الذكر مفتوح بين العبد وربه سبحانه وتعالى، وما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم يوماً قط وهو يشرح هذا الآية وأمثالها: إنكم لن تستطيعوا أن تذكروا الله إلا إذا كنت أنا الباب الذي يوصلكم إلى ذكر الله، ما قال هذا قط.

بل إننا نصغي جيداً إلى تعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو سيد المربين والمرشدين، فلم نسمعه مرة يقول: إنكم لن تصلوا إلى محبة الله إلا إذا أحببتموني أولاً، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولكنه كان يُعلم أصحابه ويعلمنا أيضاً أن إيمان المؤمن لا يكمل إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ينبغي للمؤمن أن يحب الله ويحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لهذا الكلام إلا معنى واحد هو أن حب الله هو المعين والأصل، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجدول والفرع، فلحب ربي الذي هو مولاي وخالقي أحب رسوله الذي أحبه الله سبحانه وتعالى وميزه عن سائر خلائقه، هذه هي الحقيقة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان الصحابة يحبون رسول الله ويقدسونه ونحن نقدسه ونحبه، بل إن حبه لجزءٌ لا يتجزأ من القربى إلى الله ومن الإيمان بالله عز وجل، ولكن أحداً من الصحابة لم يكن يترجم هذا الحب بركوعٍ بين يدي رسول الله، لم يكن يترجم هذا الحب بهذه الظاهرة التي يعبد بها الإنسان ربه سبحانه وتعالى.

كان إذا دخل رسول الله مجلساً جلس حيث انتهى به المجلس وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجلس ليأكل فيقعي ربما ويجلس جلسة المستوفذ أو جلسة الإنسان الذليل وقد صح أن أعرابياً سأله ما هذا الجلسة قال:"إنني عبدٌ جعلني الله سبحانه وتعالى عبداً كريماً ولم يجعلني ملكاً لئيماً" هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بُعد المسلمين اليوم عن هدي رسول الله تتسبب عنه مشكلات كثيرة، ولكن من أخطر المشكلات هذه الحيرة التي يقع فيها كثير من الشباب الذين يبحثون لأنفسهم عن معين الهداية، وعن حصن يقون به أنفسهم من مغبات الضلال، ينظرون يميناً وشمالاً فيجدون من يدعوهم إلى أن يكونوا تلامذة أو مريدين له، فيبحثون عندهم عن سبيل الهداية ويحمدون الله أنهم ربما عثروا على الطريق الذي لابد منه ثم إنهم يخاطبونهم ويأمرونهم بأمورٍ لا عهد لنا بها في دين الله سبحانه وتعالى.

أولاً أيها الإخوة .. هذه القالة التي تطرق أسماعكم جميعاً من لم يكن له شيخٌ فشيخه الشيطان، ليس حديثاً وليس أثراً وليس كلاماً مقدساً قاله أي من الناس الذين يُقدس كلامهم، وما أكثر الذين هداهم الله فكانوا من أحسن الناس ديناً هُدوا إلى الله بدون شيوخ، بل إن شعوباً كثيرة من جنوب شرقي آسيا دخلوا الإسلام وأصبحوا من خيرة الناس وتبوأوا أعلى المراكز قرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وتمسكاً بدين الله دون أن يكون لهم شيوخ، ودون أن يكون لهم مرشدون بشكلٍ من الأشكال.

لكنني أتصور أن هذه القالة تُنشر اليوم لتكون رأس مالٍ لربح، حتى يلتقط هؤلاء الناس من خلال هذه القالة مزيداً من التلامذة والمريدين لهم، ولا بأس على أن يلتزم هؤلاء الشيوخ النهج الذي كان يسير عليه رسول الله، وعلى أن يلتزموا الآداب التي علمنا إياها ربنا "فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ" هذا كلام الله سبحانه وتعالى. كل من أراد أن يتبجح ويُزكي نفسه، فاعلموا أنه خارجٌ عن دائرة الهداية إلى الله سبحانه وتعالى.

إن الإنسان كلما ازداد قرباً من الله كلما ازداد شعوراً بتقصيره في جنب الله، وكلما ازداد بعداً عن الله كلما شعر بأنه مؤدٍ لأوامر الله سبحانه وتعالى، هذا مقياسٌ فاعلموه جميعاً، عندما يرى الإنسان نفسه قريباً من الله عز وجل يشعر بعظيم تقصيره في جنب الله، وهكذا كان يرى رسول الله، كان يرى نفسه مقصراً في جنب الله، ولذلك كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، فإن رأيتم من يتبجح بمدح نفسه والثناء على ذاته، والمنامات التي يرى بها رسول الله، بل الساعات التي يجالس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظةً، ويتبجح بهذا أمام الناس، فاعلموا أنه محجوبٌ عن الله سبحانه وتعالى، لأنه لو كان مقرباً إلى الله لذاب خجلاً من الله سبحانه وتعالى.

انظروا إلى هؤلاء الذين يتبجحون، وفي كل يوم أسمع عنهم أقوال غريبة وعجيبة، انظروا إلى تبجحهم وانظروا في مقابل ذلك إلى واحدٍ من أمثال الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، كان يرى نفسه تراباً تحت أقدام مريديه، كان يرى نفسه لا شيء، وقد رؤي متشبثاً بأستار الكعبة وهو يقول: "اللهم إن كنت لن تغفر لي ذنوبي وتقصيري في جنبك يوم القيامة فاحشرني أعمى، حتى لا أخجل من الناس الذين يُحسنون الظن بي" قارنوا بين ذلك العالم الرباني الجليل والذين يتبجحون اليوم فيقدمون أيديهم قرباناً لتقبيلها وقربى إلى الله سبحانه وتعالى، وينتشون ويطربون بمرأى تلامذتهم ومريدهم وهم رُكع بل يكاد أحدهم يكون ساجداً، وينتشون بالحديث عن رؤيتهم لرسول الله يقظةً لا مناماً، وماذا قال له وماذا أجاب به، وانظروا إلى حال الشيخ عبد القادر الجيلاني.

صح فيما ورد من ترجمة أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه وقدس الله روحه أنه كان إذا ازدحم الناس في مجلسه وأقبل إليه الزائرون من كل حدب وصوب، شعر بالذل وشعر بالضراعة ثم رفع يديه وقال: "اللهم إنك تعلم أنهم يزورونك أنت ولكنهم رأوني عندك" هكذا يكون المرشدون.

والنتيجة التي أريد أن أصل منها وصيةٌ ونصيحةٌ أنصح بها كل شاب يريد أن يهتدي إلى صراط الله، كل من أراد أن يصل إلى الله فليجأر إلى الله بالدعاء الضارع وليسأله أن ييسر له سبيل وصوله إليه، ولسوف يستجيب الله له، وليعلم أن طريقه إلى الله مُيسر ولا داعي إلى أن يتوسط لوصوله إلى الله بمرشدين من هؤلاء الذين سمعت عنهم، والذين ابتعدوا عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعد المشرقين، أما المرشدون الذين هم من أمثال أبي يزيد البسطامي وعبد القادر الجيلاني والجنيد البغدادي فليتني أعثر على واحد من هؤلاء لكي أربط نفسي خادماً لمثل هؤلاء الناس، المرشد الحقيقي هو من يُعيد سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المرشد الحقيقي هو من يتاجر بالإرشاد .

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .

تحميل



تشغيل

صوتي