مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/06/1997

حتى لا تقع في شرك الدجاجلة

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده ، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله.

كثيرون هم الإخوة الذين يسألون في حيرة عن من ينبغي أن يثقوا بهم في حديثهم عن الإسلام وبيانهم لأموره وطرحهم للفتاوى المتعلقة بهم، من هم الذين يؤخذ بكلامهم ومن الذي يُطرح كلامهم ويُرمى به عرض الحائط؟

وأقول لهؤلاء الإخوة ما قاله الإمام مالك: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". هذا هو المقياس الذي يُخرج هؤلاء الإخوة من دائرة الحيرة من هذا الأمر الذي يسألون عنه، ميزانٌ دقيق وقياس واضح، "إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم".

ومعنى هذا الكلام: أنّ عليك أن تنظر إلى هذا الذي يتحدث عن الإسلام أو يكتب فيه أو يصنع الفتاوى تلو الفتاوى بـأموره، انظر إلى واقعه وراقب سلوكه في واقعه المنفرد الشخصي بينه وبين نفسه، فإن رأيت أنه مستقيم على صراط الله سبحانه وتعالى ملتزمٌ بأوامره لا يخرج عن آداب الإسلام ووصايا الله عز وجل وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنّ هذه الإنسان إن تكلم عن الإسلام فإنما يتكلم بإخلاصٍ وصدق، حتى لو أخطأ فخطأه قابل للإصلاح؛ ذلك لأنه إنما يريد معرفة الحقيقة وبيانها للناس، وفي هذه الحالة ما أيسر أن يُصحح خطأه بالنسبة لمن تبين بكلامه الخطأ.

أما إن رأيت هذا الذي يتحدث عن الإسلام أو يكتب فيه، رأيته شارداً في سلوكه عن سَنن الدين، غير ملتزمٍ بأوامر الله سبحانه وتعالى، لا يراقب الله سبحانه وتعالى في معاملاته للناس وفي أموره المالية المختلفة، فكن من كلامه هذا على حذر، وإياك أن تأخذ بشيءٍ مما يقول أو أن تأخذ بشيءٍ مما قد يكتب. هذا معنى قول الإمام مالك إنّ هذا العلم إشارة إلى علم الشريعة "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".

وأنتم تعلمون أيها الإخوة أن الشهادة لا تُقبل أمام القضاء إلا إذا ثبتت عدالة الشاهد، وثبت الدليل على أنه غير ساقط المروءة، وأنه قويم العدالة، وإذا كان الأمر كذلك .. وهذه حقيقة معروفة ينبغي أن لا يجهلها أحد من المسلمين، فإن كلام الذي يتكلم عن الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخطر من شهادة الشاهدين، الشاهد الذي لا تُقبل شهادته إلا إذا ثبتت عدالته إنما يتكلم عن عباد الله ويصف ما يعرفه من أحوالهم، أما الإنسان الذي يتكلم عن الله أو يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الإنسان أخطر في عمله وفي كلامه من ذاك الذي يتكلم أو يتحدث عن عباد الله عز وجل.

الخطأ في كلام الإنسان عن الإنسان أمرٌ يُمكن أن يُقبل، ويمكن أن يُصحح، ولا تكون المصيبة فيه مصيبة كبيرة، أما الإنسان الذي يتكلم عن الله سبحانه وتعالى ثم إنه يخلط الباطل بالحق، ويزج أو يدس الباطل الذي لا علاقة للدين به بدين الله سبحانه وتعالى، فهذا الإنسان أحرى أن لا يُقبل كلامه إلا بعد أن تثبت عدالته.

فإذا أردتم أن تخرجوا من سجن هذه الحيرة أمام الكثرة الكاثرة من هذه الكتابات التي تظهر عن الإسلام، ولم تستطيعوا أن تملكوا من الثقافة الإسلامية المقياس الذي يُبين لكم صدق هذا الكلام أو كذبه، فما عليكم في هذه الحال إلا أن تراقبوا حال هذا الإنسان المتكلم، وبوسعكم أن تعلموا بعد ذلك هل يؤخذ بكلامه أو لا يؤخذ بكلامه.

هذا السؤال المتكرر جداً في هذه الأيام ما ينبغي أن يطرحه إلا إنسانٌ فقيرٌ جداً حتى في معارفه الأولية عن دين الله سبحانه وتعالى، وأنا أضرب لكم مثلاً من أمثلةٍ شتى: الإنسان الذي يجعل من نفسه إماماً في الدين، وعالماً من علماء الإسلام، ثم يقول أو يكتب ما يريد أن يثبت لك من خلاله أن السنة ليست مصدراً من مصادر الإسلام، وإنما القرآن وحده هو المصدر الذي يجب على المسلمين أن يبنوا أحكامهم عليه وأن يستنبطوا مبادئ الدين منه، الإنسان الذي يقول هذا الكلام بوسع كل شخصٍ مثقف بوسع كل إنسان يتمتع بمعرفةٍ سطحية من مبادئ دين الله عز وجل أن يعلم بطلان هذا الكلام، وأن يمر عليه غير عابئٍ به، وأن يُلقي هذا الكلام وراء ظهره؛ ذلك لأن هذا الإنسان يقرأ على أقل تقديرٍ كلام الله سبحانه وتعالى، يقرأ في كل يوم شيئاً من القرآن، فإن كان كذلك فلا بد أن يمر كل يومٍ بالآيات الناطقة ببطلان هذا الكلام وبسخف هذا التصور.

بل لابد أن تقرأ في كتاب الله عز وجل ما يبصرك بأن هذا الإنسان ليس من دين الله في شيء، وإنما هو مدسوس عليك مدسوس ككثيرين من أمثاله على الإسلام والمسلمين، ألا تقرأ فيما تقرأ من كتاب الله عز وجل قوله: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" وفي القرآن الكثير والكثير من مثل هذا الكلام.

وأذكر أن في الناس من كانوا يسألون سؤالاً يتعلق بالعقيدة بل يتعلق بمعنى من معاني التوحيد، يسأل عن واو العطف هذه: كيف جاز أن تأتي واو العطف التي تدل على المعية؛ فتعطف الرسول على الذات العلية على الله سبحانه وتعالى؟ كيف ساغ أن يُقال: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً" كأن الكلام يوحي بأن هنالك شركة في قضاء الأحكام وبناءها في حين أننا نعلم أن الله واحدٌ في ذاته وواحدٌ في حكمه وواحدٌ في صفاته وواحدٌ في أفعاله، فكيف ساغ أن يُعطف اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد على اسم الله سبحانه وتعالى؟

لعل هذا الواقع الذي ترونه اليوم أيها الإخوة يُشكل أدق جواب عن هذا السؤال. علم الله عز وجل أن في المبطلين والدجاجلة من سيأتي فيلبس مسوح الإسلام، ويتزيى بزي المدافعين عن دين الله عز وجل، ويحاول جاهداً على أن يُلبس على عباد الله سبحانه وتعالى ثم يخلط الباطل بالحق، ويحاول أن يستل حقائق الإسلام من داخله، ومن جملة ما يريد أن يفعل أن يفرق بين الله ورسله كما قال الله سبحانه وتعالى، نعم يفعل هذا فكان الرد المحكم من كتاب الله عز وجل على هؤلاء الذين علم الله أنهم سيأتون مع الزمن ليملأوا الأرض بالدجاجلة الذين سيكونون جنوداً للدجال الأعظم الذي أعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، أن ظهروه سيكون علماً من أعلام الساعة ودليلاً من أدلتها الكبرى.

علم الله هذا .. فصاغ هذه الحقيقة بهذا التعبير، قرّب مكانة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذاته العلية تكريماً وتشريفاً لا تشريكاً بشكلٍ من الأشكال أبداً، ومزج القضاء الذي تَنزّل وحياً من عند الله عز وجل بالقضاء الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض، مزج هذا بذاك ليعلن أن القضاء واحد، وأن ما يقضي به رسول الله هو ذاته الذي يقضي به الله، وأن ما يقضي به الله هو ذاته الذي يقضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا المعلن عن حكم الله سبحانه وتعالى وقضاءه.

فهذه الواو الجامعة مزجت القضائين بقضاءٍ واحد لا على وجه التشريك - معاذ الله - ولكن ليبين لنا أن معين القضاء واحد فيما ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما يقوله الله سبحانه وتعالى.

أليس كل مسلمٍ وعى دينه ولو لم يكون مثقفاً يقرأ كتاب الله؟! أفلا يمر على مثل هذه الآية - ومثل هذه الآية في القرآن كثير، فيقف عندها ليتدبرها إذا تدبرها، ثم أصغى إلى كلام هؤلاء الدجاجلة، فإن بوسعه أن يبصق على كلام أولئك الدجاجلة بعقله، وبصاق العقل أفعل بكثيرٍ من بصاق الفم.

فإن لم تستطع أن تستبين حقائق كلام الله عز وجل، وإن كنت ممن يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى هكذا سرداً دون تدبرٍ في معانيه، ثم أعوزك أن تعلم هوية هؤلاء الذين يدجلون ويقولون، فبوسعك أن تنظر إلى حال هؤلاء الناس.

وانظروا أيها الإخوة إلى هؤلاء الذين يكتبون في مثل هذا الموضوع وأمثاله، تأملوا في واقعهم فلسوف تخرجون من الحيرة، لن تجدوا أن فيهم من يتجه إلى القبلة ليؤدي صلاة فريضة وإن فعل ذلك في وقتٍ من الأوقات فإنما يفعل ذلك خروجاً من مراقبة من يشعر أنهم يراقبونه، فإذا عاد إلى شأنه وعادته تحرر من هذا الذي لا شأن له به. إذا أردتم أن تعرفوا قيمة هذا الكلام فانظروا إلى واقع هؤلاء الناس وانظروا كم هم مغموسون في المعاصي والمُحرّمات، فهل هنالك حاجة إلى أن تعلموا قيمة كلامٍ في شرع الله وفي دينه يقوله إنسانٌ لا يقيم وزناً لأوامر الله وواجباته وعباداته التي أمر الله عباده بها؟!

هذا معنى كلام الإمام مالك الذي ذكره في عصره منبهاً وينبغي أن نتعامل به في هذا العصر علاجاً.

أيها الإخوة نحن اليوم نعيش العصر الذي تتجه فيه سهام الهجوم والنقد والتمزيق إلى دين الله من كل جهة من سائر الأطراف، وأسوء وأخطر هذه الأطراف تلك الأطراف الداخلية التي تستقدم هذه السهام مصنعة هناك ثم إن هؤلاء الناس الدجاجلة العملاء يريشون سهامهم هنا، ويوجهونها إلى كبد الإسلام أيضاً هنا، فئةٌ لم تر عيني أحط منها عمالةً، لم تر عيني أحط منها استخذاءً وعبوديةً لأولئك الذين يُعادون دين الله ويُعادون هذه الأمة من عباد الله سبحانه وتعالى.

فإياكم أن تقعوا في شرك هؤلاء الناس، وإياكم أن تقعوا قبل ذلك في الحيرة؛ هذه الحيرة التي طالما يكرر ويسأل عنها كثيرٌ من الناس، ثم إن كل مسلم ينبغي أن يعلم أن الحصن الأول والأخير الذي يقي دينه ويقي كيانه الإيماني من هذه السهام المتنوعة الكثيرة شيءٌ واحد: هو الوعي الذي ينبغي أن يتحلى به كل إنسان بدين الله، المسلم التقليدي الذي وضع هوية الإسلام في جيبه ثم إنه سار يَخُب في المجتمع وهو لا يعلم ما هو الإسلام، ما أسرع أن تقتنصه أقوال هذه الدجاجلة بل إنه لا يُعد في ميزان الله عز وجل من المسلمين السائرين على صراط الله سبحانه وتعالى، على هؤلاء الناس بل على كل مسلمٍ أن يتمتع بالوعي، بالثقافة الراشدة يأخذها من مصادر هذا الدين التي أجمع الأجيال التي مضت كلها على أنها مصادر سليمة، نقية من الدس، نقية من الشوائب. فإذا تمتع المسلم بهذا الوعي فلا يمكن لهذه السهام أن تخترق كيانه وأن تخترق عقيدته بشكلٍ من الأشكال.

أقول قولي هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي أمتنا ويحمي ديننا من الكائدين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .

تحميل



تشغيل

صوتي