مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 26/04/1996

الرجوع إلى الله في هذا العشر ضرورة حتمية

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله ...

إنكم لتعلمون أنكم تمرون بخواتيم هذا العشر المبارك، هذه الأيام التي أقسم الله سبحانه وتعالى بمحكم تبيانه، وهي العشر الأول من شهر ذي الحجة، وهي الأيام والليالي التي قال الله عز وجل فيهن:

(وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ)

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه الأيام" أي في هذه الأيام العشرة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله. قال: "ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يعد من ذلك بشيء".

أما يوم عرفة وهو تاسع هذه الأيام فقد ميز الله سبحانه وتعالى الحديث عنها فضلاً عن عموم الكلام الذي يسري على هذا اليوم أيضاً، باستحباب صومه. وقد روى مسلم وغيره من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن صوم يوم عرفة فقال: (هو كفارة عن سنة مضت وسنة آتية) وقد ورد هذا الحديث بألفاظٍ متقاربة بطرقٍ كثيرةٍ شتى؛ يؤكد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صوم يوم عرفة إذا كان احتساباً لله سبحانه وتعالى يكون كفارة لذنوب السنة الماضية وكفارة للذنوب التي قد ينزلق إليها الإنسان في السنة الآتية.

وخلاصة ما ينبغي أن نعلم أننا نمر بأيامٍ متميزة خاصة من أيام العام، ويأتي بعد ذلك عيد الأضحى وأيام التشريق، وهي كلها أوعية جعلها الله سبحانه وتعالى بين يدي الإنسان ليملأها بالقربات وليملأها بالطاعات والعبادات، ومن ثم فإن الإنسان بوسعه أن يتدارك ما فاته من الحج إلى بيت الله الحرام أينما كان مقامه، بوسعه أن ينال المثوبة ذاتها إن هو انتهز هذه الفرصة التي نبهنا إليها كتاب الله سبحانه وتعالى وأرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان استعمال هذا الوقت أو هذه الأزمان المباركة في المثوبة يُضاعف من الأجر ويُضاعف من المثوبة، فإن استعمال هذه الأوقات في نقيض ذلك من المعاصي والمحرمات يحقق عكس ذلك تماماً، فكما أن الإنسان يتضاعف قربه من الله سبحانه وتعالى بالخطى التي يخطوها إلى الله بطاعاته وعباداته، فإن المعاصي التي يرتكبها تُضاعف من بعده عن الله سبحانه وتعالى أيضاً في هذه الأيام.

هذا بالإضافة إلى شيءٍ آخر أيها الإخوة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (عبادةٌ في الهرج كهجرة إليّ) والهرج كما قال علماء الحديث وشُرّاحه: هو الفتن والقتال، يقول عليه الصلاة والسلام: إقبال الإنسان إلى الله عز وجل بالطاعة والتبتل والعبادة والدعاء والتضرع أيام الفتن وأيام الاقتتال أشبه ما يكون في درجة ذلك كهجرة أحدكم إلي.

وإنكم لتعلمون مثوبة الهجرة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أننا جميعاً نعلم أننا نمر بأسوأ ساعات الهرج والمرج، فالفتن مُدلَهِمّة، وقتال العدو الشرس للمظلومين البرئآء مستمر، فإذا لاحظنا هذا المعنى الثاني بالإضافة إلى قيمة هذا الوقت الذي نبهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نُدرك أنه ينبغي حتى على المُستغرق في لهوه وعلى المستغرق في فسوقه وعصيانه، ينبغي أن يجد من الحوافز ما يدعوه إلى الإقبال إلى الله عز وجل والإقلاع عن لهوه وعصيانه ومجونه وفسقه؛ ذلك لأنه إن لم يندفع إلى ذلك بسائق من فضيلة هذه الساعات، اندفع إلى ذلك بسائقٍ من هذا الكلام الذي يقوله المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وإذا رأى الإنسان في خِضم الفتن، وإذا رأى أن أعداءه يُحيطون به من كل جانب، وإذا رأى المكائد تحوك ضد المسلمين، وإذا رأى أن البرئآء والآمنين والآمنات من الكبار والصغار يُشردون عن بيوتهم فلم يدفعه ذلك إلى الرجوع إلى الله وإلى التبتل بين يدي الله عز وجل. فما أحسب أن هذا الإنسان سيجد بعد ذلك فرصة أخرى للإقبال على الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة زبدة هذا الكلام الذي أقوله لكم، أن علينا أن نتواصى جميعاً بل على كلٍ منكم أن يكون لساناً ناطقاً ونبراساً منيراً بين إخوانه وأصدقائه، في السوق الذي يكون فيه، بين زملائه وإخوانه الذين يجالسهم، ينبغي أن يكون لساناً ناطقاً منبهاً إلى هذه الحقيقة التي نقولها. ينبغي أن يُقلع أصحاب اللهو عن لهوهم، ينبغي أن يُقلع الدعاة إلى الإباحية عن دعوتهم هذه، وينبغي أن يجأر الكل بتبتل ضارع إلى الله عز وجل لينالوا نصيباً من قوله عليه الصلاة والسلام: (عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إلي).

ومع ذلك وعلى الرغم من هذه الوصية التي ينبغي أن نتواصى بها جميعاً، فالخطر الأكبر أيها الإخوة لا يتبدى من مظهر عدوٍ شرس يُصر على القتال، ويُصر على أن يمارس الإرهاب بأحط صوره الشخصية والشكلية والوحشية التي ما مثلها، ولكن الخطورة تتمثل فيما يجرنا إلى هذا الوضع أو فيما يجر العدو إلى ذلك، الخطورة كل الخطورة تكمن في أننا ننظر في هذه الساعات ذاتها فنجد من يظل عاكفاً على لهوه وعصيانه، نجد من يُتاجر بالإباحية كسبيلٍ يجمع من وراءها المال، البرئآء الآمنون يُشردون ويُقَتلون وبيوتهم لا أقول تحُتل بل تُنسف، وبيننا من يلهث وراء التجارة، وليت أنها كانت تجارة عن طريق مشروع وإنساني سامٍ، تجارة رخيصة تجارة دنيئة عن طريق ترويج أسباب الإباحية بأسوأ صورها وأشكالها، لو أن الإنسان استمرأ هذه الحال في ساعات الرخاء لقلنا أنها مظهر من مظاهر الضعف الإنساني، أما أن يستمرأ الإنسان هذه الحالة، وهذه الشدائد تطوف بنا، وهذه الفتن تدور رحاها علينا، وهذا الهرج والمرج كما تسمعون بل كما ترون، أن نجد أناساً في هذه الحالة يلهثون ويسيل منهم اللعاب في سبيل جمع المال عن طريق التجارة بالإباحية وبالتحلل من المبادئ والقيم، هذا هو الخطر الأشد، وهذا هو الذي يُطمع العدو فينا، وهذا هو الذي يفتح السبل ما بيننا وبينه أيها الإخوة. هذا الكلام لا يمكن أن يجهله عاقلٌ بشكلٍ من الأشكال.

قيل لي: وكدت أن لا أصدق - في هذه الأيام والعواطف مشدودة إلى حال إخوان لنا قريباً منا كما تعلمون والعقول كلها تُفكر وتقدر وتتسائل عن سببيل الفرج في هذه الحال، يُقال لي: "إن هنالك من ينثر وينشر بطاقات يدعو الشباب فيها مجاناً إلى جلساتٍ وحفلاتٍ مليئة بالفجور، مليئة بالخنى، مليئة بالميوعة وأسبابها، دعوةٌ إلى حفلات مجانية"، ولعلكم تعلمون نماذج منها تُنثر وتُنشر بطاقاتها في الصيف، لكن اليوم لا في الصيف بل في هذه الأيام، ولعل المناسبة أن عدواً يحاول أن يفتك بهذه الأمة ماضٍ في نسف البيوت وفي تشريد الأُسر، لعل هذه هي المناسبة أيها الإخوة. هؤلاء من أبناء جلدتنا بحسب الظاهر؛ يدعون شبابنا ذكوراً وإناثاً إلى هذه الحفلات تتويج ملكة الجمال، مسابقة أجمل رقصة، إلى آخر الكلمات التي تعرفون والتي لا أريد أن أدنس هذا المكان المقدس بعباراتها.

إنني لأتساءل: ما هي قيمة الوطنية أو ما هو نصيب الوطنية إن كانوا يتعاملون بالوطنية أو بالقومية؟! إن كانوا يتعاملون بالقومية، أو الشرف إن كانوا يشعرون بشيء من الشرف، أو الدين إن كان لديهم شيءٌ من الدين واحترامه، ما نصيب هؤلاء من هذا كله. بل كيف يستقيم أن يتصور كل منا هذه الصور التي تقشعر لها القلوب، وكلكم رأى صوراً منها في الأجهزة الإعلامية المرئية؟

كيف يتسنى؟ بل كيف يكون هذا الإنسان إنساناً؟ وكيف يكون هذا الإنسان متفاعلاً مع بلده ووطنه وأمته، ثم يكون همه الأوحد أن يقتنص المال عن طريق ترويج الخنى، عن طريق ترويج الإباحية وأسبابها في هذه الأيام بالذات أيها الإخوة؟!. كيف يمكن لإنسان يتفاعل شعورياً أو عاطفياً أو إنسانياً مع الساعات التي يمضيها رئيس هذه الدولة منذ أيام ليل ونهار، لا يهدأ ولا يستريح في سبيل صد العدوان، وفي سبيل درء الأخطار، وفي سبيل المحافظة على عزة هذه البلدة وهذه الدولة وهذه الأمة، وإن اقتضى ذلك أن لا يستقبل أكبر مسؤول لأكبر دولة ؟ كيف يمكن أن أتفاعل عاطفياً مع إنسانٍ يمضي وقته كله في سبيل حل هذه المعضلة إذا كنت أستغل هذه الفرصة من أجل أن أدعو الناس إلى حفلات ماجنة، إلى حفلات داعرة من أجل أن آخذ المال، ومن أجل أن لعابي يسيل على أموالٍ محرمة أملأ بها جيبي. هل يمكن أن تتصوروا الصَغار أيها الإخوة والذل في أسوء وأحط من هذا المظهر.

إسرائيل أيها الإخوة عندما تدعو إلى ما يسمى بالسلم ما هو أملها من وراء ذلك؟ أملها وكما أعلنت وكم كررت - أملها ما يسمى بالتطبيع، وما هو أملها من وراء التطبيع؟ أملها أن تمتص الثروات الإقتصادية لهذه البلدة وأن تنفث في مقابل ذلك روح الإباحية فيها، هذا هو شهيقها وذلك هو زفيرها، تشهق لامتصاص الثروات الإقتصادية التي متعنا الله عز وجل إياها. وتزفر ببث أسباب الإباحية لدينا، انظروا إلى النموذج الذي يُجسد هذا كله لدى جيران لنا، انظروا إلى الملاهي التي تفتحت، انظروا إلى الدور التي وجدت ولم تكون موجودةً من قبل، انظروا إلى الخطط الإباحية التي تُطبق تحت مظلة السلم بل تحت مظلة التطبيع، هذا هو الدافع لإسرائيل ما يسمى بسلمها الذي تحلم به وهذا هو المعنى الوحيد للتطبيع الذي تنادي به، وإذا كنا نجد من أبناء جلدتنا اليوم من يفعلون هذا، فإن إسرائيل لا شك أنها تصفق، لأن الله قد أرسل إليها خدماً يحققون آمالها بدون قيمة، يحققون رغائبها بدون كلفة، أجل هذا هو الهدف أيها الإخوة.

وصيتي التي لابد أن أقولها لكم ونحن جميعاً لا نملك أمام هذا الهرج وهذه الفتن الحمراء إلا الدعاء ولا نملك إلا التضرع والإقبال على الله عز وجل. وصيتي أيها الإخوة أولاً أن نقبل إلى الله سبحانه وتعالى فنتبتل وندعو ونتضرع حتى يصيبنا نصيبٌ من قوله عليه الصلاة والسلام (عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إلي).

ووصيتي الثانية : إذا رأيتم هؤلاء الصعاليك، إذا رأيتم هؤلاء الذين يروجون في هذه الأيام لما تخطط له إسرائيل من وراء التطبيع أن تحطموا وسائلهم بكل ما تملكون، نحن لا نستطيع في هذا الجو اللاهب أن نفعل شيئاً مادياً، من وراء الدعاء ولا نستطيع أن ندعم موقف رئيس هذه الدولة الذي كان ولا يزال يصنع بمواقفه العزة لهذه الأمة، لا نملك أن ندعم مواقفه إلا بهذا السبيل، فكونوا حُرّاساً أيها الإخوة للقيم في بلدتكم، كونوا حُرّاساً للأخلاق على أرضكم. إياكم وهؤلاء الناس.

قد تجدون صوراً تنطق بألفاظ العربية وقد تجدون مظاهر تنتمي إلى وطن عربي وإسلامي، ولكن احذروا فما أكثر ما تستقطب هذه الصور خدماً لإسرائيل.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي