مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 25/10/1996

الإسلام الحقيقي لا يقهر

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

في كتاب الله سبحانه وتعالى آيتان فيهما عزاءٌ لكل حزينٍ ومتألمٍ مما يرى من واقع المسلمين من حوله اليوم، وفيهما تصحيحٌ للخطأ الذي يحمله على تصور أن الإسلام مغلوب اليوم على أمره ومقهورٌ عن أداء رسالته. هاتان الآيتان هما قول الله سبحانه وتعالى: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". هاتان الآيتان فيهما عزاءٌ لكل حزينٍ ومتألم ٍ لواقع المسلمين اليوم، وفيهما تصحيحٌ لوهم من يتصور أن الإسلام مقهورٌ ومغلوبٌ على أمره.

والواقع التاريخي البعيد والقريب يشهدُ لهذا الكلام الرّباني العظيم والمبين. فلو أننا تصورنا الصراع التاريخي الطويل بين الحق والباطل المتمثل في الصراع بين الإسلام الذي ابتعث الله به رسله وأنبيائه والباطل الذي تخترعه وتبتدعه شياطين الإنس والجن، لرأينا أنّ للباطل جولة ولكن هذه الجولة ما تلبث أن تنطفئ وأن ترجع وتذوب.

إننا لنذكر أشخاصاً قاموا في يومٍ من الأيام بأعمالٍ وجهودٍ كبيرة يُشككون من خلالها بقرآنية القرآن، وبكونه كلاماً مُنزلاً من رب العالمين، ونظرنا فوجدنا أن جهودهم مدعومة بقوى العالم الخارجي، ومدعومة بالأموال الكثيرة والوفيرة، ومدعومةٌ بوسائل الإعلام الغزيرة، ولقد كان في الناس من يتصور أنّ هذه الهجمة على كتاب الله سبحانه وتعالى ستخنقه ولسوف تحجز الناس والمسلمين عن معرفته والإيمان به بعد اليوم. ولكنا نظرنا فوجدنا أنّ هذه الهجمة قد انحسرت، ونظرنا وإذا بهذا الهياج قد ذاب، وبهذه الأمواج المتلاطمة قد همدت واختفت، وتألقت العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين وازدادوا إيماناً بكتاب الله عز وجل بل ازداد المؤمنون بهدي الله سبحانه وتعالى وكتابه.

ونظرنا في التاريخ القريب والبعيد ورأينا من يُشكك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورأينا كيف تُجند لهذا التشكيك الأموال الكثيرة والجهود الوفيرة ونظرنا فوجدنا بأعيننا الدعم الخارجي الآتي من جهاتٍ لا نشك في قوتها ولا نرتاب في أهميتها، فإلام آل هذا العمل كله؟ إلام آلت هذه الجهود المدعومة بالمال الوفير والمكلوءة بحماية الأعداء من شياطين الإنس والجن؟ ذابت هذه الجهود وتبددت وذهبت أدراج الرياح واستقرت الحقيقة وازداد المؤمنون إيماناً بسنة رسول الله، وازدادوا ارتباطاً بسيرته، وازدادوا سيراً على نهجه.

وتأملنا أيضاً في الماضي فرأينا من يُلِّح ويُلحف على تصوير حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان مجرد مصلحٍ اجتماعي، وأنه كان بعيداً عن الغيبيات المتمثلة في الوحي والنبوة والمعجزات والخوارق ونحوها. ونظرنا فوجدنا كيف أن هذه الدعوة كانت مدعومةً بالمال الوفير ومدعومةً بالقوى المتضافرة الكثيرة ومدعومة بوسائل الإعلام المختلفة الكثيرة وربما كان في الناس من يتصورون أنّ هذا العمل غطى أو كاد أن يُغطي على الحقيقة وأن المسلمين أو أن الجيل الصاعد الجديد سينشأ بعيداً عن معرفة هوية محمد صلى الله عليه وسلم بسبب شدة وكثافة هذا الغبار الذي أُثير أمام العقول والبصائر والأبصار.

ونظرنا وإذا بهذا الغبار ينجلي وإذا بشمس هذه الحقيقة - لا أقول تطلع من جديد بل هي طالعة ولكنّ أشعتها بددت ذلك الغبار، وأتلفت ذراته وقضت على كل تلك السحب الداكنة التي اجتمعت عليها قوى الشرق والغرب واجتمعت من أجلها وفي سبيل الرصد لها الأموال الكثيرة الطائلة.

وهنالك أمثلة كثيرة جداً أيها الأخوة كل ذلك يجسد ويؤكد معنى قول الله سبحانه وتعالى: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"

هذه الحقيقة يجسدها هذا الواقع المرئي الذي بوسعنا جميعاً أن نتبينه، نعم هنالك أموالٌ كثيرة - ربما لا تأكلها النيران كما يقولون - تجند كلها في سبيل الكيد لدين الله عز وجل، وترسل هذه الأموال لا بالملايين بل بالمليارات لتُعطى بدون حساب لكل من يعلن أنه مستعدٌ لتحطيم دين الله سبحانه وتعالى. ومع ذلك فلن يَصدُق على هذه الجهود إلا قول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" هذا قرار الله .. ولولا أن الزمن يُصدق هذا القرار لكان لبعض الناس أن يرتابوا ويتشككوا فيه، ولكن العصر والزمن بل الأحقاب كلها تؤكد هذه الحقيقة الربانية.

ولكن عندما نجد أن المسلمين في بعض الظروف والأحوال يُغلبون ويقهرون، وأن الدائرة تدور عليه فليس معنى ذلك أن الإسلام هو الذي قُهر، وليس معنى ذلك أن الإسلام هو الذي غُلب على أمره. تلك خطيئة يقع فيها كثير من الناس كلما رأوا المسلمين ظنوا أنهم يُجسدون الإسلام، وظنوا أن هنالك تلازماً بين واقع المسلمين أياً كانت أحوالهم وبين الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

عندما تجد أنّ قهراً قد دارت رحاه وأن الغلبة قد تحققت فعلاً لأولئك الأوغاد من أعداء دين الله عز وجل فإن الغلبة لا تنحط على الإسلام وإنما تنحط على المسلمين، وتنحط على أيٍ من المسلمين، هل انحطت الغلبة في يومٍ ما على المسلمين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه؟ ما عاذ الله.

هل انحطت الغلبة في يومٍ ما على المسلمين الذين ضحوا بأموالهم وتجاراتهم في سبيل مرضاة ربهم؟ ما عاذ الله، ما حصل هذا.

هل انحطت الغلبة في يومٍ ما على المسلمين الذي يراقبون بدقة سيرهم على صراط الله وتمسكهم بهدي رسول الله فإذا اشتطت بهم السبل أو انحرفوا عادوا سريعاً إلى الجادة مؤمنين تائبين آيبين؟ ما عاذ الله.

عندما تدور رحى الغلبة على المسلمين إنما تدور على أولئك المسلمين الذي ضحوا بأوامر الله في سبيل دنياهم، والذين تناسوا عهدهم مع الله في سبيل تجاراتهم، والذين تناسوا السير على صراط الله في سبيل اتباع السبل المتعرجة من هنا وهناك؛ عندئذٍ يسلط الله سبحانه وتعالى عليهم أولئك الأعداء. عندئذٍ ربما تتبدد منهم القوى ويقلب الله سبحانه وتعالى عزهم إلى ذل، ولكن إياكم أن تتصوروا أن هذا يساوي أن الإسلام هو الذي قُهر، وأن الإسلام هو الذي غُلب على أمره. متى كنا نحن بهذا الواقع المزري مظهراً لحقيقة الإسلام؟ ينبغي أن نتبين هذه الحقيقة جيداً، عندما نكون نحن المسلمين مظهراً لقول الله سبحانه وتعالى: "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ" عندما نكون نحن المسلمين مظهراً لهذا الوصف الرباني للمسلمين، كونوا على يقين أن أحداً لن يستطيع أن يتغلب علينا، وأن قوى الشر مهما كانت مدعومة بالمال، ومهما كانت مدعومة بالسلاح ومهما كانت من الكثرة يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً، فإن الله سبحانه وتعالى سيحمي عباده الصالحين، ولسوف يجعل الغلبة لهم، ولكن أرني من انطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ"

عندما يؤول حال المسلمين إلى هذه الصفات التي وصفهم بها ربنا سبحانه وتعالى، أريك كيف يكون نصر الله سبحانه وتعالى للمسلمين؛ ذلك لأن الإسلام عندئذٍ يتجسد فيهم ولما كان الإسلام دائماً هو المنتصر فكان لابد لهؤلاء المسلمين أن ينتصروا عندما أصبحوا أوعيةً أمينةً لهذا الدين الإسلامي. ولكني أنظر وأنتم تنظرون تجدون غثاءً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كغثاء السيل.

مسلمون وإذا رأينا سبيلاً تلتمع أمامنا فيه ضمانة لتجاراتنا وأموالنا وشؤوننا الدنيوية (نقص من أصل التسجيل) وربما بررنا لكي نحظى بالخيرين معاً في وقتٍ واحد، لكي نعانق دنيانا وشهواتنا وأهوائنا ولكي نظل أيضاً متوجين بالظاهر بإسلامنا الذي أعز آبائنا وأجدادنا في يوم من الأيام. هذا هو واقعنا أيها الإخوة.

عندما ننظر إلى الآباء الذين وكل الله إليهم تربية أولادهم تربية بناتهم، وننظر فنجد أن الله زجهم في امتحان بسيط، إما أن يفضل الآباء أوامر الله سبحانه وتعالى تجاه بناتهم وأولادهم ويخسروا - بالوهم لا بالحقيقة - مستقبلاً من المستقبلات الدنيوية، وإما أن يضمنوا لأنفسهم هذا المستقبل الموهوم ويعرضوا عن أوامر الله في تربيتهم لأولادهم وبناتهم، يضعهم الله أمام هذا الامتحان اليسير والبسيط فماذا نجد؟ نجد أنهم طووا دين الله سبحانه وتعالى وتناسوا أوامره ونسوا قوله أو تناسوا "فابتغوا عند الله الرزق"، "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى". ونسوا قول الله سبحانه وتعالى: "قووا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ننسى أو نتناسى كل هذا ونتمسك بالضمانة للمستقبل الموهوم، نعرض عن أوامر الله التي وكلها إلينا وعلقها في أعناقنا اتجاه التربية الواجبة لبناتنا سلوكاً وحشمةً في كل المستويات وعلى كل الأصعدة.

لو أننا أمام هذه التجربة وأمام هذا الامتحان الصغير ركلنا بقدمنا هذا المستقبل الموهوم وتمسكنا بالمستقبل الذي ضمنه الله لنا عندما قال "فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ" "إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" "لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا" عندما أتمسك بضمانة الله وألقي جانباً ضمانة العبد وضمانة الدنيا، انظروا كيف يُبعد الله سبحانه وتعالى آنذاك عنا أشباح المتغلبين، وأوهام المسيطرين وكيف أن الغلبة تكون لعباده المسلمين.

أيها الإخوة وهمٌ كبير يقع فيه كثير من المسلمين وربما جرهم إلى بعضٍ من الريب في عدالة الله ووعده، وذلك عندما يتصورون أن المسلمين يساوون الإسلام، وأن الإسلام يساوي هؤلاء المسلمين. هذا خطأ كبير.

الإسلام الحقيقي لا يقهر .. يظل عزيزاً حتى في عقر دور الكفر، يظل ممنعاً حتى بين تلك الأمم والدول التي تصطنع الخطط ليل نهار للمكر بدين الله سبحانه وتعالى. فكيف لا يكون الإسلام عزيزاً في دار الإسلام؟! أما المسلمون فشيءٌ آخر. عندما يتناسى المسلمون أوامر الله وعندما يعرضون عن اللباب وإنما يتجملون منه بالقشور فقط، من أجل أن يحتفظوا لأنفسهم بنسبة تعزهم إلى الإسلام وإلى التراث وإلى ما كان عليه الآباء والأجداد، فإن المسلمين قد ينالوا من الذل ما لا يمكن أن تتصوروه لأنهم مسلمون في الظاهر ولكنهم ليسوا مسلمين على الحقيقة وبالنهج الذي أمر الله سبحانه وتعالى به. أقول قولي هذا وأسأل الله أن يجعلنا من المسلمين الصادقين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي